9 سنوات على الدماء التي سالت في "رابعة".. والجناة بلا عقاب
تحل الذكرى التاسعة على مجزرة فض اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة"، 14 أب/ أغسطس الجاري، دون عقاب لأي من الذين ارتكبوا جريمة قتل وإصابة آلاف المصريين من المعتصمين العزل.
وكان الآلاف من أنصار الرئيس مرسي، احتشدوا بميداني "رابعة العدوية"، (شرق القاهرة) و"النهضة"، (غرب العاصمة)، 45 يوما، منذ 28 حزيران/ يونيو 2013، رفضا للانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، وذلك حتى 14 آب/ أغسطس 2013، يوم الفض.
وفوجئ آلاف المعتصمين العزل بآليات الشرطة والجيش وقوات العمليات الخاصة يحاصرون الميدانين، ويطلقون الرصاص حيث سقط منهم الآلاف بين جرحى وقتلى، ليجري اقتحام الاعتصامين بمدرعات وجرافات وإضرام النيران في الخيام والمعتصمين، واعتقال الكثيرين.
ورغم مرور 9 سنوات على سقوط دماء مصرية بنيران الجيش والشرطة، لم يتم محاسبة أي من مرتكبيها من قيادات الشرطة والجيش ووزير الدفاع حينها عبدالفتاح السيسي، الذي تولى حكم البلاد منتصف 2014، وقدم حصانات قانونية تمنع محاكمة المشاركين بجرائم الفض.
"تظل أيقونة الحرية"
وفي حديثه لـ"عربي21"، عن إحياء ذكرى شهداء فض رابعة، قال السياسي المصري المعارض عبد الموجود الدرديري: "رابعة، ما غابت ولن تغيب عن أحرار مصر والعالم العربي والإسلامي بل والبشرية جمعاء".
وتابع: "رابعة، كانت ومازالت وستظل أيقونة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون، رابعة، حية في قلوب أبنائها، في قلوب من يعشقون الحرية، في قلوب من يحبون الديمقراطية، ومن يطالبون بالعدالة".
القيادي السابق بحزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أكد أن "جريمة فض رابعة، لم ولن تسقط بالتقادم، وهذا حق، وليعلم كل من ارتكب هذه الجرائم أنها لن تسقط بالدنيا، ولا الآخرة".
وعن الطريقة المثلى لإحياء ذكرى فض رابعة، قال الدرديري: "لا أظن أن رابعة ذكرى في يوم ما، أو شهر ما، أو عام ما، فبشاعة المجزرة لا تنسينا أنها أكبر مجزرة بالتاريخ البشري الحديث تحدث لمتظاهرين سلميين، وترتقي لدرجة جريمة حرب ضد الإنسانية".
"هؤلاء الشباب والشابات، هؤلاء الرجال والنساء، وكل هؤلاء المصريين، اجتمعوا ليطالبوا بحقوقهم، وحقهم الإنساني الأكبر وهو حق الحرية، ولذلك دفعوا هذا الثمن الغالي في الدنيا، لكنهم عند الله أحياء شهداء، أحياء ينعمون في الآخرة"، وفق قوله.
البرلماني السابق، حمّل "الأمانة على من بقي حيّا، كي يبقي هذه الذكرى حية بكل شهر، بكل أسبوع، بل بكل ساعة ودقيقة"، مطالبا بأن تصبح "رابعة منهج حياة، منهجا يقوم على أن تقف مع الحق حتى لو اضطررت لدفع ثمن غال له، وإن كان هذا الثمن هو الحياة".
وأكد أن "رابعة نموذج للأحرار، حيث وقف من وقف فيها، ليطالب بالحرية، والعدالة، والديمقراطية، ودولة القانون، وهذه المطالب كانت ومازالت وستظل المطالب الأساسية لشعب مصر الكريم".
وجزم الدرديري، بأن "الأصوات المطالبة بحقوق شهداء رابعة لم تخفت أو تخبو؛ ورغم أن كثرة المصائب تنسي بعضها بعضا، إلا أن رابعة في القلب ولا أظن أنها ستخفت يوما ما، وستظل قضية حق، قضية أساسية لكل الأحرار".
ويرى أنه "لا يمكن أن يكون هناك مستقبل زاهر في بلادنا الغالية مصر، قبل أن يتم التعامل مع مرتكبي هذه المجزرة بالطريقة التي يستحقونها، وحتى تتحقق العدالة الانتقالية".
وبشأن القضايا الدولية المرفوعة حول مجزرة فض رابعة، وموقف دول أوروبا وأمريكا المنادية بالحريات وحقوق الإنسان، منها، أعرب السياسي المصري عن شديد أسفه، مؤكدا أن "هناك تواطؤا من تلك الدول، وحتى الهيئات التي ادعت ظلما وزورا الدفاع عن حق المستضعفين".
وخاطب المصريين بقوله: "لنعلم أنه لن يدافع عن حق المصريين إلا المصريون والأحرار من دول العالم"، مشيرا إلى أن "هذه المؤسسات فيها عطب كبير، وهذا العطب كونها تستند إلى القوة، ومن يملك القوة يمتلك القرار، وهذا الدرس الكبير الذي يجب أن نتعلمه من مجزرة رابعة، فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء".
وأوضح أنه "على أبناء مصر السعي بكل الطرق الشرعية والسلمية للحصول على هذه القوة، حتى يأتوا بحق شهداء رابعة، الذي هو حق في رقبة كل المصريين، وليس في رقبة فئة معينة، ولكن مسؤولية جميع المصريين الذين يئنون من الظلم والفساد والغلاء".
وختم الدرديري حديثه موجها نداءه للمصريين: "ولنعلم كأبناء مصر، أنه إن لم يأت حق شهداء رابعة سنظل في هذا العنت،في هذا الضيق، في هذا الضنك، حتى تتحقق العدالة، وهي محققة لأنها لا تسقط بالتقادم".
"هولوكوست السيسي"
السياسي المصري والقيادي بـ"حزب الحرية والعدالة" محمد سودان، أعرب في حديثه لـ"عربي21"، عن أسفه الشديد من أن "طبيعة الإنسان هي التراخي مع مرور الزمن"، لكنه أكد أنه "لم ولن ينسى أي إنسان حر ما تم من مجازر قبل وبعد رابعة".
وقال؛ إن "العديد من التقارير صدرت من منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتم رفعها لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وأقيمت عدة مؤتمرات بمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وعُرضت جرائم نظام السيسي الوحشية، وعُصبة العسكر، وشرطة مغاوير يفترض أن تدافع عن الشعب لا قتله".
وأضاف أن "هذا هولوكوست السيسي ضد معارضيه بكل أطيافهم وليس الإخوان فقط"، مشيرا لصدور "عدة قرارات إدانةٍ للنظام العسكري الذي استولى على السلطة بانقلاب فاشي، لكن حكومات غربية وعربية، خاصة الخليجية، تثمن جرائم السيسي بحق معارضيه والإطاحة برئيس مدني منتخب".
مسؤول العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة" قال: "هناك العديد من القضايا التي رُفعت بالمحاكم الدولية ضد النظام الفاشي، أفلحت إحداها، عندما رفعتُها ضد النظام بالنيابة عن حزب (الحرية والعدالة) أمام (المحكمة البريطانية العليا)".
وتابع: "حصلتُ على حكم بإسقاط الحصانة الدبلوماسية لموظفي الحكومة المصرية نتيجة ارتكابهم هذه الجرائم ضد الشعب، ولم يتمكن النظام من استئناف الحكم، وللأسف الحكم يسري على كل أعضاء الحكومة عدا السيسي، بسبب تطبيق البروتوكول البريطاني".
"وكاد أن يُعتقل رئيس الأركان المصري السابق الفريق محمود حجازي من قبل السلطات البريطانية لدى وصوله مطار هيثرو بلندن؛ إلا أن وزارة الخارجية البريطانية أصدرت له حصانة استثنائية، فنجى من الاعتقال"، بحسب سودان.
وأكد أنه "للأسف خسرت القضية التي رفعتها على وزارة الخارجية البريطانية جراء إصدارها هذه الحصانة الاستثنائية".
وأوضح السياسي المصري أنه "مازالت هناك قضايا مرفوعة على النظام المصري جراء هذه المجازر لدى المحاكم البريطانية والفرنسية والكندية والهولندية وغيرها، ولكن للأسف، نتيجة لضغوط سياسية؛ هذه القضايا تأخذ وقتا طويلا، لكنها لا تسقط بالتقادم".
وألمح إلى أنه "جرى رفع قضايا أخرى أمام (محكمة حقوق الإنسان) التابعة لمنظمة الدول الأفريقية، وكذلك تأخذ وقتا".
ولفت إلى مطالبة "منظمة (هيومن رايتس مونيتور)، بأن يعقد مجلس الأمن اجتماعا لمناقشة جرائم السيسي في حق الشعب منذ الانقلاب، حتى يتسنى لـ(محكمة الجنايات الدولية) في لاهاي بهولاندا قبول القضية، وعدم رفضها كما فعلت معنا في 2013".
ويأمل سودان أن يجد المصريون "السيسي والمسؤولين عن هذه الجرائم قريبا أمام محكمة العدل الدولية، كما حدث مع سابقيه"، مضيفا: "ولنا في مجازر سربرنيتشا بالبوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، وغيرها أسوة".
وعن أهالي الشهداء والمعتقلين، قال سودان؛ إنهم "في حالة تأهب دائم وانتظار للحظة الحرجة للانتفاض ضد نظام فاشي، دمر البلاد وظلم العباد، وجعل مصر أضحوكة العالم وفي ذيل الأمم".
وختم بالقول: "نحن لم ولن ننسى هذه المجازر، ولن ننسى شهداءنا ولا معتقلينا ولا المطاردين والمشردين داخل مصر وخارجها".
وتابع: "واقعيا؛ مذبحة رابعة مازالت محاصرة بمئات القضايا، وآلاف الأسرى الذين يساوم بهم نظام الانقلاب، ويراهن بهذه المظالم على سكوتهم وسكوت أهليهم"، كانت تلك هي الكلمات التي بدأ بها المحامي والباحث في السياسات التشريعية عباس قباري، حديثه عن مذبحة رابعة مع "عربي21".
وأضاف: "أصبحت المطالبات بحق من قُتل، سلاحا مسلطا على رقاب الأحياء من الأسري الذين يتعرضون طوال الوقت لضغوط لا يتحملها بشر، وفوق ذلك يحاكمون عبر مئات الجلسات التي تنتهي بأحكام معلبة من إعدام ومؤبد".
قانونيا، يرى قباري، أنه "لا تسقط جرائم الإبادة بالتقادم، ويحاكم مرتكبها ولو بعد حين، إما عبر محاكم وطنية في نظام جديد، أو محاكمة دولية تبعا لمزاج المؤثرين الدوليين واتجاهاتهم".
وعن خفوت "أيقونة رابعة" بعدما كانت شعارا عالميا يرفعه رؤساء دول وفرق رياضية، قال؛ إن "أيقونة رابعة حية في نفوس من عايشوها، لكنها تحتاج لتوثيق علمي للأحداث وأعمال فنية احترافية".
"وتشجيع فريق دعم الانقلاب الذين تبين لهم حقيقة جرائمه على الاعتراف بالخطأ في دعمه وتوثيق ذلك عبر كتابات ومراجعات"، بحسب قباري.
أما عن القضايا الدولية قال؛ إن "شأنها شأن أي عمل دولي يخضع لموازنات مقيتة وحسابات المكسب بشكل ميكافيلي، وقادة الانقلاب لم يوفروا جهدا؛ فهم يبيعون الوطن ويرهنون ثرواته يوميا لهذه الأطراف المؤثرة دوليا".
وأكد أنها "مستفيدة من وجود النظام، لكنها قد تضطر لإعادة حساباتها عند قيام ثورة شعبية أو فراغ يد النظام، وتحوله لعبء على مصالحهم".
"وأخيرا، وقبل كل شيء، رابعة كتبت عند الله جريمة قتل عمد لأبرياء سيلاقون جزاءهم عنها في الدنيا ويوم الحشر، بقدر ما خططوا ودبروا ونفذوا"، وفق قول الباحث المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق