الخميس، 11 يونيو 2020

حصة "إسرائيل" من مياه النيل!

حصة "إسرائيل" من مياه النيل!

  الشعب المصري مقبل على أيام صعبة، فالضربة هذه المرة لمصدر الحياة وسيترتب عليها زلازل غير معروف حجم خسائرها، فالمجاعة قادمة، وهناك من يستعجل الجوع والعطش حتى يفقد المصريون وعيهم

عامر عبد المنعم 
موضوع سد النهضة منتهي، وكل الموافقات تمت مكتوبة، وما يثار حول وجود مفاوضات مع الإثيوبيين مجرد ادعاءات للاستهلاك الإعلامي، وقنابل دخان لإبعاد الأنظار عن الخطة الصهيونية لنقل مياه النيل إلى "إسرائيل" حيث كل الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي توصيل الماء العذب إلى صحراء النقب لتعميرها وجذب المزيد من المستوطنين.
إنهم يكررون تجربة السادات ولكن بمكر ودهاء، من خلال الشركات الأمريكية والأوربية الخاضعة للنفوذ الصهيوني برعاية البنك الدولي، والتي وضعت يدها على نهر النيل من خلال الاستثمار في بناء السد الاثيوبي لبيع الكهرباء والماء، وإعادة توزيع الحصص لدول الحوض وضم" إسرائيل" كطرف جديد بحصة محددة.
الجديد هذه المرة أن الإسرائيليين والدوائر التابعة لهم في مصر استوعبوا درس السادات، وغيروا طريقة التنفيذ بتخويف الشعب المصري من العطش والتلويح بالقحط لقبول الفكرة بعد السيطرة على النيل من المنبع والقبض على محبس المياه.
لقد خسر السادات معركة توصيل مياه النيل للكيان الصهيوني وفشل في تمرير الخطة الإسرائيلية، لأن الشعب المصري رفض الفكرة، ولم يستطع السادات التمسك بها والدفاع عنها، فتراجع أمام قوة المشاعر الوطنية بعد حرب أكتوبر وضعف الاختراق الصهيوني بالمقارنة بما نعيشه اليوم.
لقد حاول السادات تبرير الفكرة وتغليفها بشق ترعة السلام في نوفمبر/تشرين الثاني 1979 بزعم أنها لنقل مياه النيل إلى القدس حتى يشرب منها الفلسطينيون وأهل الأديان الثلاثة، وأطلق عليها زمزم الجديدة، تشبيها بماء زمزم في مكة، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن فضحه وأعلن أن الاتفاق تم بينهم على مد مياه النيل إلى النقب وليس القدس.
كانت التجربة الحزبية وقتها في بدايتها فتصدت الحركة السياسية والمعارضة المصرية بقيادة المهندس إبراهيم شكري وفتحي رضوان وممتاز نصار ومحمد عصفور ونعمات أحمد فؤاد للمشروع ووقفوا ضد السادات، واحتضن حزب العمل وجريدة الشعب حركة الرفض للمشروع، وعجزت الحكومة في البرلمان عن الدفاع عن مشروع الرئيس فكانت الهزيمة للخطة الصهيونية، وقد سجل كامل زهيري نقيب الصحفيين الأسبق هذه المعركة في كتابه "النيل في خطر".

حصة هرتزل
أول رقم حول الحصة المطلوبة صهيونيا من مياه النيل جاء في المشروع الذي طرحه تيودور هرتزل عام 1903، عندما فكر في تأجير سيناء من ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالا وحتى خط عرض 29 جنوبا، بموافقة الإنجليز، لمدة 99 عاما، لتكون وطنا قوميا مؤقتا لليهود لحين تجهيز فلسطين، وطلب المشروع الذي أعدته لجنة من الخبراء اليهود تمرير 51 متر مكعب في الثانية بمضخات، بواقع 183,6 ألف متر مكعب في الساعة، و4,4 مليون مترمكعب في اليوم، من خلال ثمانية أنابيب قطر كل منها 2 متر تمر أسفل القناة.
 ولكن مشروع هرتزل توقف بسبب رفض السير وليم جارستن وكيل وزارة الأشغال المصرية لصعوبات فنية، ولتأثيره على زراعة القطن المصري الذي تعتمد عليه مصانع لانكشير البريطانية، وأيضا لأسباب سياسية حيث كان الإنجليز قد اتفقوا مع الفرنسيين على تقسيم أراضي الخلافة العثمانية وتسليم فلسطين لليهود.
مشروع أليشع كالي
المشروع الإسرائيلي الثاني وهو الذي ينفذ الآن للمهندس الإسرائيلي أليشع كالي مدير التخطيط الإستراتيجي في شركة تاحال المسؤولة عن تخطيط الموارد المائية، تم طرحه عام 1974 أي بعد حرب أكتوبر، وأعيد طرحه في 1978 مع اتفاق السلام، والذي شرع أنور السادات في تنفيذه عبر ترعة السلام ولكن توقف نتيجة الرفض الشعبي.
ملخص اقتراح أليشع كالي أن تصل مياه النيل لصحراء النقب بمقابل مادي، أي تبيع مصر الماء لزراعة القطن في صحراء النقب التي تمثل ثلثي فلسطين المحتلة. ولتحفيز السادات لإقناع الشعب المصري عرض كالي شراء مياه النيل بنفس الثمن الذي تبيع به القطن، وبرر ذلك بأن المتر المكعب من الماء ينتج في "إسرائيل" ستة أضعاف ما ينتجه الفلاح المصري من القطن بنفس الكمية.
وحدد كالي الحصة المطلوبة من مياه النيل بـ 30 متر مكعب في الثانية، وتمريرها أسفل قناة السويس، بواقع 108 ألف متر مكعب في الساعة، و2,5 مليون متر مكعب في اليوم.
وحدد كالي ذات المكان الذي اختاره هرتزل للحصول على ماء النيل وهو ترعة الإسماعيلية، ولأن الترعة لا تستطيع ضخ كل هذه الكمية من الماء فإن اليشع كيلي وضع خطة لتوسيعها بما يسمح بتمرير الحصة المطلوبة.
سحارات سرابيوم
إن مجمع سحارات سرابيوم هو الحلقة الأهم والمشروع الأخطر في ملف توصيل مياه النيل للكيان الصهيوني، وتم البدء في تنفيذ السحارة الأولى في وقت مبكر مع تفريعة قناة السويس رغم عدم منطقية المشروع في ظل الشح المائي؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه مصر من نقص مياه النيل بسبب ضعف الفيضان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وإنشاء سد النهضة الأثيوبي الذي سيحجز الفيضان السنوي الذي يتم تخزينه في بحيرة ناصر، شاهدنا الاندفاع لإنشاء سحارة سرابيوم بزعم زراعة سيناء وتعميرها!
لقد تم تصميم المرحلة الأولى من سحارة سرابيوم بذات المواصفات التي طلبها هرتزل، تتكون من 4 أنفاق تحت القناة بها 4 أنابيب، يبلغ قطر الأنبوب الواحد 4 أمتار أي بمجموع 16 مترا.
ومع التشغيل التجريبي للسحارة أعلن القائمون على المشروع أن المستهدف هو تمرير مليون و400 ألف متر مكعب من المياه العذبة يومياً بواقع 16 مترا مكعبا في الثانية.
هذه الكمية (16م3) التي سيتم توفيرها عبر سحارة سرابيوم تمثل نصف الكمية التي طلبها كالي، ولكن القائمين على الأمر لم يتركوا مجالا للتخمين فأعلنوا عن تنفيذ سحارة ثانية بجوار الأولى بذات المواصفات أي لنقل 16 مترا مكعبا في الثانية، وزعموا أن الهدف منها نقل مياه مصرف المحسمة التي تلوث بحيرة التمساح إلى سيناء لزراعة 30 ألف فدان!
ورغم عملية التعتيم المفروضة على المشروعات في شرق مصر، وعدم الوضوح فإن التصريحات يفهم منها أن هناك إمكانية لتنفيذ سحارة ثالثة لزيادة الكمية من ماء النيل التي يتم نقلها من شرق القناة إلى غربها لما يقارب الرقم الذي طرحه هرتزل وهو 51 مفي الثانية.
خلاصة ما يجري أنهم يريدون تشييد البنية الأساسية كاملة قبل الدخول في المرحلة النهائية وهي توسيع ترعة الإسماعيلية التي ستكون هي التتويج للخطة الإسرائيلية لتوصيل مياه النيل إلى النقب وهذه ستأتي بعد تهيئة المصريين بتعطيشهم وتجويعهم إلى أقصى مدى، لكسر عزيمتهم وإذلالهم، ليقبلوا بالحصة الإسرائيلية كي يجدوا الماء ويرضوا بتخفيض حصة مصر.
إن المفاوضات الحقيقية التي تجري في الغرف المغلقة تدور حول الضمانات التي تحافظ على وصول الحصة الإسرائيلية من ماء النيل كاملة، وفرض التزامات على الحكومة المصرية يتم بمقتضاها تسليم الدوائر الخارجية الصهيونية ملف الماء المصري والتنازل عن سلطة تحديد استهلاك المصريين لماء النيل سواء للزراعة أو للشرب، وكانت تعديلات قانون الزراعة الذي صدر مؤخرا جزءا من هذه الضمانات.
***
الشعب المصري مقبل على أيام صعبة، فالضربة هذه المرة لمصدر الحياة وسيترتب عليها زلازل غير معروف حجم خسائرها، فالمجاعة قادمة، وهناك من يستعجل الجوع والعطش حتى يفقد المصريون وعيهم، لتسريع سرقة النيل خشية حدوث أي تغيير غير محسوب يوقف المخطط الذي صبروا عليه أكثر من 40 عاما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق