إفلاس الأطر والقيادات الفلسطينية
مضر أبو الهيجاء
لن تجد أحدا من المنحازين لأمتهم وقضاياهم لا يؤمن بمفهوم المصالحة الداخلية ولا يوافق على خطوة المصالحة بشكل عام.
ولكن من المهم التوقف حول مضمون المصالحة وما يمكن أن تقدمه في اتجاه الخير وما يمكن أن تدفعه من شر ، دون انتكاسة جديدة أو تراجع عن معادلة سليمة.
وفي كل الحالات ليس هذا مقصود المقال ، وليس القصد منه قبول أو رفض الخطوة الأخيرة التي شهدتها الجزائر في الجمع بين قيادتي حماس وفتح ، بل المقصود هو قراءة في واقع الحركتين ومواقف قياداتهما بنظرة شمولية تضعهما تحت المجهر!
وإذا نظرنا لمشىروع المصالحة نجد أنه أخذ ردحا من الزمن ولم يكتب له أي نجاح ، بينما هو الآن يقفز بسرعة وللأمام !
ورغم بدهية التأكيد على أن المصالحة بشكل عام هي مجلبة للخير واستبعاد للشر، لكن مما يصعب تجاهله أن المصالحة الوطنية الفلسطينية اليوم تأتي في زمن الخراب الذي دب في المسار الفلسطيني الوطني والإسلامي وتمكن من قيادتيهما الحاليتين.
لقد فشلت كل مشاريع المصالحة سابقا عندما كانت هناك سوية نسبية في عموم المسار الفلسطيني، وها هي اليوم تتبلور بشكل متقدم عندما حل الخراب والانحراف في المسار السياسي الفلسطيني عند المرجعيتين الوطنية والإسلامية!
إلتم المتعوس على خايب الرجا
مصالحة وطنية يمكن وصفها بالمثل الشعبي الفلسطيني (إلتم المتعوس على خايب الرجا)، فاليوم غرقت سلطة رام الله وقيادة حركة فتح الحالية في معادلة التنسيق الأمني إلى درجة اللافكاك، كما غرقت سلطة غزة وقيادة حركة حماس الحالية في معادلة الانحياز والحلف الفولاذي مع محور إيران ، وهما بذلك سواء في الخراب فكلا المعادلتين توقع تدميرا للأمة.
لقد سبقت خطوة المصالحة الشكلية في الجزائر تطابق في الموقف العملي من قبل القيادتين والحركتين تجاه مسألة اقتحام الأقصى حيث يؤكد الطرفان على رفض الاقتحام ، ويأمران الشعب الفلسطيني بأخذ دوره في التصدي والمواجهة، ويعذران أنفسهما في العجز عن المواجهة المباشرة وكل له حساباته وأجنداته!
وفي استعراض سريع للنخب والقيادات التي تتبع الطرفين تتوضح أكثر حقيقة الاهتراء الفكري وغياب التصور الرشيد وفقدان مشروع حقيقي فلسطيني!
فقد عبرت عدة قيادات ونخب وكتاب وصحفيين يتبعون لحركة حماس أو محسوبون عليها عن انتقادهم للخطوة وبينوا هزالها وتناقضها مع المبادئ الأساسية التي تعيق انسجامها،
وفي نفس الوقت غاب موقفهم -أو برر أو أعذر أو خفت- الناقد لخطوة الحركة وإقرار عودتها لحضن النظام السوري وتعزيز العلاقة مع محور إيران وذيوله السياسية في المنطقة!
فشل تحقيق المصالحة الفلسطينية
مع أن شرور منظومة محمود عباس وسلطة رام الله لا يمكن مقارنتها بحجم وشكل الكفر في محور إيران ولا في حجم التدمير السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي أنجزه ملالي إيران،
فهل يمكن لعاقل نزيه أن ينجز حلفه مع ألد أعداء الدين والأمة في رمشة عين دونما تردد، ثم يشرعنها بأدلته وعلمائه،
فيما يفشل طيلة خمسة عشر عاما عن تحقيق المصالحة الفلسطينية لإنهاء هذا الانقسام الجاهلي؟!
كما عبرت بعض نخب الصف الفتحاوي عن نفس الموقف الممتعض والمشكك في خطوة المصالحة، واعتبر البعض الآخر أنها ضرورة تكتيكية مرحلية ، فيما غاب هذا النقد الواضح والموقف المتقدم والجريء تجاه معادلة التنسيق الأمني الخادمة للمحتل والهادمة للمسار الفلسطيني والممزقة للمجتمع الفلسطيني، والتي تعتبر ركيزة في امتناع تحقيق تقدم عملي في مسار التحرير، بل هي ما يحول جهاد الفلسطينيين إلى معادلة هدر بلا نتائج تراكمية!
ولعل أحد دوافع الطرفين هو مقاربة جديدة بعد مشاهدة خروج الساحة الفلسطينية من أيدي الطرفين بشكل تدريجي لاسيما في قطاع الشباب الذي أخذ زمام المبادرة بعدما عاش وعاين حالة التردي الفصائلي في الاتجاهين.
تنافس وندية وتناحر غير مسئولة
ومن الملاحظ بوضوح أن حالة التنافس والندية والتناحر غير المسئول الذي شهدته ساحات الأقصى والجامعات بين أنصار الفريقين، لاسيما السباق السخيف على رفع الأعلام المتنافسة قد فقد مكاسبه الحزبية المباشرة عندما تعمقت حالة الإقدام الشعبي في جانب الأعمال القتالية الفردية، والتصدي الشعبي المحلي في القدس ومدن ومخيمات الضفة الغربية، الأمر الذي أخضع الطرفين للتعامل بواقعية مع وقائع جديدة تتبلور في بعض جوانبها خارج منظومة الفصائل الفلسطينية المهترئة.
بناء على هذا يمكن فهم خطوة المصالحة بعد عقد ونصف من الفشل حيث تتقدم لأجل تعزيز مصالح الطرفين وليست في سياق رؤية لمعالجة المسار الفلسطيني المختل، وهو ما يفسر تجاوز قيادة الطرفين لمعضلات وتناقضات لا تزال قائمة، فما الذي تغير اليوم؟
لاشيء إلا معطيات حزبية وحفاظا على رصيد متهالك بشكل مضطرد مع كل إثبات لموجودية عمل جهادي فدائي رفض في واقع الحال معادلة التنسيق الأمني، كما خرج بالكلية من طوق محور ملالي إيران.
الساحة الفلسطينية قادرة على تغيير الموقف
لا شك بأن الساحة الفلسطينية بما تتميز به من فاعلية وحيوية قادرة على تغيير الموقف من خلال صناعة موجة ثورية جديدة وقد بدأت بالفعل ، ولكنها في نفس الوقت تعيد فرز القيادات والحركات والأرجح أنها ستلفظها تدريجيا -رغم محاولات قيادات حركتي فتح وحماس القفز البهلواني أمام الصفوف- لتتشكل شخصيات قيادية جديد خالية من الكبائر الفلسطينية الثلاث (اتفاقية أوسلو ومعادلة التنسيق الأمني -التحالف مع محور ملالي إيران- الانقسام الجاهلي الذي جاء كنتيجة للكبيرتين السابقتين).
فلسطين تحتاج لإطلاق تيار جديد ليبني على جوانب الخير في ماضي وحاضر التيار الوطني والإسلامي وينتج بديلا عنهما بلا احتراب معهما ، بل باستيعاب تدريجي للواعين الصادقين في الطرفين.
ويظل التحدي الأكبر هو أن يشكل مشروعا ناضجا وقيادة ربانية مجاهدة تجسد شخصية الأب والقدوة المفقودة في الساحة الفلسطينية اليوم ومنذ أن مات الكبار وتولى الصغار فانحرف المسار وخرج القطار الفلسطيني عن السكة القويمة.
اللهم إياك نعبد وبك وحدك نستعين فأيدنا بمدد من عندك واجعلنا على بصيرة وهدى في كل خطوة نخطوها يا رحمن يا رحيم ، اللهم وأعنا ومكنا من نصرة دينك وتحرير الأقصى وتحقيق كرامة الإنسان لتتحقق عمارة الأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق