فروقات العلمانية بين الشرق والغرب....
تختلف العلمانية الغربية عن العلمانية العربية في دواعي الوجود والنشأة ففي حين جاءت العلمانية في الغرب لتحمل الخلاص للمجتمع الأوروبي من سنوات الاستبداد التي تحكمت فيها الكنسية باسم الدين في مصائر الناس وأقواتهم وأعمالهم، فإن علمانية الشرق جاءت على فوهات المدافع وفوق أساطيل الاستعمار ودباباته، وظلت تنخر في جسد الأمة الإسلامية، وامتد دورها إلى ما بعد الاستعمار لتبني في مستوطناتها الفكريّة المغتصبة وتمارس سياسات الاستبداد والقهر الديني والفكري والعلمي...
إن علماني العرب إما أنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويتبنون وينتهجون ما لا يفهمون، وإما أنهم أصحاب نفاق ودهاء، وإما ثالثة الأثافي وهي جمعهم بين السوءتين وخلطهم بين الجهل والنفاق، وهذا ما يرجحه الواقع، وتشهد له ممارسات ثلة منهم.
وفي المقابل لعل علماني الغرب هم الأكثر مصارحة- مع فساد فكرهم- من هؤلاء الخوادع، الذين أطبقوا على صدور المسلمين لعقود طويلة فزيفوا وكذبوا، ونشروا الفساد والاستبداد، وراحوا يطبلون لكل زعيم، ويقبلون أعتاب كل حاكم، ومع اعترافنا بوجود استثناء بسيط على هذه القاعدة، إلا إنه استثناء لا يزيد الصورة إلا وضوحا، وخلال هذه الصفحات سنطوف حول أهم الفروقات الجوهرية بين علمانية الشرق وعلمانية الغرب، ويأتي ذلك في عدة محاور، وهي:
- فروقات في أصل التسمية (مدخل تشريحي للفظة وأصولها).
* تبدأ الفروقات الجوهرية بين علمانية الغرب وعلمانية الشرق منذ اللحظة الأولى من لحظات الالتقاء وهي لحظة التعريف بكليهما، ففي مقابل الوضوح في المصطلح الغربي للعلمانية نرى تلاعبا واضحا في اللفظة العربية لهذه الكلمة، بنسبتها للعلم، "فلفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (secularism) في الإنجليزية، أو (secularite) في الفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بالعلم ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (scientism) والنسبة إلى العلم هي (scientific) أو (scientifique) في الفرنسية. ثم أن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعا ثم كثرت في كلام المتأخرين..والترجمة الصحيحة للكلمة هي: اللادينية، أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد".
ففي الوقت الذي يعلن فيه علمانيو الغرب بكل وضوح أنهم رافضون للدين ولكل ما هو ديني يتشدق علمانيو العرب باحترام الدين وتقديره، ويتبرؤون من مسمى اللادينية، لكنهم- بحسب زعمهم وفي تناقض عجيب- يرون أن الدين أمرا خاصا بين العبد وربه، وهذا الأمر وإن بدا موافقا لما يعتقده النصارى في دينهم، فهو خداع ومكر للمسلمين الذين يعلمون أن الدين الإسلامي متدخل ومتحكم في كل جزئية من جزئيات حياتهم.
- فروقات في سبب الوجود (مدخل تاريخي).
* تختلف العلمانية الغربية عن العلمانية العربية في دواعي الوجود والنشأة ففي حين جاءت العلمانية في الغرب لتحمل الخلاص للمجتمع الأوروبي من سنوات الاستبداد التي تحكمت فيها الكنسية باسم الدين في مصائر الناس وأقواتهم وأعمالهم، فإن علمانية الشرق جاءت على فوهات المدافع وفوق أساطيل الاستعمار ودباباته، وظلت تنخر في جسد الأمة الإسلامية، وامتد دورها إلى ما بعد الاستعمار لتبني في مستوطناتها الفكريّة المغتصبة وتمارس سياسات الاستبداد والقهر الديني والفكري والعلمي...
ومع الرفض التام لعلمانية الغرب إلا أنَّا نقرُّ أن وجودها كان أمرا لابد منه بسبب الفساد الكبير الذي أحدثه رجال الكنيسة باسم الدين."فقد غدت الكنيسة في الغرب المسيحي مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في ذات الوقت مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل، وأصبح رجال الدين (الاكليروس) عبئا ثقيلا، وكابوسا مريعا، يسومون الناس سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، فقد كانت الكنيسة سندا قويا لرجال الإقطاع، بل كانت هي أعظم الإقطاعيين...وأما تعامل الكنيسة مع من يخالفها في معتقداتها فهو العذاب والتنكيل والاتهام بالهرطقة "الكفر"، فعندما برزت بعض النظريات المتعلقة بحركة الأرض، وكرويتها على يد العلماء، قامت الكنيسة بالتنكيل بهم، فحرقت، وسجنت، وقتلت، في محاولة منها للحفاظ على سلطانها القائم على الخرافة والدجل، كل هذا وغيره دفع الناس إلى التمرد على سلطان الكنيسة، بغية الخلاص من بطشها وجبروتها، وولّد في نفوسهم شعورا عارما باحتقار الدين والنفور عنه، فكان من نتاج ذلك أن ظهر الإلحاد كإطار عقدي في البعد عن إله الكنيسة، وظهرت العلمانية كإطار عملي في البعد عن سلطان الكنيسة".
وعليه فعلمانية الشرق هي فكر استعماري، صنع في ظروف تختلف عن ظروف واقعنا، وبمواصفات لا تتفق مع الإسلام كدين كامل وشامل وخاتم، وقد "كانت نكبة الأمة بسقوط السلطة في أيدي العلمانيين المنافقين اللادينيين بعدها في أكثر بقاع العالم الإسلامي؛ أشد ضرراً وأنكى أثراً من سقوط الخلافة العثمانية نفسها، حيث جسَّد أولئك المنافقون العلمانيون بعد سيطرتهم المبدأ الفاسد الكاسد بفصل الدين عن الدولة".
وسار التناول العلماني العربي لقضايا المسلمين من بعد ذلك لا يختلف كثيرا في شكله ومضمونه عن التناول الغربي، بل ربما كان أشد تنكيلا بالمسلمين وأكثر تعنتا من التناول الغربي، كتقليد أعمى وأصم لعلمانية لا تعرف ربا ولا تعترف بدين، وصار علمانيو العرب يتبعون خطى أسلافهم، زاعمين أنه لا خلاص إلا برفض الدين وتتبع خطى الغرب في كل منحى.
- فروقات في العقائد والأفكار (مدخل فكري).
* من الملاحظ أن العلمانية في الشرق، علمانية معكوسة، أو مقلوبة إن جاز التعبير، فعلمانية الغرب في مطلع نشأتها لم تكن تعنى الإلحاد والزندقة، أو معاداة للدين، ثم تحولت فيما بعد إلى هذا المعنى وصارت تناصب الدين العداء، وكان آخر محطاتها تصالح سكوتي ضمني مع الدين، أما علمانية العرب (الشرق) فبدأت برفض وعداء مبطن للدين، ثم خفف الأمر إلى الدعوة إلى تحجيم دورة وإخراجه من كل مناحي الحياة، ثم هي الآن تعود لتكشر عن أنيابها لاسيما وثورات الربيع العربي تشرِّق وتغرِّب في ديار الإسلام.
فقد انتهى الصراع المسيحي العلماني في تاريخ الأوربيين "إلى تصالح صامت وضمني بينهما منذ أزيد من قرن. بل لم ينشب الصراع بشكله الدموي والحاد إلا في فرنسا فقط. وهو ما يؤكد عليه فقيه علماء القانون الدولي والعلاقات الدولية المفكر الألماني المسلم، ولفريد مراد هوفمان في دراسته القيمة ''الإسلام عام 2000 ''، بعد استقراءه لكامل الدساتير الغربية، فتبين له أن كل هذه الدساتير التي هي أعلى قانون في البلد، ليس منها دستور صارم في مسألة الدين والدولة، إلا الدستور الفرنسي، الذي كان ثمرة ثورة جذرية دموية نتج عن الثورة الفرنسية سنة ,1789 التي رفعت شعار ''اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس''، حيث شمل ذلك حرق الكنائس وقتل القساوسة والقضاء على النفوذ الكاثوليكي المتحالف مع القوى السياسية الرجعية والإقطاعية، التي استنزفت الإنسان الفرنسي واستغلته وكبلت حريته ومنعته من حقه في التفكير والتعبير والتجمع. وباستثناء ذلك، تحتفظ كل الدساتير الغربية من أمريكا إلى أستراليا بنوع من العلاقة مع الدين..".
* كذلك فإن قضية محو الدين في الغرب لم تكن الهمّ العلماني الأكبر، وإنما التخلص من سلطة الدين كان الهدف والمراد، وبين الوجهتين فرق كبير، أما فيما يخص العلمانيين العرب، فهمهم الأكبر كان ولا يزال هو محو الإسلام من الوجود وتدميره وتدمير أهله وليس التخلص من سلطته فحسب، ولا يعنيهم بعد ذلك أن يحل محله ديانة أخرى بوذية كانت أو يهودية أو نصرانية...
و"خلاصة القول أن موقف العلمانية في الغرب من الدين، ليس هو موقف من يدعي العلمانية من أبناء جلدتنا حكاما ونخبا، بحيث يضطهدون الدين ومظاهره ويحاربونه، بدل أن يوظفوه توظيفا سليما للبناء، ويمكنوا له من حقه في المشاركة الديمقراطية للوصول إلى صناعة القرار. بالمقابل نجد الغرب لا يمنع ذلك، بل بداخله أحزاب مسيحية تصل إلى الحكم بشكل ديمقراطي، وتعيد صياغة بعض القضايا من منظور ديني بالرغم من أنها لا تمس جوهر العلمانية".
* من الفروقات النفسية في التعامل مع الأشخاص والقضايا بين علماني الشرق والغرب، أنَّه في الوقت الذي نجد فيه نفورا أو على أقل تقدير تباعدا بين رجال الكنيسة في الغرب والعلمانيين، نجد توافقا شبه تام بين علماني العرب وبين رجال الكنيسة، فلا تكاد تجد علمانيا عربيا يذكر رجل دين مسيحي بسوء، ولا تراه يذكر اسمه مجردا عن ألقاب القداسة والتعظيم، وفي المقابل لا تكاد تجد علمانيا عربيا يحترم شيخا أو فقيها مسلما، ولا تجد منهم عداء صريحا إلا عدائهم للإسلام دون غيره. وهي مفارقة تعود بنا إلى ما قد قررناه في البداية من الفكرة الاستعمارية الحاضنة لعلمانية الشرق.
* كذلك فإنه في الوقت الذي سعى فيه علمانيو الغرب إلى نشر الحرية والتحرر من قيود الاستبداد الكنسية والإقطاعية سعى فيه علمانيو العرب إلى مهادنة الطغاة والتقرب من الحكام المستبدين، "ففي مصر كرس العلمانيون للاستبداد السياسي، وساعدوا على تثبيت أركان الأنظمة السياسية الظالمة والتي تفننت في إهدار حرية وكرامة الشعب المصري، وأدار الخطاب العلماني– في أكثر أحواله- ظهره لإرهاب الدولة وتفرغ تفرغاً شبه تام للتيار الإسلامي يخوض معه حرب الأيديولوجية تاركاً مصر فريسة للطغاة، بل ومهادناً لأولئك الطغاة ومداهناً لهم أكثر الأحايين. بل وعلى حد تعبير أحد المثقفين المصريين من غير الإسلاميين: فقد عقد المثقفون المصريون صفقة غير مكتوبة مع النظام قوامها سكوتهم عن معارضة النظام معارضة تناسب طغيانه- أو عدم معارضته بالمرة- مقابل قمع النظام للأعداء المشتركين المتمثلين في التيار الإسلامي".
- فروقات في أصل التسمية (مدخل تشريحي للفظة وأصولها).
* تبدأ الفروقات الجوهرية بين علمانية الغرب وعلمانية الشرق منذ اللحظة الأولى من لحظات الالتقاء وهي لحظة التعريف بكليهما، ففي مقابل الوضوح في المصطلح الغربي للعلمانية نرى تلاعبا واضحا في اللفظة العربية لهذه الكلمة، بنسبتها للعلم، "فلفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (secularism) في الإنجليزية، أو (secularite) في الفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بالعلم ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (scientism) والنسبة إلى العلم هي (scientific) أو (scientifique) في الفرنسية. ثم أن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعا ثم كثرت في كلام المتأخرين..والترجمة الصحيحة للكلمة هي: اللادينية، أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد".
ففي الوقت الذي يعلن فيه علمانيو الغرب بكل وضوح أنهم رافضون للدين ولكل ما هو ديني يتشدق علمانيو العرب باحترام الدين وتقديره، ويتبرؤون من مسمى اللادينية، لكنهم- بحسب زعمهم وفي تناقض عجيب- يرون أن الدين أمرا خاصا بين العبد وربه، وهذا الأمر وإن بدا موافقا لما يعتقده النصارى في دينهم، فهو خداع ومكر للمسلمين الذين يعلمون أن الدين الإسلامي متدخل ومتحكم في كل جزئية من جزئيات حياتهم.
- فروقات في سبب الوجود (مدخل تاريخي).
* تختلف العلمانية الغربية عن العلمانية العربية في دواعي الوجود والنشأة ففي حين جاءت العلمانية في الغرب لتحمل الخلاص للمجتمع الأوروبي من سنوات الاستبداد التي تحكمت فيها الكنسية باسم الدين في مصائر الناس وأقواتهم وأعمالهم، فإن علمانية الشرق جاءت على فوهات المدافع وفوق أساطيل الاستعمار ودباباته، وظلت تنخر في جسد الأمة الإسلامية، وامتد دورها إلى ما بعد الاستعمار لتبني في مستوطناتها الفكريّة المغتصبة وتمارس سياسات الاستبداد والقهر الديني والفكري والعلمي...
ومع الرفض التام لعلمانية الغرب إلا أنَّا نقرُّ أن وجودها كان أمرا لابد منه بسبب الفساد الكبير الذي أحدثه رجال الكنيسة باسم الدين."فقد غدت الكنيسة في الغرب المسيحي مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في ذات الوقت مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل، وأصبح رجال الدين (الاكليروس) عبئا ثقيلا، وكابوسا مريعا، يسومون الناس سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، فقد كانت الكنيسة سندا قويا لرجال الإقطاع، بل كانت هي أعظم الإقطاعيين...وأما تعامل الكنيسة مع من يخالفها في معتقداتها فهو العذاب والتنكيل والاتهام بالهرطقة "الكفر"، فعندما برزت بعض النظريات المتعلقة بحركة الأرض، وكرويتها على يد العلماء، قامت الكنيسة بالتنكيل بهم، فحرقت، وسجنت، وقتلت، في محاولة منها للحفاظ على سلطانها القائم على الخرافة والدجل، كل هذا وغيره دفع الناس إلى التمرد على سلطان الكنيسة، بغية الخلاص من بطشها وجبروتها، وولّد في نفوسهم شعورا عارما باحتقار الدين والنفور عنه، فكان من نتاج ذلك أن ظهر الإلحاد كإطار عقدي في البعد عن إله الكنيسة، وظهرت العلمانية كإطار عملي في البعد عن سلطان الكنيسة".
وعليه فعلمانية الشرق هي فكر استعماري، صنع في ظروف تختلف عن ظروف واقعنا، وبمواصفات لا تتفق مع الإسلام كدين كامل وشامل وخاتم، وقد "كانت نكبة الأمة بسقوط السلطة في أيدي العلمانيين المنافقين اللادينيين بعدها في أكثر بقاع العالم الإسلامي؛ أشد ضرراً وأنكى أثراً من سقوط الخلافة العثمانية نفسها، حيث جسَّد أولئك المنافقون العلمانيون بعد سيطرتهم المبدأ الفاسد الكاسد بفصل الدين عن الدولة".
وسار التناول العلماني العربي لقضايا المسلمين من بعد ذلك لا يختلف كثيرا في شكله ومضمونه عن التناول الغربي، بل ربما كان أشد تنكيلا بالمسلمين وأكثر تعنتا من التناول الغربي، كتقليد أعمى وأصم لعلمانية لا تعرف ربا ولا تعترف بدين، وصار علمانيو العرب يتبعون خطى أسلافهم، زاعمين أنه لا خلاص إلا برفض الدين وتتبع خطى الغرب في كل منحى.
- فروقات في العقائد والأفكار (مدخل فكري).
* من الملاحظ أن العلمانية في الشرق، علمانية معكوسة، أو مقلوبة إن جاز التعبير، فعلمانية الغرب في مطلع نشأتها لم تكن تعنى الإلحاد والزندقة، أو معاداة للدين، ثم تحولت فيما بعد إلى هذا المعنى وصارت تناصب الدين العداء، وكان آخر محطاتها تصالح سكوتي ضمني مع الدين، أما علمانية العرب (الشرق) فبدأت برفض وعداء مبطن للدين، ثم خفف الأمر إلى الدعوة إلى تحجيم دورة وإخراجه من كل مناحي الحياة، ثم هي الآن تعود لتكشر عن أنيابها لاسيما وثورات الربيع العربي تشرِّق وتغرِّب في ديار الإسلام.
فقد انتهى الصراع المسيحي العلماني في تاريخ الأوربيين "إلى تصالح صامت وضمني بينهما منذ أزيد من قرن. بل لم ينشب الصراع بشكله الدموي والحاد إلا في فرنسا فقط. وهو ما يؤكد عليه فقيه علماء القانون الدولي والعلاقات الدولية المفكر الألماني المسلم، ولفريد مراد هوفمان في دراسته القيمة ''الإسلام عام 2000 ''، بعد استقراءه لكامل الدساتير الغربية، فتبين له أن كل هذه الدساتير التي هي أعلى قانون في البلد، ليس منها دستور صارم في مسألة الدين والدولة، إلا الدستور الفرنسي، الذي كان ثمرة ثورة جذرية دموية نتج عن الثورة الفرنسية سنة ,1789 التي رفعت شعار ''اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس''، حيث شمل ذلك حرق الكنائس وقتل القساوسة والقضاء على النفوذ الكاثوليكي المتحالف مع القوى السياسية الرجعية والإقطاعية، التي استنزفت الإنسان الفرنسي واستغلته وكبلت حريته ومنعته من حقه في التفكير والتعبير والتجمع. وباستثناء ذلك، تحتفظ كل الدساتير الغربية من أمريكا إلى أستراليا بنوع من العلاقة مع الدين..".
* كذلك فإن قضية محو الدين في الغرب لم تكن الهمّ العلماني الأكبر، وإنما التخلص من سلطة الدين كان الهدف والمراد، وبين الوجهتين فرق كبير، أما فيما يخص العلمانيين العرب، فهمهم الأكبر كان ولا يزال هو محو الإسلام من الوجود وتدميره وتدمير أهله وليس التخلص من سلطته فحسب، ولا يعنيهم بعد ذلك أن يحل محله ديانة أخرى بوذية كانت أو يهودية أو نصرانية...
و"خلاصة القول أن موقف العلمانية في الغرب من الدين، ليس هو موقف من يدعي العلمانية من أبناء جلدتنا حكاما ونخبا، بحيث يضطهدون الدين ومظاهره ويحاربونه، بدل أن يوظفوه توظيفا سليما للبناء، ويمكنوا له من حقه في المشاركة الديمقراطية للوصول إلى صناعة القرار. بالمقابل نجد الغرب لا يمنع ذلك، بل بداخله أحزاب مسيحية تصل إلى الحكم بشكل ديمقراطي، وتعيد صياغة بعض القضايا من منظور ديني بالرغم من أنها لا تمس جوهر العلمانية".
والملاحظ أن علماني العرب "لم يكتفوا بتبنّي العلمانيّة بمفهومها الأصليّ، وإنّما فصّلوا علمانيّة عدوانيّة لا تنادي بتحييد الدين وتهميشه فحسب، بل تطالب بإحالته إلى المتحف، وإبطال فعاليته، وتضييق الخناق على قيمه وشعائره وشرائعه وأخلاقه ومظاهره، وقد تولّى كبر هذا التحوّل "أتاتورك" بعد إلغاء الخلافة الإسلاميّة، ثم فرّخت هذه العلمانية العدوانيّة في كلّ البلاد الإسلامية تحتضنها الأوساط الاستشراقيّة والتنصيريّة والصهيونيّة والماسونيّة، وتشجّعها، وتحميها، وتجعلها تتبوّأ المراكز المرموقة المتقدّمة في ميادين الثقافة والسياسة بالدرجة الأولى، حتّى غدت صاحبة منابر وأصوات ونفوذ في معظم بلداننا، تسمّم الحياة الفكريّة والسياسيّة بالثقافة الوافدة".- فروقات في التعامل مع القضايا والأشخاص (مدخل نفسي).
* من الفروقات النفسية في التعامل مع الأشخاص والقضايا بين علماني الشرق والغرب، أنَّه في الوقت الذي نجد فيه نفورا أو على أقل تقدير تباعدا بين رجال الكنيسة في الغرب والعلمانيين، نجد توافقا شبه تام بين علماني العرب وبين رجال الكنيسة، فلا تكاد تجد علمانيا عربيا يذكر رجل دين مسيحي بسوء، ولا تراه يذكر اسمه مجردا عن ألقاب القداسة والتعظيم، وفي المقابل لا تكاد تجد علمانيا عربيا يحترم شيخا أو فقيها مسلما، ولا تجد منهم عداء صريحا إلا عدائهم للإسلام دون غيره. وهي مفارقة تعود بنا إلى ما قد قررناه في البداية من الفكرة الاستعمارية الحاضنة لعلمانية الشرق.
* كذلك فإنه في الوقت الذي سعى فيه علمانيو الغرب إلى نشر الحرية والتحرر من قيود الاستبداد الكنسية والإقطاعية سعى فيه علمانيو العرب إلى مهادنة الطغاة والتقرب من الحكام المستبدين، "ففي مصر كرس العلمانيون للاستبداد السياسي، وساعدوا على تثبيت أركان الأنظمة السياسية الظالمة والتي تفننت في إهدار حرية وكرامة الشعب المصري، وأدار الخطاب العلماني– في أكثر أحواله- ظهره لإرهاب الدولة وتفرغ تفرغاً شبه تام للتيار الإسلامي يخوض معه حرب الأيديولوجية تاركاً مصر فريسة للطغاة، بل ومهادناً لأولئك الطغاة ومداهناً لهم أكثر الأحايين. بل وعلى حد تعبير أحد المثقفين المصريين من غير الإسلاميين: فقد عقد المثقفون المصريون صفقة غير مكتوبة مع النظام قوامها سكوتهم عن معارضة النظام معارضة تناسب طغيانه- أو عدم معارضته بالمرة- مقابل قمع النظام للأعداء المشتركين المتمثلين في التيار الإسلامي".
والأمر نفسه حدث في تونس والجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية التي حكمت منذ عقود طويلة بسياسات القهر والقمع، تحت عين وسمع النخب العلمانية وأفراخهم من الليبراليين والقوميين..
* ومن هذه الفروقات أن العلمانية العربية بعد سلسلة من الصراعات بينها وبين الإسلاميين والمجتمع الإسلامي بصفة عامة، وبعد توالي الإخفاقات، تحولت إلى علمانية حلزونية مطاطية، تتشكل حسبما ترى المصلحة،
* ومن هذه الفروقات أن العلمانية العربية بعد سلسلة من الصراعات بينها وبين الإسلاميين والمجتمع الإسلامي بصفة عامة، وبعد توالي الإخفاقات، تحولت إلى علمانية حلزونية مطاطية، تتشكل حسبما ترى المصلحة،
يقول برهان غليون أحد كبار مفكريهم في مقال له بعنوان "دفاعا عن العلمانية": "في اختصار، العَلمانية، من دون حراسة قيم الحرية والمساواة والعدالة، يمكن لها أن تتحول اليوم في البلاد العربية إلى أكبر عقيدة قهرية أو مشرِّعة للقهر الجماعي [وهذا ما حدث بالفعل وليست مجرد تخوفات لغليون]، وذلك باسم "حداثة" ليست في جوهرها ومظاهرها نفسها أحيانًا سوى قروسطوية مقنَّعة ببهارج عصرية لا تخدع أحدًا.
فهي حداثة سالبة للإنسان ومعطِّلة لضميره وعقله وجسمه، مستلِبة لحرياته وإرادته، معادية لفكرة الحق والقانون والمسؤولية الفردية والجماعية معًا".
ثم يعود ويقرر أمرا التفافيا يهدم به أعظم أسس علمانيته، وهي الموقف العلماني العدائي من الدين، فيقول:" لذلك، كما ينبغي لنا أن نرفض الاختباء وراء شعارات العَلمانية لتبرير الحرب ضد الحرية أو للمحافظة على نظم القهر والاستبداد، كذلك ينبغي لنا أن ننكر أيضًا القطيعة التي عمل الإسلاميون والعَلمانيون الكاذبون على فرضها على المجتمعات وأن نطرح، في المقابل، مفهوم (الدولة المدنية) المحايدة عقائديًّا التي تحترم حريات الجميع وعقائدهم". وشتان بين مفهوم الدولة المدنية، والدولة العلمانية، وكلاهما سوء وشر.
* والفارق الأخير بين علماني الشرق وعلماني الغرب من الناحية النفسية أن علماني الشرق أكثر جبنا من غيرهم، ولعل ذلك راجع إلى البيئة والوسط الذي يعيشون فيه، وإلى الحالة الدينية العامة التي تتمتع بها الشعوب الإسلامية، فهذه الشعوب وإن انتاب أفراد منها التقصير في عدد من الأمور الدينية، إلا أنها سريعا ما تكشر عن أنيابها أمام أية استهانة بشعائر هذا الدين، ولولا هذا الأمر لظهر لنا العلمانيون بمظهر مختلف، ولوقفوا من الإسلام موقفا أشد من موقفهم الحالي، بل لو نشأوا في ظروف كظروف علماني أوروبا لكانوا أكثر تطرفا وأشد تنكيلا بمن خالفهم. ودليل ذلك أن كلامهم في غرفهم المغلقة، يختلف تماما عن كلامهم في الإذاعات والقنوات وأمام الناس،
ثم يعود ويقرر أمرا التفافيا يهدم به أعظم أسس علمانيته، وهي الموقف العلماني العدائي من الدين، فيقول:" لذلك، كما ينبغي لنا أن نرفض الاختباء وراء شعارات العَلمانية لتبرير الحرب ضد الحرية أو للمحافظة على نظم القهر والاستبداد، كذلك ينبغي لنا أن ننكر أيضًا القطيعة التي عمل الإسلاميون والعَلمانيون الكاذبون على فرضها على المجتمعات وأن نطرح، في المقابل، مفهوم (الدولة المدنية) المحايدة عقائديًّا التي تحترم حريات الجميع وعقائدهم". وشتان بين مفهوم الدولة المدنية، والدولة العلمانية، وكلاهما سوء وشر.
* والفارق الأخير بين علماني الشرق وعلماني الغرب من الناحية النفسية أن علماني الشرق أكثر جبنا من غيرهم، ولعل ذلك راجع إلى البيئة والوسط الذي يعيشون فيه، وإلى الحالة الدينية العامة التي تتمتع بها الشعوب الإسلامية، فهذه الشعوب وإن انتاب أفراد منها التقصير في عدد من الأمور الدينية، إلا أنها سريعا ما تكشر عن أنيابها أمام أية استهانة بشعائر هذا الدين، ولولا هذا الأمر لظهر لنا العلمانيون بمظهر مختلف، ولوقفوا من الإسلام موقفا أشد من موقفهم الحالي، بل لو نشأوا في ظروف كظروف علماني أوروبا لكانوا أكثر تطرفا وأشد تنكيلا بمن خالفهم. ودليل ذلك أن كلامهم في غرفهم المغلقة، يختلف تماما عن كلامهم في الإذاعات والقنوات وأمام الناس،
وصدق الله العظيم إذ قال في محكم تنزيله:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق