الأربعاء، 1 أبريل 2020

بين الجموع الثائرة وقصة طالوت وجالوت

بين الجموع الثائرة وقصة طالوت وجالوت


يوسف الناصر 
1 أبريل، 2020

فليعد للدين مجد وليعد للدين عز أو ترق منا الدماء، 
نبقى على عهد الشهيد ولن نخون…

لا شك أن هذه الهتافات وغيرها تثير في أذهان شباب التيار الاسلامي الكثير من الشجون والأحزان، تذكرهم بسنين طافوا فيها شوارع مصر وحواريها عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو، تذكرهم بأعداد لا حصر لها من الناس، ملايين حقيقة لا مجازا في بعض الأيام التي لا تنسى كالتظاهرات التي أعقبت الفض أو تظاهرات يوم 6 أكتوبر أو غيرها.

المشهد الأول
سيل من البشر يطوف الشوارع منددا بما يحدث تمتزج مشاعره حزنا على الشهداء الذين قضوا غضبا ورفضا للظلم الذي يجثم على صدور البلاد.

فلنتحرر لثوان من سطوة الذكريات والمشاعر الحزينة لما آل إليه الوضع ولنتذكر مشهد الملايين في الشوارع الذين لا ينتمون لتيار أو حزب وإنما أثارهم ما حدث من قتل وظلم ولنتذكر هتافاتهم التي تنبع بصدق وحرارة عن مواصلتهم للطريق وقطعهم العهود للثأر للشهداء وتحرير الأسرى ولنسأل هنا سؤالا هاما:
بعد مرور السنين على هذا المشهد وبرود وتجمد الوضع ما هو حال هذه الملايين الآن؟ ترى هل مازالوا على عهد الشهيد؟ ما هي اهتماماتهم وأفكارهم الآن؟ هل ما زالت تلك الشعارات متغلغلة فيهم يسعون لإعادة المجد السليب للدين؟ أم أن تلك الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأمنية كانت كفيلة بالقضاء على هذه الشعارات والأحلام؟ هل كانت هذه الشعارات وليدة اللحظة والحماسة والعاطفة فقط؟

كيف حال عقائدهم وعباداتهم وتنسكهم وسط تلك الهجمة 
الشرسة من الشهوات والشبهات والفتن؟
ليس هذا سؤالا استنكاريا إنما نسأله بغية تحليل هذا المشهد وتحرير الدوافع، لا شك أن عددا ضخما من هذه الملايين طالهم من أخدود الطغاة ما طال إخوانهم السابقين من قتل وتشريد وأسر ومطاردة، لكن هذه الشريحة لا تمثل غالبية الملايين الموجودة في ذلك المشهد لأنه كما أسلفنا لم يكن أبناء التيار الاسلامي الذين طالهم النصيب الأكبر من بطش النظام هم فقط أبطال مشهد الملايين وإنما كان جموع الشعب والشباب غير المؤدلج مكون رئيسي لذلك المشهد.

إذا فما الذي حدث هل كان الوقت كافيا لانطفاء هذه الشعلة أو لنسيان هذه العواطف والمشاعر ومواصلة الحياة بصورة طبيعية ؟!

مشهد آخر

فلنذهب لمشهد آخر ونتأمل تفاصيله لنحاول الإجابة على هذه الأسئلة. المتأمل في حملة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل للترشح للرئاسة يجد أنها قد جمعت أطيافا واسعة من الشباب الملتزم وغير الملتزم (إن صح التعبير) الذي لم يسبق له أن يتبنى قضية أو يبذل لها هذه المجهودات من طبع ”بوسترات” وتوزيع دعايا وغير ذلك من المجهودات الذاتية الغير منظمة من قبل حملة الشيخ شخصيا حيث كانت تتسم الحملة باللامركزية. فكان عصب الحملة هو مجهودات هؤلاء الشباب! ولا شك أن هذا نتيجة الخطاب الفذ الواضح الصريح للشيخ حازم فك الله أسره. ذلك الخطاب الذي جاء على الساحة بعد ظمأ من خطابات مجتزأة مداهنة نسبيا غير واضحة غير متبنية لشريعة الله على الوضوح والصراحة.

وهذا يدل على خيرية الشباب وأنه بمجرد ما وجد خطابا استطاع أن يلامس فطرتهم، وبمجرد أن وجدوا مساحة للبذل لم يتأخروا عن ذلك.


لكن فلنسأل السؤال مرة أخرى إلى أي حال صار هؤلاء الشباب؟ ما هي اهتماماتهم؟ ما هي قناعاتهم الفكرية الحالية؟ بل ما حال الثوابت الدينية هل مازلت ثوابت أم صارت متغيرات تماشيا مع الموجات الأخيرة من الشبهات نسأل الله العافية؟

لنكن منصفين فإن كثيرا من شباب حملة الشيخ حازم قد رووا بدمائهم أفكارهم وقيمهم بعد انقلاب 3يوليو وكثير منهم يقبعون الآن دافعين أعمارهم ثمنا للتمسك بالقيم والأفكار نسأل الله لنا ولهم فرجا قريبا.

لكن تظل هناك فئة ليست قليلة من هؤلاء الشباب إذا تأملنا حالهم اليوم تجده مغايرا تماما لما كان عليه آنذاك سواء كان ذلك على المستوى الإيماني من حيث المحافظة على الفروض كأبسط مثال وصولا بالتحولات الفكرية التي تعصف بالشباب في ظل هجمة الشبهات وتسلط المفسدين ونشرهم لها.

فبعد التحمس لمشروع الشريعة وإقامة دين الله، الذي كان البذل لمشروع الشيخ انعكاسا لهذا الدافع، تغيرت الاهتمامات وتمكنت الشبهات من العقول، وفرط في الأصول.
نحن هنا أو هناك لا نريد بهذا السرد إلقاء اللوم على الشباب أو جلدهم أو معايرتهم، فلا ينكر إلا جاهل خيرية الشباب واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل هذا الدين إذا ما توافر المناخ والخطاب الذي يزيل الغبش عن أعينهم ويزيل تراب الجاهلية عن فطرتهم.

تجربة أخرى في أرض الأفغان

فلنسافر معا إلى تجربة أخرى، إلى ”تورا بورا” إلى جبال قندهار إلى الجبال التي ما انحنت أبدا لغاصب أو محتل، إلى أرض الأفغان التي قدمت لأمة الاسلام نموذجا فريدا في الحقبة الأخيرة من جهاد الطغاة المحتلين ودحرهم.

مثلت جماعة طالبان التي سيطرت على أكثر من 96% من أرض أفغانستان ملاذا آمنا لكل التيارات والشباب أصحاب التوجهات الجهادية والهاربون من بطش أنظمتهم المحلية، فتكون ما يعرف بالشوط الثاني للأفغان العرب من 1996 حتى 2001.

أسست كل جماعة معسكرها وركزت جهودها في تدريب شبابها عسكريا لتجهيزهم للعمل على أهداف كل جماعة، وكانت السمة الأبرز هي تركيز الجهود في ذلك الوقت على العلوم العسكرية بغزارة وإهمال الجوانب التربوية والفكرية مما كان له آثاره في ذلك الوقت وهذا ما نقله أبو مصعب السوري – جزاه الله عن أمة الإسلام خيرا – في إطار رصده لأبرز المشاكل الداخلية للتيار الجهادي في حقبة ما قبل أحداث سبتمبر فيحكي أبو مصعب في كتابه الفذ (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية):

“يعتبر مجال التربية لقاعدة التيار الجهادي من أكبر المجالات التي اعتراها النقص وانخفاض المستوى خصوصا بعد التسعينيات. وقد لاحظت خلال الشوط الثاني للأفغان العرب في ظل طالبان، أن الجيل الثالث من الجهاديين بدأ يميزه الجهل والفاقة التربوية في أكثر شرائحه. وقد زهد في الجوانب التربوية كثير من الجهاديين في هذه المرحلة رغم توفر الإمكانات العسكرية والملاذ الآمن بل والمرفه جدا في كنف طالبان قياسا بملاذات الشتات والمطاردة. إلا أن معظم القوم نشطوا في المواد العسكرية وأقبلوا عليها، ولم يعطوا الجوانب التربوية الأخرى الأهمية التي تستأهلها. ولذلك انعكس هذا على تلك المرحلة بكثير من المشاكل والأزمات الداخلية التي أعتقد أن مردها لانخفاض مستويات السلوك والأخلاق العامة.

أدى ذلك إلى أن تكون كثير من أوساط الجهاديين مع غياب منهج التربية متميزة بالقسوة والجفوة وقلة الرحمة، وغياب النماذج التي طالما تحدثت عنها كتب الرقائق وقصص السلف والخلف من الصالحين في مجالات العبادة والنسك وحسن الخلق، ولين الجانب مع المسلمين وعذرهم ورحمتهم والأخذ بيدهم.

وهكذا كنت ألاحظ أن كثيرا من الجهاديين قد اختصر الإسلام وعقائده وشعائره في فريضة الجهاد، وظنها كل الدين. واختصر الجهاد بأحكامه وآدابه وسلوكياته ومواصفاته التي تقتضيها منزلة ذروة سنام الإسلام اختصره بالقتال. واختصر القتال بما يقتضيه من صبر ومصابرة وإعداد وأخلاقيات بشهود المعارك ذاتها. وحتى أثناء شهود المعارك كنت تلاحظ قلة الصبر والمصابرة وتحمل الرباط الطويل. فقد اختصروا مفهوم القتال على إطلاق النار.”

قصة طالوت وجالوت

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّه﴾.

كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا ما أحدثوا وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على منهج التوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا، فسلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا خلقا كثيرا، وأخذوا منهم بلادا كثيرا.

فلما بلغ الاستضعاف والذل مبلغه ، ذهبوا إلى نبي الله ”يوشع بن نون” وقلوبهم مليئة بمشاعر الحزن والغضب والحماس ورفض الذل والهوان.. مشاعر مقاربة لتلك الحاضرة في المشهد الأول.. هي هي ذات المشاعر التي كان أصحابها يزلزلون الجامعات والشوارع بهتافاتهم “الموت لأمريكا” عند دخول الأمريكان العراق، أو عند حلول أي مصيبة بالمسلمين، وحتى إظهار مشاعر التضامن الآن مع مآسي المسلمين ما عاد مسموحا بها.

ذهبوا لنبي الله وأخبروه أننا نريد ملكا، قائدا، قدوة لنا يجمع شتاتنا لنقاتل في سبيل الله، نريد الخلاص من هذا الوضع، نريد أن نرفع عنا لباس الذل والهوان.. تماما كما أرادت تلك الجموع الثائرة في الشوارع والميادين حلا وخلاصا من هذا الذل الذي نعيش فيه.

كان نبي الله حصيفا عالما بشريعة ربه يعمل وفقا لها، لا وفقا لأهواء أو انفعالات عاطفية لحظية، فأراد أن يستخرج ثباتهم، وقال لهم أنه من الممكن أن يفرض عليكم القتال فإذا بكم حينها تتمحكون، وتبحثون عن أي شيء تستطيعون به أن ترجعوا عن نصرة هذه الأمة!

فكان ردهم حاسما جازما، كيف تظن بنا هذا!؟ ألا ترى ما نحن فيه، أرضنا أخذت، قتل أبناؤنا.. قتل منا ما قتل، وأسر منا ما أسر، وأحدث الطغاة في أمتنا الآن أيضا ما لا يخفى على أحد.

أوحى الله لهذا النبي باسم الملك ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾، وكان طالوت من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم، وكان فقيرا، فاعترض بنو إسرائيل على كون طالوت ملكا لهم ولم ينقادوا مباشرة للأمر وجادلوا فيه.

فأخبرهم نبي الله أن هذا أمر الله وليس اختياره هو، وأن علامة ملك طالوت أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان قد أخذ منهم.

يذكر السدي أنه خرج مع طالوت يومئذ ثمانين ألفا من بني إسرائيل.

كان طالوت هذا القائد الرباني البصير الذي أعطاه الله بسطة في العلم والجسم، يفهم من أين وكيف يأتي النصر، لذلك كان أول امتحان يفرضه هذا القائد على أمته هو الصيام، أراد أن يختبر قدرتهم على أن يمتنعوا إذا دعوا إلى الامتناع، وأن يفعلوا إذا دعوا إلى الفعل، أراد طالوت أن يعد هذه الأمة التي تنفض غبار الذل، ويستخرج الفئة التي تملك نفسها القادرة على كبح جماحها. فقال لهم إن الله مختبركم بنهر، فمن شرب منه فلا يصحبني اليوم، لا يصلح للقتال معي، وإن كان قبل دقائق يهتف بمشاعره المتدفقه أن ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.. وإن كان يهتف قبل دقائق الموت لأمريكا، وإن كان يهتف قبل دقائق ولترق منا الدماء.

ومن لم يشرب منه شيئا إلا غرفة بيده فلا بأس عليه وليصحبني في قتالي، فقد استطاع أن يكبح جماح نفسه .

يذكر السدي أنه شرب من الثمانين ألفا ستة وسبعون ألفا وبقي أربعة آلاف فقط مع طالوت، فرجعوا كلهم وبقي هذا القليل مع طالوت.

ولما اجتاز طالوت النهر مع ما بقي من الجند الذين صبروا على العطش والتعب، رأى هؤلاء الجنود كثرة عدوهم فاعتراهم الخوف وقالوا أنهم لا طاقة لنا بهم فنحن قلة وهم كثرة… تماما كما نسمع الآن من أنا ضعفاء لا نقوى على مجابهة هذه الجحافل، انظر إلى فارق التسليح، انظر إلى كذا وكذا وغيرها من الدعوات المثبطة المقعدة عن دفع الطغاة.

وهنا يأتي دور القليل من قليل من قليل، تلك الفئة التي تشربت نفوسها العقيدة، تلك الفئة التي تعلم أن مرد الأمر إلى الله وأنها ما هي إلا ستار لقدرة الله عز وجل، فليس الأمر بالعدد ولا العدة، فكثيرا ما غلبت الجماعة المؤمنة القليلة الجماعة الكثيرة بإرادة الله ومشيئته، فكان إيمانهم بأنهم ملاقوا الله دافع إلى ثباتهم وتثبيت إخوانهم لملاقاة جالوت وجنده، فتوجهوا إلى الله بالدعاء بأن يرزقهم الصبر على قتال الأعداء، وأن يثبت أقدامهم في ميدان الحرب، وأن يرزقهم النصر على القوم الكافرين.

فلم ينفع حينئذ شعارات براقة على صدق أصحابها حينها، ولا حماسة مؤقتة، ولا اندفاعات لحظية، وإنما التجاء إلى الله ناتج عن مفاهيم وأفكار مغروسة في النفس تكون بمشيئة الله سببا في الثبات على الصعاب والشدائد.

فكأن هذا المشهد وهذه القصة التي خلدها القرآن تؤكد على أن أي تحرك أو توجه للخلاص من حالة الاستضعاف والذل دون حركة وجهد تربوي، دون فهم من أن النصر يأتي من الدين من العقيدة والايمان، دون فهم لهذه المفاهيم الإيمانية التربوية الفكرية الأساسية فإنما هي تعد حماسة وانفعال عاطفي يفر أصحابه مع أول اختبار، وتكون الضغوطات المادية والاجتماعية والأمنية كفيلة بالقضاء على جذوة حماستهم وانطفاء جمرتهم، بقتل مشاعرهم وهتافاتهم آنذاك، ويضحى استعدادهم للبذل والتضحية من أجل هذا الدين مجرد ذكريات حزينة يحاولون نسيانها، بل تصبح حتى الفروض الخمس حملا ثقيلا أمام ما نحن فيه من تكالب الشهوات والشبهات وتسلط المجون والفساد، ويشربون من النهر كما شرب منه أكثر بنو إسرائيل يومئذ.

وعلى الجانب الآخر تلك النفوس التي ربيت وأعدت وأقيمت على أساس التربية الحقيقية والتزكي، والوقوف أمام عدوها وإن تحملت العطش، وإن كانت قلة أمام كثرة، هذه هي الكتلة الصلبة من الرواحل التي يجب أن يسعى كل إنسان لأن يكون منها، لأن يتشرب مفاهيمها وأفكارها وقيمها.

أنس بن النضر وثباته يوم أحد

تلك النفوس التي ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك المواقف، فهذا أنس بن النضر يوم أحد بعد أن شاع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم يرى رجالا من المهاجرين والأنصار قد توقفوا عن القتال، فسألهم ما يجلسكم؟

فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.

ثم قال بعد ذلك اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعني المسلمين وقعودهم)

وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء (يعني المشركين).

ثم قال لسعد بن معاذ : أي سعد ، هذه الجنة ، ورب أنس أجد ريحها دون أحد، ثم انطلق أنس رضي الله عنه للقتال، وقتل أنس وهو يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل، ولم يثنه ذلك، فقد تربى في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم على الثبات في أصعب الظروف وأحلكها.

فوجدوه بعد ذلك به بضعا وثمانين ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ومثل به المشركون، فما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه.

رضي الله عن أنس وعن سائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الكثرة الفاقدة لفاعليتها، والقلة المحققة الفاعلة

ولعل ما يجب أن نستأنس به في هذا الموضع ما كتبه الشيخ رفاعي سرور رحمه الله في مقدمة كتابه أصحاب الأخدود عن الكثرة الفاقدة لفاعليتها، والقلة المحققة الفاعلة:

في حديث عن صهيب رضي الله عنه قال “كان رسول الله، إذا صلى العصر همس – والهمس في قول بعضهم تحرك شفتيه كأنه يتكلم – فقيل له: إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست. قال: إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال: من يقوم لهؤلاء، فأوحى الله إليه أن خيرهم بين: أن أنتقم منهم، وبين أن أسلط عليهم عدوا لهم؟ فاختاروا النقمة فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا.

قال وكان إذا حدث بهذا الحديث الآخر عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر…” فيذكر حديث قصة أصحاب الأخدود.

وبذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذين الحديثين معا ودائما.. يتحقق بعدان أساسيان لقضية واحدة وهي العلاقة بين العدد والفاعلية القدرية للعدد.

حيث يمثل الحديث الأول بعد الكثرة الفاقدة لفاعليتها بالعجب بهذه الكثرة وهو مضمون الحديث الأول.

والقلة المحققة لفاعليتها بتجردها من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته وهو مضمون حديث أصحاب الأخدود ، حيث لم يتجاوز أصحاب الدعوة فيه ثلاثة أفراد (الراهب والغلام والجليس).

إن صناعة هذه الكتلة الصلبة القوية التي بذلت جهدا في تربية وتزكية نفوسها، وتعلقت قلوبها بالله عز وجل، وصار تحركها لنصرة دينها نابعا من أسس راسخة تغلغلت بداخلها، لا يحطمها ضغوط اجتماعية أو أمنية أو غير ذلك، يجب أن تكون هدفا أساسيا لكل توجه وتحرك لنصرة هذا الدين، ويجب أن يكون هدف كل فرد في هذه الأمة أن يسعى ليكون من هذه الكتلة الصلبة التي تحمل لواء هذا الدين وتدفع عن أمة الإسلام.

قد يتبادر إلى الذهن تصور ملائكي عن الصورة التي يجب أن يكون عليها من يريد أن يكون سيفا لهذه الأمة، فتجد شرائح كثيرة تستبعد نفسها وترى من قصورها ما يجعلها تعتقد أنها لا تصلح لأن تصل إلى هذه المرحلة، أأنا من أفعل حتى الآن كذا وكذا؟! وأفرط في كذا وكذا؟! أكون من هذه الفئة التي تضحي بنفسها في سبيل الله وتدفع عن المسلمين ما أحاط بهم.

وهذا ناتج عن التصور الخاطئ المأخوذ عن طبيعة الشخص الذي ينصر الدين ويحمل هم الأمة، فالناس دائما تنظر إلى الصورة الأخيرة صورة الشهيد المبتسم، فلا ترى حياته قبل ذلك وهو يخطئ ويذنب ثم يجاهد نفسه مرات ومرات حتى يمن الله عليه ويرزقه الصدق ويصطفيه.

يقول الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

مقام عظيم وأناس باعوا نفوسهم وصدقوا مع الله تعالى، إذا تأملت الآية التي تليها مباشرة تجد أن من أول صفاتهم التي ذكرها الله التائبون، أي أنهم لم يكونوا ملائكة على صورة بشر لا يذنبون أبدا، وإنما كانوا يجاهدون أنفسهم ويحاولون المرة تلو المرة حتى يمن الله عليهم.

لا يفوتنا هنا قصة أبو محجن الثقفي رجل من المسلمين يشرب الخمر، لكنه مع ذلك محب للجهاد في سبيل الله، في معركة القادسية أراد سعد بن أبي وقاص أن يزجره فقيده وخرج المسلمون للقتال.

فطلب أبو محجن من زوجة سعد بن أبي وقاص أن تفك قيده وأخذ فرس سعد بن أبي وقاص وأنطلق إلى ساحة المعركة وقاتل قتالا شديدا، ثم عاد إلى زوجة سعد بن أبي وقاص وأعاد الفرس وقيد مرة أخرى.

تخيل شخص شارب للخمر ولكنه مع ذلك خرج للجهاد في سبيل الله، هذا لا يعني بالطبع أن الإنسان يتعايش مع معصيته ولا يحاول أن يتغلب على شهواته ويكبح جماح نفسه، بل هذا لب ما أردنا أن نصل إليه، ولكن هذه القصة تشير إلى أنه مهما بلغت من المعاصي فلا تستبعد نفسك من حمل هم الدين، والعمل لنصرته والجهاد في سبيله، لا يوجد ما يعرف بنقطة الوصول أو (التشيك بوينت) التي يجب أن تصل إليها لكي تكون حينها مستعدا للجهاد ولنصرة هذا الدين، وإنما ما دمت حيا تحاول أن تزجر نفسك وتربيها وتتعاهدها بما يصلحها، وان ابتليت بمعصية وسقطت فيها تعاود المحاولة بلا يأس ولا ملل، ولا تجعل هذا ذريعة لإلقاء هم الأمة والعمل لها، بل وفقا لكثير من الأحاديث النبوية فإن جهادك في سبيل الله باب من أبواب تكفير هذه المعصية، ولا تحرم نفسك من هذا الفضل الكبير.

عن أبي عبس بن جبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار). فالجهاد وسيلة لصلاح حال النفس وإنقاذها من ظلم الذنوب والمعاصي.

التربية هي الحل

حسنا إذا فالتربية هي الحل فلنكثف جهود الأمة جمعاء على تربية الناس وتحسين سلوكياتهم وغير ذلك، ولْنَكُن ذلك الجيل الذي قد تشبع بالتربية والسلوكيات فقط، وحينما يتكون هذا الجيل ويبدأ فقط فالتفكير في الخروج خارج المساحة التي يسمح الطغاة بالعمل داخلها، يبدأ النظام الطاغوتي في ممارسة لعبته المفضلة من قتل وأسر وتشريد لذلك الجيل الذي تربى على جزء من الدين دون جزء آخر.

فاته أنه لا بد من الإعداد لهؤلاء الطغاة الظالمين، وأنه وإن كان اليوم يقوم بتحفيظ الأطفال الصغار للقرآن، إلا أنه يراهم غدا هم حاملين اللواء لجهاد هؤلاء الظالمين فيظهر انعكاس هذا في تربيته لهم وتبصيرهم بعدوهم وشحذه لهممهم، وإن كان اليوم يعمل في الدعوة فإنه يحاول أن يغرس في الناس الدين شاملا يحاول أن يساعد في تكوين هذه الكتلة الصلبة التي تعرف عدوها، وتعد له وتنتظر الفرصة بل تصنعها لترد للعدو الصاع صاعين.

إن فكرة التربية والتربية وحدها – خاصة أنها في كثير من الأحيان لا تثير الأنظمة على الإسلاميين إذا حدثت بصورتها التدجينية – التي قد تبنتها مدارس إسلامية أحيانا قد ينطبق على تصورها وفكرها نظرية التدجين التي كان يرويها الشيخ رفاعي سرور، تربي ذلك الجيل المسلم دون أن يدرك ما يدور في البلاد، دون أن يدرك حجم الإفساد الذي يقوم به العدو، دون أن يدرك معادلات القوى. فحينما يتغير مزاج النظام ولا يرضى عن جزء من أفعال هذا الجيل، إذ أن احدهم قرر أن يمد رأسه ولو قليلا خارج المساحة المرسومة له، يبدأ النظام في الفتك بهذا الجيل كالدواجن دون رحمة ودون أن يرقب فيهم إلاّ ولا ذمة.

فلنستأنس هنا بمنشور قصير للشيخ أبو لمى عن هذه الفكرة لتبيينها بصورة واضحة:

“لماذا لا نسالم الأنظمة ونعمل ضمن المتاح ولا نبحث عن المفقود بل ونشارك سياسيا في الانتخابات وندخل البرلمان ونعمل بهدوء من الداخل في تغيير المجتمع؟!

اسمع هذه القصة:

خسر الإمام منصور الشيشاني أول ثلاث معارك مع الروس آخرها لما هاجمت قوات الكولونيل بييري قرية الشيخ نفسها “آلدي”. نعم قتل الكولونيل ومعه سبعة ضباط آخرين، إضافة إلى ستمائة جندي، وغنموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم، ومن ضمنها اثنا عشر مدفعاً. لكن قرية الشيخ تمت تسويتها بالأرض وقتل من الشيشانيين عدد كبير جدا.. فلا تعرف هل تحسبها خسارة للشيخ أم هزيمة منكرة للروس!

الغريب في الأمر بعد ذلك أن الشيخ قد أكمل مسيرته وبدأ يحشد قواته مرة أخرى ونقل قاعدة العمليات لمكان آخر.

ولسائل أن يسأله:

قد جربتم كثيرا نفس الطريق وهو طريق الجهاد والقتال العبثي للنظام القيصري الروسي. وثبت فشله، فالواجب عليكم أن تراجعوا أنفسكم، وتغيروا مسلككم.

فيقول قائل:

الطريق لتغيير الواقع هو التربية، وقيام جيل كامل من المربين بتهيئة الأمة، ونشر التدين في جنبات المجتمع بالأربطة العلمية والمراكز البحثية وغيرها، ثم نغير الحكم إلى حكم إسلامي.

وآخر يزعم:

لماذا لا يفعل منصور مثل بعض قبائل القباردي والنوغاي التي سالمت القيصرة وحافظت على حياة أبنائها من القتل وقراها من الدمار.

فنقول:

طريقة التغيير هي طريقة سننية واحدة يطرقها المسلم والكافر، لكن قد تخطئ وتفشل لا لخطأ المنهج، وإنما لضعف موضوعيته.

ما هي المناهج وسبل التغيير التي مارسها أهل الإسلام للخروج من التيه فثبت خطؤها وتبين عوارُها، حتى تطرحوا هذه الطريقة العجيبة؟!

هل يترككم الطاغوت تربون جيلا كاملا على مفاهيم الإسلام الخاصة، وتنشرون التدين في المجتمع، وتقوضون بنيان دولته، وتمسحون مفاهيمه التي يبثها في الناس، هكذا بكل سهولة وسلاسة ويسر، ثم بعد ذلك تزيلون حكم القوانين والجاهلية وتقيمون حكم الإسلام، أم سيقوم وحده، أم ماذا؟!

هذه مخادعة مفضوحة غير واقعية، وإن كانت براقة جميلة تجذب الأنظار!

قد حاول أهل الإسلام إخراج الصليبيين لمدة مائتين من السنين، وعشرات الملايين من القتلى والجرحى والمشردين، ثم نجحوا في نهاية الأمر بنفس المنهج ونفس آلية التحرك، ولم يكونوا يفشلون لخطأ الطريق، بل لضعف موضوعيته.

وحاول أهل الصليب احتلال بلاد الإسلام كاملة لعدة قرون، وإخضاعها بالقوة والقهر ومنها فترة الحروب الصليبية وما بعدها حروب الاستعمار، ثم نجحوا في نهاية الأمر بنفس المنهج وآلية التحرك، ولم يكونوا يفشلون لخطأ الطريق، بل لضعف موضوعيته.

التربية مرحلة موافقة للفعل لا سابقة له، وهذا منطق الحياة حتى، فأنت لا تمنع ابنك من الاختلاط بالناس والذهاب للمدرسة حتى تربيه، بل تربيه خلال الاختلاط بهم والذهاب للمدرسة.

الأمة لم تتوقف عن الجهاد لكي تنشئ جيلا تربويا كامل الصفات، بل جاهدت وقاتلت قتال دفع وطلب، وهي في ظل هذا تربي وتعلم ويخرج منها الصالح والطالح، هذا هو منطق الأشياء وسنن الكون.

مفتاح المشاركة السياسية بيد النظام لأنه نظام احتلال لكنه عربي الجنسية فقط، وليس من طريق في مواجهته إلا: الوعي والمقاومة، لا الكفاح الدستوري والمشاركة السياسية… إلخ، فهذا وهم وخرافة.

ولم تتحرر أمة أبدا من الاحتلال بمثل هذه الطرق!

ولعلمك قد قضمت قوات الإمبراطورة القبائل العميلة وأراضيها بعد ذلك ولم يتركوهم في حالهم.

وبصورة أخرى لم يشفع للإخوان دخول البرلمانات ولا المشاركة السياسية في شيء، وأقامت لهم الأنظمة المذابح المروعة والاعتقالات الطويلة ولم ترحمهم.”

إذا فما هي الصورة المثلى التي نبحث عنها لتربية هذه الكتلة الصلبة التي تعد نفسها لخوض المعركة. هذا ما ننقله عن أبي مصعب السوري في مقدمة فصله عن التربية:

“ﻭﺃﻤﺎ طريقته صلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻓﻲ ﺍﻹﻋﺩﺍﺩ ﻭالتربية ﻓﻘﺩ كانت مدرسة متكاملة يومية يعيش معها الصحابة ﺫﻟﻙ التكامل.. أخلاق ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ، علم وعمل، فهم وإعداد، جهاد وشهادة.

ﻓﻘﺩ ﻜﺎﻥ رسول ﷲ ﺼﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭسلم برسوخ عقيدته ﻭﻓﻘﻬﻪ وخلقه وجهاده ﻫﻭ الأسوة ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ الماثلة أمامهم. وكانت طريقته المتكاملة تعتمد ترسيخ العقائد ﺍﻟﺘﻲ أخذ ﺍﻟﺭﻋﻴل ﺍﻷﻭل ﻓﻲ مكة حظهم ﺍﻷﻭﻓﺭ منها، ﻓﺯﺭﻉ ﺍﻟﻌﻘﻴﺩﺓ ﻭﺭﻋﻰ شجرتها حتى ﺭﺴﺨﺕ جذورها ﻓﻲ نفوسهم ثم نمت في أرواحهم، وأينعت في سلوكهم.

وأما تعاهده لهم صلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻓﻲ حضهم ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ و ﺍﻟﻨﺴﻙ ﻭﺍﻟﺘﺒﺘل وضرب ﺍﻟﻤﺜل ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻬﻡ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻓﻘﺩ طفحت به نصوص ﺍﻟﺴﻨﺔ وأخبار السيرة.

وكذلك كان الأمر ﻓﻲ رعايتهم وتربيته ﻋﻠﻰ مكارم الأخلاق، من اﻟﺼﺩﻕ والأمانة ، ﻭﺍﻟﻜﺭﻡ والشجاعة، وإكرام ﺍﻟﻀﻴﻑ والتحابب، والرحمة وﺍﻟﺫﻟﺔ ﻋﻠﻰ المؤمنين، والتعاضد والإيثار ﺇﻟﻰ منتهى ﻗﻤﺔ الأخلاق ﺍﻟﺤﻤﻴﺩﺓ.

وأما ﻋﻴﺸﻬﻡ لواقعهم ﻭفهمه ﻟﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻤل معه، ﻓﺸﻭﺍﻫﺩﻩ كثيرة ﻓﻲ سيرته سواء ﻓﻲ داخل مجتمعهم، ومه محيط ﺍﻟﻘﻭﻯ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ والمحيطة بهم.

وأما ﻋﻥ ﺇﻋﺩﺍﺩﻫﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻱ.. ﻓﻘﺩ حضهم صلى ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻋﻠﻰ التدريب والرماية ﻭﺇﻋﺩﺍﺩ القوة، وركوب ﺍﻟﺨﻴل، وشهد ميادينهم، وسباقهم، وتنافسهم في ذلك.

وأما ممارسة ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻓﻜﺎﻥ نهجه صلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﺍﻟﻘﺩﻭﺓ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ، ﻓﻘﺩ خرج بنفسه صلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻓﻲ ﻏﺯﻭﺍﺕ كثيرة، وبعث السرايا ﻭﺍﻟﺠﻴﻭﺵ بقيادة أحبهم ﺇﻟﻴﻪ ليكونوا ﻓﻲ مواطن ﺍﻟﻘﺩﻭﺓ ﻭﺍﻟﺨطر. ﻭﻜﺎﻥ بذاته الشريفة صلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻗﺩﻭﺓ حتى ﻗﺎل ﻋﻠﻲ رضي ﷲ عنه، بأنه كان أشجعهم وأقربهم إلى العدو.

ﻭﻟﻡ يكن يؤجل الرجل ﺇﺫﺍ أسلم، ويؤخره ﻋﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ حتى يعد ويتربى ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺴﻼﻡ، كما يزعم ﺍﻟﻘﻌﺩﺓ من ﺍﻟﺩﻋﺎﺓ ﺍﻟﻴﻭﻡ! بل كان شعاره ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭالسلام كما قال لمن أراد اللحاق به في القتال ولم يكن مسلما: (أسلم ثم قاتل).

فكانت خلاصة تربيته صلى الله عليه وسلم في التربية أنها متكاملة المناحي قامت على:
  1. العقيدة والعلم
  2. الخلق والنسك
  3. فهم الواقع وعيشه
  4. الإعداد والقوة
  5. ممارسة الجهاد كفريضة حال وقوعها
ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ نجد ﺃﻥ السلف رضي ﺍﷲ عنهم ركزوا ﻋﻠﻰ ﻫﺫﻩ المناحي المتكاملة ﻓﻲ سلوكهم ﻭﺇﻋﺩﺍﺩ تلاميذهم وإرشادهم للأمة وما قدموه من ﻗﺩﻭﺓ حسنة..”
وختاما يقول الشيخ عبدالله عزام عليه رحمة الله:
 “إن الدعوات تحسب دائما في حسابها أن الجيل الأول الذين يبلغون هؤلاء، يكبرون عليهم أربعا في عداد الشهداء.
إن الجيل الأول كله إنما يذهب وقودا للتبليغ وزادا لإيصال الكلمات التي لا تحيا إلا بالقلوب وبالدماء”.

إذا فالمعركة شديدة تحتاج إلى صبر ومصابرة، تحتاج إلى الفئة التي مازالت قابضة على الجمرة رغم الفتن، إلى تلك الفئة التي كأنها تسمع اليوم نداء النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين يوم أحد ليعيد رص الصفوف حوله لمواصلة القتال “هلم إلي، أنا رسول الله” ، فيهبون لنصرته والدفاع عنه ويصعدون ذاك الجبل، جبل الشهوات والفتن والمكاره، ليسدوا ثغور المسلمين ويدفعون عنهم.

تلك الفئة التي لا تنتظر أن ترى أثرا لعملها، بل ربما تذهب كلها وما حان ميعاد النصر بعد، فهم يعلمون أنه وإن تغيرت الأزمان، فإن أخدود سورة البروج لا زال باق، وإن تغيرت هيأته، لم تخمد نيرانه بعد، بل ازداد لهيبها.

لازال ذاك الأخدود يتلقف من عباد الله أصدقهم، يظن الناس أنهم هلكوا وهم الناجون، وإن كان تحريقهم نهاية لقصتهم، فالنهاية في قصتهم هي البداية.

المصادر
  1. حلقة الشيخ حازم "رمضان شهر القوة"
  2. كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري
  3. تفسير ابن كثير
  4. صفوة التفاسير للصابوني
  5. كتاب دعوة المقاومة لأبي مصعب السوري
  6. كتاب أصحاب الأخدود
  7. منشور على الفيس بوك لأبي لمى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق