حقائق غائبة حول استشهاد الحسين وأحداث كربلاء (5)
ويقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي معللاً إقامة المآتم: ونريد بإقامة المآتم: البكاء لقتله – عليه السلام – بإخراج الدمع بصوت وبدونه والتعرض لما يسبب ذلك، وإظهار شعار الحزن والتأسف والتألم لما صدر عليه، وتذكر مصابه ونظم الأشعار في رثائه، وتلاوتها واستماعها وتهييج النفوس بها للحزن والبكاء.
الرابع عشر: ما قيل من رثاء في الحسين – رضي الله عنه -:
قال سليمان بن قَتَّة التيمي:
وإن قتيل الطَّف من آل هاشم
أذل رقاباً من قريش فذلَّتِ
مررت على أبيات آل محمد
فألفيتها أمثالها حين حُلَّتِ
وكانوا لنا غُنْماً فعادوا رزيّة
لقد عظمت تلك الرازيا وجَلَّتِ
فلا يبعد الله الديار وأهلها
وإن أصبحت منهم برغمي تخلتِ
إذا افتقرت قيسٌ جبرنا فقيرَها
وتقتلنا قيس إذا النَّعلُ زلَّتِ
وعند غنيٍّ قطرة من دماءنا
سنجزيهم يوماً بها حيث حَلَّتِ
ألم تر أن الأرض أضحت مريضة
لفقد حسين والبلاد اقشعرَّتِ
وقال أبو الأسود الدِّيْلي في قتل الحسين – رضي الله عنه -:
أقول وذاك من جزع ووجد
أزال الله ملك بني زيادِ
وأبعدهم بما غدروا وخانوا
كما بعدت ثَمود وقوم عادِ
هموا خَشَمُوا الأنوف وكنَّ شُمًّا
لقتل ابن القُعَاسِ أخي مرادِ
قتيل السوق يا لك من قتيل
به نضحٌ من احمرَ كالجِسادِ
وأهل نبينا من قبل كانوا
ذوي كرم دعائم للبلادِ
حسين ذو الفضول وذو المعالي
يزين الحاضرين وكَّلَّ بادِ
أصاب العِزَّ مَهْلِكُهُ فأضحى
عميداً بعد مصرعه فؤادي
وقال عبيد الله بن الحر أيضاً:
يا لكِ حسرة ما دمت حيا
تردَّد بين حلقي والتَّراقي
حسيناً حين يطلب بذل نصري
على أهل العداوة والشِّقاقِ
ولو أني أواسيه بنفسي
لنلت كرامة يوم التَّلاقِ
مع ابن المصطفى نفسي فداه
فولَّى ثم ودَّعَ بالفراقِ
غداة يقول لي بالقصر قولا
أتتركنا وتُزمع بانطلاق؟
فلو فلق التَلهّفُ قلب حَيٍّ
لهمَّ اليومَ قلبي بانطلاق
فقد فاز الأُولى نصروا حسيناً
وخاب الآخرون أولو النفاق
وقال شاعر الإسلام محمد إقبال:
وحسين في الأبرار والأحرار ما
أزكى شمائله وما أنداها
فتعلموا ريَّ اليقين من الحسين
إذا الحسين وقد أجاب نداها
الأمهات يلدن للشمس الضياء
وللجواهر حسنها وصفاها
المبحث الرابع: أهم الدروس والعبر والفوائد:
أولاً: يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر من محرم الحرام، وقد ابتُدع فيه بدع منكرة، وهلك فيه طائفتان بين إفراط وتفريط، طائفة تجعله يوم فرح وسرور وأخرى يوم حزن ونياحة.
لقد غلت الشيعة في مقتل الحسين – رضي الله عنه – غلواً مفرطاً، فجعلوا يوم استشهاده – رضي الله عنه – العاشر من محرم مأتماً وحزناً ونياحة يكررونه في كل عام إلى يومنا هذا، ورتبوا على هذا الفعل الأجر والثواب، فهو جالب للمغفرة والرحمة، مكفرة للذنوب والخطايا في زعمهم، فقد روي الطوسي في أماليه بسنده عن الرضا – عليه السلام – أنه قال من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يومُ عاشوراء يومَ مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله – عز وجل – يومَ القيامة يومَ فرحه، وسروره، وقرت بنا في الجنان عينه.
وبسنده أيضاً عن أبي عمارة الكوفي قال: سمعت جعفر بن محمد – عليه السلام – يقول: من دمعت عينه دمعة لدمٍ سفك لنا، أو حقٍ لنا أنقصناه، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوأه الله – تعالى – بها في الجنة أحقاباً.
وروى البرفي بسنده عن جعفر الصادق أنه قال: من ذكر عنده الحسين فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وقد بوب المجلسي باباً قال فيه: باب ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة: وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء، وساق فيه أكثر من ثمان وثلاثين رواية منها: ما رواه بسنده عن أبي عبد الله – عليه السلام – قال: كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين – عليه السلام -.
بل زعموا أن السماء والأرض بكت لقتله فأمطرت السماء دماً وتراباً أحمر، كما بكت الملائكة والجن وسائر المخلوقات، ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا بتحريم يوم عاشوراء، وأن من صامه فهو عدو للحسين وأهل بيته – رضي الله عنهم – أجمعين، فقد روى الكليني بسنده عن جعفر بن عيسى قال: سألت الرضا – عليه السلام – عن صوم يوم عاشوراء، وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد؛ لقتل الحسين – عليه السلام – وهو يوم يتشاءم به آل محمد – صلى الله عليه وسلم – ويتشاءم به أهل الإسلام، لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله – عز وجل – فيه نبيه، وما أصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين، فتشاءمنا به، وتبرك به ابن مرجانة، وتشاءم به آل محمد – صلى الله عليه وسلم -، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله – تبارك وتعالى – ممسوخ القلب، وكان حشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما.
والأكاذيب في هذا الباب كثيرة، وهذه المآتم تظهر علناً كلما قويت شوكة الشيعة أو ظهرت لهم دولة ففي دولة بني بويه الشيعية في سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة ألزم معز الدولة ابن بابويه يوم عاشوراء أهل بغداد بالنواح على الحسين – رضي الله عنه -، وأمر بغلق الأسواق ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الشيعة منشرات الشعور، مضخمات الوجوه يلطمن ويفتن الناس، وهذا أول ما نيح عليه، كما اتخذت الدولة العبيدية الفاطمية على كثرة أعيادها ومناسباتها يوم عاشوراء يوم حزن ونياحة، فكانت تتعطل فيه الأسواق ويخرج فيه المنشدون في الطرقات، وكان الخليفة يجلس في ذلك اليوم متلثماً يرى به الحزن، كما كان القضاة، والدعاة، والأشراف، والأمراء يظهرون وهم ملثمون حفاة، فيأخذ الشعراء بالإنشاد ورثاء أهل البيت، وسرد الروايات والقصص التي اختلقوها في مقتل الحسين – رضي الله عنه. –
ومن مظاهرهم في هذه الأيام خروج المواكب العزائية في الطرقات والشوارع مظهرين اللطم بالأيدي على الخدود والصدور، والضرب بالسلاسل والحديد على الأكتاف حتى تسيل الدماء، وقد وصف ابن كثير ما يفعل الشيعة من تعدٍّ لحدود الكتاب والسنة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فقال: فكانت الدَّبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء ويُذَرُّ الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين، لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق.. إلى غير ذلك من البدع الشنيعة، والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يُشنِّعوا على دولة بني أمية؛ لأنه قتل في أيامهم.
وقد جوَّز علماء الشيعة ما يسمونه بالمواكب العزائية فقد أجاب محمد حسين الغروي النائيني عندما وجهت إليه أسئلة حول المواكب العزائية إذ قال :خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرقات والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه وكونه من أظهر مصاديق ما يقوم به عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد.
2. – لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حد الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل وإن أدى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى، وأما إخراج الدم من الناحية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً.
الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون، وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى.
فهذه الفتوى المعمول بها اليوم لدى الشيعة وعليها الإجماع وقد قرضها أكثر من اثني عشر من علمائهم.
وفي وصف هذه المظاهر يقول ناصر الدين شاه: وفي الهند وباكستان وإيران والعراق تكتسي هذه المآتم حللاً مركبة؛ إذ يخرج الرجال في الطرقات وهم يسيرون وراء هودج قد يبالغون في ارتفاعه حتى يبلغ بضعة أمتار، وهم عراة، وفي أيديهم زناجير من حديد، وفي رؤوسها شفرات صغيرة حادة يضربون بها صدورهم وظهورهم حتى تسيل الدماء منهم، وفي كثير من الأحيان يموت بعضهم، أما النساء فإنهن يجلسن في دورهن ينحن ويبكين ويلطمن صدورهن بأيديهن كل هذا؛ تكريماً للحسين الذي قتل مظلوماً بزعمهم.
ويقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي معللاً إقامة المآتم: ونريد بإقامة المآتم: البكاء لقتله – عليه السلام – بإخراج الدمع بصوت وبدونه والتعرض لما يسبب ذلك، وإظهار شعار الحزن والتأسف والتألم لما صدر عليه، وتذكر مصابه ونظم الأشعار في رثائه، وتلاوتها واستماعها وتهييج النفوس بها للحزن والبكاء.
ولم يكتفوا بذلك، يقول الخميني: إن البكاء على سيد الشهداء – عليه السلام – وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام منذ أربعة عشر قرناً. فمتى كان البكاء دعوة ومتى كان العويل جهاداً؟ فهذا معتقد الشيعة الإمامية في مقتل الحسين وفي يوم عاشوراء، فهل هذا الفعل من الإسلام في شيء؟
إن الحسين – رضي الله عنه – بريء من تلك الأفعال المذكورة لأن الإسلام الذي جاء به جده – عليه الصلاة والسلام – لا يجوِّز تلك الأفعال، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» وقال – صلى الله عليه وسلم -: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب»، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة»، كما أن ما يفعله الشيعة في الحسينيات والمآتم تحت مسمى الشعائر الحسينية مثل: اللطم والنياحة ولبس السواد، والتطبير وغيرها، والتي أفتى علماؤهم وعظماؤهم بجوازها، فإنها محرمة على لسان الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وعلى ألسنة أئمة أهل البيت الكرام في المصادر الشيعية القديمة والحديثة، واعترف بهذا التحريم شيوخ وأعلام المذهب الشيعي الاثنى عشري، فهذا محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عند الشيعة بالصدوق، قال: من ألفاظ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي لم يسبق إليها: النياحة من عمل الجاهلية. ورواه محمد باقر المجلسي بلفظ: النياحة عمل الجاهلية، فالنوح الذي استمرت عليه الشيعة جيلاً بعد جيل بعد جيل من عمل الجاهلية كما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم -. ومن هذه الروايات التي تنهى عما يقترفه الشيعة في الحسينيات ما قاله أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه -: وإياك والنواح على الميت ببلد يكون لك به سلطان، وقوله: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعن في الأنساب، والنياحة على الموتى، ومن الأدلة قول الإمام الباقر: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه.
وقد أنكر ما يحدث من ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف وإسالة الدماء الشيخ حسن مغنية: والواقع أن ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف وإسالة الدماء ليست من الإسلام في شيء، ولم يرد فيها نص صريح، ولكنها عاطفة نبيلة تجيش في نفوس المؤمنين لما أريق من الدماء الزكية على مذابح فاجعة كربلاء، ولا شك إن هذه الأمور من المنكرات والبدع الشنيعة. إن الإسلام علمنا آداب المصائب ومقتل الحسين – رضي الله عنه – مصيبة عظيمة، فمن آداب الإسلام في المصائبالصبر عليها: وهذا أعظم آدابها، أن يصبر المؤمن على المصيبة التي تنزل به، ومن هذا الصبر حبس القلب عن التسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عمَّا يغضب الله – تعالى -من لطم الخدود، وشق الجيوب وخمش الوجوه، ونتف الشعر والدعاء بدعوة الجاهلية، وينبغي أن يكون هذا الصبر عند سماع الإنسان خبر المصيبة لأول مرة وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم -: إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
احتساب المصيبة والصبر عليها: فينبغي أن يلتمس الأجر من الله – تعالى -في هذا الصبر، فيصبر ابتغاء موعود الله من الأجر والثواب ويصبر؛ لأن الله أمره بالصبر، فقال – عز وجل -: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، ويتذكر إن فقد عزيزاً لديه، قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله – تعالى -: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»، وصفيُّه: أي حبيبه من ولد أو والد أو نحوه، وهكذا فإن الله – تعالى – وعد بالأجر العظيم على الصبر على المصائب، ولكن بشرط أن يكون الصبر ابتغاء وجه الله – تعالى -، كما قال – عز وجل – ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرعد: 22]، فينبغي أن يكون الصبر لله – تعالى -، لا صبر المغلوب، بل صبر الراضي بقضاء الله، المسلِّم به.
3. الاسترجاع ودعاء المصيبة: فيقول المرء عند نزول المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها. فقد قال الله – عز وجل -: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155 – 157]. وقال – صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها»، قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله. ويقول كذلك: الله ربي لا شريك له؛ فإن ذلك يكشف عنه المصائب والبلاء بإذن الله، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من أصابه هم أو غم، أو سقم، أو شدة فقال: الله ربي لا شريك له، كشف ذلك عنه»، ويدعو كذلك بدعاء المكروب الذي ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت»، ويقول كذلك كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول، فإنه – صلى الله عليه وسلم -: كان إذا كربه أمر قال: «يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث. «
اجتناب كل ما يغضب الله: وذلك من جنس الجهر بالسوء من القول، واللطم، وشق الجيوب، وحلق الشعور، والنياحة والشكوى إلى الناس والدعاء بالموت، والويل والثبور، وغير ذلك، فهذا كله يغضب الله – تعالى -، وينافي الصبر على المصائب والرضا بها.
5. تهوين المصيبة على النفس بتذكرة وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فإن وفاته وانقطاع وحي السماء من أعظم المصائب التي نزلت بالأمة، وبكل مسلم، وإذا تذكر المصاب بمصيبةٍ ما تلك المصيبة العظيمة بوفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، هوَّن ذلك عليه مصيبته التي نزلت به، فإن المصيبة العظيمة لا تهون إلا بالنظر إلى ما هو أعظم منها، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: »إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي؛ فإنها من أعظم المصائب. «
مشاهدة النعمة في المصيبة: فمن أدب المسلم مع المصيبة أن يشاهد فيها نعمة الله – تعالى -، ولئن كان قتل الحسين – رضي الله عنه – عظيماً وشرًّا كبيراً، فإنه بالنسبة له خير وإكرام، يقول ابن تيمية – رحمه الله -: فلما قتل الحسين بن علي – رضي الله عنهما – يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية وأكرم الله – تعالى – الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته -أكرم بها حمزة وجعفراً وأباه علياً وغيرهم-، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته، فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، كما قال – صلى الله عليه وسلم – لما سئل: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: «الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة». فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله – تعالى – ما سبق من المنزلة العالية، ولم يكن حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب، فإنهما وُلِدا في عز الإسلام، وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما، ويكرمونهما، ومات النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يُلحقهما بأهل بيتهما، كما ابتلى من كان أفضل منهما، فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما، وقد قُتل شهيداً.
7. تذكر القضاء السابق: فإن المسلم متى ما أيقن أن هذه المصائب مكتوبة، ومقدرة، ومتى ما استحضر في ذهنه أن كل ما قدره الله فهو لا بد كائن واقع لا محيد عنه، وأن لله – تعالى -حكمة في تقدير هذه المصائب، كلما تذكر هذه الأمور هانت عليه المصائب، قال – تعالى -: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد:22 – 23]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق