من وحي كورونا.. الجائحة كاشفة
وفي جائحة كورونا الكاشفة واجه الشعب المصري الكارثة وحده وبصدر عار دون أي دعم أو مساندة حكومية وبأدوات ومستشفيات صلاحيتها منتهية منذ سنوات
محمد منير
يقول المثل المصري «تسلمي لينا يا شدة»، فالمصري يرى أن للشدائد فوائد فهي تظهر أسوأ طبائع الإنسان المتحصنة داخله، وكذلك أفضل طبائعه الأسيرة داخله، ولهذا فجائحة كورنا أكثر الشدائد الكاشفة لحال مصر ليس المتردي فقط وإنما الغريب عن أي سياق منطقي في العالم.
تعودنا في بلادنا استقبال أكاذيب الحكام بصدر رحب، وإيحاء مقنع بأننا مقتنعون بهذه الأكاذيب ونصدقها، والجميع يعلم أنها أكاذيب، ولكنه أسلوب حياة في مصر لكي تسير مراكبها، وكفى الله المصريين شر القتال، ولهذا فمعظم الكاذبين من الحكام المصريين غير حريصين على إخراج كذبهم بشكل مقنع ومنطقي، فهم يعلمون أن شعوبهم، نتيجة القهر، لا تهتم بمنطقية ما يقوله الحكام فهي في كل الأحوال ستصدقهم وتهتف لهم.
في أواخر القرن التاسع عشر أعلن الخديوي توفيق أن الغزاة الإنجليز جاءوا لينقذوا ومصر ويحموها، وخرج الشعب الذي كان بالأمس مصطفا وراء عرابي وهو يقاوم الإنجليز ليستقبلهم ويهتف لهم وراء الحاكم الخائن، فالقهر والظلم والفقر والخوف يدفعون الإنسان لاستيعاب أي واقع لكي يعيش ولو أدنى مستوى من الحياة، وفي عام 1952 أعلنت حركة يوليه أو ثورة يوليه، مبادئها الستة والتي كان من أهمها إقامة جيش وطني قوي. إقامة عدالة اجتماعية. إقامة حياة ديمقراطية سليمة. وصدق الشعب دون مطالبة بأي ضمانات لتطبيق هذه المبادئ وحتى دون المبادرة بمشاركة الثوار الجدد في الحكم، وظل الشعب عشرات السنوات يهتف لنظام فاشي ويصدق أكاذيب ساذجة حول الجيش القوي والعدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية وهو محاط بالفروق المعيشية ومظاهر القهر الطبقي ليستيقظ عام 1967 على أبشع هزيمة للجيش القوي، ورغم ذلك ظل الشعب متمسكا بموقفه وهو الاستمرار في تصديق أكاذيب الحكومات تقية وتجنبا لبطشها وقمعها، ونفس الأكاذيب ونفس الموقف من الشعب حدث فترة حكم أنور السادات وأوهام عام الرخاء، وأيضا في فترة حكم حسني مبارك والأكاذيب حول دولة القانون والنزاهة.
الصعود لقمة الانهيار:
لنقفز على أحداث عاصرها معظمنا، ولنقفز على موضوعات ودلالات نقاشناها مرارا وتكرارا حول فساد الحكم وفشله، وننتقل للواقع الحالي لاستبيان وتبيان حقائق مهمة، عسى أن تكون عاملا مساعدا لأي حركة تغيير حقيقية قادمة.
كما قلت لكم نعيش أكبر كارثة صحية خطورتها ليست في كونها وباء ولكنها كشفت الجرف الهار الذي تقف عليه مصر طوال السنوات الماضية ومع أول كارثة انهار.
لم تكن كورونا هي الكارثة الوحيدة التي أهالت التراب على المجتمع المصري وانهارت به وانما سبقتها كوارث طبيعية عديدة كاشفة لانهيار بنية مصر، إلا أن كورونا كانت الأكثر كشفا لأن نتائجها السلبية تتعلق بحصاد الموت اليومي الذي تتسبب فيه، ولهذا كان لا بد من خطة إعلامية لخلق صورة ذهنية لدي الشعب المهزوم داخل نفسه عن معارك ومخاطر وجهاد وجهد مبذول من المسؤولين للحفاظ على هذا الوطن، صورة ذهنية تبرر وجود النظام الحاكم بكل فشله في الحكم، ولهذا لا بد أن يتصدر دائما معنى أن هناك حاجة واحتياجا لهذا النظام رغم فشله طوال الوقت، وبجانب الخطة الإعلامية لترغيب الناس في هذا النظام الفاشل لا بد من خطة موازية أخرى لترهيب الناس في حالة عدم قبولهم خطط الترغيب، ويبدو أن الاعتماد الأكبر كان على نشاط الترهيب بالسجون وحمالات الاعتقال المتتابعة، مما جعل النظام لا يهتم بإتقان إخراج مسرحيات وتمثيليات ومشاهد جهاد المسؤولين من أجل الشعب، هذا بالإضافة إلى أن النظام الفاشي لم يتوقف للحظة أو يؤجل كل أنشطة السلب والنهب والاستغلال تجاه الشعب المصاب في وطنه وحكامه
الخطة الأساسية تعتمد على تحويل كل الكوارث الناتجة عن فشل نظام الحكم إلى قدر رفضه أو الاعتراض عليه نوعا من الكفر، ولهذا بدأت أبواق الدعاية الرسمية في إعداد أفلام تسجيلية استضافت فيها مواطنين فرنسيين وبريطانيين يتحدثون عن مدى الإهمال في علاج شعوبهم من الوباء وانهيار حكوماتهم وفشلها في توفير الحماية لشعوبهم وعدم توافر الكمامات، واضطرار الهيئات الطبية في هذه البلاد لارتداء أكياس القمامة بدلا من ملابس الحجر لعدم توافرها، والغرض من هذه التمثيليات والأفلام الساذجة هو تصدير معنى أن الأزمة عالمية وتفوق قدرات حكومات العالم وهو ما يعني أن الوضع المتردي في مصر أفضل وضع في العالم، ولن أتحدث عن كذب هذه الأفلام لأن غباء الإعلام أنساهم أن العالم أصبح قرية صغيرة في ظل كل وسائل الاتصالات المتطورة ومواقع التواصل الاجتماعي، وإنما أنا مهتم بالبحث عن أسباب كل هذا التبجح في الإصرار على بث رسائل إعلامية غير متقنة يعلم القاصي والداني كذبها، وأعتقد أن السبب يكمن في أنها رسائل واضحة للشعب المصري تؤكد أن الحكومة لن تقوم بدورها في رعاية هذا الشعب، ورسالة تحد ضد أي شخص تسول له نفسه الاحتجاج أو محاولة التغيير مثلما حدث عام 2011.
دولة الجباية:
وبدلا من أن تركز الدولة والحكومة جهودها في التنمية المنهارة، أصبحت جهود الدولة وإنجازاتها محصورة في تمثيليات الدعاية الفارغة حول جهودها في الحفاظ على القيم الاخلاقية ومطاردة فتيات الفيديوهات اللاأخلاقية، والتحكيم في صراعات رؤساء النوادي وتنافسهم على الاثرياء العرب، هذه هي الإنجازات الوحيدة للدولة التي تقدمها للشعب كدليل إنجازات تفسر به استمرار وجودها في الحكم رغم فشلها الشديد في حماية هذا الشعب.
وفي جائحة كورونا الكاشفة واجه الشعب المصري الكارثة وحده وبصدر عار دون أي دعم أو مساندة حكومية وبأدوات ومستشفيات صلاحيتها منتهية منذ سنوات، ووقف الأطباء وهيئات التمريض موقفا بطوليا ودخلوا معركة مواجهة الفيروس بدون أسلحة وبأياد عارية ودفع الكثير منهم حياته ثمنا لهذه التضحية، ومات الكثير من المصريين مهانين في الشوارع متألمين، دون الحصول على أي فرصة في الرعاية، ليخرج إعلامي فاشل يردد «الناس كلها في العالم بتموت، مش في مصر بس»، أيها المنافق لا نعترض على إرادة الله، ولكن فرق أن تموت موتة كريمة وانت محاط بالرعاية متجنبا الألم والمعاناة وأن تموت فطيسا مهانا متألما منهارا، هذا هو الفرق بين الحياة بكرامة والحياة المهانة.
ولن أقول إن الحياة المهانة أصبحت قدرنا، وأن الأمل في الحياة الكريمة أصبح معدوما، الواقع أن الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والحرية هي حقائق موجودة ولصيقة بنا ولم نفقدها طالما أن الحق وراءه مطالب ومجاهد وشهيد وكلمة حق لا تخشى لومة لائم، وكما أكتب دائما في نهاية مقالاتي يوم النصر والعزة والكرامة والحرية يراه الأحرار قريبا ويراه الظالمون وعبيدهم بعيدا، وهو قريب.
في أواخر القرن التاسع عشر أعلن الخديوي توفيق أن الغزاة الإنجليز جاءوا لينقذوا ومصر ويحموها، وخرج الشعب الذي كان بالأمس مصطفا وراء عرابي وهو يقاوم الإنجليز ليستقبلهم ويهتف لهم وراء الحاكم الخائن، فالقهر والظلم والفقر والخوف يدفعون الإنسان لاستيعاب أي واقع لكي يعيش ولو أدنى مستوى من الحياة، وفي عام 1952 أعلنت حركة يوليه أو ثورة يوليه، مبادئها الستة والتي كان من أهمها إقامة جيش وطني قوي. إقامة عدالة اجتماعية. إقامة حياة ديمقراطية سليمة. وصدق الشعب دون مطالبة بأي ضمانات لتطبيق هذه المبادئ وحتى دون المبادرة بمشاركة الثوار الجدد في الحكم، وظل الشعب عشرات السنوات يهتف لنظام فاشي ويصدق أكاذيب ساذجة حول الجيش القوي والعدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية وهو محاط بالفروق المعيشية ومظاهر القهر الطبقي ليستيقظ عام 1967 على أبشع هزيمة للجيش القوي، ورغم ذلك ظل الشعب متمسكا بموقفه وهو الاستمرار في تصديق أكاذيب الحكومات تقية وتجنبا لبطشها وقمعها، ونفس الأكاذيب ونفس الموقف من الشعب حدث فترة حكم أنور السادات وأوهام عام الرخاء، وأيضا في فترة حكم حسني مبارك والأكاذيب حول دولة القانون والنزاهة.
الصعود لقمة الانهيار:
لنقفز على أحداث عاصرها معظمنا، ولنقفز على موضوعات ودلالات نقاشناها مرارا وتكرارا حول فساد الحكم وفشله، وننتقل للواقع الحالي لاستبيان وتبيان حقائق مهمة، عسى أن تكون عاملا مساعدا لأي حركة تغيير حقيقية قادمة.
كما قلت لكم نعيش أكبر كارثة صحية خطورتها ليست في كونها وباء ولكنها كشفت الجرف الهار الذي تقف عليه مصر طوال السنوات الماضية ومع أول كارثة انهار.
لم تكن كورونا هي الكارثة الوحيدة التي أهالت التراب على المجتمع المصري وانهارت به وانما سبقتها كوارث طبيعية عديدة كاشفة لانهيار بنية مصر، إلا أن كورونا كانت الأكثر كشفا لأن نتائجها السلبية تتعلق بحصاد الموت اليومي الذي تتسبب فيه، ولهذا كان لا بد من خطة إعلامية لخلق صورة ذهنية لدي الشعب المهزوم داخل نفسه عن معارك ومخاطر وجهاد وجهد مبذول من المسؤولين للحفاظ على هذا الوطن، صورة ذهنية تبرر وجود النظام الحاكم بكل فشله في الحكم، ولهذا لا بد أن يتصدر دائما معنى أن هناك حاجة واحتياجا لهذا النظام رغم فشله طوال الوقت، وبجانب الخطة الإعلامية لترغيب الناس في هذا النظام الفاشل لا بد من خطة موازية أخرى لترهيب الناس في حالة عدم قبولهم خطط الترغيب، ويبدو أن الاعتماد الأكبر كان على نشاط الترهيب بالسجون وحمالات الاعتقال المتتابعة، مما جعل النظام لا يهتم بإتقان إخراج مسرحيات وتمثيليات ومشاهد جهاد المسؤولين من أجل الشعب، هذا بالإضافة إلى أن النظام الفاشي لم يتوقف للحظة أو يؤجل كل أنشطة السلب والنهب والاستغلال تجاه الشعب المصاب في وطنه وحكامه
الخطة الأساسية تعتمد على تحويل كل الكوارث الناتجة عن فشل نظام الحكم إلى قدر رفضه أو الاعتراض عليه نوعا من الكفر، ولهذا بدأت أبواق الدعاية الرسمية في إعداد أفلام تسجيلية استضافت فيها مواطنين فرنسيين وبريطانيين يتحدثون عن مدى الإهمال في علاج شعوبهم من الوباء وانهيار حكوماتهم وفشلها في توفير الحماية لشعوبهم وعدم توافر الكمامات، واضطرار الهيئات الطبية في هذه البلاد لارتداء أكياس القمامة بدلا من ملابس الحجر لعدم توافرها، والغرض من هذه التمثيليات والأفلام الساذجة هو تصدير معنى أن الأزمة عالمية وتفوق قدرات حكومات العالم وهو ما يعني أن الوضع المتردي في مصر أفضل وضع في العالم، ولن أتحدث عن كذب هذه الأفلام لأن غباء الإعلام أنساهم أن العالم أصبح قرية صغيرة في ظل كل وسائل الاتصالات المتطورة ومواقع التواصل الاجتماعي، وإنما أنا مهتم بالبحث عن أسباب كل هذا التبجح في الإصرار على بث رسائل إعلامية غير متقنة يعلم القاصي والداني كذبها، وأعتقد أن السبب يكمن في أنها رسائل واضحة للشعب المصري تؤكد أن الحكومة لن تقوم بدورها في رعاية هذا الشعب، ورسالة تحد ضد أي شخص تسول له نفسه الاحتجاج أو محاولة التغيير مثلما حدث عام 2011.
دولة الجباية:
وبدلا من أن تركز الدولة والحكومة جهودها في التنمية المنهارة، أصبحت جهود الدولة وإنجازاتها محصورة في تمثيليات الدعاية الفارغة حول جهودها في الحفاظ على القيم الاخلاقية ومطاردة فتيات الفيديوهات اللاأخلاقية، والتحكيم في صراعات رؤساء النوادي وتنافسهم على الاثرياء العرب، هذه هي الإنجازات الوحيدة للدولة التي تقدمها للشعب كدليل إنجازات تفسر به استمرار وجودها في الحكم رغم فشلها الشديد في حماية هذا الشعب.
وفي جائحة كورونا الكاشفة واجه الشعب المصري الكارثة وحده وبصدر عار دون أي دعم أو مساندة حكومية وبأدوات ومستشفيات صلاحيتها منتهية منذ سنوات، ووقف الأطباء وهيئات التمريض موقفا بطوليا ودخلوا معركة مواجهة الفيروس بدون أسلحة وبأياد عارية ودفع الكثير منهم حياته ثمنا لهذه التضحية، ومات الكثير من المصريين مهانين في الشوارع متألمين، دون الحصول على أي فرصة في الرعاية، ليخرج إعلامي فاشل يردد «الناس كلها في العالم بتموت، مش في مصر بس»، أيها المنافق لا نعترض على إرادة الله، ولكن فرق أن تموت موتة كريمة وانت محاط بالرعاية متجنبا الألم والمعاناة وأن تموت فطيسا مهانا متألما منهارا، هذا هو الفرق بين الحياة بكرامة والحياة المهانة.
ولن أقول إن الحياة المهانة أصبحت قدرنا، وأن الأمل في الحياة الكريمة أصبح معدوما، الواقع أن الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والحرية هي حقائق موجودة ولصيقة بنا ولم نفقدها طالما أن الحق وراءه مطالب ومجاهد وشهيد وكلمة حق لا تخشى لومة لائم، وكما أكتب دائما في نهاية مقالاتي يوم النصر والعزة والكرامة والحرية يراه الأحرار قريبا ويراه الظالمون وعبيدهم بعيدا، وهو قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق