الاثنين، 21 أكتوبر 2024

“شهيد الطوفان”

“شهيد الطوفان”

د عز الدين الكومي

 كم مجَّد العالَمُ في خمسينيات القرن الماضي “تشي جيفارا” باعتباره أيقونة للثورات ضد الإمبريالية !! ، وأنّ الحلّ الوحيد يكمن في الثورة العالمية ضد الإمبريالية الرأسمالية .

وما أعظمَ ما فعله الشهيد يحيى السنوار اليوم !!
فقد نجح في فضح الكيان الصهيوني وداعميه من الدول الاستعمارية الغربية والغربية !! وأعاد القضية الفلسطينية لدائرة الاهتمام بعد أن كاد يطويها النسيان من خلال التآمر الأمريكي !! .
وقد جعل نتنياهو على رأس أولوياته القضاء على حركة حماس ، والسنوار تحديداً ، لتحيق صورة نصر زائف لغسل عار نكسة الكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر 2023 .
وقد حرص نتنياهو – الذي في فشل في تحقيق أيّ من أهدافه في حربه على غزة – أن يسوّق للصهاينة أن السنوار يختبئ في أحد الأنفاق محاطاً بالأسرى الصهاينة واضعاً على وسطه حزاماً !! ، وأنه يقدّم الشباب للقتال بينما يختبأ في أحد الأنفاق !! .
ولكنّ وقائع استشهاد البطل المجاهد القائد يحيى السنوار – والتي بثها الإعلام الصهيوني بنفسه – قد كشفت زيف رواية الاحتلال الذي حرص جيشه على الترويج لها طوال عام كامل .
فقد ظهر الشهيد السنوار مقاوِمًا مشتبِكًا مع قوة من جيش الاحتلال – فوق الأرض وليس في أحد الأنفاق !! وليس مُحاطًا بالأسرى !! ، وليس على وسطه حزام ناسف !! ، بل ظهر مرتديًا جعبته العسكرية ، وممسكًا بسلاحه الشخصي ، مقاومًا المحتل الغاصب حتى آخر أنفاسه رحمه الله تعالى ورضي عنه .
كان متحدث جيش الاحتلال “دانيال هاغاري” قد أعلن في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء ” أنه تمّ اغتيال السنوار في تل السلطان برفح جنوبي قطاع غزة .
فحسب الرواية الصهيونية فإن استشهاد السنوار – رحمه الله – كان بشكل “عشوائي” ، يعني “بالصدفة المحضة” !! ، وليس عن طريق عملٍ مخابراتي !! ، إذ تمّ رصد ثلاثة مقاتلين من “القسام” في أحد مباني المخيم وتمّ الاشتباك معهم ،
وفشل جنود جيش الاحتلال في التفوق في هذه المواجهة ، فاستعانوا بدبابة قصفت المبنى ودمّرتهّ وقتلت المجموعة المتواجدة فيه ، فاشتبه الجنود بأنّ إحدى الجثث تُشبه القائد “السنوار” !! ، فنشر الإعلام الصهيوني خبر قتل يحيى السنوار ، وبرفقته مسؤولان كبيران في الحركة هما “محمود حمدان” وطهاني حميدان” .
فإذا رجعنا إلى “السنوار” سنجده هو مهندس طوفان الأقصى الذي أذلّ جيش الاحتلال “حيَّا” ، وها هو يلقّن جيش الاحتلال درساً وهو “شهيد” . فنتنياهو لا يستطيع الاحتفاء بإنجاز استشهاد السنوار ، بل سيفتح عليه أبواب جهنم من قِبَل ذوي الأسري ،
إذا أين هم الأسرى طالما ليسوا دروعاً للسنوار؟
والاحتلال الصهيوني يعلم قبل غيره أنّ استشهاد السنوار ليس نهاية المطاف ، أو أنّه سيؤدي لنهاية الحركة ، ولو كانت الحركة تنتهي برصاص الغدر لانتهت يوم ارتقى الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والجعبري وصلاح شحادة والمقادمة وغيرهم .
وما أجملَ قول القائل :
ما مات منا سيّدٌ بفراشه
أو كان في سوح الوغى يتأخرُ
وإذا تجندل قائدٌ منّا علا
في إثرهِ شهمٌ جوادٌ قَسْورُ
والقتل للأحرار ليس بِسُبَّةٍ
ودّ النبيُّ القتلَ لو يتكررُ
والقتل في ذات الإله كرامةٌ
إنّ الشهادة للذنوب تكفِّرُ .

وما أعظمَ الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها جيش الاحتلال للسنوار وهو يقاتل لآخر رمق في حياته ، وعندما لم يجد ما يقاتل به رمى بعصًا طائرة مسيرة قبل أن يلفظ أنفاسه ويجود بروحه متوشحاً بعُدَّة القتال !! .
ربط السنوار يده بسلك حتى لا ينزف دمه وليتمكن من الاستمرار في القتال !! .
اربط الجرح وقاوم
وامسح الدمع الحزين .
لن ينال الحزن منا
لن نساوم لن نلين .
أيها الثائر قل لي
كيف ترجو الياسمين .
إن نثرت العزم يوما
في دروب الخائفين .
يا ابن أمٍ لا تلمني
إنني قلب سجين .
سوف يأتي النصر يوماً
فوق أشلاء السنين .

فالله عز وجل قد أنطق العدو ليشهد للبطل – والحق ماشهدت به الأعداء – فكما كانت حياته درساً صارت شهادته درساً .
لقد كان السنوار يقاتل بجوار شباب القسام وليس بمنأىً عنهم ، وظلّ هكذا حتى اللحظة الأخيرة ، ظلّ يقاتل بالرصاص وبالقنابل حتى النفس الأخير ومن المسافة صفر !! ، فارتقى بطلاً شجاعاً شهيداً مقبلاً غير مدبرٍ ، وسيبقى بإذن الله أيقونة لعشاق النضال في العالم !! .

ارتقى السنوار شهيدا ولسان حاله يقول :
فإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ
وإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى .
وَنَفسُ الشَريفِ لَها غايَتانِ
وُرودُ المَنايا وَنَيلُ المُنى .

وهذه شهادة من ناشطة أمريكية تعلّق على استشــهاد السنــوار وترد على صهاينة العرب وإعلام “البترودولار” هؤلاء المرجفون الذين طال ما رددوا : “إن قادة حماس مختبئون في الأنفاق، وتركوا المدنيين يلاقون مصيرهم” فتقول : “قيل لي إنّ قادة المقــاومة مليارديرات يعيشون في قطر ، ولكن ها هو السنــوار يُغتال بينما كان بمفرده في مبنى ، وذراعه اليمنى مبتورة ، مرتديا الزي العسكري ، يقاتل ضد الاحتــلال من أجل تحرير شعبه حتى آخر رمق !!”.
ولله در شيخ المجاهدين عمر المختار رحمه الله الذي قال عند إعدامه : “نحن لانستسلم ننتصر .. أو نموت ، وهذه ليست النهاية ، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه ، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي” !! .
أمّا أنتم يارفقاء الدرب فنقول لكم موتوا على ما مات عليه السنوار .
وإنني لأعجب مما كتبه الشهيد السنوار في روايته “الشوك والقرنفل” من داخل سجنه قبل ٢٠ عاما : “الآن جاء الموعد يا أمّاه ، فلقد رأيتُ نفسي أقتحم عليهم مواقعهم ، أقتلهم كالنعاج ثم أستشهد ، ورأيتُني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم” !! .
طبت حياً وميتاً يا أبا إبراهيم .
وجدناك بحرًا ، وخبرناك صقرًا ،
هندستَ لنا طوفانًا ، وأهديتَ أمتنا بقيادتك نصراً ، عشت مجاهدًا ، وارتقيت شهيدًا ، و كتبت بيمناك الفصل الأخير لنهاية الكيان الصهيوني اللقيط بإذن الله !! .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق