الخميس، 31 أكتوبر 2024

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض


 التعرف على أسباب هوان أمة الإسلام. وكيفية معالجتها؟

حقيقة ما يمر به العالم الإسلامي حاليًاسنّة الله التي لا تتغير ولا تحابي أحد
تبدّل حال المسلمين من التمكين والتأمين إلي الذل والضعف والهوان
الفرق بين انحراف السلوك وانحراف المفاهيم
غربة الإسلام والمطلوب لإزالة هذه الغربة

حقيقة ما يمر به العالم الإسلامي حاليًا

يعيش العالم الإسلامي اليوم مرحلة من أسوأ مراحله التاريخية ، إن لم تكن أسوأ مامر به في تاريخه كله . فلم تكن الأزمات الماضية تصيب المسلمين كلهم في وقت واحد في كل بقاع الأرض كما هو الحال في هذه المرة . ولم يكن الذل والهوان والضياع يشمل الأمة الإسلامية كلها كما يشملها في هذه المرة .

فإذا كانت نكبة الأندلس – مثلا – تعتبر من أسوأ مامر بالمسلمين في القرون الماضية ، فنكبة فلسطين أسوأ . فحينما كان ظل المسلمين يتقلص عن الأندلس ، كانت الدولة العثمانية الفتيّة تقتحم القسطنطينية وتجعل منها عاصمة الخلافة الإسلامية ، ثم تتوغل بجيوشها في أوربا حتى تصل إلى فينا وبطرسبورج . أما نكبة فلسطين فإنها تحدث وظل المسلمين منحسر في كل الأرض ، والمذابح لا تكف عنهم في كل مكان : في الفلبين. في الحبشة . في أريتريا . في تشاد . في نيجريا . في الهند . في سوريا . في العالم الشيوعي كله حيث يخيّرون بين الكفر أو الموت . والمؤامرات تحاك للإسلام والمسلمين على نطاق القوى الدولية كلها مجتمعة . والعالم الإسلامي يفتت ، ثم يعود فيفتت ، ثم يعود فيفتت . وتقوم المحاولة إثر المحاولة لإقامة دول لغير المسلمين في الأرض الإسلامية ، تقتطع في كل مرة جزءًا من أرض الإسلام ، وتستعبد من يبقى فيها من المسلمين أو تقتلهم .. ثم الدعاة المسلمون يُقتلون ويُعذَّبون أبشع تعذيب في التاريخ ، على يد حكومات تناوئ الدعوة الإسلامية ، وترفض أن تحكم المسلمين بشريعة. الله .

سنّة الله التي لا تتغير ولا تحابي أحد

هذا هو الوضع السيئ الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم بغير شبيه له في التاريخ.

ولا شيء في هذا الوضع يحدث اعتباطًا ، ولا يمكن أن يحدث شيء واحد في حياة البشر اعتباطًا ! إنما يجري كل شيء في حياة البشر حسب سنة الله التي لا تتخلف ولا تحابي أحدًا من الخلق :

﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبديلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا ﴾ ، (فاطر ٤٣)

ومن سنة الله أنه لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أي ينحرفوا عن الطريق:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرًا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیم ﴾ ( الأنفال ٥٣) .

ومن سنته أنه لا يحابي أحدًا لكونه من ذرية قوم صالحين :﴿ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ اهِيـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰت فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ ﴾ (البقرة ١٢٤) .

إنما يمكنهم حين يكونون هم بأنفسهم مؤمنين صالحين : ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمنًا یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شًيئًا﴾  (النور ٥٥).

أما الذين يرثون الكتاب وراثة ، أي لا يعتبرونه خاصًّا بهم . ولا ملزمًا لهم ، إنما هو شيء موروث عن الآباء والأجداد فأولئك هم الخلف السيئ الذين أشير إليهم في كتاب الله في معرض الحديث عن بنی إسرائيل لتحذير المسلمين من عاقبتهم :

﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضٌ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَیۡرٌ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأعراف ١٦٩]

وهم هم الذين يقول الله فيهم :﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ اتِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا﴾ [مريم ٥٩] هذه كلها سنن ربانية تجرى بها الأمور في الحياة البشرية ، لا تحابي أحدًا ، ولا تتبدل على هوى أحد من البشر.

تبدّل حال المسلمين من التمكين والتأمين إلي الذل والضعف والهوان

ولقد أنعم الله على الأمة الإسلامية بالتمكين والاستخلاف والتأمين ، وفتح عليها بركات من السماء والأرض كما وعد المتقين ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ ﴾ [الأعراف ٩٦].

ثم تغير الحال من الاستخلاف والتمكين والتأمين إلى الذل والضعف والهوان ، والتشريد والتنكيل والتقتيل حين صاروا إلى الصورة التي أنذرهم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحذرهم منها :« يُوشِكُ أنْ تَداعى عليكم الأُمَمُ مِن كلِّ أُفُقٍ، كما تَداعى الأَكَلةُ على قَصعَتِها، قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، أمِن قِلَّةٍ بنا يَومَئذٍ؟ قال: أنتم يَومَئذٍ كَثيرٌ، ولكنْ تَكونونَ غُثاءً كغُثاءِ السَّيلِ .. » ١.

فما الذي تغير؟ .. وكيف حدث التغيير؟

لقد حدثت انحرافات كثيرة في حياة المسلمين في مسيرتهم الطويلة خلال التاريخ.

وكل انحراف وقع في حياتهم عن المنهج الرباني كانت له ولاشك عاقبته البطيئة أو السريعة حسب نوع الانحراف ، ودرجة تفشيه ، وموقف الأمة منه بحكامها وعلمائها وعامتها .. حتى إذا وصل الانحراف إلى حده الأقصى كانت عاقبته ما نراه اليوم من ضعف ومذلة وخوف ، بدلًا من الاستخلاف والتمكين والتأمين ..

الفرق بين انحراف السلوك وانحراف المفاهيم

إن كثيرا من الدعاة المخلصين أنفسهم ليظنون أن ما أصاب المسلمين قد أصابهم بسبب انحراف سلوكهم عن الصورة الإسلامية الصحيحة . و انحراف المسلمين في سلوكهم أمر أوضح من أن يشار إليه .. فإن ما تفشي في حياتهم من الكذب والغش والنفاق ، والضعف والجبن والاستخذاء ، والبدع والمعاصي ، وما صار إليه الشباب من تفلُّت وتحلل ، وما صار الناس إليه من تبلد على الفجور والمنكر.. وعشرات غيرها من الصفات والأعمال ، كلها ليست من الإسلام في شيء، بينها هي الواقع الذي يعيشه « المسلمون »!

ومع ذلك فليس الانحراف السلوكي هو الانحراف الوحيد في حياة أولئك « المسلمين » ، ولا هو الانحراف الأخطر في حياتهم . ولو كان الأمر مقصورًا على الانحراف السلوكي وحده لكان الأمر على سوئه – أهون بكثير !

ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى الانحراف في « المفاهيم » .. كل مفاهیم الإسلام الرئيسية ابتداء من لا إله إلا الله !

وحين تجد إنسانا منحرفا في سلوكه ، ولكن تصوّره لحقيقة الدين صحيح ، فستبذل جهد ما لردِّه عن انحرافه السلوكي ، ولكنك لا تحتاج أن تبذل جهدًا في تصحيح مفاهيمه ، لأنها صحيحة عنده وإن كان سلوكه منحرفا عنها . أما حين يقع الانحراف في المفاهيم ذاتها ، فكم تحتاج من الجهد لتصحيح المفاهيم أولًا ، ثم تصحيح السلوك بعد ذلك ؟

تلك هي حقيقة الوضع في العالم الإسلامي اليوم . تجاوز الانحراف منطقة السلوك ، ووصل إلى المفاهيم الرئيسية لهذا الدين .

غربة الإسلام والمطلوب لإزالة هذه الغربة

ومن أجل ذلك يعاني الإسلام اليوم تلك الغربة التي تحدث عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:” بدَأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدَأ “٢ ولقد عاد غريبًا بالفعل .. غريبًا بين أهله أنفسهم ، يتصورونه على غير حقيقته فضلًا عن سلوكهم المنحرف عنه- و يستغربونه حين يعرض لهم في صورته الحقيقية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تطبيقها الكامل في حياة السلف الصالح – رضوان الله عليهم – !

وعلينا أن نواجه الأمر على حقيقته .. فإن أي جهد نبذله في تصحيح السلوك وحده – مع بقاء المفاهيم منحرفة – لن يؤتي ثماره كاملة ، ولن يخرج الأمة من وهدتها التي انتكست إليها في عصرها الحاضر. إنما نحتاج أن نبذل جهدًا مضاعفًا لإزالة الغربة الثانية كالجهد الذي بذلته الجماعة الأولى من المسلمين لإزالة الغربة الأولى للإسلام .

وهذا الجهد المضاعف هو المهمة الملقاة اليوم على عاتق الصحوة الإسلامية .

ضرورة تصحيح منهج التلقي والتربية علي المفاهيم الصحيحة لهذا الدين وأول ما نبدأ به من هذا الجهد هو تصحيح منهج التلقي..

من أين نتلقى فهمنا لهذا الدين ؟ من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وسيرة السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ؟ أم مما دخل على هذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة ، بتأثير عوامل متعددة في أثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية ، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب وأخلاط من الأفكار ؟!

فإذا صححنا منهج التلقي ، وصححنا بناء على ذلك ما انحرف في حس المسلمين المتأخرين من مفاهيم الإسلام الرئيسية بقيت علينا مهمة أخرى لا تقل خطرًا هی مهمة التربية على المفاهيم الصحيحة لهذا الدين ..

والتربية هي الجهد الحقيقي الذي ترجى معه الثمرة . ولكنه لن يؤتي ثمرته حتى يقوم على أساسه الصحيح .

الهوامش:

  1. أخرجه أبو داود (٤٢٩٧)، وأحمد (٢٢٣٩٧).
  2. محمد ابن عبد الوهاب (ت ١٢٠٦)، الرسائل الشخصية ٢٧٠  •  صحيح  •  شرح رواية أخرى.

المصدر:

كتاب “مفاهيم ينبغي أن تصحح” بتصرف يسير.

قراءة كتاب مفاهيم ينبغي أن تصحح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق