الاثنين، 15 يونيو 2020

القصة التي سوف يكملها قراؤها.. (أرض النفاق)

القصة التي سوف يكملها قراؤها.. (أرض النفاق)

                                  
    أ.د/ جابر قميحة

دلفت إلى فراشي ذات ليلة والحزن يلفني نتيجة إلقاء القبض على مجموعاتٍ من إخواني وأصدقائي كلهم ذوو مكانة مرموقة علميًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، يحظون بحب واحترام كل مَن يعرفهم، مخلصون بل متفانون في حب أهلهم ووطنهم، يتمتعون بمستوى أخلاقي في غاية الرقي، كالنسيم في الرقة في تعاملهم مع الناس وفي مسارهم لتحقيق الإصلاح في مجتمعهم، مهتدين بنور الله، ومقتدين بسيرة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا، ولا يرجون من أحدٍ غير الله جزاءً ولا شكورًا.
ولم يكتفِ سجانوهم باعتقالهم وإنما نسبوا إليهم سلسلة من الأكاذيب والافتراءات، وراحوا يطلقون أبواقهم في الصحافة والإعلام لتشويههم وتنفير الناس منهم، وتمر الأيام ويأتي الشهر المبارك شهر رمضان ويمر ويأتي العيد، وينصرم وهم قابعون في سجونهم وأهلهم وأولادهم يتجشمون العناء للاطمئنان عليهم وتوفير ضرورات الحياة لهم، والتخفيف عنهم في هذه الأيام الطيبة، بينما هم يحتاجون إلى مَن يسليهم ويصبرهم ويهون عليهم.
نمتُ في هذا الجوِّ النفسي العصيب، فرأيتُ فيما يرى النائم أنني في قصرٍ شديدِ الفخامة أدركتُ أنه قصر الرئاسة، وإذا بجرسٍ يرن فيهرع رئيس الديوان إلى مكتب الرئيس ويقف منتبهًا قائلاً: أمرك يا فندم، فيرد الرئيس: اسمع يا فلان لقد فكرتُ في أمر الإخوان، ورأيتُ أنهم أناس وطنيون وأنهم طيبون مسالمون مخلصون للبلد فعمم أمرًا إلى كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات بمراعاة هذا التوجه الجديد والعمل بمقتضاه، فقال رئيس الديوان: حاضر يا فندم، أمرك يا فندم.
وعلى الفور بدأت أجراس الهواتف ترن في المؤسسات التشريعية والوزارات ومكاتب رؤساء مجالس إدارات الصحف وأجهزة الإعلام لإخبار الجميع بأمر التوجه الجديد، وعلى الفور أيضًا بدأت كل مؤسسات الدولة كخلايا النحل تجتمع لتبحث ما يستوجبه هذا الأمر السامي من سياساتٍ وخططٍٍ وواجباتٍ يتم توزيعها على المسئولين للعمل بها في التو واللحظة.
وقادتني قدماي إلى إحدى أكبر المؤسسات الصحفية فوجدتُ رئيس مجلس الإدارة مجتمعًا برؤساء تحرير إصداراته وجميع صحفييها لم يتخلف منهم أحد، وسمعت منه محاضرة ضافية في الثناء على القرار الديمقراطي الحكيم وعلى التوجه القانوني والإنساني العظيم، وعلى الواجبات الوطنية الكبيرة التي يعلقها هذا القرار في عنق كل صحفي منهم.
وبعد فترة وأنا خارج من ممرات المؤسسة وجدت صناديق القمامة قد امتلأت حتى فاضت بأشياء غريبة سألت عنها أحد رجال الأمن فأخبرني أنها جلود، وقد غيروها لأنها لا تتناسب مع المناخ الجديد، ووجدت صندوقًا كبيرًا قد امتلأ بأقلام قبيحة، وعندما سألت رجل الأمن عنها أخبرني أنهم استلموا أقلامًا نظيفةً ابتداءً من اليوم.
وعندئذٍ استيقظت من الحلم الجميل آسفًا أن لم أستطع زيارة بقية مؤسسات الدولة، ولكن عزائي أن السادة القراء يستطيعون- وخصوصًا من لديهم موهبة كتابة القصة- أن يتخيلوا وأن يكتبوا باقي فصول قصة أرض النفاق.
-------------
من تراث أ.د. جابر قميحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق