برنامج: الشريعة والحياة
ماهر عبدالله مع د. طه عبد الرحمن
الحداثة في فهم الدين
ماهر عبد الله:
لمناقشة موضوعة الحداثة، علاقتها بالأخلاق، ومن ثم علاقتها بالدين يسعدني أن يكون معي لهذا اليوم الدكتور (طه عبد الرحمن).
والدكتور طه عبد الرحمن حاصل على الدكتوراه في علوم الفلسفة والمنطق من جامعة (السوربون) في باريس، كما أنه أستاذ للمنطق ولفلسفة اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة (محمد الخامس) بالرباط، وهو أستاذ زائر في العديد من الجامعات العربية، لعل أشهرها جامعة (صفاقس) بتونس وجامعة آل البيت بعمان، له مجموعة من المؤلفات في الفكر والفلسفة وفلسفة اللغة، كما أنه حاول في إدخال الكثير من التجديد على تدريس المنطق وأساليب تدريس اللغة العربية ولا سيما تجديد دراسة التراث الإسلامي.
دكتور (طه عبد الرحمن) أهلاً بك في هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة.
لو ابتدأنا بداية – وأنتم الأكاديميين تحبون موضوعات التعاريف – ما الذي تقصده بالحداثة بداية؟
د. طه عبد الرحمن:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الأكرمين، وبعد.. أشكر لقناة الجزيرة دعوتها لي للمشاركة في هذا البرنامج المتفرد والذي يسعى إلى عرض قضايا العصر على محك الشريعة الإسلامية.
وطبعًا موضوع الحداثة موضوع شائك.. فالمفهوم أولاً: هو مفهوم – كما يقولون – ليس مفهومًا صلبًا، بمعنى أن معناه ليس محددًا تحديدًا نهائيًّا ولا متفقًا عليه اتفاقًا كليًّا، ولا هو مفهوم – كما يقولون أيضًا – رطبا يعني, بمعنى أنه يجوز أن تعطيه أي معنى تريد، وإنما هو مفهوم مرن أي: مفهوم مجمل.
ماهر عبد الله:
لأغراض هذه الحلقة نريد تعريفك أنت للحداثة.
د. طه عبد الرحمن:
ففي نظري الحداثة بالنسبة للمفاهيم المرنة، مثل هذا المفهوم هو أن نرجع إلى سياقها،إلى سياقها, وسياقها يمتاز بأحداث معلومة، فيمكن القول بأن الحداثة هي نمط حضاري, نمط حضاري, أخذ يقوم في المجتمع الغربي منذ بداية القرن الـ16 مع النهضة والإصلاح الديني، وعرف هذا النمط رسوخًا مع الأنوار, مع حركة الأنوار، ومع الثورة الفرنسية، ثم أخذ يتوسع مع الثورة الصناعية والثورة التكنولوجية، وهاهو اليوم يسع, يكاد أن يسع العالم كله مع ثورة الاتصالات.
فإذن الحداثة بالنسبة لي هي جملة التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع الغربي منذ خمسة قرون، ولكن السمة المميزة لهذه التحولات هي أنها تحولات إنمائية تراكمية، بحيث نقلت المجتمع الغربي من طور حضاري من طور التقدم الحضاري إلى طور يعلوه تقدمًا، وهذه الصفة أساسية.
ثم السمة الثانية لهذه الحداثة هي أنها تحولات, تحولاتها تحولات داخلية، يعني أن الغرب هو الذي قام بهذه التحولات من ذاته وبمقتضيات مجتمعه، وليست حداثة واردة عليه ولا مفروضة عليه.
بمعنى آخر: أننا أمام ظاهرة تراكمية داخلية، وهذه السمة التي تجمع بين التراكم أو الإنماء وبين التلقائية أسميها أنا شخصيًّا بالإبداع. فالحداثة في الحقيقة, مظهرها الأساسي, أو الخاصية الأساسية, أنها جملة الإبداعات التي جاء بها الإنسان الغربي، ولذلك, ولذلك – في نظري – ينبغي تعميم هذه الخاصية، فتكون الحداثة أو الخاصية المميزة للحداثة أن تكون عطاءً مبدعًا، فأينما وجد العطاء المبدع فثمة حداثة.
ماهر عبد الله:
اسمح لي سنعود بلا شك لموضوعة الإبداع، كونك ذكرت مجموعة من السمات: استمرارية، تراكمية، ثمة, يعني, سمتان في ثقافتنا العربية تتداعيان إلى الذهن عندما نتحدث عن الحداثة أو على الأقل في توظيفها في مواجهة الدين.
الصفة الأولى العلمانية والصفة الثانية العقلانية، أنا أعتقد أننا سنعرج على العقلانية، لكن هل ثمة ارتباط في هذه التراكمية التاريخية بين الحداثة والعلمانية؟
د. طه عبد الرحمن:
أولاً: يمكن أن نقول بأن الحداثة كانت لها عقيدة، كانت لها عقيدة كما لها واقع ولها تاريخ، فعقيدتها تنبني على مبادئ ثلاث منها المبدآن:
مبدأ العقلانية والمقصود به عندهم هو الاهتمام بالعقل وحده، بمعنى آخر أن العقل هو السلطان الداخلي الذي يملكه الإنسان للحكم على جميع الأشياء كيفما كانت، وللعمل وفق هذا الحكم، فإذن بمعنى هذا أن هذه العقلانية وخاصيتها – كما تلاحظون – أنها موقوفة على الإنسان، يعني, وإيقافها على الإنسان يجعل أنها تـتنافى مع الوحي، مع الرسالة، بمعنى أن السلطان الذي ينبغي للإنسان أن يأخذ به في حكمه على الأشياء هو العقل وحده، وليست الرسالات، وليس الوحي.
هذه نقطة أساسية، فإذن مبدأ العقلانية بهذا النوع أنا لا أسميه عقلانية، أسميه تجريدية، لأن التجريدية هي الاشتغال بالعقل دون الاشتغال بالوحي، يعني عقلانية الحداثة بهذا المعنى عقلانية مجردة، وتجريديتها آتية من كونها تريد أن تكون اشتغالاً بالإنسان وكفى، هذا عن المبدأ, مبدأ العقلانية المجردة.
ثم المبدأ الثاني الذي قلتم: مبدأ العلمانية.
وأولاً: أريد أن أصحح وأرجو وأعتبر أن هذه التسمية خطأ، كما أن التسمية الأخرى (العَلمانية) خطأ، أولاً: العِلمانية (بالكسر) تفيد أن الحداثة تتبع طريق العلم في كل شيء، هذا مفهومها في اللغة العربية، وليس المقصود وليس هذا المدلول يوجد في مقابلها الأجنبي على الإطلاق، بينما المراد في المصطلح الأجنبي هو الاهتمام بأمور الدنيا دون الاهتمام بأمور الآخرة، هذه نقطة.
أما العَلمانية فأيضًا لا تجوز، لماذا؟ لأن العلمانية من العلم، والعلم هو العالم، والعالم يحمل معنى العلامة، والعلامة تشير إلى صاحبها، يعني تشير إلى دلالة غيبية، هذا لا يمكن أن يقبل به الحداثيون في عقيدتهم.. فإذن في نظري التسمية الصحيحة لهذا المبدأ ليس مبدأ العِلمانية ولا العَلمانية، وإنما مبدأ الدنيوية، يعني التعلق بالدنيا والاهتمام بالدنيا وحدها دون الاهتمام بالآخرة..
(فاصل إعلاني)
مولانا قبل الفاصل كنت ذكرت الدنيا في معرض الاتهام، العقلانية هي سلطان داخلي للإنسان من حيث هو إنسان ولا آخرة، اهتمام بأمور.. العلمانية اهتمام بأمور الدنيا، يعني, أين الخلل في الاهتمام بأمور الدنيا بهذه الطريقة؟
د. طه عبد الرحمن:
أولاً: مبدأ العقلانية يُخل، العقلانية كما سميته بمبدأ التجريدية هذا المبدأ يخالف مبدأ الإيمان بالرسالة، لأنك لاتتخذ سلطانًا في حكمك على الأشياء غير العقل والسلطان الوحيد الموجود مقابلاً للعقل في الحكم على الأشياء بالنسبة للمسلم هو الرسالة، هو الوحي، فإذا هنا الخلل يقع. ثم النقطة الثانية من حيث مبدأ ما أسميته مبدأ الدنيوية والآخرون يسمونه مبدأ العلمانية، الخلل موجود في كون قصر الاهتمام على الدنيا دون الآخرة، بمعنى أن التفكير في الدنيا ينبغي أن يستقطب كل اهتمام الحداثي، ولا يهمه مبدأ الآخرة، فإذن الخلل موجود في قصر الاهتمام على الدنيا دون الآخرة، بينما بالنسبة للمسلم الدنيا الاهتمام بها مطية للاهتمام بالآخرة، ثم فوق هذا اهتمامه بالآخرة خادم له ولحياته الدنيا، وهذه نقطة غابت عن الكثيرين، فالاهتمام بالآخرة ليس خروجًا عن الاهتمام بالدنيا، بل الاهتمام بالآخرة وسيلة للرجوع إلى الدنيا والاهتمام بها بأفضل مما اهتم بها الإنسان لو أنه ترك الاهتمام بالآخرة.
ماهر عبد الله:
طيب إحنا في الإعلان عن هذه الحلقة وفي نقاشاتنا السابقة لهذه الجلسة تحدثنا عن الحداثة والأخلاق، نحن نريد أن نحاكم الحداثة أخلاقيًّا إذا جاز التعبير.
أيضًا كأكاديميين نبدأ بالتعريف: ما الذي تقصده بالأخلاق؟
عبد الرحمن طه:
أولاً: تعريف الأخلاق في اللغة العربية وفي الإسلاميات سهل جدًّا، ولكن التفطن إليه لم يكن متيسرًا، لماذا؟ لتأثير النظريات الأخلاقية اليونانية، وغيرها الفارسية، وربما الهندية – أيضًا – على التصور الأخلاقي.
الخلق في اللغة العربية وفي القرآن – كما سنرى – يقابل الخَلق، بمعنى أن هذه المقابلة ستفيدنا في بيان معنى الخُلُق، فكما أن الخَلق هيئة فكذلك الخُلق هيئة.
فكما, ثانيًا: فكما أن الخَلق هيئة للجسم, فكذلك الخُلق هيئة للنفس.
ثالثًا: فكما أن الخَلق هيئة ناتجة عن فعل محله الجسم، فكذلك الخُلق هيئة ناتجة عن فعل محله الروح.
بمعنى آخر أن الأخلاق عبارة عن هيئات ناتجة عن أفعال روحية كما أن الخَلق عبارة عن هيئات ناتجة عن أفعال جسمية..
ماهر عبد الله :
طيب هذا التعريف سيضع… تفضل
عبد الرحمن طه:
أريد – فقط – أن أستشهد، وأعطي الدليل من اللغة والدليل من القرآن على أن هذا الجمع, أن هذا الاتصال بين الخُلق والخَلق ثابت أولاً: لفظ (الخليقة) في اللغة العربية يفيد معنى الخلق والناس، ولكن كذلك يفيد معنى الخُلق بدليل الحديث المروي عن الترمذي: (قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل لسانه صادقًا، ونفسه مطمئنة، وجعل خليقته مستقيمة)، فهنا لفظ الخليقة يجمع، ثم الآية القرآنية المشهورة في هذا الباب هي الآية التي تتعرض للفطرة: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرةَ الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}, بمعنى أن, وما معنى الفطرة؟ هي مجموعة المعاني الأخلاقية المبثوثة في روح الإنسان، أو المكونة لروح الإنسان، وهي خَلق, هي خَلق وخُلق في نفس الوقت.
ماهر عبد الله:
هذا التعريف سيضعك في صدام مباشرة مع الحداثة التي نتحدث عليها، والتي قلت: هي سعي دائم للإبداع، والتي هي غربية الطابع حتى هذه اللحظة، لأنها حاولت أن تقطع مع الأخلاق، لأنها أساسًا قطعت مع الدين.. فكيف ستوفق بين تعريفك للحداثة وتعريفك للأخلاق وبين ما نرى من نموذج غربي للحداثة وهو ناجح بكل الموازين؟ لكن أوجد هذه القطيعة مع كل ما هو خلقي، أو حاول – عفوًا – أن يؤسس للأخلاق على أسس غير دينية.
د. عبد الرحمن طه:
أولاً: أقول قولا عجبا, أني أقول بأن الحداثة أولاً لم تنجح نهائيًّا في القطع مع الأخلاق الدينية، وسأعطي وجوه هذا العجز أو هذا القصور، أولاً: حاولت انفصالات، وقد نشهد لها بانفصالات ثلاث:
حاولت أولاً الانفصال عن سلطة الكنيسة الكاثوليكية (عن سلطة الكنيسة) مع حفظ الصلة بالدين المسيحي، وهذا واضح تمامًا في ثورة الإصلاح الديني، فهو يعني الإصلاح الديني، رجع البروتستانت رجعوا إلى الدين المسيحي، ولا يمرون عبر الكنيسة، وكذلك المحاولات التي تلت فيما بعد الإنجيليكان في إنجلترا.. فإذن هناك انفصال أولاً، هذا الانفصال إنما هو انفصال عن الكنيسة لصالح العودة إلى الدين.
ثم هناك محاولة ثانية جاءت تالية فيما بعد هو الانفصال عن الدين المسيحي مع حفظ الصلة بمبدأ الدين، يعني أنهم يقطعون مع الدين المسيحي، ولكن لا يقطعون مع الدين، بدليل أنهم أرادوا وضع أديان من عندهم فوضع (روسو) دينًا أسماه بالدين المدني، وقال بأنه يقوم – أيضًا – على الإيمان بالله واليوم الآخر، وذكر مسائل أخرى فيه، وأسماه بالدين المدني، وكذلك الدين الوضعي الذي سنراه مع (كانت) وهو عبارة عن بنية الكنيسة دون عقيدة الكنيسة، فهذه أمور لابد منها أن نشير إليها، فهذا الانفصال الثاني.
ثم هناك انفصال ثالث، الانفصال الثالث كان انفصالاً عن مبدأ الإيمان الديني، لكن مع حفظ الصلة بالأخلاق التي يتضمنها الدين بدليل الثورة الفرنسية حافظت على المعاني الأخلاقية التي كان يدعو إليها الدين، وهي: الأخوة أو الإخاء, وبعض من مبدأ المحبة الذي يقول به المسيحيون، وكذلك الحرية، وكذلك المساواة فهذه كلها تدل على أن الانفصال لم يكن انفصالا – أولاً – لم يكن انفصالاً دفعة واحدة بل كان على مراحل. ثانيًا: لم يكن انفصالاً كليًّا بل كان جزئيًّا.
ماهر عبد الله:
هل ترى من عودة تدريجية أيضًا، هذا انسلاخ تدريجي، هل هناك عودة تدريجية؟ نحن الآن نسمع عن قيم جديدة، قيم ما بعد حداثية جديدة ثمة مكان يبحث عنه للدين في الحياة العامة في الحداثة الأوروبية.
عبد الرحمن طه:
هو في الحقيقة لما انتهت الخطابات الكبرى، كالخطابات الأيديولوجية المعروفة، ما هوش فقط الخطاب الماركسي ولا الخطاب مثلاً الأنواري بل الخطابات المختلفة الكبرى، نسميها الخطابات الكبرى، وبعد أن لاحت في الأفق أن قوة الإنسان أخذت تنقض عليه هو ذاته، وعلى ذريته من بعده، من مسائل أسلحة دمار, دمار شامل، ومن إمكانات التغيير في المولدات الإنسانية، وما إلى ذلك حدث فراغ أخلاقي, بحيث يعاني, أصبحوا, خصوصًا في النصف الثاني من القرن العشرين، هناك شعور بتهافت الأساسيات والمرجعيات، وشعور بفراغ أخلاقي، وطبعًا بدأت أولاً الدعوة وتزايدت إلى التخليق، لابد من التخليق حتى قيل: إما أن يكون القرن الواحد والعشرين قرنًا أخلاقيًّا أولا يكون. هذه عبارة أصبحت مشهورة..
(موجز أخبار)
ماهر عبد الله:
الدكتور طه عبد الرحمن فليسوف ومتخصص في علوم المنطق، ولعل أجمل كتبه لمن لهم الجلد على قراءة الفلسفة, هو كتاب (تجديد المنهج في تقويم التراث) والذي أصل فيه لآلية داخلية من داخل الثقافة الإسلامية, من داخل التراث الإسلامي لفهمه واستيعابه دون أن نسقط عليه نظريات الآخرين ومفاهيم الآخرين.
كنا يا دكتور قبل الموجز وصلنا إلى مظاهر عودة الأخلاق بمعناها الديني في الحداثة الغربية، لكن قبل أن أعطيك الفرصة للإجابة, ثمة ظاهرة ملاحظة عند من يُسموا, أو يسمون بالحداثيـين العرب وهي: تأخر الترجمة قرابة الـ15 إلى الـ20 عامًا، يعني كل كتاب يظهر في الفلسفة الغربية، كل كتاب لتحديث الحداثة الغربية يتأخر عقد إلى عقدين من الزمن حتى يترجم في الفترة التي ظهرت فيها بعض المؤشرات التي تـتحدث عنها، ثمة إصرار على الإلحاد في الحداثة العربية، فنبدأ بمظاهر العودة إلى الدين، ثم تعليقك على إن كانت هناك حداثة عربية أم لا؟
د. عبد الرحمن طه:
فكما قلت فإن المظهر الأول هو أنه تزايدت الدعوة إلى التخليق، وكما قلت: قال كبار, أحد كبار علماء الاجتماع هذه المقولة المشهورة: إما أن يكون القرن الـ21 قرنًا أخلاقيًّا أو لا يكون. المهم لما تزايدت هذه الدعوى انتشرت بعض الطوائف والمؤسسات الدينية في المجتمع الغربي، وظهرت بعض الزعامات الروحية.
أما المظهر الثاني وهو: استثمار بعض المفكرين الجدد والمحدثين للمعاني الإيمانية والإلهية في بناء نظرياتهم الفلسفية، وإذا شئتم أذكر مثلا, كثيرين منهم من أقرَّ بذلك ومنهم لم يقر مثلا (ريكار), مثلا (هايد غير) مثلا (ديريدا)..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
حتى, حتى الذين يقرون، لو تجاوزنا هؤلاء (دريدا) لو عدنا إلى (إسبانوزا) في القرن السادس عشر، في كتابه عن الأخلاق يتحدث في فصل كامل عن الإله، قد يكون له فهم عجيب للإله، لكنه مُصر على أهمية وجود الإيمان، من يترجمون (إسبانوزا) في العالم العربي الآن يصرون على أنه مؤسس للإلحاد في العالم العربي، يعني ثمة نقل شنيع.
د. عبد الرحمن طه:
فرق, فرق بين التأسيس للإلحاد، هو لا يؤسس الإلحاد، هو دخل في عملية سادت في ذلك القرن بينه وبين (ديكارت) ويشترك مع ديكارت في هذا، هو تعقيل الدين، هو إدخال العقلنة على الدين، طبعًا تبعه (كانت) فيما بعد، إنما (كانت) عَقَّل الدين، واعتبر الدين بمسلماته هو ثمرة الأخلاق، هذه النقطة لا أريد أن أفصل فيها الآن، لأنها دقيقة جدًّا، ولكن يكفينا أن المفكرين الجدد وأشهرهم اليوم, يعني, (ليفيناس) في هذا الباب، إنما المظهر الثالث وهو عجيب وغريب هو محاولة التوفيق بين العلمانية (مبدأ العلمانية) أو مبدأ ما أسميه الدنيوية، والدين المسيحي، كيف ذلك؟!
قالوا بأن مبدأ العلمانية موجود في المسيحية بدليل أن المسيحية تفصل ما بين لقيصر, بين ما لقيصر وما لله، فإذن العلمانية هي وليدة الدين المسيحي. وقالوا – أيضًا – حاولوا أن يجدوا أصلاً آخر فقالوا: المسيحية تنبني على التوحيد، والتوحيد ينـزه الله – تعالى – أن يشابه الإنسان ويشابه الطبيعة، وهذا يتفق معنا، لا ينكره أحد، ولكن أضافوا: ينـزهوه عن التدخل في شؤون الإنسان وفي شؤون الطبيعة، بمعنى أنهم حاولوا هذا التوفيق.
ثم الأمر الرابع الذي يدل على هذا الرجوع هو ظهور ما يسمى بالأخلاقيات التطبيقية, هذه اليو انتشرت, Applied Ethics انتشرت هذه الأخلاق بحيث نجد أخلاق الأعمال وأخلاق الإعلام، أخلاق طب الحياة، أخلاق البيئة، أخلاق كذا، كل مظاهر الحياة اليوم ينادي أصحابها وأربابها, ينادون بوضع تخليق لها، ولا يقفون عند هذا الحد بل يطالبون بإشراك رجال الكنيسة في اللجان التي تؤسس لوضع هذه القواعد الأخلاقية لهذه المجالات، فيشركون رجال الدين، وهذه نقطة في غاية الأهمية.
أما عن قضية الحداثة العربية فأنا كتبت، ولا أخفي هذا، وأصرح به في كتاباتي، أنه لا وجود لحداثة عربية، الحداثيون العرب مقلدون، لماذا؟ لأني حددت الحداثة بالإبداع، شرط الحداثة لا تكون حداثيًّا حتى تكون قادرًا على الإبداع، وما لم تبدع لا تكون حداثيًّا.
بينما ماذا نلاحظ في الحداثة العربية؟ هي عبارة عن تقليد لحداثة, على حداثة أجنبية، وهذا التقليد لا إبداع فيه، فكيف يكون صاحب هذا التقليد مبدعًا؟
فإذا ظهرت التفكيكية صاروا تفكيكيين، وإذا ظهرت البنيوية صاروا بنيويين فأنا لا أنكر النقل، ننقل ولكن نحسن الإبداع في النقل، بمعنى آخر: ينبغي للحداثي الذي يأخذ، وأنا آخذ من الغرب، ولكن عملية النقل تظهر فيها ملامح الإبداع، بحيث يصير المنقول عند العربي غيره عند أصله, في أصله الغربي، بحيث الشيء يصبح له وجهان: وجه إبداعي عربي، ووجه إبداعي غربي، وكلا الإبداعين يدخلان – حتمًا – في الحداثة ما دامت الحداثة مقتضاها الأول والأخير هو الإبداع..
(موجز أخبار)
ماهر عبد الله:
دكتور طه عبد الرحمن يتميز عدا عن كونه فيلسوفا بأنه يكتب في الفلسفة بالعربية والإنجليزية والفرنسية, وله مؤلفات حول اللغة المستخدمة في الفلسفة باللغة الفرنسية.
يعني, هذا اتهام كبير وتصريح خطير، ليست هناك حداثة عربية فما الذي يجري إذن وكثير من الأسماء تلمع على أنها أسماء مفكرة عربية.
د. طه عبد الرحمن:
طبعًا اشتهرت أسماء، هذا لا ننكر، لماذا اشتهرت؟ لأنها تأتي بالغريب الذي لم يسمعه العربي ولا المسلم من قبل، فطبعًا كل جديد يثير الناس، ويجلب الناس، ولكن قيمة هذا الجديد، هو جديد منقول، هذا قيمة هذا الجديد المنقول لا تستمر، لماذا؟ لأن هذا الجديد المنقول لن يستطيع أن يثبت جذوره في المجال التداولي العربي إلا إذا تمت إعادة إبداعه, تمت إعادة إبداعه في المجال العربي، فنحن مع الأخذ عن الغرب، ولكن مع إعادة إبداعه، هناك إبداع أحدثه الغرب، فنحن نحتاج إلى إعادة الإبداع، لا معنى لتكرار الإبداع، لا تحصيل الإبداع في هذا.
ماهر عبد الله:
اسمح لي، أنت نقلتني لسؤالي التالي إذا كانت الحداثة الغربية هي عقيدة – كما أشرت – وتدعو إلى الفصل بالتدريج بين الأخلاق والدين بغض النظر عن مرحلة العودة الحالية.. كمسلمين من المنطلق الروحاني الذي تدعو إليه، كيف نتعامل مع هذه المكتسبات؟ لا نريد لهذا التعامل أن يكون مقصورًا على أكاديميـين، على فلاسفة، كيف, كثقافة عامة: كيف نتعامل مع هذه المكتسبات؟
د. طه عبد الرحمن:
هذه نقطة في غاية الدقة، كيف نتعامل مع الحداثة الغربية؟ نريد هذه الحداثة، ولكن كيف نريدها؟ نريدها مبدعين حتى نكون حداثيـين؟ فإذن ينبغي أن نستوفي أولا شرط, أن ننطلق من المشترك بيننا وبـينهم، ما هو المشترك بيننا وبينهم، بين الذين ننقل عنهم؟ المشترك أولاً أنهم بينوا لنا، وأظهروا لنا على أن الحداثة إبداع فإذن ينـبغي أن نكون مبدعين.
ثانيًا: الشرط الثاني هو أن ننطلق معهم – بالنسبة للأخلاق – من مفهوم مشترك بيننا وبينهم وهذا المفهوم المشترك بيننا وبينهم هو مفهوم التأنيس، وأقصد بذلك دعوتهم إلى الإنسان, إلى اعتبار الإنسان, دعوتهم بالنسبة إلى, بأن الإنسان قادر على أن يأخذ الأمور بسنانه، ويحدد مصيره، وله حقوق وله واجبات وما إلى ذلك، يعني العناية بالإنسان، فإذن الأخلاق بالنسبة لحداثيي الغرب وظيفتها هو تأنيس تحصيل التأنيس، فنحن نوافق تمامًا، وهذا يتفق تمامًا مع الإسلام لماذا؟ لأن الأخلاق هي المحدد للإنسان، لا يتميز.. كما هو الأمر عند الغرب يتميز الإنسان عن غيره، وخصوصًا الحيوان، وقد نقل العرب هذا والمسلمون، وقرروا بالعقل.. الإنسان يتميز عن الحيوان ليس بالعقل، لأن العقل موجود عند الحيوان إنما بدرجة أقل، إنما الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان هو الأخلاق، فالحيوان لا تكون له أخلاق، الأخلاق تكون للإنسان، فهُوية الإنسان أصلاً هوية أخلاقية، فإذن معنى هذا أن هناك عنصر نشترك فيه مع الحداثيين الغرب هو مسألة التأنيس.
فإذن ينبغي أن نستوفي شرطان: شرط الإبداع، وشرط التأنيس، فإذا أخذنا عنهم أمورًا هم فصلوها عن الإيمان، فصلوها, قالوا نفصلها عن الإيمان ننظر أولاً هل هذه الأمور التي أبدعوها هل هي فيها قيم معينة؟ على أية قيم تنبني؟ ما هي القيم التي تدور عليها هذه الأمور؟ نحدد أولاً هذه القيم ثم ننظر هل هذه القيم توفر التأنيس؟ هل هي توفر حقا التأنيس أو لا توفره؟ فإذا وفرت هذا التأنيس، وطبعًا وفرت هذا التأنيس بحيث لما قمنا بعرضها على معايير التأنيس، ووجدناها مؤنسة فآنذاك نقوم نحن بتأسيسها إيمانيًّا، ما دام التأنيس يدعو إليه الإيمان، يعني لما يثبت عندنا أن ما نقلناه من مستحدثات الغرب ومن إبداعاته واختراعاته أنها تحقق التأنيس، آنذاك نقوم بتأسيسها، ولنا المشروعية لأن نعطيها مشروعية المجال التداولي الإسلامي, نعطيها مشروعية, فإذن يحق لنا من ناحية الإسلام أن نؤسس إيمانيًّا الأمور التي لم يؤسسها غيرنا على الإيمان ما دامت لا تخالف هذا الإيمان.
وإذا لم تكن تأنيسية، يعني هذه المكتسبات التي جاء بها الحداثيون في الغرب لم نجد فيها حقًّا هذه الوظيفة التأنيسية، فماذا نفعل؟ بالنسبة لنا نبين فيها آمرين: أنها تخلو من الإبداع، وبالتالي أنها تخلو من الحداثة ولو أتى بها حداثيون، فليس كل حداثي يقول ما هو حداثي، فقد يأتي الحداثي بشيء لكنه ليس من الحداثة في شيء، فالشيء الحداثي أو الشيء الحديث ليس الحكم فيه بمقتضى صاحبه، إنما بمقتضى تحقيقه لمفهوم الإبداع الذي تكلمنا عنه.
ماهر عبد الله:
أنت ذكرت موضوع الإبداع، لكن ثمة قضية عندما قلت نعطيه قيمة, تحديد القيمة, الحداثة الغربية ترفض الأحكام القيمية, واضح أنت كإسلامي, كبني آدم, منطلقه الأساسي ديني، لابد له من منظومة قيمية خلقية, هذه يبدو أنها تتنافى جوهريًّا مع ما يسود.
د. طه عبد الرحمن:
أولاً مسألة القيم هذه مسألة دقيقة جدًّا، أولاً منذ ما يزيد عن نصف قرن علاقة القيمة بالواقع علاقة أصبحت اليوم الكل يقر بتداخلها، بل هذا الزوج (القيمة والواقع) أصبح زوجًا مشكوكًا، زوج بمعنى زوج مفترق، يعني انفصال القيمة أمر مشكوك فيه جدًّا، كانفصالات أخرى شك فيها العلماء, علماء العلم, فقهاء العلم مثل التفرقة بين الواقعة والملاحظة, التفرقة بين الواقعة والنظرية، والتفرقة بين الوصف والقيمة وما إلى ذلك، فهي تدخل في سياق مراجعة القيم، ومراجعة هذه التفريقات.
والقيمة في الحقيقة هي المظهر الذي يدخل به الإنسان في الأشياء، ومقصودي بهذا هو: كلما ربط الإنسان نفسه بالأشياء هذا الربط ينزل على الأشياء قيمًا بمعنى: القيمة لولا الإنسان لما وجدت، فوجود الإنسان هو الذي يُضفي على الأشياء قيمًا، وبالتالي هذا الوجود لا يأتي بهذه القيمة من الأشياء نفسها، بل يأتي بها من الفطرة التي خلق بها، وهي جملة المعاني القيمية والأخلاقية التي خلقه الله – سبحانه وتعالى- فإذن دخول الإنسان في العالم هو دخول ديني أصلاً، يعني دخول بالفطرة التي خلقه الله عليها، وهذا الدخول هو الذي يجعل هذا قبيح وهذا حسن، وهذا مفيد وهذا غير مفيد، وأعطيك دليلاً قاطعًا على هذا حتى تقتنع، لو نفرض على أننا أردنا أن نخرج قيمة من الواقع سنجمع، تصور على أني سأرقم جميع الوقائع الممكنة، أينما وجدت واقعة أرقمها إلى أخرى، قد يصير بي الأمر، وأستنفر آخرين معي ليجمعوا الوقائع لن تجد خارج هذه المجموعة قيمة، ستجد دائمًا واقعة أخرى، إما واقعة كبرى، وإما مجموعة من الوقائع، لن يصدر منها لن يظهر فيها قيمة أبدًا, بمعنى آخر أن هذه القيمة هي في الأشياء بمقتضى فطرة الإنسان، هي في الأشياء بمقتضى دخول الإنسان فيها، بمقتضى ما يحمله من دين أنزله الله عليه، ومن دين فطره الله عليه.
فإذن هذا رأيي بالنسبة للقيمة، وطبعًا, طبعاً الأمور الدينية عند هؤلاء يقومون بصبغ طابع العلمانية عليها، ومحاولة إعطاء تعقيلها، وإعطائها صورة العقل الموضوعي، ولكن في الحقيقة، فضلاً عن ذلك، أمر آخر أن القيم متعددة جدًّا بعضها أصيل وهو الآتي من الفطرة، وبعضها غير أصيل, إما آتي, وقع قياسه على الأصيل ابتكر من الإنسان، ولكن قاسه على ما هو أصيل، ومنها ما هو فرعي، ومنها ما هو أصلي، ومنها ما هو دائم ومنها ما هو يتغير وما إلى ذلك.
ماهر عبد الله:
اسمح لي عند هذه النقطة أن نشرك معنا الإخوة المشاهدين، معي الأخ (أحمد قعلول) من بريطانيا. . أخ أحمد تفضل.
أحمد قعلول:
السلام عليكم، يسرنا أن نستمع لأستاذنا الدكتور طه عبد الرحمن في حلقتكم الجليلة، وأنا من تلامذته، ولا أزال أعتبر نفسي تلميذًا له، السؤال الذي أريد أن أوجهه للدكتور طه عبد الرحمن هو: ألا ترى معي، يا دكتور، أن الوجه الأخلاقي للحداثة تبدى جليًّا في معاملة الغرب للمجتمعات الأخرى، فكانت الحداثة في أخلاقها تسلطًا واستعمارًا وعنصرية وعنفًا، وهي الآن تتبدى في ممارساتها حتى داخليًّا داخل المجتمعات الغربية نفسها في ممارسة كل هذه الأخلاق أو تجديدها، وكذلك ألا ترى أن افتقاد الحداثة للمرجعية النصية بخلاف ما هو متوفر لنا في الحضارة الإسلامية أوقع كل القول الحداثي والفلسفي في فراغ بحيث لا يقدر مفكر غربي أن يؤسس لأي قيمة أخلاقية يتأسى بها الناس في أفعالهم وممارستهم الاجتماعية, والسلام عليكم وبارك الله فيكم.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا، معاي الأخ بشير نافع من بريطانيا أيضًا.. تفضل.
بشير نافع:
السلام عليكم سيد ماهر، وعلى ضيفك الكريم، الحقيقة أنا عندي ملاحظتين صغيرتين: الأولى حول مسألة الأخلاق والقيم.. طبعًا الدكتور طه عبد الرحمن أوضح الإشكالية في العلاقة بين الأخلاق والقيم والواقع الأوروبي الغربي الحديث، المسألة التي ينبغي الانتباه إليها في هذا المجال أن موضوعة الأخلاق والقيم لم تختفِ، لم تكن هناك بالفعل كما ذكر الدكتور عبد الرحمن قطيعة كاملة ونهائية مع القيم والأخلاق، وإنما الذي حدث أن القيم والأخلاق تحولت إلى مسألة وضعية، بمعنى أنه لم تعد هناك حدود بين المتغير والثابت على مستوى القيم وعلى مستوى الأخلاق، بمعنى أنه بالإمكان الآن بمجلس العموم البريطاني أو البرلمان الفرنسي أو الكونغرس الأمريكي أن يصدر قانونًا يحدد ما هو شرعي وما هو مقبول في مسألة الشذوذ الجنسي مثلاً، في مسائل الاختلاس المالي، في أي مسألة من مسائل الأخلاق التطبيقية التي أشار إليها الدكتور طه عبد الرحمن، فهنا الإشكال في الحداثة الغربية أنه الأخلاق أصبحت مسألة وضعية تمامًا.
المسألة الأخرى: هي العلاقة بالدين، يعني أنا عندي الآن شك في ضوء الأبحاث الحديثة في تاريخ الفكر السياسي الغربي حول ما إذا كان فيه هناك سياق أوروبي واحد لتطور مسألة العلمانية، بمعنى أن هناك في بعض مناطق من أوروبا النقاش الذي بدأ في مطلع عصر النهضة وفي عصر الإصلاح الديني، النقاش كان حول جعل الدين مجالاً عامًّا، وليس حول القطيعة مع الدين، يعني, تحويل الدين من مجال محتكر للكنيسة والمؤسسة الكنسية إلى أن يكون مجالاً عامًّا لكل إنسان، فيه سياقات أوروبية أخرى – والسياق الفرنسي هو السياق الأشهر طبعًا – حدث هناك قطيعة كاملة، ليس هناك – ربما – علمانية واحدة أو ليس هناك دنيوية واحدة في السياق الأوروبي، وإنما يكون هناك دنيويات باستخدام مصطلح الدكتور عبد الرحمن.. شكرًا.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا أخ بشير، معي الأخ (أحمد هويس) من سوريا. . تفضل أخ أحمد.
أحمد هويس:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكما، قال تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيره)
والله لا عذر لنا إن بقينا في ضبابية مغلقة على الجمهور، الموضوع ديني بين التكوين الأخلاقي للحداثة الدينية وحداثة الدعاة، فإن كان لها جوانب فلسفية فالمفروض أن نركز على ما يثري الحصيلة الدينية لكي ننسجم مع برنامجنا (الشريعة والحياة) ما يثري حصيلة المثقفين والمتخصصين في قضايا الدين والفكر. . إخوة الإيمان من حلب ظئر الإسلام والعروبة أحييكم، الأخلاق معيار نسبي للحداثة وأربابها، قوامه الوازع الديني، الدكتور لم يفصل بين الأخلاق وأنسنة الأخلاق، وبين الوازع الديني كقوة الضمير، أنسنة وليس إنسية، أنسنة, كما نقول عولمة ودبلجة وفبركة وبرمجة، الأخلاق معيار نسبي للحداثة وأربابها قوامه الوازع الديني والثقافة الموسوعية المتخصصة، إن أخطأ العالم الفقيه المستنبط الراسخ في العلوم الدينية، إن أخطأ خطأ ظاهرًا، حتى لو كان أديبًا كـ(طه حسين) فخطؤه غير خطأ الأديب أو العالم أو الشيخ العادي الذي ليس أكاديميًّا، كل يناط بمكانته العلمية، نجيب مثال: (طه حسين) كأديب كبير أكاديمي إن أخطأ خطؤه ليس كخطأ (عباس محمود العقاد) وهو بدوره أديب كبير، لكنه غيرأكاديمي، ولا يحمل شهادات عليا أو دكتوراه. إن كان العقاد في كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء) ندخل في الموضوع مباشرة إن كان العقاد في كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء) جانب الدقة والأمانة العلمية في التاريخ، وجانب النـزاهة والموضوعية، وكتب بإنشائية تلفيقية مفضوحة، فإن طه حسين كأديب كبير وعميد للأدب والفكر ارتكب جريمة أكبر في كتابه (الفتنة الكبرى) عن سيدنا علي – كرم الله وجهه – الجزء الثاني (علي وأبناؤه) أسوأ من كتاب العقاد، وفي هذا الكتاب دس وتلفيق وفتنة، أعاد الفتنة جذعاً من جديد.. هذه كتب حداثية في القرن العشرين ومثل ذلك الكتب كتب طه حسين التالية: (حديث الأربعاء) ثلاث أجزاء وكتاب (في الشعر الجاهلي) وكتاب (مستقبل الثقافة في مصر) وكتاب (على هامش السيرة) حيث أساء فيه للسيدة خديجة أم المؤمنين – رضي الله عنها – يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي وهو دكتور بالفلسفة وفقه اللغة موسوعة وهو أستاذي الرجل, يقول: استدعانا طه حسين في أسبوع مرضه يعني قبل ما يموت بخمسة أيام، طلب منا حذف الكتب التالية من مكتبته من المكتبة العربية، ونشر هذا عن لسانه، الكتب الخمسة التي ذكرت وقال أيضًا: لكي لا يكون (خلف الأحمر) أفضل مني فإني أعترف بأخطائي قبل أن أقابل وجه ربي، وطلب من عُواده في مرضه الأخير حذف هذه الكتب المسيئة من المكتبة العربية وبين السبب طبعًا، وهو الحداثة.
ماهر عبد الله:
أخ أحمد، أريدك أن تدخل أكثر في موضوع حلقتنا اليوم، وتختصرها بسؤال.
أحمد هويس:
على رأسي، أنا حساس لها لناحية هاي، أما بالنسبة للحداثة، كلام محدث أو موضوع محدث، وحديث أي جديد، والبديع في الكلام أيضًا هو الجديد، ومنه البدعة. والحداثة في الشريعة والدين كلام مرفوض لكونه بضاعة المستشرقين يضعنا مواضع الشبه الدينية والريبة والإساءة, "إياكم ومحدثات الأمور (أي البدع) كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، فالحداثة يمكن أن ننعت بها المتغيرات كالاجتهاد والفتوى والقياس والمصالح المرسلة، أما الثوابت في الدين والأمور العقيدية اليقينية فلا حداثة فيها ولا تجديد فيها, أقصد القرآن والصحيح من سنة رسول الله وفقه العبادات فلا تحديث ولا حداثة فيها ولا تجديد، وإنما في فهمنا لها برؤية جديدة فنحن نجدد الرث البالي القديم العتيق، وهذا ينسحب على المتغيرات من الدين والشريعة لا على الثوابت الأصيلة الراسخة.
أما في العلوم الإنسانية والتجريبية الأخرى فلا بأس، أخي الدكتور ماهر, أخي الدكتورعبد الرحمن: لنفرق بين العلوم الإنسانية والآداب الحداثة جيدة فيها والمطلوب منا هذا، نحن لسنا ضد العلم، ولسنا ضد التأثر والتأثير، الحداثة بشكل عام تعريفها نقول: رؤية جديدة مبتكرة لفهم الحياة ومدى استجابة الأمم للنهوض بها عن طريق التقدم العلمي والرقي المتكامل تجديدًا وتحديثًا وإبداعًا خلاقًا بعيدًا عن السلفية التقليدية والنقل الأعمى بدون عقل ولا تدبر..
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
أخ أحمد هويس مشكور جدًّا على هذه المداخلة، وأنا أتمنى عليك مرة أخرى أن تختصر في المستقبل، أعتقد.. أثار مجموعة من النقاط وداخل مداخلة طيبة, نعود للسؤال الأول للأخ أحمد قعلول: أثار نقطة تداعيات هذه الحداثة في الغرب لم نرها في الأخلاق، تبدت في أخلاقيات الغرب، في قمع المجتمعات الأخرى, الاستعمار كان أول نتيجة للحداثة.
د. طه عبد الرحمن:
بالطبع المسألة من ناحية تطور الحداثة، طبعًا ابتدأت بمبادئ مثلى، بمثل عليا، وهذا مؤكد، ولكن بمجرد ما استقام للغرب القوة، استقامت له القوة قد غزا العالم، يعني, الحداثة يمكن أن تقول بأنها تفرعت إلى اتجاهين أو إلى طورين:
الطور الأول: هو طور استعمار، حقيقة أن الحداثة أدت إلى استعمار الشعوب التي لم تحظ من قبل بهذا النصيب من النمو، وسميت بذلك التغريب، يعني عملية التغريب. ثم هناك شكل آخر لتحول هذه الحداثة، هو ما يسمى بالتحديث وهو محاولة فصل مفهوم الحداثة عن أصوله الغربية، واعتباره نموذجًا مثالي يمكن تطبيقه على جميع الشعوب الأخرى.
أما قضية الأخلاق في المسلك الإنساني فطبعًا هذه مسألة لا تقتصر على الجانب الغربي فقط، هي موجودة في كل حياة الإنسان، الإنسان ينادي بمبادئ مثلى، ولكن واقعه شيء آخر، فنحن إذا اعتبرنا المبدأ هو مبدأ احترام الإنسان وكرامة الإنسان ولكن الواقع شيء أخر.
ماهر عبد الله:
هذا بيدخلنا في سؤال الأخ بشير عن الأخلاق, يعني عمليًّا لم تكن هناك قطيعة كاملة، إنما جرى بالتدريج تحويل الأخلاق إلى أخلاق وضعية بمعنى أنه يستطيع..
د. طه عبد الرحمن [مقاطعًا]:
قلت هذا، وضحت بما يكفي بأن هناك انفصال عن السلطة الكنسية لا عن الدين المسيحي، ثم جاء طور ووقع انفصال عن الدين المسيحي لصالح دين وضعوه، وكنت قد تكلمت عن الدين المدني مع (روسو) والدين الوضعي مع (أوجست كانت)، وقلت جاءت مرحلة أخرى أنهم ولو انفصلوا عن الإيمان بقوا يحتفظون بالمعاني الأخلاقية التي يحتويها الدين، فطبعا أخلاق, أما الأخلاق الوضعية باعتبار وضعها عن طريق العلم فطبعًا محاولات، ولكن أقول هو إلباس معاني أصلها ديني لباس العلم فكأنه نوع من علمنة المفاهيم الدينية، هذه ظاهرة مثلاً أعطيك: (كانت) وضع أخلاقًا يقول فيها: المبدأ الأول فيها هو إرادة الإنسان ماذا فعل؟ استبدل مكان إرادة الله إرادة الإنسان، واستبدل مكان الوحي العقل، واستبدل كثيرًا من المقولات الموجودة في نظريته الأخلاقية استبدلها مكان مقولات دينية، احترام الإنسان, مثلاً احترام الإنسان فهو مبدأ ديني، قضية التشريع, مثلا التشريع للإنسانية كلها، فهو يقول: افعل كما لو أنك تشرع للناس جميعًا يعني أنه يعطي للإنسان ما يقول به الحق – سبحانه وتعالى – في أنه يشرع للبشرية كافة، فبدلاً من أن يكون هذا التشريع أتي من الإله خارج الإنسان، جعله في داخل الإنسان، فهناك مبادلة قيم ومبادلة معاني بأخرى وقياس أحكام بأخرى، اللي في الحقيقة الأصل فيها كلها جميعا أحكام ومعاني جديدة.
ماهر عبد الله:
سؤاله الثاني كان عن العلاقة بالدين، هل كان هناك سياق أوروبي واحد تطورت فيه مسألة العلمانية، سواء بالطريقة التي ذكرت أن يضع الإنسان نفسه، هل كل الحداثة الغربية وضعت من المشرع البشري مشرع مكان الله سبحانه وتعالى، أم أن ثمة سياقات أخرى؟
د. طه عبد الرحمن:
المبدأ كما قلت لكم ينبغي التفريق في الحداثة بين عقيدتها وواقعها، العقيدة فيها مبادئ ثلاث هي: مبدأ التوجه إلى الإنسان وحده، ومبدأ التوسل بالعقل وحده، ومبدأ العمل للدنيا وحدها، هذه مبادئ يعتبرونها أصل من الأصول الأساسية التي تنبني عليه، أما الواقع فقد اختلفت المواقف من الدين، وتدرجت بالنسبة لفرنسا مثلاً حتى في التعليم حاولوا وضع أخلاق للمداس وضعية، ولكن حاولوا أن يحافظوا في نفس الوقت على الإيمان بالله إلى غاية مطلع القرن الـ20، فكان عندهم القيام بحقوق الإنسان وحقوق الغير وكذلك حقوق الله، وبعد ذلك جاءت مرحلة, أزالوا حقوق الله، وغير ذلك فهذه أمور لم تكن بالتساوي في جميع دول الغرب, في جميع بلدان الغرب وكانت على التدريج، ولذلك هذا أمر لا ننكره، وقد بينت, يعني أنا قلت هذا وقلت بصراحة في تحليلي للمسألة، فليس هناك قطيعة ويستحيل، وأقول يستحيل أن تقع هذه القطيعة بمعنى فصل، لا نجد فيما هو حديث شيء من القديم، يستحيل تمامًا وخصوصًا في الأمور الإنسانية, في الأمور الإنسانية لا يمكن أبدًا أن نحدث هذه القطيعة التي يدعي البعض.
ماهر عبد الله:
هذا يستنفر السؤال التالي والذي نربطه بمقدمة كلام الأخ أحمد هويس عن الوازع الديني، نحن لم نتحدث عنه بعد، تحدثنا عن أخلاق الدين، ودور الدين، ومحاولة زحزحتها في النموذج الغربي في الحداثة الغربية.. إلى أي مدى يقوم الوازع الديني بالتأسيس لمنظومة أخلاقية تفيد الإنسان في دنياه وقبل آخرته؟
د. طه عبد الرحمن:
أولاً: أخشى أن يكون الأستاذ هويس قد ارتكب معي ما يسمى بـ (مغالطة رجل القش) ما معناه أنه صنع موضوعًا لم أتكلم فيه أبدًا، وهو متى قال الحداثة الدينية أنا لم أتكلم عن الحداثة الدينية، وأتكلم عن التقويم الديني للحداثة بصفة عامة، يعني ما هي وجوه الوجود الديني داخل الحداثة؟ هذا هو موضوعي والحداثة الغربية بالضبط، فأنا لم أتعرض للحداثة الدينية بصفة عامة.. أما مسألة الوازع الديني.
ماهر عبد الله:
أنت أثرت فضولي على مسألة رجل القش، أيش قصدك برجل القش؟
د. طه عبد الرحمن:
يعني أنك تريد أن تنتقده شخصًا فلا تنتقده فيما طرحه، بل تصنع موضوعًا يقترب منه، فتوجه انتقادك لذلك التصور الذي سمعته.
ماهر عبد الله:
لا أعتقد، أن الأخ أحمد صديق لنا، ويتصل في كثير من الحلقات، فلا أعتقد أنه كان ينتقد هذا الجانب، ولعله ينبه إلى.. حتى لا يفهم الكلام أنه يشمل التحديث الديني كما يشمل الحداثة في قضايا أخرى، خلينا على الوازع الديني, يعني, قلت ما قلت,.. هل يمكن التأسيس على الأخلاق بعيدًا عن الدين؟ ما فهمته أنا من كلامك أنه لا يمكن الفصل والقطيعة النهائية غير ممكنة الحصول.. إذا كانت غير ممكنة الحصول، فمعناها أن الدين سيبقى هو الأساس والمنبع الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
د. طه عبد الرحمن:
أنا قلت في مبدأ الفطرة، فالفطرة هي التي تصنع الوازع الديني، وطبعا أحاديث الرسول موجودة فذلك الوازع موجود بالفطرة في الإنسان فإذا هذبه الإنسان فهو يقوم بدوره كما يجب.
ماهر عبد الله:
هذا ليس بسؤالي، سؤالي كان مقدمة لسؤال آخر وهو: أنه كل من درس علم المقاصد، ونحن اليوم نعيش عصر الحداثة الشرعية التي تتحدث عن المقاصد توضع الأخلاق عادة في المرتبة الثالثة والدنيا، نتحدث عن ضروريات عن حاجيات عن تحسينيات، أغلب من يكتب في الشريعة الإسلامية يضع مسألة الأخلاق تحت باب التحسينيات باعتقادك، وأنت ترى وتعطي هذه القيمة للأخلاق هل هي فعلاً أمور تحسينية أم لعلها أكبر من ذلك في حياة الإنسان؟
د. طه عبد الرحمن:
أظن أنه في بداية كلامي بينت أن الإنسان يتحدد أصلاً بالأخلاق، فالإنسان خَلقٌ مُتَخلَّق، فإذا استوفى الإنسان الأخلاق في حياته فهو يستوفي الإنسانية شرط الإنسانية، وطبعًا ما كنت أقول قولاً قد يكون عجبًا بالنسبة للبعض، فأعتقد شخصيًّا أنه ليس هناك باب في المعرفة الإسلامية أهمل مثلما أهمل باب الأخلاق، قد يقول قائل: إن الفلاسفة والمتكلمون والفقهاء تكلموا في موضوع الأخلاق، ولكن أهمية الأخلاق هي أكثر من هذا، لأنها لا تقل عن أهمية الفقه، لأن كل حكم شرعي يصحبه خلق، وكل خلق يصحبه حكم شرعي، فالأخلاق والفقه يحتلان وينـزلان مرتبة واحدة، فبقدر ما يكون هناك فقه يكون هناك تخلق وبقدر ما يكون هناك تفقه يكون تخلق..
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
بس اسمح لي شويه كلام ثقيل واسمح لي صعب الهضم، كل الكتب التي كتبت على شاكلة (إحياء علوم الدين)، وكلها في الأخلاق والتخلق.
د. طه عبد الرحمن:
ولكن أين ما كتب في الأخلاق بالنسبة لما كتب في الفقه؟ والأمران سيان، يعني كان التركيز على جانب الحكم ولكن لم يكن التركيز على أثر الحكم وهو الخلق، لأن فائدة الحكم الشرعي هو أن يترك أثرًا، يخلف أثرًا، فما دام هذا الأثر غير موجود فلا فائدة لهذا الحكم، ونجد في القرآن، أظن شخصيًّا أن القرآن كله لا يمكن أن نميز فيه الجانب الخلقي والجانب الفقهي في الحكم، بل نجد داخل النص الواحد مسائل نصنفها نحن في الأخلاق، وصنف نصنفه في باب الأحكام، بينما كل حكم شرعي يورث خلقًا، وقيمة الحكم الشرعي في تحصيل الخلق، فإذا لم يحصَّل هذا الخلق فلا قيمة لهذا الحكم الشرعي، لأن الأصل فيه هو أن يورث الخلق، فإذن بالنسبة لي أصول الفقه أو علماء الأصول – في نظري – وقد قلت بهذا النقد في كتابي (تجديد المنهج في تقويم التراث) في كتابي هذا وبينت كيف أن هذا التصنيف الذي وضعه الأصوليون استمدوه من المتكلمين، والمتكلمون كانت تسيطر عليهم تصور مادي عقلاني، فقدموا في الضروريات المسائل التي تتعلق بالحياة المادية، وألحقوا بها المصالح الحاجية، وقالوا بأن الضروريات لا يستقيم بفقدها نظام الحياة، والحاجيات يلقي يجد الإنسان العنت من فقدها، وجاؤوا إلى مكارم الأخلاق ووضعوها في باب التكميليات أو التحسينيات، وأقول صراحة هذا خطأ منهجي وشرعي، أولاً: الخطأ الشرعي أن هذا يخالف تمامًا النص، نص الحديث الصريح الذي يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" لا يمكن أن نتصور أن الإسلام كان محصورًا في التحسينيات، كان محصورًا في أفعال زائدة عن الحاجية، وعن الأفعال الحاجية والأفعال الضرورية. فقد يقول قائل: لا قد وضعوا الدين في كذلك حفظ الدين للمصالح الضرورية، أقول لهم صراحة أن وضعهم لهذا المقصد ولهذه المصلحة في زاوية الضروريات هو فهم ضيق للدين، لأنهم فهموا منه فقط الجانب العبادي أو جانب الأحكام، جانب الأحكام العبادية والتعاملية وانتهى الأمر، يعني لم ينظروا للدين كمنهج للحياة الدنيا من أجل الحياة الأخرى هذا أولاً.
ثانيًا: أن التقسيم الذي وضعوه تقسيم من الناحية المنطقية تقسيم فيه أخطاء كثيرة من جملتها: مثلاً لا يستوفي شرط الحصر، يعني قالوا المصالح الضرورية فيها حفظ المال، حفظ النفس أو حفظ الخمس، ولكن يمكن أن نضيف إليها العدل كما أضافوا، ونضيف إليها حفظ العرض وقد نضيف أشياء أخرى، فهو تقسيم بعد أولا لا يتوافر فيه شرط الحصر ثم التباين.
ماهر عبد الله:
تسمح لي، أقاطعك شويه، أنا عندي مجموعة هواتف تنتظر منذ فترة، الأخ (الجيلالي) من جنيف، أرجوك أن تختصر.. تفضل.
الجلالي:
هو تعليق فقط, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحياتي إلى الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن الذي هو أستاذي، ولدي تعليق بسيط وهو أنه لماذا صنف الأخ الصحفي الأستاذ الدكتور في جماعة الفلاسفة الإسلاميين، ونحن نعلم أن هذه الكلمة (إسلامي) لها جانب سلبي لا تناسب اتجاه الأستاذ طه عبد الرحمن؟
ماهر عبد الله:
أنت شايفه مسيحي, يعني؟
الجيلالي:
لا، هو مسلم وليس إسلاميّ، هو خطأ فادح أنكم تصنفون.. كان بإمكانكم أن تقولوا نعم: هو فيلسوف مغربي أو فيلسوف مسلم وليس إسلاميّ، لأن العبارة لها جانب سلبي.
ماهر عبد الله:
الأخ الجلالي هو سمع تعليقك، وسيعلق عليه – إن شاء الله – وستسمع من الدكتور، ومعي الأخ منذر عبد الله، وأرجو أن يكون مختصرًا أيضًا.
منذر عبد الله:
السلام عليكم، تعليق بالنسبة للحداثة أو العقلانية، كما بين الأخ بأن الحداثة التي لها عقيدة تقتضي فصل الدين عن الحياة، وبالتالي جعل الإنسان هو الذي يحدد النظام الذي يسير عليه من حياته نفسها، وهذا يجعل هذا المفهوم أو هذه العقيدة والمنهج الذي يسير عليه الغرب يجعله متصادماً مع ما عليه المسلمون من إيمان بالله سبحانه وتعالى، وأنه رب الكون والإنسان والحياة وخالقها جمعيها، وأنه خلق الإنسان لعبادته والامتثال لأمره، وأن بذلك يحقق للإنسان رضا الله سبحانه وتعالى، والذي هو يجسد السعادة الحقيقية للمسلم في الدارين في الدنيا والآخرة، وهذا جوهر العقيدة الإسلامية أن الحياة مربوطة بما قبلها ومربوطة بما بعدها، الذي يربطنا بما قبلنا هو أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه التي يجب أن نتمثلها، ونعيش بحدها.
ماهر عبد الله:
أخ منذر تسمح لي هذا الكلام يتفق فيه جوهره مع طرح الشيخ، فياريت تتفضل بسؤال مباشر له، لأن كلامك جميل، لكن حابين إحنا المداخلات تكون إضافة نوعية أو سؤال فتفضل إذا كان عندك سؤال.
منذر عبد الله:
أيضًا عندي تعليق بالنسبة لقوله أننا نستفيد من الغرب، هذه الكلمة عامة، وقد يُساء فهمها، فما المقصود أننا نستفيد من الغرب؟ باختصار: كما قال الأخ أحمد هويس إذا تعلق الأمر بالأفكار العلمية أو بالمسائل الإدارية التي تـتصل بالإدارة، بالمسائل الإدارية بالمواصلات أو الاتصالات أو تنظيم الطرق أو المدن فلا بأس، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – والصحابة من بعده استفادوا من الأمم الأخرى في هذا المجال، أما إذا تعلق بالأفكار التي تتصل بالعقيدة أو التي تتصل بالتشريع في بناء الإنسان وتكوين الإنسان وإحداث التغيير نحو الأفضل وتحقيق السعادة، فهذا لا يجوز أن يؤخذ إلا من محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أنه إذا تعلق الأمر بهذه المسائل يجب أن نتعبده بأخذ ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا يا أخ منذر وأرغب – ولازلت أتمنى – أن تكون المداخلات فيها إضافة لما قيل، الدكتور كان واضح في كلامه على الاقتباس المشروط، وعاب على الذين يأخذون من الغرب – أنا إذا كنت فهمت الكلام فهم صحيح – أرجو أن لا نصر على توضيح ما هو واضح، هذا البرنامج اسمه (الشريعة والحياة) نحاول من خلاله تكريس نظرة إسلامية، نحاول أن نطرحها بأسلوب عصري جديد، لغة نفهمها ونستخدمها في حياتنا اليومية الافتراض الأول هو: الدعوة إلى الإسلام. أما التخوف من أن هناك اقتباسًا فأنا لم أفهم من كلام الدكتور أي خوف، ولم أفهم أي تلميح ولا إشارة ولو من بعيد إلى الاقتباس في مسائل العقيدة، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم الذي تُصر على أن نتبعه لم يكن يذكر الناس بأنه مسلم في كل دقيقة كان يصعد إلى المنبر، ويخطب الخطبة ويفترض أن من حوله مسلمون، فأرجو أن لا نذكر أنفسنا بأننا مسلمون بين كل ثانية والأخرى آسف لمقاطعتك, وسأواصل معك دكتور طه عبد الرحمن هذا الحوار لكن بعد هذا الفاصل الذي يتخلله موجز من الأنباء.
(موجز أخبار)
اسمح لي يا دكتور الأخ (محمد إسماعيل) والإخوة الذين يسألون عن هواتف الضيوف، لا يمكن أن نعطي هواتف الضيوف على الهواء مباشرة لأنه لك أن تتخيل كم مئات من الناس ستحاول الاتصال به، فأنا أعتقد من أرادوا من كان حريصًا على هاتف أحد الضيوف فليرسل لنا هاتفه أو الفاكس، ويمكن بعد ذلك بعد استشارة الضيف طبعا أولاً أن نعطيه, اسمح لي دكتور نبدأ بأخ على الهاتف هو الأخ (أبو أنس شفيق) من فرنسا ومعذرة على التأخير يا أخ أبو أنس.
أبو أنس شفيق:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيًّا الله هذا اللقاء داعيًا ومدعوًا، الذي أراه أن الإشكالية وهو أنه يغيب عن أذهان كثير من الناس المتأثرين بهذا التيار أو ذاك من غير بلاد المسلمين؛ تحديد ثلاث نقاط مهمة: أولاً معرفة كاملة لمكونات الإنسان والتي لا تتعدى ثلاث مكونات, جسم والذي يعتبر فقط قفص للروح، ثانيًا: روح، وهذه ماهيتها غائبة عن الخلق، وثالثًا: مجموعة أهواء وغرائز وشهوات هي التي تجعل لحركة الإنسان في الحياة طعمًا ودافعًا.
النقطة الثانية: التي تغيب عن كثير من الذين يريدون أن يقارنوا الإسلام مع غيره من المذاهب البشرية؛ الغاية أو الجهل بالغاية من خلق الإنسان، الإنسان مخلوق لثلاث أمور: مخلوق لمعرفة الله عز وجل وعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} يقول عبد الله بن عباس: ليعبدون أي ليعرفون، والبشر كلهم متفقون على معرفة الله عز وجل من باب التعقل، اختلافهم في ميدان التصور، لو أننا في غرفة وطرق الباب طارق، الجميع متفق على أن وراء الباب إنسان وهذه مرحلة التعقل، أما يقع الاختلاف إذا تصورنا من وراء الباب، العقل البشري حدوده أن يعرف أن وراء هذا الكون خالق، من هو هذا الخالق؟ هذه دور الرسل والرسالة والوحي.
ماهر عبد الله:
هذا هو الجانب الأول، فما هو الثاني؟
أبو أنس شفيق:
هذا الجانب الأول.
ماهر عبد الله:
معرفة الله وعبادته؟
أبو أنس شفيق:
نعم. . معرفة الله وعبادته.
ثانيًا: المساهمة في تطور البشرية، أن الله أمدنا بالعقل، أمدنا بطاقات، وأمدنا بخامات، وسخر كل شيء من أجلنا، وطلب إلينا أن نُعمل عقولنا.
الأمر الثالث: الذي من أجله خلق الإنسان هو أن يكون خليفة عن الله عز وجل في أرضه، وخليفة ليس معناه أن الله يغيب أو يمرض أو يعجز أو يموت ويحتاج إلى من يخلفه، ولكن بمعنى أن نقيم أمر الله – عز وجل – فيما بيننا، لأنه كل من يضع قانونًا من البشر للبشر همه أن يكون هذا القانون خادمًا لأهوائه، فمن أجل أن تكون سكينة وطمأنينة وأمن وأمان في المجتمعات البشرية بين بني البشر، لابد أن يقنن لهم من لا هوى له وهو الله.
ماهر عبد الله:
أخ أبو أنس مشكور جدًّا على هذه المداخلة، عندي المكالمة الأخيرة وأرجو أن تكون الأخيرة من الأخ (سعد سالم) من بريطانيا. الأخ سعد تفضل.
سعد سالم:
السلام عليكم، الأخ الدكتور ذكر قال: إن هوية الإنسان هوية أخلاقية، وقال: إن الشيء الذي يحدد الإنسان هو أخلاقه، الحقيقة أردت أن أعلق على هذا الموضوع، من حيث إن الذي يحدد الإنسان عقيدته وليست أخلاقه، العقيدة اللي يملكها الإنسان ووجهة نظره عن الحياة والكون والإنسان، وعن علاقة هذه الأشياء جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها. ومن هذه العقيدة تنبثق الأخلاق، فالأخلاق جزء من التشريع الذي ينبثق من هذه العقيدة..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
بس اسمح لي – أخ سعد – فيه عدم تواصل لغوي صرف، الدكتور يعرف الإنسان من حيث هو إنسان، لو أنا سألتك: العقيدة.. المسيحي له عقيدة، اليهودي له عقيدة، الزاردشتي له عقيدة، ما الذي يميز إنسانية الإنسان – باختصار – تكمن أين؟
سعد سالم:
ولذلك الإنسان يختلف عن الإنسان الآخر بما يملكه من عقيدة بغض النظر عن هذه الأشياء.
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
ماكانش هذا مقصده يا سيدي هو قالها بس للدقة, قالها في معرض التمييز بين الإنسان والحيوان، هو قال: يذهب الفلاسفة على أن العقل هو المميز، الدكتور يرى أن المميز للإنسان عن الحيوان ليس للتفاضل ولا للتمايز بين الناس هو القابلية الأخلاقية.
سعد سالم:
أذكر شيئًا ذكره أيضًا في البرنامج بأن لكل حكم شرعي له أخلاق، وبالتالي فإن الأخلاق هي الشيء الذي يحدد هوية الإنسان، الحقيقة الأخلاق جزء من الدين الإسلامي، وجاءت على أساس أنها أوامر ونواهي من الله – تعالى – ولم يجعل في كتب الفقه باب يسمى باب الأخلاق، ونعلم أن كتب الفقه تحوي الأحكام الشرعية، ولم يعنى الفقهاء والمجتهدين في أهم الأحكام الخلقية بالبحث والاستنباط، ولكن الأخلاق جزء من هذه الشريعة التي أنزلها الله تعالى، وقسم من أوامر الله ونواهيه، ولابد من تحقيقها في نفس المسلم عند القيام بالعمل، ولذلك – الحقيقة – المسألة واضحة أن الشيء الذي سألت أنت ما هو الشيء الذي..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
كلامك على رأسي، أنا سآخذ سؤالك هذا، هكذا أرجعتنا إلى صلب الموضوع، أتفق معك في حقك في أن تختلف معه، الآن سيرد عليك الدكتور عبد الرحمن.
سعد سالم:
بسأحب أن أقول شيئًا، أنت سألته ما هو الشيء المشترك بيننا وبين الحداثة الغربية؟ فقال إن الأخلاق، إذا كان هناك شيء مشترك بيننا وبينهم، نعم هناك من ناحية كونها أنها إنسانية، صحيح أنها إنسانية، ولكن الفرق بيننا وبينهم في الجذور، في وجهة نظرنا عن الحياة، فحتى لو كان هناك خلق غربي موجود في الإسلام لا نأخذ به لأنه جاء من الوحي، نتمسك بالأخلاق التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله:
ما شي يا أخ سعد، أنا أعتقد أن هذه أزمة اصطلاحية صرفة، نحن كما قال – صلى الله عليه وسلم – من فعل الفعل ليراه الناس فهو منافق، ومن ترك الشيء أيضًا لكي لا يقول الناس فيشترك معه في النفاق.. لا يمكن أن أترك خلقً – فقط – لأن الغرب يأخذه، لم يكن هذا مقصد الدكتور أبدًا، هو كان واضح في سعيه للبحث عن المشترك، أما إذا وجدنا مشترك عند غير المسلم فهذا ليس مبرر، لا عقليّ ولا شرعيّ في أن نرفضه.
أنا عايز منك تعليق بسيط، أنا أريد أن أقول قبل سؤال الأخ سالم عن الهوية الأخلاقية، ولكل حكم شرعي خلق.. احتجاجك على (فليسوف إسلامي) هل هذه النسبة لغويًّا خطأ؟ الأخ الذي سأل واحتج على الجزيرة عرفتك، نحن نعرف عندما تظهر صورتك على الشاشة يظهر (فيلسوف إسلامي) وهو يعتقد أن كلمة إسلامي هذه خطأ.
د. طه عبد الرحمن:
هو إسلامي نسبة إلى الإسلام، تصح النسبة، ولكن ربما كان نظر إليها من ناحية الظروف السياسية فظن أنها وضعنا في هذا الإطار، ولكن – في الحقيقة – النسبة تصح وليس فيها أي..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
مضامين سياسية.
د. طه عبد الرحمن:
مضامين سياسية بالنسبة لهذه الحلقة ولصاحبها.
ماهر عبد الله:
طيب، عايز منك جواب مختصر ثم نعود لسؤال الأخ. سؤال (أبو أنس) مكونات الإنسان هو قال: جسم وروح وغرائز والغرائز هي تابعة للجسد، كان الأسلم والأدرى والأقرب إلى منطق الفلسفة الإسلامي هو أن ثمة جسم وعقلً وروح، والخلاف الجوهري بيننا – ربما – وبين الغرب المادي هو في تقدير قيمة هذه الروح نحن نؤمن أنها موجودة وأنها من الله، وهم يعتقدون أنها أسطورة.
د. طه عبد الرحمن:
إذا كان الأمر يتعلق في رأيي الشخصي، الإنسان هو جسم وروح، العقل هو مظهر بل جميع الإدراكات الإنسانية: السمع والبصر والعقل واللمس وما إلى ذلك، هي مظاهر للروح الإنسانية، بحيث العقل – وهذا من الأمور التي نأسف لها تمامًا وتأثر بها الفقهاء والفلاسفة وعامة علماء المسلمين أنهم إلا القليل تصوروا على أن العقل -أداة قائمة في الإنسان، بينما هو مجرد إدراك ومصدره والذي هو قائم في الإنسان هو القلب، الذي هو محل الروح، فكل الإدراكات الإنسانية هي إدراكات أفعال للعقل، فالعقل لا يوجد كقوة مستقلة، فإذن بالنسبة لمفهوم الروح فأظن ينبغي بالنسبة للمسلمين أن ننظر ونرجع إلى الأساس الروحي للعقل, فالعقل أصله الروح المبثوثة في القلب الإنساني, في قلب الإنسان، والذي هو المصدر لجميع الإدراكات.
والسمع كذلك مظهر من مظاهر هذه الروح، والشم كذلك مظهر من مظاهر هذه الروح، يعني فعل من أفعالها، وفي القرآن لا نجد لفظة عقل بمعنى ذات نجدها كفعل من الأفعال، يعقلون بمعنى يدركون، وليس كما هو عند اليونان أنه ذات قائمة في الإنسان, وهذه مسألة.. فالغرب ماذا فعل؟ قطع العقل عن أصله الروحي، وربطه بأصل آخر، وهو الأصل الحسي، بمعنى أصبح العقل هو الأفق أفق الحس، بينما في الحقيقة أن الروح هي أفق العقل، وهذا لم ينتبه إليه الكثير.
ماهر عبد الله:
الأخ سعد سالم احتج على ربطك، قلت: إن لكل حكم شرعي خلق أو مربوط بخلق، وهذا أعدنا لما تكلمنا عنه من قبل.
د. طه عبد الرحمن:
أولاً: أريد أن أنبه لشيء، الإنسان أفعال، فلا تتجلى حياته إلا كأفعال، هذه الأفعال أخلاق، بحيث أن الإنسان لا يمكن ألا يكون متخلقًا في كل لحظة من لحظاته، كل فعل يأتيه إلا هو بمثابة خلق، ولابد أن يكون له حكم شرعي، بحيث يمكن أن نقول بأن الأخلاق تحيط بالإنسان إحاطة تامة، ولا وجود لحالة يكون فيها الإنسان بغير خلق، لا بمعنى الخلق الحسن، إنما بغير فعل من الأفعال ولو كان تاركًا للفعل فهو خلق، فهذه مسألة ينبغي أن ننتبه لها، وقلت لكم وبينت في بداية محاضرتي, بداية هذا الاستجواب على أن الإنسان هو خَلْق وخُلُق، هو تكوين، وهذا التكوين له أفعال، وهذه الأفعال هي الأخلاق.
ولكن مع ذلك أشكر الأستاذ (سعد سالم) لأنه وضع أسئلة في صلب الموضوع، وأرجع إلى نقطة لا يمكن أن تكون الأخلاق جزءًا من الدين، الدين هو الأخلاق، وأحيلك على (الشاطبي) الإمام المشهور، ويقول بالحرف: إن الشريعة كلها أخلاق، يعني: ما معنى الحكم الشرعي؟ هو أن يورثك خلقًا معينًا. لا قيمة للشريعة ما لم تمكن الإنسان من هذه الأخلاق، وجاءت لهذه الأخلاق، ولا أريد الدخول في تفاصيل الآيات التي تربط بين الحكم الشرعي والخلق: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} و{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وما إلى ذلك من الآيات الكثيرة. فلا أريد، إنما أرجو أنا في نظري أرجو أن يتفطن المسلم لهذا: الإنسان إما أخلاق وإما لا شيء.
قضية الأحكام الشرعية في نظري أن الحكم الشرعي هو مرتبط، لابد أن يرتبط بالخلق، ما لم يرتبط بهذا الخلق فلا قيمة له أيضًا، ولكن الذي وقع هو أن الفقهاء اهتموا بالحكم الشرعي، وتركوا الأخلاق التي تورثها هذه الأحكام، وهذا من الأخطاء المنهجية هذا فضلاً عن أنها أخطاء – ربما – أثر فيها توجه الفقهاء إلى ظاهر النصوص دون التوجه إلى فائدة هذه النصوص.
ماهر عبد الله:
حتى ظواهر النصوص: {كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش} {من لم تنهه صلاته..} يعني حتى ظواهر النصوص تساعد في الجانب الأخلاقي. أنا عندي فاكس..
د. طه عبد الرحمن [مقاطعًا]:
أريد أرجع لمسألة.. فالغاية من خلق الإنسان طبعًا هو العبودية لله، طبعًا أنا قلت غايات هي في الحقيقة واحدة، يعني كون واحد قال بالخلافة، عمران الأرض، وما إلى ذلك، فالغاية هي العبودية وتحقيق العبودية في كل شيء لله، وهذه العبودية لا يمكن إلا أن تكون جملة من الأخلاق يتحلى بها الإنسان، وهي التي توصله تقربه من الله – سبحانه وتعالى – فإذن ينبغي قياس الأخلاق بمدى تحقيقها لهذه الغاية وهي العبودية، فيكون الخلق كل خلق يكون أقرب إلى هذه الغاية يكون ألزم من غيره، وكل خلق يكون أبعد من هذه الغاية يكون أخف إلزامًا، بحيث ينبغي ترتيب المصالح الإنسانية التي جاء بها الشرع بحسب هذا المعيار، يعني ما كان يقرب إلى الله – سبحانه وتعالى – ولا يمكن إلا أن تكون المصالح الروحية هي أدل المصالح على العبودية لله، تليها المصالح العقلية، لماذا؟ لأنها موصولة بالروح وتابعة للروح، فتكون هي التي تأتي في الدرجة التالية من حيث تحقيق هذه الغاية، ثم في المرحلة الثالثة تأتي المصالح المادية لاقترانها بالعقل لأنها تابعة للعقل فتكون هذه المصالح المادية هي أقل المصالح تحقيقًا للعبودية لله، فإذن ينبغي إعادة الترتيب، فنعتبر المصالح الروحية هي المصالح الضرورية، وتليها المصالح العقلية وهي المصالح الحاجية، وتليها المصالح المادية وهي المصالح التحسينية.
ماهر عبد الله:
عندي فاكس سؤال أخير، وأرجو أن تجيبني عليه باختصار، لم يبق عندي وقت كثير, نعود إلى مشروع الحداثة، ما يقوم به الإسلاميون اليوم من مراجعة ناقدة للتراث، ومن انفتاح انتقائي واعٍ على إفرازات الغرب هو الأكثر حداثة من دعاة الحداثة العرب.
د. طه عبد الرحمن:
أولاً: أريد أن أنبه إلى مسألة، يعني – طبعًا – كثر الكلام، واتهم بعض الذين يرجعون إلى التأصيل، يحاولون تأصيل المعاني أو مكتسبات الحداثة في التراث الإسلامي أو في مجال تداول اصطلاح الإسلامي اتهموا بأنهم تقليديون، ورأيي – وهذا قلته في كتبي – أن التأصيل أكثر اجتهادًا من نقل الحداثة، بمعنى آخر: أن الذي يحاول تأصيل المعاني في التراث فهو يجتهد، ويحقق نوعًا من الاجتهاد.
ماهر عبد الله:
دكتورأنا آسف للمقاطعة, أعزائي المشاهدين لم يبق لي إلا أن أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
4/6/2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق