الأحد، 27 أكتوبر 2024

خذلان النخب!

خذلان النخب!


أدهم شرقاوي


أقبح من الجهل هي تلك الحكمة الباردة، هذا الجبن الذي يرتدي عباءة الفلسفة، جعجعة منمقة، ومفردات رنانة، ولا طحين!


كان بإمكان هذه النخب المخصية أن يسعها الصمت، وهذا بحد ذاته خذلان، وتذكرة مجانية إلى مزبلة التاريخ، ولكنهم أبوا إلا أن يطعنوا ظهر أشرف هذه الأمة في أقدس معاركهم‏! وكذا العاجز إذا أراد أن يرتُق دثار عجزه كي لا يبدو أمام نفسه عاريا.


صار له في شؤون الرجال وجهة نظر!. منذ متى صار لربات الحجال رأي في معارك الرجال؟!


وأقبح من جماعات العصاة، هي قطعان فقهاء السلاطين!


هؤلاء الذين يعملون بالـ”ريموت كونترول”، فإذا ما أُمروا تنادوا مصبحين، يبحثون في النصوص عما يمكن ليُّه، ليرضى ولي النعمة، وصاحب رغيف الخبز!


رحم الله زمانا كان الشافعي يقول فيه: أن أسترزق بالرقص أحب إلي من أن أسترزق بالدين!


‏أقرأ قول النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”! قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس!.


أتحسس فيه مرارة طعم الخذلان حين يشعر المرء أنه مقطوع من شجرة! والغريب أن النبي ﷺ لم يقل لا يضرهم من عاداهم، فالعدو لا يُتوقّع منه إلا الضرر! وإنما قال “من خذلهم”، لأن الخذلان يأتي ممن يُرتجى منه الخير!


‏أن يعطش والأنهار تجري في بلاد إخوانه! أن تتوقف سيارات إسعافه بسبب نفاد الوقود وأهله أكثر الأمم نفطا! أن يجوع ولا يُدخل له جاره من طعام إلا ما يأذن به عدوه!


أن يُجلد على المنابر تارة باسم التهور، وتارة باسم البدعة! أن تنهشه وسائل الإعلام دون أن تحترم مشهد بطولاته، ولا مشهد جنائزه! أن تنغرس في جسده الأقلام.. موجع جدا أن يتطاول الحبر على الدم!


‏أن تحاضر فيه التجمعات والجماعات، تريد أن تعلمه العقيدة، والولاء والبراء! وإن من مصائب الدهر أن يفتي القاعد للمجاهد، ويتطاول من على الأريكة على من في الميدان، وأن ينشب مخالبه على المجاهد من لم يرمِ عدوا لهذه الأمة ولو بوردة!


‏غير أن مفردة واحدة من النبي ﷺ تحيل كل مرارة الخذلان إلى حلاوة الثبات: “لا يضرهم”! وأعرف أن هذا الجهاد ماض ولن يوقفه خذلان حبيب ولا إجرام عدو، وأن التاريخ الآن يُكتب وهو لن يرحم أحدا!


فإن أُكلت لحومنا على المنابر فقد أفتى ستون فقيها بقتل الإمام أحمد بن حنبل! ذهبوا جميعا إلى مزابل التاريخ، وبقي اسم الإمام أحمد خالدا بحروف من نور!


وإن نهشتنا الأقلام فقد كتبت صحيفة “برقة” يوم أُلقي القبض على عمر المختار بالخط العريض: القبض على زعيم المتمردين عمر المختار! وذهب الذين كتبوا إلى مزابل التاريخ، وما زال اسم عمر المختار ناصعا!


وإن تطاولت علينا الجماعات والأحزاب، فشأن القاعد أن يُشعره المجاهد بنقصه، إنهم يرتُقون ثقبا في عباءتهم، فمن قصر فعله طال لسانه! ولن يسلم المرء من الناس ولو كان نبيا أو صحابيا..


وتذكروا أنه قد أتى يوم على هذه الأمة كانت الخوارج ترى عليًّا بن أبي طالب كافرا حلال الدم! ثم ذهب الخوارج إلى مزابل التاريخ أيضا، وعلي بن أبي طالب في الجنة بجوار حبيبه ﷺ!


‏هي أيام ستمضي بطولها أو بعرضها، سيخرج الحق منها مكلوما، ولكنه سيداوي جرحه سريعا، وسيكمل طريقه غير عابئ ولا ملتفت، وعند الله موعدنا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق