قراءة في رواية:أسبوع في الأندلس
اسم الرواية:أسبوع في الأندلس
الكاتبة التركية:رنا دميرز
نبذة عن الرواية
“تروي المؤلفة التركية رحلة “مانوليا”؛ الطالبة التركية في السنة الأخيرة بقسم التاريخ وتعمل في قسم الدراسات الأندلسية، مع أستاذها ألتاي الذي كان من المقرر أن يحضر ندوة علمية في غرناطة لعرض مقالته العلمية عن قيود محاكم مسلمي الأندلس، إلا أن مرضه الشديد حال دون ذلك فأناب عنه تلميذته المجدة مانوليا لتمكث “أسبوعا في الأندلس”.
تلتقي مانوليا خلال رحلتها دليلها ماثيو، ليجدا أنفسهما مع أندلس القرن 14، ويعيشا رحلة غير متوقعة؛ حيث لؤلؤة غرناطة، وقصر الحمراء الذي كانت تحلم دائما بزيارته، وأثناء جولتهما في أرجاء القصر تفاجئهما الأنفاق التي أضاعا طريقهما عبرها، ببرودتها أولا ثم بتقنيتها الهندسية العظيمة تاليا، كما يصادفان السر الذي جعل السلطان يقوم بتسليم جميع المدن الأندلسية، بما فيها العاصمة قرطبة، مقابل الحفاظ على القصر.
ففي الثاني من يناير 1492، دخل الإسبان غرناطة، وتم توقيع معاهدة تسليم البلاد في قصر الحمراء، واضطر إثر ذلك الملك أبو عبد الله محمد الصغير (1460-1533) إلى تسليم مفاتيحه إلى الملك فرديناند الخامس (1452-1516) ومغادرته.
وفي لمحة فانتازية، تبين الروائية في كتابها “كان هذا الاختيار (تسليم غرناطة دون قتال) من أجل حماية العلوم والتكنولوجيا وحفظها للأجيال القادمة، وربما لهذا السبب سلم أبو عبد الله المدينة من دون قتال، إذ لم يرد أن يصيبها ضرر.
من جهته، يقول المستعرب الإسباني أغناطيوس غوتيريث، أستاذ اللغة والأدب العربيين والتاريخ المعاصر في العالم الإسلامي بجامعة أوتونوما في مدريد؛ إن “ما تشير إليه الكاتبة التركية صحيح، إذ أراد أبو عبد الله الصغير الحفاظ على أرواح سكان غرناطة وعدم المساس بعمرانها، لذلك هادن المسيحيين وهو على علم بأن مملكة قشتالة مصممة على تدمير المدينة أو الإضرار بها في حال اندلاع المواجهة مع المسلمين”.
ويبين غوتيريث أن خصوم أبو عبد الله “لم يوفوا باتفاقهم مع بني الأحمر، بالنسبة لاحترام السكان وممتلكاتهم وحقهم في البقاء في ظل سلطة الغزاة أنصار إيزابيلا وفرديناند”.
قصر الحمراء
تطل بنا الكاتبة على تاريخ القصر فتروي تاريخه باختصار، فعندما أسست الدولة الأموية أنشئ المكان كقلعة في البداية، وأطلق عليها اسم القلعة الحمراء بسبب لونها الأحمر.
وبعد أن احتله الكاثوليك سنة 1492 اتخذته العائلة الملكية مقرا لها، وأضافت إليه وفق أنماطها شعارها (النير والسهام) على قمة الأقواس وذلك تأكيدا لملكيتها له.
بدت الكاتبة على دراية تامة بتفاصيل القصر ودقائقه وتاريخه، فصورت الأسواق الأندلسية وتحدثت عن الحجارة العتيقة التي تعرف بالمارين.
وعن تأثير قصر الحمراء على تجربتها في هذا الكتاب على وجه الخصوص، تقول المؤلفة “ألهمني قصر الحمراء، وتصورت كيف بدا كأنه أكثر أيامه روعة عندما كنت هناك؛ لهذا السبب رغبت في إنشاء شخصية تشهد كيف تبدو الأندلس في كلتا الحالتين، مما استدعى إدخال فكرة السفر عبر الزمن عبر الإسطرلاب”.
قراءة عماد الدين فارس
مانوليا تجيب: لماذا تم تسليم غرناطة دون قتال؟
تقول الكاتبة في مطلع روايتها "خلال كتابتي عن مغامرات مانوليا، مرت لحظات كثيرة أردت فيها أن أكون مكانها. وأتمنى أن تشعر أنت أيضا بمشاعر مماثلة في أثناء قراءة هذا الكتاب، وأن تكتشف ألغاز الأندلس وأنت تنتقل من مغامرة إلى مغامرة مع مانوليا وأصدقائها".
تتحدث رواية "أسبوع في الأندلس" عن مانوليا، طالبة تركية في السنة الأخيرة في قسم التاريخ، تعمل في قسم الدراسات الأندلسية مع أستاذها الذي كرس حياته لدراسة المخطوطات القديمة، وبلغ من العمر 86 سنة ولايزال يعمل متناسيا كل أمراضه.
كان من المقرر أن يحضر الأستاذ ألتاي ندوة علمية في غرناطة، لعرض مقالته العلمية عن قيود محاكم مسلمي الأندلس، إلا أن مرضه الشديد حال دون ذلك فأناب عنه تلميذته المجدة مانوليا، لتمكث "أسبوعا في الأندلس".
وخلال تلك الرحلة تلتقي ماثيو، لتجد مانوليا نفسها مع دليلها في لؤلؤة غرناطة، قصر الحمراء، الذي كانت تحلم دائما بزيارته. وفي أثناء جولتهما في أرجاء القصر يقتحمان مغامرة الأنفاق، التي أضاعا طريقهما عبرها، كما يصادفان السر الذي جعل السلطان محمد باني قصر الحمراء، يقوم بتسليم جميع المدن الأندلسية، بما فيها العاصمة قرطبة، مقابل الحفاظ على القصر، فيقودهما ذلك السر إلى أندلس القرن الرابع عشر، ليعيشا رحلة غير متوقعة.
تقول مانوليا بطلة الرواية "مومياء أمير عمرها 3 سنوات من سلالة آل الأحمر ساعدتنا في العثور على إسطرلاب (اللغز الأندلسي.. التقنية الممزوجة بمدارس الأناضول)، وأخذتنا إلى عام 1368، …، ثم سافرنا عائدين عبر لآلئ البحر المتوسط، من طرابلس إلى الإسكندرية، ثم وصلنا إلى مدرسة جاجا بيك، لنعود إلى الزمن الحالي" ص 282.
جاءت الرواية تعبيرا فياضا عن مشاعر الحنين إلى الأندلس والفخر بأمجادها التي لم تنقضِ حتى الآن، والتي لم تنكشف كل أسرارها حتى اليوم
تاريخ ضخم وتكنولوجيا أندلسية
وفي الصفحة 63، تتحدث الرواية على لسان البطلة: "قلت ذاهلة: تاريخ ضخم وتكنولوجيا عظيمة مخبأة تحت قصر الحمراء كل هذا الوقت".
لذلك "كان هذا الاختيار (تسليم غرناطة دون قتال) من أجل حماية العلوم والتكنولوجيا وحفظها للأجيال القادمة، وربما لهذا السبب سلم أبو عبد الله المدينة دون قتال، إذ لم يرد أن يصيبها ضرر. بالطبع كانت هناك عوامل أخرى في هذا، مثل نقص المساعدة العسكرية المتوقعة من المغرب، وبالتالي محاولة ضمان عدم إراقة الدماء في الحرب".
"وماذا عن عدم مساس المسيحيين بقصر الحمراء؟ ومحاولتهم الحفاظ على الحمراء رغم تدميرهم كل شيء؟ هل لأنهم أرادوا كشف أسراره ولكن لم يتمكنوا من ذلك؟ ظل ما قاله الأستاذ ألتاي عن غموض التاريخ يمر في ذهني. هل هذا ما عناه بقوله (لا نعرف شيئا)؟!"
استشهدت الكاتبة بكلام العالم الفيزيائي الفرنسي بيير كوري، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903، الذي قال: "تمكنا من تقسيم الذرة بالاستعانة بـ30 كتابا بقيت لنا من الحضارة الأندلسية، ولو كانت لدينا الفرصة لمطالعة المئات والآلاف من كتب المسلمين التي تعرضت للإحراق، لكنا اليوم نتنقل بين المجرات".
تمكنت الروائية من وصف دقائق قصر الحمراء، وأعادت الحياة إلى الدولة الأندلسية هناك كأنك تراها رأي العين
قصر الحمراء
بدت الكاتبة على دراية تامة بتفاصيل قصر الحمراء ودقائقه وتاريخه، فصورت الأسواق الأندلسية وتحدثت عن الحجارة العتيقة التي تعرف المارين، وقد أفردت أكثر الفصل الثالث للحديث عن تلك التفاصيل والمشاهد كأنك تنظر إليه وتراه بعينك.
"وإن كان قصر الحمراء يبدو جميلا جدا حتى الآن، مع ندوب القرن الحادي والعشرين وتعب السنين، فمن يدري كيف كان يبدو عندما تم بناؤه وخلال سنوات مجده! كانت هذه الفكرة نقطة البداية والإلهام لهذا الكتاب، إذ أرادت لبطلة حكايتنا مانوليا أن ترى القصر كما هو الآن وكما كان من قبل" ص 6.
تمكنت الروائية من وصف دقائق قصر الحمراء وأعادت الحياة إلى الدولة الأندلسية هناك كأنك تراها رأي العين، تسمع أصوات الناس، وترى لباسهم وتعجب من أخلاقهم وحسن تصرفهم.
محاكم التفتيش
"اسمي ماثيو.
كاثوليك؟
يا إلهي! إحدى أولى الكلمات التي نطقها طفل عمره 3 أعوام.. كان أكثر حدث جلل تعرض له منذ 700 عام خلت هو الخطر الكاثوليكي على المسلمين" ص65-66.
تحدثت الروائية عن جرائم محاكم التفتيش والرعب الذي يصيب من يسمع كلمة "كاثوليكي"، وتحدثت عن الملكة إيزابيل التي ارتبط اسمها بالإجرام الذي لحق بالأندلسيين بعد سيطرة الكاثوليك على غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
وتنقل الرواية عن جد ماثيو حديثه عن (عائلته الأندلسية): "كان جدي يقول إن أصلنا يعود إلى المسلمين الأندلسيين، وإن عائلتنا كانت تعيش في القصر. لم أصدقه، فالمسلمون الأندلسيون إما هربوا من اضطهاد الكاثوليك أو تم إعدامهم" ص 278.
"آه، يا لها من معاناة… محاكم الرهبانية المسيحية، ومحاولة المسلمين الباقين الصلاة في الخفاء… ولكن بعد سقوط آخر معقل لغرناطة 1492، لم يبق هناك أمل" ص278.
"لم أصدق ذلك، كانوا قادرين على مواصلة حياتهم في الخفاء، بطريقة ما، بتغيير الهوية والدين واللقب" ص278.
واستخدم الكاثوليك أنواعا شتى من وسائل التعذيب، وتفننوا في القتل والإجرام، من القفص المُعَلَّق، والثور الحديدي، والحوض، والمخلعة، والشوكة الزنديقة، وكرسي محاكم التفتيش، وغيرها من وسائل قذرة تقشعر الأبدان حين ذكرها، فكيف وهي تفتك بالبشر وتقتلهم ببطء.
كأنها تتحدث عن دمشق. بلا أدنى شك، إنها تتحدث عن الأندلس التي بناها الأمويون وعمروها بفنهم، ومنها نهلت أوروبا لتبني عصر النهضة
في الأندلس.. نسائم الشام
وصفت الكاتبة تفاصيل المدينة الأندلسية وبيوتها حتى تشعر أنك في أحد أحياء دمشق وحواريها، وفي أحد بيوتها الدمشقية العتيقة.
"كانت بيوت الأندلس التقليدية المتداخلة بعيدة كل البعد عن تعقيدات المدن الجديدة. وقد تخللت الأحياء التي يطرأ عليها اللونان الأبيض والكحلي زخارف ملونة من القاشاني، بينما أطلت الأزهار بروائحها العبقة في ليلة يوليو/تموز الحار خلف الأبواب الحديدية للحدائق ذوات البحرات المنوفرة". ص 74.
وتبدأ الكاتبة تصف البيت الأندلسي القديم حينما دخلت بيت ماثيو، وقالت في الصفحة 75 من روايتها "فتح ماثيو باب البيت المحاط بعرائش نبتة المجنونة التي تسللت إلى الخارج".
"لم أكن لأتوقع فناءً صغيرا لهذه الدرجة، ولكنه كان واسعا جدا في الوقت نفسه خلف الجدران العالية والمنزل المحاط بالأزهار. كانت المياه تتساقط من الطبقة الثانية للبحرة الصغيرة على القسم السفلي الذي لا يتعدى حجمه حجم حوض غسيل كبير مصدرة صوتا مهدئا ومنعشا جو الفناء".
كأنها تتحدث عن دمشق. بلا أدنى شك إنها تتحدث عن الأندلس التي بناها الأمويون وعمروها بفنهم، ومنها نهلت أوروبا لتبني عصر النهضة.
استطاعت الكاتبة أسر القارئ من أول جملة في الرواية حتى آخرها عبر التشويق الذي اتبعته وتداخل الأحداث بين ماضٍ قد نجهل كثيرا من تفاصيله وحاضر يدفعنا دفعا للبحث عن أسرار الماضي
الحنين إلى الأندلس
لقد جاءت الرواية تعبيرا فياضا عن مشاعر الحنين إلى الأندلس والفخر بأمجادها التي لم تنقضِ حتى الآن، والتي لم تنكشف كل أسرارها حتى اليوم، تذكرك مشاعر الروائية الدفاقة الجياشة نحو الأندلس بقصيدة نزار قباني:
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا .. ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد
تقول الروائية رانا ديميريز عن روايتها هذه "إن كتابي هذا كتبته في أقصر وقت، بسبب إلهامي المعزز بما رأيته، وبسبب حقيقة أني تأثرت بشكل كبير بأبحاثي، وأستطيع القول إنه أحد أكثر كتبي إثارة لأنه كان ينقلني من عاطفة إلى عاطفة أثناء الكتابة" ص 7.
لقد أبدعت الكاتبة في وصف الأندلس بكل تفاصيلها عن علم ودراية بتاريخ الأندلس، وأكدت خلال كلماتها ضرورة اكتساب الوعي المعرفي والعلمي والتخلق بأخلاق البحث العلمي المحايد، بعيدا عن الأحكام المسبقة.
كما استطاعت الكاتبة أسر القارئ من أول جملة في الرواية حتى آخرها عبر التشويق الذي اتبعته وتداخل الأحداث بين ماضٍ قد نجهل كثيرا من تفاصيله وحاضر يدفعنا دفعا للبحث عن أسرار الماضي.
وقد وفق الأستاذ سهيل السراج في الترجمة إلى العربية بلغة رشيقة وعبارة واضحة بعيدة عن الأخطاء اللغوية والطباعية.
وقعت الرواية في 288 صفحة موزعة على 21 فصلا، صدرت الترجمة العربية لروايتها "أسبوع في الأندلس" عن دار الثقافة للنشر والتوزيع عام 2022.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق