لا يُفتى في المشروع الإيراني في وجود علماء العراق والشام
مضر أبو الهيجاء
لا يفتى ومالك في المدينة.. كما لا يفتى في شأن المشروع الإيراني الطائفي الشيعي وعلماء العراق والشام أحياء على أرض البسيطة.
من الملفت للانتباه أن بعض الشخصيات باتت تجري يمنة ويسرة ساعية لافتكاك أي فتوى من عالم معتبر ومشهود له بالصلاح والتقوى والانحياز لقضايا الأمة، وذلك بهدف افتكاك فتوى منه تجيز التحالف بين القوى الإسلامية الفلسطينية مع المشروع الإيراني الذي يقوده الملالي ويتفرع عنه أذرع طائفية شكلت زورا محور المقاومة!
وقد قرأت كلاما لبعض قامات العلماء والمفتين في المغرب العربي الكبير، فاستوقفتني رؤيتهم حول إشكالية العلاقة بين القوى الإسلامية التي تواجه الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا، والعلاقة والحلف وموقف الإسناد من قبل المحور الإيراني المتنافس مع الكيان الإسرائيلي، والمتخادم منذ لحظة نشوئه مع الإدارة الأمريكية العميقة!
وقد جاء في حديث الشيخ العالم والمفتي الغرياني -الذي نجله ونوقره حفظه الله- قوله:
«الباحثون عن معتقد كل من ينصر غزة؛ هؤلاء لا يخدمون إلا الأعداء، وكلامهم ليس إلا سفسطة فارغة لا قيمة له في العلم.
فكل من ينصر أهل غزة من أي مكان؛ يجب أن نقف معه ونفرح بنصرته.
ولو وقف الكفار مع أهل غزة فيجب أن نفرح بهم، ونناصرهم في هذه القضية»). انتهى كلام الشيخ!
ومما استوقفني في شكل التعاطي جانبين رئيسيين هما:
أولا: لماذا يتعاطى كثير من علماء المسلمين وفقهاء الفتيا مع المشروع الإيراني وأذرعه في حدود النظرة العقدية، وكيف يغفلون أو يسقطون من فتاويهم -رغم عقود اعتدائه واحتلاله- اعتبار أنه مشروع عدائي متكامل الأركان يستهدف تدمير الدول والمجتمعات الإسلامية ويصر على مسخ الهوية الإسلامية، رغم أنه لايزال قائما على احتلالاته وأشكال قتله للمسلمين وعدوانه مشهود في العراق واليمن وعموم الشام!
ثانيا: لماذا يتم تجاوز العلماء العارفين والعاملين في حقول الأشواك التي زرعها ملالي إيران في العراق واليمن والشام والأحواز منذ عشرات السنين، وذلك رغم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهل يوجد في الأرض اليوم أخبر من علماء العراق أولا ثم الشام ثانيا بطبيعة وكنه ووسائل وأهداف مشروع ملالي إيران؟
وإذا كان لا يفتى ومالك في المدينة توقيرا لمقامه واعترافا لتمكنه من العلم الشرعي واعتبارا لقدراته العلمية الفقهية، أليس من باب أولى أن يرجع مجموع الأمة وعلماؤها ودعاتها لعلماء وفقهاء ومفتين الديار الشامية والعراقية؟
ولماذا يذهب طالب علم -يتحرى الحق والحقيقة- إلى الديار البعيدة مناشدا علماءها – وإن كانوا على قدر عال من الفقه- أن يفتوه في مسألة ونازلة مبحوثة ومقروؤة عند علماء الزمان والمكان المعني بالسؤال المتعلق بالنازلة، ثم يخالفهم ويشذ عنهم؟
إن علماء العراق والشام يتجاوزون كل علماء البسيطة في جانب يملكونه وشرطا لا يحققه غيرهم من أهل الفتيا، ألا وهو الدراية والاطلاع التفصيلي على واقع الحال، والذي بدونه لا تستقيم الفتوى، وبقدر نقصانه تختل!
ألم يفت المجلس الإسلامي السوري -والذي يضم كوكبة من علماء الشريعة المشهود لهم، كما يضم فسيفساء الحركات الإسلامية الثورية والمذاهب الإسلامية المنتشرة في الديار الشامية- في نفس الشأن والسياق الذي تحدث فيه الشيخ الغرياني حفظه الله؟
فلماذا يتجاوز البعض رؤى وفتاوى علماء الشام، كما هي فتاوى علماء العراق – ومنهم هيئة علماء المسلمين في العراق-، ويقفز باحثا عمن يملك علما وفقها، ولكن ينقصه دون أدنى شك ما يتوفر في عقول وتجارب علماء العراق والشام ممن هم معاينين وليسوا مخبرين!
إن إصرار القيادات الإسلامية السياسية الفلسطينية والمجاهدة على الحلف مع عدو للأمة -المشروع الإيراني-، هو سبب مباشر في شق الأمة وتفتيت وحدتها السياسية، الأمر الذي دفعني لنصح وتحذير إخواني في حركتي حماس والجهاد الإسلامي منذ ربع قرن محذرا من خطورة حدوث تصدع في صفوف الأمة سيؤذي القضية الفلسطينية ويؤذي القضايا العربية والإسلامية، لاسيما ودور إيران في تدمير المنطقة وقتل وافقار شعوبها أوضح من نار على علم ولا ينكره نزيه وعاقل!
وكما تجاوزت القيادات الحمساوية -إلا من رحم الله- نصح العلماء وفتواهم في حرمة العودة لنظام بشار الأسد بالأمس، تصر القيادة اليوم على تجاوز علماء العراق والشام في حكم الحلف والعلاقة القائمة مع ملالي إيران ومحورها وأذرعها، ولا شك بأن هذا يزيد التصدع السياسي في صفوف الأمة، وهو ينذر بحالة طلاق بائن بين توأمي ثورة الشام في فلسطين وسورية!
وإذا كان تخبط القيادات السياسية الفلسطينية سببا وجيها لشق صفوف ثوار الأمة، فإن فتوى العلماء البعيدين عن الساحات التي يحتلها المشروع الإيراني ويقتل أهلها كل صباح وكل مساء ثم يحرق مدنها ويشرد أهلها، سبب وجيه في شق مذهب الأمة وإفساد دينها، لاسيما والنازلة الحالية تؤثر بشكل مباشر على مصائر شعوب المنطقة، والبشكل الذي يمس دينها وثقافتها ودماءها وأموالها وأمنها.. الخ
وإذا كان التاريخ الإسلامي يشير إلى نماذج سامية ومضحية في طريق طلب العلم، حتى أن بعضهم كان يهاجر لسنوات طالبا حديثا مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدي علماء مشهود لهم، فكيف يتجاوز من يطلبون الحق، أهل العلم في ديارهم المعنية بالمسألة.
وإذا أردنا أن نقف على هوية العلماء العارفين الذين أفتوا في هذا الشأن في أرض الفرات والشام فهو أمر أصعب من أن يحصى، لاسيما وقد بدأت كتابات معاصريهم منذ قرن، ونذكر منهم -على سبيل الذكر لا الحصر- الشيخ العالم محب الدين الخطيب الذي كان يعيش في مصر، وهو خال الشيخ على الطنطاوي رحمهما الله أجمعين وجميع المسلمين، وقد كتب في هذا الصدد منذ أربعينيات القرن المنصرم، رغم أنه لم يكن هناك حجم من الآثار العدوانية التي نكلت بالأمة كما هو الآن ومنذ أربعة عقود خلت، وإذا كانت هذه رؤية وأحكام مبثوثة في مؤلفات الشيخ محب الدين الخطيب وأحمد شاكر ورشيد رضا والسالوسي وغيرهم الكثير من علماء العراق قبل أن تقوم دولة الملالي وقبل أن تفعل الفواحش في المسلمين وتحتل بلادهم، فكيف ينبغي أن تكون الفتوى اليوم في ظل تمزيق العراق وحرق الشام وتفقير اليمن وخراب لبنان وتهديد الجزيرة ..الخ
أعود فأقول إننا إذا كنا غير قادرين على السيطرة على جنوح القيادات السياسية الفلسطينية نحو إيران المعادية، فليس أقل من أن نضبط الفتيا التي توحد ولا تفرق صفوف المسلمين، معتمدين على من يحقق شروط الفتيا بشكل أكبر وسقف أعلى.
أخيرا أوجه سؤالي للشيخ العلامة الجليل الغرياني، وذلك باعتباره دعا المسلمين إلى الوقوف خلف كل من يقاتل الكيان الإسرائيلي الغاصب، دون التوقف أمام كفره وعقيدته، متجاوزا حقيقة العداء الذي تجسده إيران وأذرعها في عدة عواصم عربية، وغير مدرك لمآلات التوسع الإيراني على هوية الأمة الثقافية ودينها ووحدتها السياسية!
السؤال يقول: من حق من اعتدي عليه وعلى أرضه وأهله وماله ودينه أن يقاوم -كما هو حال الشعب الفلسطيني-، فإذا قرر الشعب العراقي والسوري أن يقاتل إيران وأذرعها ليتخلص من أشكال عدوانها، فهل هذا موقف مشروع يوجب علينا نصرة أهل العراق والشام ، أم أن الأمة غير مطالبة بتلك النصرة وهي معفية منها إلا في حدود أرض فلسطين التي رسم حدودها المستعمرين الأوائل؟
وإذا كان قتال الشعبين العراقي والسوري للاحتلال الإيراني -الذي دمر بلديهما- سبب مباشر وحقيقي في إضعاف مشروع الملالي وأذرعه في محور المقاومة، فهل هذا الضعف نكبة لا تجوز في حق الفلسطينيين وإزهاق لفرصة تحرير الأقصى؟
ثم كيف يمكن أن يكون هذا الرأي الفقهي سببا في تحرير الأقصى دون أن ينحر وحدة الأمة السياسية لصالح وحدة الساحات الطائفية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق