الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

بيني وبينك.. الموتُ آتٍ

 

بيني وبينك.. الموتُ آتٍ











د. أيمن العتوم

الموتُ قَدَرٌ نافذٌ مهما احتَطتَ له أو منه. ومن المقدورِ لا يُنجي الحذرُ. تلقّتْه كبيرات النّفوس بالرّضا. تلقّاه عمرُ وعثمانُ وعليٌّ بطَعنِ الحِراب، ومن قبلهم بالحمّى أبو بكر، ومن قبلهم جميعًا سيّدُ البشر بالسُّمّ. الموتُ آتٍ آتٍ، لكنّه حينَ يأتي: كيفَ يكون حالُ المأتيّ؟ والعاصفة تبتلع في طريقها كلّ شيء، وقد تنحني لها هاماتٌ عالية، وقامات شامِخة، لكنّها على أيّة حال عاليةٌ وشامِخة. 

قال عبد الرزَّاق عبد الواحد:
تَهُبُّ كُلُّ رِياحِ الأَرْضِ عَاصِفَةً وَالنَّخْلُ لا تَنْحَنِي إِلا ذَوَائِبُهُ
إِنَّ الكَبِيرَ كَبْيراتٌ مُدَوِّيَةٌ أَمْجَادُهُ وَكَبِيراتٌ مَصَائِبُهُ
ولقد دأبَ الموتُ حينَ يأتي بأمر الله ألاّ يتأخّر ولا يتقدّم. 

وأنْ يأتي العبيدُ كما يأتي السّادة، وأنْ يفتِكَ بالصّغير كما يفتكُ بالكبير، ويجمع بين اللاّهي والمُنتبِه، وساعتُه ليسَ في مقدور البشر كلّهم بمقدّراتهم جميعها أنْ يتنبّؤوا بها.
والموتُ في حقّ بعضِنا شرفٌ وفي حقّ آخرين خِزْي، وإنّ الّذين استقبلوا الموتَ بصدورهم العارية مُطمئنّين كثيرون في التّاريخ، والّذين رَجَفَتْ لقدومه ترْقُواتُهم قبل أنْ ترتعشَ رُكَبُهم كثيرون كذلك، والمتنبّي قال:
والموتُ آتٍ، والنُّفُوسُ نفائسٌ والمُستغِرُّ بِما لَدَيه الأحمقُ
والموتُ انقِطاع الوجود في الدُّنيا، ولكنّه استمرارُ الرّوح في عالَم البرزخ والأخرى، وهناكَ روضةٌ أو جحيم، والوصولُ إليهما يكون عبرَ تلك الدّرب الّتي دأبَ على السّير فيها المرء أو أرادَها، وإرادة الإنسان حُرّة، إلاّ إذا استعبَده حبلٌ من شهوةٍ أو غفلة. ومَنْ عَلِمَ النّهايةَ أتتْ خُطاه على قَدْرِها، وَمَنْ خافَ الموتَ فقد لَبِسَه الشّكّ في رحمة الله، وأمّا أولئك المطمئِنّون فإنّ رسائل رَحَمات الله بَلَغَتْهم قبل أنْ تُغادِرَ أرواحُهم قِشرةَ أجسادِهم الفانِية.
ولا اطمِئنان مع الموت ولا خوف؛ فمن اطمأنّ فقد رَتَع، وَمَنْ خاف فقد أيِس، ولكنَّ حالَنا معه حالُنا مع غامضِ استقبال الله لنا، فندخل في أولئك الّذين قال الله تعالى عنهم: «يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ» .
وأهل غزّة لولا أنّهم يرجون رحمة الله لَما صَبروا على موتٍ مُتحقِّقٍ كالّذي يعيشونه في كلّ لحظة، ذلك الموت الّذي يسير معهم أينما ساروا، ينامُ ويصحو معهم، ويأكل ويشربُ بهم، يدخل في مساماتِ جلودهم، يختبِئ خلفَ حجارة الطّريق، ويتربّص بهم في نَسَمَاتِ الهواء، ولا يترك لشهيقهم زفيرًا، ولا لخطوتهم أُخرى. ولكنّهم أيقنوا -بعدَ أنْ تُرِكوا وحدهم إلاّ من قليلٍ لا يُجدي- أنّ أفضلَ هربٍ من الموتِ هو مواجهته، وأحسنَ طريقٍ في التّملّص منه هي تلك الطّريق الّتي توصِل إليه، ذلك أنّه استوى في علمهم الموتُ مع الحياة، والبقاء مع الرّحيل، إذا كان كلّ شيءٍ عند الله بقدر، هم تلك الفِئة الّتي استقرّ في رُوعهم أنّه: «مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتابًا مُؤجَّلاً» ، وأنّه: «لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا» .

otoom72_poet@yahoo.com

AymanOtoom@

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق