في أيدي العسكر
سامي كمال الدين
ببراعة في السرد، وإحاطة بالمكان، وإغراق في التفاصيل، قدم ديفيد كيركباتريك كتابه “في أيدي العسكر.. الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط”، الكتاب الذي صدر عام 2018، وصدرت منه طبعة مترجمة هذا العام عن دار جسور للترجمة والنشر، ترجمها محمد الدخاخني، إضافة لوجود ترجمات أخرى عبر الإنترنت. يحتوي الكتاب تفاصيل مذهلة عن الأحداث في مصر من 2011 وحتى 2018.
تحدثت إلى ديفيد قبل ذلك، حين خرج تسريب من مصر أذاعته صحيفة نيويورك تايمز عن ضابط في المخابرات الحربية، ذُكر أنه النقيب أشرف الخولي، يطلب من الإعلاميين والفنانين الحديث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتفاصيل أخرى، وكان من الشخصيات التي تواصل معها النقيب: يسرا، مفيد فوزي، عزمي مجاهد، تامر عبد المنعم، عفاف شعيب.
بعد بث التسريب ادّعى النظام المصري أنني أنا من قام بدور النقيب أشرف، وأنه لا يوجد في جهاز المخابرات نقيب باسم أشرف الخولي، اتهموني في قضية شهيرة في مصر، ما زالت أمام المحاكم العسكرية، بأنني أسأت إلى المؤسسة الرسمية في الدولة ولفقت لها هذه القصة، وقد تناول الإعلام الداخلي والخارجي هذا الحدث. ضحك ديفيد وهو يقول: “ولنفترض أنك قمت بذلك، كيف ظهر هؤلاء الإعلاميون والفنانون في الفضائيات المصرية ونفذوا تعليماتك بالحرف؟!”.
تم منع كيركباتريك من دخول مصر عام 2019، أوقف في مطار القاهرة وعاد مرة أخرى إلى لندن.
في بداية الكتاب يعرض كيركباتريك رؤيته لمصر عبر تاريخها الممتد، ودورها الحضاري ومكانتها بين الأمم، والدور الذي تمارسه في منطقة الشرق الأوسط؛ وقد قدم الكاتب إليها للعمل مراسلا لصحيفة نيويورك تايمز، ثم مدير مكتب القاهرة، جاء في نهاية عصر حسني مبارك، وفي فاتحة كتابه حديث عن إفطار أقامته السفارة الأمريكية في القاهرة، حضره نخبة مصر من مسؤولين رسميين في الحكومة المصرية إلى معارضين لها.
كيركباتريك تحدث عن الفساد في عهد مبارك، ثم ثورة 25 يناير ودورها في تغيير وجه مصر، ونقلها إلى حقبة مختلفة من الديمقراطية بعد حقب طويلة من الاستبداد والفساد والديكتاتورية، ثم تناول حكم المجلس العسكري وسيطرته على مقاليد الحكم في البلاد، وأفرد فصولا طويلة للانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي، ودوره في التحولات والأحداث التي جرت في مصر منذ عام 2011، من محاولات السيطرة على الميدان، إلى كشوف العذرية التي أشرف عليها وتحدث عنها لمنظمات حقوقية دولية!
قال حسن نافعة لديفيد تعليقا على حفلات العشاء، التي كان يقيمها جنرالات المجلس العسكري للمثقفين والكتاب والصحفيين: “لم نتعرف على السيسي على الإطلاق”.
تناول الكاتب أيضا الدور الذي قام به المجلس العسكري في استفتاء 19 مارس/ آذار 2011، الذي هدف إلى نقل السلطة إلى المدنيين فأفسده، حيث فاجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مصر عشية التصويت بإعادة النظر في الأمر، وأنه سيواصل إصدار تعديلاته الخاصة على الميثاق الانتقالي بعد التصويت.
الملف للنظر والتأمل في الكتاب قصة الانقلاب العسكري من زاوية غربية، الرئيس محمد مرسي والإخوان حاولوا بكل الطرق إصلاح الأمر يوم 30 يونيو/ حزيران، لكن البيت الأبيض أخبرهم أن الوقت قد فات، على الرغم من أن آن باترسون، السفيرة الأمريكية في القاهرة، أرسلت تقريرا إلى السفارة الأمريكية يوم أطاح مرسي بطنطاوي وعنان وعين السيسي وزيرا للدفاع، قالت فيه “لقد قضم مرسي لقمة لن يستطيع بلعها”، وأضافت: “السيسي رجل قاس لا يرحم”!.
باراك أوباما نفسه، الذي كان مندهشا ومعجبا ومصفقا للدور الذي قام به مرسي في إيقاف حرب غزة بين إسرائيل وحماس عام 2012، جلس في البيت الأبيض يوم بيان 3/7/2013 ومعه وزير الدفاع الأمريكي ووزير الخارجية ليعرفوا ما حدث في مصر.. أهو انقلاب شعبي أم ثورة شعبية أم ماذا؟!
الاعتراف بأنه انقلاب يعني إيقاف المعونة العسكرية عن مصر، فالقانون الأمريكي ينص على أن أي دولة يقوم الجيش فيها بانقلاب يتم إيقاف المعونات عنها، قال ديمبسي وجون كيري إننا إذا فعلنا ذلك سيكون السيسي في اليوم التالي على متن طائرة متجهة إلى الصين وروسيا، سيحصل منهم على ما يريد، وكذلك هناك تدفق للأموال من الإمارات والسعودية، وهذا يعني أنه برفع الغطاء الأمريكي عنه ستكون مصر خارج السيطرة الأمريكية.
اتفقوا في النهاية على عدم تسمية ما حدث في مصر بانقلاب أو ثورة أو أي شيء من هذا القبيل، لينكتشف التلاعب الغربي بحياة الشعوب والتخلي عن القيم الديمقراطية التي نادوا بها.
كان كيركباتريك شاهدا على مجزرة رابعة والنهضة، زار اعتصام رابعة والنهضة أكثر من مرة، والتقى كثيرا من قيادات الإخوان، وتركوه يبحث عن السلاح الذي قيل إنه موجود في رابعة، لكن لم يتبق سوى الجثث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق