مصر تنتصر على أم حسن .. يا ويل إثيوبيا
هل تصدّق إثيوبيا إن النظام المصري يمتلك من الجدّية، أو الرغبة، ما يجعلها تعيد التفكير في قرارها ملء خزانات سد النهضة، على الأقل خلال فترة التفاوض الناتج عن تفاوض سابق، تولد عن تفاوض أسبق، في عملية تفاوضية تدور في الفراغ، منذ وقّع عبد الفتاح السيسي، منفردًا، إتفاقية الإطار التي منحت إثيوبيا ما تريد؟
في الجوانب الفنية والقانونية، يبدو المفاوض المصري في موقفٍ لا يُحسد عليه، كونه يخوض معركة حسمها عبد الفتاح السيسي مبكرًا جدًا لصالح الخصم، حين كان، ولا يزال، كل همه التقاط الصور وهو بكامل هيئته الرئاسية، والظهور مع زعماء الدول، والجلوس على منصاتٍ وأمامه لوحة تعريف تقول إنه "رئيس"، حتى لو كان الثمن هو النيل الحزين على مصيره الذي بات بيدٍ من لا يعرفونه.
تلوّح أبواق عبد الفتاح السيسي طوال الوقت بالحرب، واللجوء إلى الحل العسكري لردع الطرف الإثيوبي عن اختطاف النيل، فهل من أثرٍ هناك في الحبشة؟ هل يأخذ الإثيوبيون هذه العنتريات مأخذ الجد؟ لا السيسي يستعد للحرب على إثيوبيا، ولا إثيوبيا تتأهب عسكريًا للدفاع عن السد، فالحاصل أنه على دقّات طبول الحرب الوهمية، كان الهدف تحويل الموضوع إلى ملفٍّ دولي وإقليمي، يتجاوز أطرافه المباشرة، بحيث صار الأمر كله في عهدة دونالد ترامب، حين طلبت القاهرة إدخال واشنطن طرفًا رابعًا في لعبة المفاوضات التي أسفرت، في مراحلها الأولى، عن لا شيء.
وبما أن ترامب حاضر، فإن تل أبيب حاضرة على الخط، حتى وإن غابت عن الاجتماعات والمفاوضات.
على أن الأهم من كل ما سبق أن العالم يدرك أن أقصى ما يمكن أن يفعله عبد الفتاح السيسي هو مهاتفة الرئيس الأميركي لكي يجد حلًا، أو بالأحرى مخرجًا من المأزق الذي ورّط فيه مصر، وبالتالي ففكرة العمل العسكري تبقى شعاراتٍ برّاقة تتردّد في ميكروفونات إعلام، رسالته الوحيدة هي تكريس حالة التشظي والانقسام في المجتمع المصري، بل والوصول بها إلى تخوم الأبارتهايد (الفصل العنصري)، حين يخرج صوتٌ من الخلف يطالب بقصر العلاج من فيروس كورونا على غير الإخوان المسلمين.
والشاهد أنه ما دامت هذه الأصوات مسموعة، وهذه الروح ساريةً في جسد الدولة المصرية العليل، فإن إثيوبيا ستبقى تشعر بالأمان، وتؤدّي بمنتهى الثقة في ملعب مفاوضات النيل، إذ كيف يتوقع أحد من دولةٍ أن تدخل حربًا، والمواطن فيها لا يستطيع أن يدخل بيته إذا ما أشيع عنه أنه يحمل فيروس كورونا؟ كيف يكون مجتمع جاهزًا لفكرة الحرب، وشاب يصرخ طالبًا النجدة كي يستطيع الوصول بوالده المريض، ومعه أنبوب أوكسيجين، إلى منزله المحاصر بجيوش المواطنين الشرفاء لمنعهما من الدخول؟
كيف يمكن لأثيوبيا أن تتعامل بجدّية مع صيحات الحرب، بينما في الجهة المقابلة أستاذ علوم سياسية في أعرق جامعة مصرية يعلن انسحابه من الكلام في الشأن العام، ويغلق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، نزولًا عند تحرّشات المحامي الذي أبلغ عنه وسجنه أول مرة، ثم عاد إلى مطاردته ببلاغات عند النائب العام؟
لن تأخذ أديس أبابا كل هذا السخام الدعائي مأخذ الجد، إلا إذا وُجدت في مصر دولة لديها قانون وقيم عيش مشترك واحترام لكرامة الإنسان، بحيث لا يموت كما ماتت والدة المحامي حسن مصطفى، وهي في الطريق إلى الإسكندرية، عائدة مكسورة، بعد أن هزمتها القاهرة في معركة قذرة على الرصيف المقابل لسجن طرة، انتهت بمنعها من زيارة ابنها المحامي المحترم في محبسه.
ربما تحسب أديس أبابا حسابًا للقاهرة، لو أن الأخيرة لم تحارب والدة حسن مصطفى حتى الموت، أو أن الجهات القضائية فيها اتخذت إجراءً واحدًا ضد المحتسبين الجدد الذي يقضون أوقات الفراغ ببلاغاتٍ لاعتقال المواطنين من المعارضين وغير المعارضين.
قد تصدّق إثيوبيا، وقد نصدّق نحن، موضوع الحرب دفاعًا عن النيل، لو علم أحد مصير محرّر رياضي يعمل في صحيفة "الدستور"، أكثر صحف السيسي نهشًا في المعارضين، والذي تم اعتقاله واخفاؤه منذ أسابيع، لأنه كتب على "فيسبوك" يعبر عن ألمه لرحيل زميل له قتله الإهمال الطبي عمدًا، بعباراتٍ بسيطة جاء فيها "البوست ده بلاغ للقيادة السياسية لإنقاذ حياة المصريين من الاهمال وانتشار كورونا بمعدّلات تصاعدية قد تنذر بكارثة".. هذا المحرر المعتقل لم تجرؤ الصحيفة التي يعمل فيها على نشر خبر عن اعتقاله، ولم تتمكّن نقابة الصحافيين من معرفة مصيره.
وحين يحدث ذلك، من الجائز أن تحرّك كل هذه البروباغندا شعرة في رأس الحكومة الإثيوبية.
وحين يحدث ذلك، من الجائز أن تحرّك كل هذه البروباغندا شعرة في رأس الحكومة الإثيوبية.
هذا نظام يلهو بلعبة الحرب الخارجية، منذ اختطف السلطة، لكنه لا يمكن بأي حال أن يكون مهيأً لخوض حرب حقيقية، إلا في الداخل وعلى الداخل، فهنيئًا للإثيوبيين بهذا الحليف الذي ينتحل صفة الخصم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق