الخميس، 3 مارس 2022

تركيا والمسكوت عنه في حرب أوكرانيا


تركيا والمسكوت عنه في حرب أوكرانيا
 

 . حسن الرشيدي

 

وتشتبك خيوط المصالح والصراع بين الدولتين لتمتد من جنوب القوقاز في أذربيجان، مرورا بشرق المتوسط على حدود تركيا الجنوبية في سوريا، وانتهاء بجنوب المتوسط حيث تتواجد القوتان في ليبيا وبينهما خط هدنة متوتر.


من الملاحظ أنه منذ بداية الأزمة في أوكرانيا حين لاحت نذر الحرب منذ أواخر العام الماضي، والحكومة التركية تتخذ موقفا يمكن وصفه بأنه مزدوج أو متناقض.

فمن ناحية تبدي ظاهريا الحياد بين روسيا وأوكرانيا وتدعو الى تجنيب المنطقة الحرب مع اعترافها بسيادة أوكرانيا على جميع حدودها، ولكنها من جانب آخر تزود أوكرانيا بالسلاح وخاصة بالطائرات المسيرة والتي تتفوق تركيا في تصنيعها.

وتجلى الموقف التركي في الزيارة التي قام بها أردوغان إلى عاصمة أوكرانيا كييف، يوم الثالث من فبراير أي قبل اندلاع القتال الأخير بعدة أيام. حيث التقى نظيره الأوكراني زيلينسكي، وبحث معه التوتر بين أوكرانيا وروسيا. 

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأوكراني، أكد أردوغان استمرار دعم تركيا لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014. 

وأعلن استعداد تركيا للقيام بما يلزم من أجل إنهاء الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، مجددا مبادرته لعقد لقاء قمة بين رئيسي روسيا وأوكرانيا أو محادثات على المستوى الفني في أنقرة، لتجاوز الأزمة الراهنة بين البلدين.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا ندرت التصريحات الرسمية التركية، وما صدر من هذه التصريحات كان هادئا ويدعو الى وقف الحرب بين الدولتين والاحتكام الى لغة الدبلوماسية، ثم انتقل موقفها بتقديم تركيا نفسها كوسيط بين الدولتين لوقف الحرب، وهذا يدفع المرء الى التساؤل:

ما حقيقة الموقف التركي من الحرب الدائرة في أوكرانيا؟

هل موقفها يتسم بالفعل الحياد كما تدعي؟ أم أنها تميل الى أحد الأطراف؟

لماذا التضارب حول موقفها من مضيق البوسفور الذي تتحكم فيه لأنه يقع في أراضيها؟ وهل لا يزال مفتوحا أم أغلقته تركيا في وجه سفن الطرفين المتحاربين؟ وهل هذا الاغلاق موجه ضد روسيا كما يشاع في مواقع التواصل الاجتماعي؟

للإجابة على هذه الأسئلة ومعرفة حقيقة الموقف التركي من تلك الأزمة الخطيرة، لابد من معرفة أهمية المنطقة التي تدور فيها الحرب الأوكرانية بالنسبة لتركيا، ثم العلاقة التركية المتداخلة بأطراف الصراع، ومن ثم تبين الاستراتيجية التركية في التعامل مع تلك الأزمة.


أوكرانيا وتركيا ... التاريخ والجغرافيا

في منتصف القرن التاسع عشر كانت أوكرانيا وبالتحديد في شبه جزيرة القرم والتي احتلها الروس من ثمان سنوات، ساحة لمعركة هائلة بين العثمانيين والروس اشتهرت في التاريخ بحرب القرم، وقد استمرت هذه الحرب ثلاث سنوات تقريبا منذ أكتوبر عام 1853 حتى فبراير عام 1856م.

والواقع ان هذه الحرب كانت من بين سلسلة حروب والتي نشبت بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية القيصرية ما بين القرنين السادس عشر والعشرين.

ولكن هذه الحرب بالذات انضمت بريطانيا وفرنسا إلى جانب القوات العثمانية معززة بالجيش المصري، وقد كان سبب الحرب الرئيس هو عدوان روسيا على تركيا وفي تفس الوقت فإن فرنسا وبريطانيا كانتا متخوفتين من الطموحات الروسية في بلاد البلقان؛ حيث طالبت روسيا بفرض حمايتها على الممتلكات الأرثوذكسية للسلطان العثماني، بالإضافة إلى عامل آخر هو الصراع الروسي الفرنسي في سبيل الحصول على امتيازات الكنائس الأرثوذكسية الروسية والكنيسة الكاثوليكية في فلسطين، وأسفرت تلك الحرب عن تدمير القوات البحرية الروسية في البحر الأسود، ثم سيطرت قوى التحالف العثماني الأوروبي على الموانئ الهامة في المنطقة.

لقد مثل البحر الأسود الحدود البحرية بين أوكرانيا وتركيا، ولكن هذه البحر لا يخص الدولتين فقط بل تطل عليه دول أخرى أهمها روسيا فضلا عن جورجيا وبلغاريا ورومانيا.


مصالح تركيا بين الشرق والغرب

تكمن المعضلة التركية في حرب أوكرانيا، أن المصالح التركية تتقاطع مع أطراف النزاع سواء كانت روسيا أو أوكرانيا أو الغرب الداعم لأوكرانيا.

فالمصالح التركية مع روسيا، تتنوع من اقتصاد وطاقة وسلاح متقدم فضلا عن مصالح الجغرافيا السياسية، فالدولتان هما القوتان الأكبر المطلتان على البحر الأسود، ونظرا لسيطرة تركيا على مضيق البوسفور وهو الذي يتحكم في المرور بين البحر الأسود والمتوسط، وبالتالي فإن المنفذ الوحيد لروسيا للمرور في البحر المتوسط هي العلاقات الجيدة مع تركيا.

وتشتبك خيوط المصالح والصراع بين الدولتين لتمتد من جنوب القوقاز في أذربيجان، مرورا بشرق المتوسط على حدود تركيا الجنوبية في سوريا، وانتهاء بجنوب المتوسط حيث تتواجد القوتان في ليبيا وبينهما خط هدنة متوتر.

زودت روسيا تركيا بإحدى أكثر منظومات الدفاع الجوي حداثة في العالم وهي صواريخ إس 400، وهي التي صنعت مشكلة وساهمت في تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.

ولكن التعاون الاقتصادي يأخذ أبعادا ضخمة، فهناك مشروع السيل التركي الذي سيربط الاقتصادين التركي والروسي لعقود من الزمن، وهو مشروع يمد أنبوبين بطاقة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، يمتدان من روسيا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر البحر الأسود، يغذي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول جنوب شرقي، وجنوبي أوروبا.

أما المصالح التركية مع الغرب، فإن تركيا الى وقت قريب كانت محسوبة على أنها دولة تابعة للغرب فهي عضو في الناتو ولكنها غير مقبولة في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أعضاؤه أنه نادي مسيحي.

وبوصول حزب العدالة للحكم في تركيا تغيرت المعادلة، لتأخذ السياسات التركية منحى أكثر استقلالية عن المعسكر الغربي، وتتوتر العلاقات في ملفات عديدة بين تركيا والولايات المتحدة، في شمال سوريا حيث تدعم أمريكا الفصائل الكردية المسلحة والتي تسعى الى الانفصال عن تركيا، وتتهم تركيا أمريكا بدعم انقلاب 2016 والذي كاد أن يطيح بالديمقراطية التركية، وازداد التصادم بشراء تركيا منظومة صواريخ اس 400 من روسيا.


استراتيجية تركيا في التعامل مع حرب أوكرانيا

وضع حزب العدالة التركي بزعامة أردوغان نصب عينيه استعادة أمجاد العثمانيين كقوة عالمية، والمنافسة مع اللاعبين الكبار على الساحة الدولية، وحاول في سبيل ذلك أن يسلك طريقا مستقلا يمشي به على حبل رفيع، يبحث عن مصالحه يمينا ويسارا دون الاصطدام بأي قوة أو الدخول في معارك غير محسوبة.

ولكن كيف يواصل أردوغان طريق صعوده في تلك الأزمة في ظل التصادم الروسي الغربي، وخاصة مع تقاطع المصالح بين تركيا مع كل من الخصمين الرئيسيين؟

وجاءت حرب أوكرانيا في ظل تلك بيئة الصراع التي تمر بها تركيا، لتكون اختبار حقيقي لمسيرة الصعود التركي، فتحاول تركيا توظيف حرب أوكرانيا كفرصة تستغلها لتعزز صعودها البطيء والهادئ في النظام الدولي.

وقبل الحرب نسجت تركيا علاقة قوية مع أوكرانيا واعتبرتها ورقة من أوراق مساوماتها سواء مع روسيا أو الغرب، فقد اتفق البلدان في عام 2011 على تأسيس المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى، وتمت ترقية العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. واقتصاديا، بلغ حجم التجارة بين البلدين 7,4 مليار دولار عام 2021، وتخطط الدولتان لرفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 10 مليارات دولار. كما زودتها بسلاح المسيرات التركية المسلحة الذي ظهرت خطورته وأهمية تلك الورقة التركية في الحرب الجارية، حتى أن وكالة الأنباء الأوكرانية صرحت بأن طائرات بيرقدار المسيّرة دمرت أكثر من ٨٠ آلية روسية في محور مدينة سومي، وهو محور واحد فقط من بين خمسة محاور يجري فيهم القتال الروسي الأوكراني.

وكانت الورقة الهامة الأخرى هي ورقة مضيق البوسفور، وبالرغم من أن تركيا تحكمها اتفاقية دولية لمرور السفن وهي اتفاقية مونترو، ولكن بما أن هذا المضيق يقع في الأراضي التركية فيقع تفسير بنود تلك الاتفاقية وتأويلات بنودها حسب المصلحة التركية.

وظلت الحكومة التركية صامتة حول خطوة اغلاق المضيق، فالغرب يريد الاغلاق لمنع وصول الاسطول الروسي في البحر الأبيض الى البحر الأسود لدعم القتال في أوكرانيا، بينما تريد روسيا العكس.

ولم تعلن تركيا عن اغلاق المضيق الا بعد أن شددت الدول الغربية والمتحالفة معها العقوبات على روسيا، حينها أعلنت تركيا الاغلاق مع وجود بند يتيح للسفن الروسية العودة لموانيها في البحر الأسود، وبذلك تمكنت السفن الروسية من العودة لتشارك في القتال، وبذلك أرضت تركيا الطرفين ولم تدخل في صدام معهما. 

ولكن تركيا تحيطها الشكوك فيما يتعلق بالضغوطات الغربية للانخراط أكثر في الحرب الأوكرانية، وهذا ما عبر عنه الصحفي إبراهيم قراغول رئيس تحرير صحيفة يني شفق والمقرب من أردوغان، فهو يرى أن أمريكا تحاول جر تركيا الى حرب استنزاف في أوكرانيا مع روسيا، تمهيدا لتقسيمها، بالرغم من أن تركيا دولة في حلف الناتو، ولكن الغرب يدرك بأنها تهديد مستقبلي للغرب، لذلك يعتبر أن الحرب بين تركيا وروسيا ستُخرج كلا البلدين من المعادلة العالمية. وستتقسم كلا البلدين. وهكذا سيتخلص الغرب من تهديدين في نفس الوقت.

ويختم الصحفي التركي مقالته الطويلة بقوله دعونا فقط لا نفعل ذلك... يجب على تركيا أن تستخدم صراعات القوى هذه وفقا لاحتياجاتها الخاصة... العقل التركي، عقل الإمبراطوريات، سيظهر حكمة كبيرة هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق