السنوار هو المنتصر ونتنياهو المهزوم
عامر عبد المنعم
كلما ظن نتنياهو أنه حقق نصرًا يتلقى على وجهه صفعة أشد من التي قبلها، وكلما خطط لتوظيف إنجاز عسكري محدود ليزيد من رصيده عند مؤيديه المتعطشين للدماء في الداخل والخارج يواجه المزيد من المصائب، لكن قتل يحيى السنوار تحوَّل إلى كارثة ارتطمت برأسه، وأثارت عاصفة عالمية زادت قادة الاحتلال ذلًّا فوق ذل، فقائد حماس تحوَّل إلى أسطورة، وصار رمزًا للبطولة يواجه احتلالًا مجرمًا.
لم يستطع نتنياهو توظيف قتل السنوار لصالحه، ولم يقنع أحدًا بأنه حقق الانتصار الذي يحلم به، فصور الشهيد التي بثها الجنود الإسرائيليون قبل الرجوع إلى قياداتهم أكدت البطولة الفلسطينية، وأثبتت ما لا يتمنى قادة الاحتلال، فالرجل ظل يقاتل ببسالة حتى الشهادة، وعندما بث الجيش الإسرائيلي فيديو الطائرة المسيَّرة أثبت وفسر تفاصيل القصة التي كانت بعيدة عن العيون.
حتى عندما بث الإسرائيليون مقطعًا مصورًا ثانيًا من الاشتباكات حول البيت الذي استشهد فيه السنوار، لإظهار قوة المعركة التي خاضها الجنود، تأكد المؤكد، وهو أن زعيم حماس ظل يقاتل وحده كتيبة من الجنود بكامل أسلحتهم، بكل شجاعة وثبات، وأصاب منهم، ولم يستطيعوا الاقتراب منه، ولم يقدروا عليه حتى استعانوا بدبابة قصفت المنزل وهدمته.
أسطورة بشهادة أعدائه
حتى الآن لم نسمع الرواية الفلسطينية، وكل ما نُشر عن الواقعة صدر من الجانب الإسرائيلي، ومع هذا فإن ملخص ما جرى أن السنوار كان يقاتل في الجبهة الأمامية ومعه اثنان من كتائب القسام، حتى اشتبك معهم جنود الاحتلال فتفرقوا، واحتمى السنوار بأحد المنازل.
ظل السنوار يقاتل وهو داخل المنزل حتى آخر لحظة، حتى أصيب في يده اليمنى فربطها لوقف النزيف، وأصيب في ركبته اليسرى فجلس على الكرسي ولم يقوَ على الحركة إلا بيده اليسرى التي ألقى بها العصا على المسيَّرة التي جاءت لتصويره، قبل القصف بالدبابة، ولم يدخل الجنود المنزل خوفًا من المقاتل الملثم حتى بعد قتله إلا في اليوم التالي.
نتنياهو هو الذي يعيش في الحفرة وليس السنوار
لم يستطع الاحتلال تشويه السنوار، وسقطت الرواية التي طالما كرروها عن الاختباء في الأنفاق، والاحتماء بالرهائن الإسرائيليين واتخاذهم دروعًا بشرية، ولم يبال أحد بتصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال عن قتل السنوار بجوار النفق الذي كان يختبئ فيه، ولم يصدّق أحد الأكاذيب عن الأموال والأطعمة والنعيم الذي كان يعيش فيه البطل الفلسطيني، فصورة المتعلقات التي نشرها الجنود توضح الزهد والبساطة وترد على منتقديه.
لم يمر يومان على الفرح الإسرائيلي برحيل السنوار حتى ضربت مسيَّرة لبنانية منزل نتنياهو في قيساريا، ونشر الإعلام الصهيوني أن رئيس الوزراء وزوجته وقادة الاحتلال يعيشون في مخابئ تحت الأرض، مثلهم مثل باقي الإسرائيليين الذين يعيشون معظم أيامهم في الملاجئ، حيث تدوي صفارات الإنذار مع كل رشقة صاروخية، ولم يعد هناك مكان آمن في كل فلسطين المحتلة.
ليس سرًّا أن نتنياهو وقادة جيشه وحكومته يديرون العدوان على غزة ولبنان من “حفرة يوم القيامة” تحت الأرض، أي أن الذي يهدد ويتوعد هو الذي يعيش في خوف، رغم ما يمتلك من أسلحة مدمرة وسلاح الجو والتفوق التكنولوجي، وفي المقابل فإن القائد الفلسطيني المحاصر يقاتل وسط جنوده في الصفوف الأولى، ويضرب المثل في البطولة والثبات.
الرهان على استسلام الفلسطينيين أضغاث أحلام
فور قتل السنوار، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعض القادة الأوروبيين أن الفرصة مواتية للوصول إلى الصفقة بالشروط الإسرائيلية، واتهموا قائد حماس بأنه كان العقبة، ولا يبدو أنهم استوعبوا الدرس، فقد اعتاد الأمريكيون على الخداع والتغطية على مجرم الحرب نتنياهو الذي يرفض وقف الحرب، لإعطائه الوقت ليكمل مهمته في القضاء على حماس، وفقًا لتصوراتهم الخائبة.
يظن الأمريكيون أن استشهاد السنوار هزيمة لحماس، وأن غيابه يعني تفكك الحركة ودفعها إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، وتفكيك الحاضنة الشعبية، مما يفتح الطريق لنتنياهو لتنفيذ خطته بتهجير الفلسطينيين وابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية وإغلاق ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد، لكنهم يصطدمون بالصمود الفلسطيني وعدم وجود من يقبل الاستسلام.
لقد قتلوا من قبل الكثير من قادة المقاومة الفلسطينية مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية، ولم تتفكك الحركة، بل حدث عكس ذلك حيث لا يجني الدم إلا مزيدًا من التماسك ومزيدًا من الالتفاف الشعبي، وكلما استشهد قادة حل مكانهم قادة آخرون.
نضال ضد الاحتلال وليس إرهابًا
يخطئ الاستراتيجيون الأمريكيون والأوروبيون عندما يتعاملون مع المقاومة على أنها عصابة أو جماعة إرهابية، ويظنون أن التخلص من القادة ينهي وجودها، كما يردد الباحثون في مراكز الأبحاث الممولة صهيونيًّا، ولذلك كل خططهم فشلت، ويواجهون رفضًا في دولهم خاصة من الشباب صغير السن الذي يشعر بالترويع من مشاهد القتل اليومي في جباليا وشمال غزة وخان يونس ورفح، والآن في جنوبي لبنان.
الفشل الذي يواجه الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة العربية ليس له نهاية إلا بوقف العدوان والقبول بشروط حماس، لأنها مطالب الشعب الفلسطيني العادلة، فحماس وفصائل المقاومة هي طليعة للتحرر من الاحتلال والعيش بكرامة، ولو تم التخلص من الصف الأول في المقاومة فالأرض ولّادة.
الرهان الإسرائيلي على الفصل بين الشعب والمقاومة وهم كبير، وليس صحيحًا أن الضغط العسكري سيجعل الفلسطينيين ينقلبون على حماس وفصائل المقاومة، لأن الإجرام الصهيوني جعل كل فلسطيني صاحب ثأر يبحث عن الانتقام، فهناك عائلات كاملة استشهدت، ولا توجد أسرة إلا واستشهد بعض أفرادها، وهذه الدماء التي سُفكت لن تذهب بلا ثمن.
القصف المتواصل في قطاع غزة وبيروت لن يردع الفلسطينيين واللبنانيين، واستخدام نتنياهو “القصف السجادي” والقتل والإبادة وسيلة وحيدة للتعامل لن يحقق له الانتصار الذي يحلم به، بل يدفعه الفشل تلو الفشل إلى فتح جبهات جديدة، تزيد من أزمته وتغرقه في أوحال لا خروج منها.
لن يفلح الجنون الإسرائيلي في تخويف أحد، ومحاولته البحث عن انتصار لم يحققه في غزة ولبنان بتوجيه ضربة إلى إيران لن يحقق له أي مكسب يغيّر اتجاه الحرب ويعيد إليه الردع الذي تبخر وانتهى، فلن يجني غير مزيد من الصواريخ والمسيَّرات، ومزيد من الذل والإهانة والاستنزاف حتى السقوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق