لماذا يهاجمون سليمان القانوني ويسلم غُزاتهم؟
إحسان الفقيه
بعد هاشتاغ يحمل عنوان “المجرم سليمان القانوني” والذي تداوله ناشطون سعوديون باجتهاد واضح، فوصل قبل أيام إلى “الترند” في موقع التدوين المصغر “تويتر”، حيث تضمّن سلسلة من الأكاذيب والفبركات وخلط الأوراق بلغة ركيكة وبعبارات مكررة وبنبرة عدائية مُوجهّة ضد تركيا الحاضر والماضي والمستقبل، بعد ذلك كله نتساءل:
لماذا هذه الحملة الشرسة ضد السلطان العثماني سليمان القانوني؟
هل لأنه من السلاطين العثمانيين الذين أثّروا في مجرى التاريخ الإسلامي؟
أم لأنه صاحب إنجازات عسكرية عظيمة، مدّ نفوذ الدولة الإسلامية إلى ثلاث قارات، وضم إطارها عددا من عواصم الحضارات الأخرى؟
هل سبب الحملات الممنهجة التي تسعى لتشويه صورته التاريخية، لأنه حمى الأراضي المقدسة من الخطر البرتغالي، وحافظ على الهوية الإسلامية والعربية للشمال الإفريقي من خطر الحروب الصليبية، وحمى العالم الإسلامي من المد الصفوي الطائفي ؟
أو ربما لاهتماماته العظيمة في التعليم، ومن هذا المنطلق شهد عهده نهضة علمية دلت عليها المدارس والجامعات في مجالات شتى؟!
هل كل تلك الأكاذيب ضدّه وضدّ مرحلته وسيرته وتاريخه، لأنه كان رجل حضارة، وراعٍ كبير للثقافة ومشرف على تطور الفنون والآداب والعمارة، وترك خلال عهده بصمات ظاهره في الجوانب الخدمية والمعمارية في أرجاء الدولة منها الدول العربية التي تقع تحت نفوذها؟
السلطان العثماني سليمان القانوني، كسائر البشر، له أخطاؤه وعيوبه، لكنها قد تنغمر في بحر حسناته وأعماله الجليلة.
لماذا هذه الحملة الشرسة ضد السلطان العثماني سليمان القانوني؟
هل لأنه من السلاطين العثمانيين الذين أثّروا في مجرى التاريخ الإسلامي؟
أم لأنه صاحب إنجازات عسكرية عظيمة، مدّ نفوذ الدولة الإسلامية إلى ثلاث قارات، وضم إطارها عددا من عواصم الحضارات الأخرى؟
هل سبب الحملات الممنهجة التي تسعى لتشويه صورته التاريخية، لأنه حمى الأراضي المقدسة من الخطر البرتغالي، وحافظ على الهوية الإسلامية والعربية للشمال الإفريقي من خطر الحروب الصليبية، وحمى العالم الإسلامي من المد الصفوي الطائفي ؟
أو ربما لاهتماماته العظيمة في التعليم، ومن هذا المنطلق شهد عهده نهضة علمية دلت عليها المدارس والجامعات في مجالات شتى؟!
هل كل تلك الأكاذيب ضدّه وضدّ مرحلته وسيرته وتاريخه، لأنه كان رجل حضارة، وراعٍ كبير للثقافة ومشرف على تطور الفنون والآداب والعمارة، وترك خلال عهده بصمات ظاهره في الجوانب الخدمية والمعمارية في أرجاء الدولة منها الدول العربية التي تقع تحت نفوذها؟
السلطان العثماني سليمان القانوني، كسائر البشر، له أخطاؤه وعيوبه، لكنها قد تنغمر في بحر حسناته وأعماله الجليلة.
يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي: “لم تتعرض دولة في العالم لمثل ما تعرضت له الدولة العثمانية من حملات عنيفة ضارية استهدفت التشهير بها والنيل منها”.
وقامت بهذه الحملات المكثفة قوتان، والكلام للشناوي: الاستعمار الأوروبي والصهيونية.. ردد بعض المؤرخين والباحثين العرب – عن جهالة أو تجاهل أو حقد – تلك الآراء الخاطئة والظالمة، واستقرت في أذهان الأجيال المتعاقبة من رجال الفكر العربي والإسلامي صورة حالكة عن الدولة العثمانية”.
لقد أوجز المؤرخ المصري حقيقة ما نراه اليوم من حملات ممنهجة ضد التاريخ العثماني، قامت بها أقلام ومنابر إعلامية عربية على سبيل الكيد السياسي للأتراك، أو نابعة من تأثرها بالحقد الغربي والصهيوني على الدولة العثمانية، التي طالما وقفت ضد أطماعهم الاستعمارية على مدى خمسة قرون، وأحرزت باسم الإسلام انتصارات هائلة فزعت لها دول أوروبا، وأعادت للمسلمين هيبتهم وقوتهم.
ويبدو أنه كلما كان السلطان العثماني تمتلئ صفحاته بالإنجازات العظيمة كلما كان استهدافه وتشويه سيرته أشدّ، ومن هؤلاء السلاطين العظام الذين يتعرضون للطعن والتجريح والتشويه في هذه الفترة، السلطان سليمان القانوني، الذي عودِيَ إلى حد نزع اسمه من شوارع عربية كانت تحمله.
لقد سلِم من أقلامهم وألسنتهم الغزاةُ الرومان واليونانيون والفرس والحملات الصليبية والغزو الأوروبي في العصر الحديث، ولم يسلم منها أمثال سليمان القانوني الذي يشترك معهم في الدين والحضارة الإسلامية الجامعة التي مزجت كل القوميات.
بعد هاشتاغ يحمل عنوان “المجرم سليمان القانوني” والذي تداوله ناشطون سعوديون باجتهاد واضح، فوصل قبل أيام إلى “الترند” في موقع التدوين المصغر “تويتر”، حيث تضمّن سلسلة من الأكاذيب والفبركات وخلط الأوراق بلغة ركيكة وبعبارات مكررة وبنبرة عدائية مُوجهّة ضد تركيا الحاضر والماضي والمستقبل، بعد ذلك كله نتساءل:
** لماذا يهاجمون سليمان القانوني؟
– هل يهاجمونه لأنه رفع راية الإسلام وأوصل النفوذ الإسلامي إلى معظم بقاع الأرض؟..
وللعلم كان الأوربيون إذا أسلم أحد منهم قالوا عنه: صار عثمانيا، لأنه قد ارتبط في حسهم الإسلام بالعثمانيين.
قام السلطان سليمان القانوني بغزو بلجراد عاصمة الصرب عام 1521م، وفتح جزيرة رودس(1522م) المشاكسة معقل وحصن القديس يوحنا، حيث كانوا يقطعون طريق الحجاج المسلمين إلى الحجاز ويضربون خطوط المواصلات البحرية للدولة العثمانية.
شن السلطان سليمان غزوة كبيرة على المجر وانتصر عليهم في معركة موهاكس 1526م، بعد أن رفض ملك المجر إرسال الجزية السنوية، ووصل إلى حدود فيينا العاصمة الرومانية المقدسة عام 1529م.
وساعد سليمان القانوني عرب الشمال الإفريقي ضد الحملات الإسبانية والبرتغالية بدعم القائد خير الدين بربروس، وكان سببا في حفظ إسلام وعروبة هذه المناطق من خطر الصليبيين..
كما استمات سليمان في حماية الحجاز وأرض الحرمين من خطر البرتغاليين وأغلق البحر الأحمر أمام سفنهم، وتشدّد في مرور أي سفن أجنبية من هذه المنطقة المائية حتى لا تمثل تهديدا للأراضي المقدسة.
كما حمى السلطان سليمان القانوني بغداد والأمة الإسلامية من خطر الدولة الصفوية الطائفية؟
وضم نطاق حكمه العديد من عواصم الحضارات الأخرى: أثينا، صوفيا، دمشق، بغداد، القاهرة، إسطنبول، بودابست، بلجراد، وغيرها.
كان القانوني محبا للعدل حتى مع غير المسلمين، لقد دفعت هذه الحقيقة مارتن لوثر إلى أن يقول في كتيب نشره عام 1541م (أي في عهد سليمان القانوني): “إن الفقراء المسيحيين الذين يظلمهم الأمراء الجشعون وأصحاب الأراضي، يفضلون أن يعيشوا تحت حكم الأتراك ولا يعيشون في كنف حكام مسيحيين يمارسون الظلم في حق الفقراء”.
– يا ترى هل يهاجمون سليمان القانوني لحرصه على التعليم والاعتماد عليه في إحداث نهضة شاملة؟
ففي عهده منحت مدارس المساجد والتي تمولها المؤسسة الدينية تعليما مجانيا لأطفال المسلمين وكانت متقدمة على تلك في الدول الأوروبية في ذلك الوقت.
وفي عهده تم بناء أربعة عشر مدرسة تعلم الصغار القراءة والكتابة ومبادئ الإسلام.
وفي عهده أيضا منحت المدارس الجامعة العليا تعليما بدرجة جامعات اليوم، وأصبح خريجوها أئمة أو معلمين. شملت المراكز التعليمية في كثير من الأحيان واحدا من المباني العديدة المحيطة بباحات المساجد، أما المباني الأخرى فكان بها المكتبات وقاعات الطعام والنوافير ومطابخ الحساء والمستشفيات لصالح العامة.
وفي عهده أقام السلطان أربع مدارس لعلوم الرياضيات ومدرسة للطب ومدرسة دار الحديث، وفي عام 1557م تم إنشاء كلية السليمانية بإشراف المعمار الشهير سنان، وحسب ما روى المؤرخ (باجوي) عمل في بناء الكلية 3523 عاملا، وتم صرف مبالغ كبيرة عليها، كما تم نقل مختلف أنواع الأحجار والأعمدة إليها من جزيرة بوزجه وإزميت وغزة ولبنان وغيرها من المدن، وقُسّمت الكلية إلى 15 قسماً، من بين أقسامها الجامع ومدرسة الطب ومشفى الأمراض العقلية، ومدرسة الحديث والمطبعة ودار الضيافة وضريح معمار سنان.
– هل يهاجمون السلطان سليمان القانوني لأنه رجل حضارة وراعٍ كبير للثقافة ومشرف على تطور الفنون والآداب والعمارة؟.
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا كتب قصائده تحت الاسم الأدبي “مُحبّي”، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة.
وقد قام القانوني بدعم المبدعين والفنانين، فارتقت الفنون والآداب ونبغ عدد كبير من الأعلام في ذلك العصر.
وقام سليمان القانوني بالعديد من أعمال التشييد، ففي عصره بنى مدينة السليمانية بالعراق العجمي على أنقاض قرية قديمة.
كان مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلغراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة العثمانية، وبخاصة في دمشق ومكة وبغداد، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
وفي عهد القانوني عاش معمار سنان وبنى الكثير من الأبنية المعمارية بأمر السلطان، ومن الأبنية التي شيدت في عهده:
مسجد سليمان القانوني وبني بأمر من السلطان سليمان وأشرف على البناء معمار سنان وذلك بين 1550-1557م.
مسجد سليم الأول بني بأمر من السلطان سليمان القانوني تكريما لذكرى والده واستمر البناء سبع سنوات من عام 1520 حتى 1527م.
جامع رستم باشا، بني بأمر من الصدر الأعظم رستم باشا في العام 1561. يتميز هذا المسجد بالبلاط الناعم الذي يغطي الجدران الداخلية والخارجية. أشرف على بنائه المعماري العثماني سنان.
تكية هرباتي بابا، وهي مكان أنشئ للفقراء في مقدونيا عام 1538م ومساحتها 26.7 ألف متر مربع وفي عام 2017 أعلنت تركيا أنها تستعد لترميمها.
التكية السليمانية أمر ببنائها السلطان سليمان في دمشق. وكانت تخدم عابري السبيل والفقراء والحجاج في طريقهم وتؤمن لهم الطعام والمأوى والتعليم، تبلغ مساحتها أحد عشر ألف متر مربع، وأقيمت في مكان قصر الظاهر بيبرس الذي هدمه تيمورلنك وأنشئت عام 1554م.
في عهده تم بناء أربعة جسور على أنهار مدينة سراييفو وهي:
الجسر الروماني بين 1530-1556م.
جسر تشوموريا 1556م.
جسر تشابانيا 1557م.
الجسر اللاتيني فوق نهر ميليا تسكا 1565م. ويعتبر هذا الجسر من أشهر المعالم السياحة في سراييفو.
جسر كريفا في مدينة موستار بني على نهر رادوبوليا عام 1558م تحت إشراف المعماري التركي تشيفان كاتودا.
جسر ستاري موست بني في مدينة موستار في البوسنة وهو من أشهر معالم المدينة. بني بين عامي 1557 و1566م على نهر نيريتفا بأمر من السلطان سليمان القانوني تحت إشراف المعماري العثماني معمار خير الدين الذي هو تلميذ المهندس المعماري الشهير معمار سنان.
بني جسر ستاري موست من الحجر الجيري الأبيض بطول 29 مترا وارتفاع 20 مترا على شكل قوس. وفي عام 1993 قام الجيش الكرواتي بتدمير الجسر أثناء حرب البوسنة. لكن أعيد تجديده عام 2004 ويعتبر رمزا لمدينة موستار وهو تحت حماية منظمة اليونيسكو.
وقد بني في عهده(السلطان سليمان القانوني) عدد من الخانات في كامل الدولة العثمانية، أشهرها في سوريا خان أفاميا، بني في مدينة حماة لاستراحة الحجاج وتبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع. ينسب البعض هندسة الخان إلى معمار سنان.
كذلك اهتم بالعمارة في مدينة القدس فأمر سليمان القانوني بإعادة تجديد وتحصين سور القدس وذلك لتوفير الأمن والاستقرار فيها وذلك بعد أن وطد الأمن في ربوع الدولة العثمانية واستعان بأفضل المهندسين لأجل هذا الغرض.
كذلك أمر السلطان بتجديد عدد من الأسبلة الموجودة في القدس وببناء عدد جديد منها.
منها سبيل سليمان الذي أمر ببنائه عام 1536م ويقع في الساحات الشمالية للمسجد الأقصى.
كذلك تم بناء خمسة أسبلة غير هذا السبيل في عهده وذلك في مدينة القدس وحدها.
بِرك سليمان التي تتسع لما يقارب 2.4 مليون متر مكعب من المياه. وكانت هذه البرك تزود مدينة بيت لحم كذلك مدينة القدس وخاصة المسجد الأقصى بالمياه لعدة قرون.
تكية خاصكي سلطان، بنيت بعد أن زارت زوجة السلطان سليمان وهي روكسلانا مدينة القدس عام 1552م وأمرت بإنشاء مجمعا خيريا كبيرا، بعد أن رأت أعداد المصلين والطلاب الكبير في المسجد الأقصى، وكانت تقدم الطعام والدعم لخمسة آلاف إلى عشرة آلاف شخص، وما تزال التكية قائمة إلى اليوم وتقدم الطعام لعدد من الفقراء وعابري السبيل.
ووقفت على هذه التكية أوقاف كثيرة. كما أمر ببناء المساجد والجسور والخانات وأسبلة المياه.
كما اهتم السلطان القانوني بالحجاج وتأمين الحماية والماء لقوافلهم كغيره من سلاطين الدولة العثمانية، ففي طريق قافلة الحج الشامي على سبيل المثال: أمر ببناء أربع قلاع لحماية الحجاج وأمر بحفر العديد من الآبار.
المقام أضيق من أن يتسع للاستفاضة في ذكر مناقب هذا السلطان الذين كان يسمى في الغرب بسليمان العظيم، وفي الشرق بسليمان القانوني لما قام به من إصلاحات في النظام القضائي العثماني.
وإننا لا نزعم أن الرجل كان تاريخه خاليا من المثالب والأخطاء، فهو كغيره من البشر، إلا أن المنهج الحق يفرض علينا أن نوازن بين الإيجابيات والسلبيات، فالمنصف يدرك أن سليمان القانوني كانت له أعمال عظيمة تذوب فيها أخطاؤه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق