غاب مرسي ولم يحضر الاصطفاف
عام مضى على غياب الرئيس محمد مرسي، شهيدًا وشاهدًا على عفن البيئة السياسية المصرية..
هو الرحيل الكاشف لكل الوهن والعجز والصفاقة والانتهازية والاتجار العلني بكل قيمة وبكل معنى، في أسواق النخاسة الثورية.
رحل الرجل، فتعرّت النخبة السياسية المصرية، وبان أن زعماء النضال المزيفين هم لأخلاق زعماء المافيا أقرب، فما بات يشغلهم سوى توسيع امبراطوريات النفوذ وزيادة ساعات الحضور في فاترينات الادّعاء الأجير، ينفثون الأوهام ذاتها ويبصقون الأكاذيب ذاتها، عن قيادة مشاريع الاصطفاف والتغيير والثورة، حتى صارت مفردة "المشروع" لا تقل ابتذالًا وانتهازيةً عن مدلولاتها عند رجال أعمالٍ توغدوا وتوحشوا وولغوا في دماء وطنٍ تنهشه ضباع الخارج والداخل.
عام مضى على اغتيال الرئيس الشهيد، فما الذي ستقدّمه تلك النخب التي كانت تخفي عوراتها خلف مقولاتٍ فاسدة من عينة أن الحديث عن شرعية الرئيس، وهو في سجنه، يعطل جهودها الوطنية المخلصة الجبارة من أجل صناعة الاصطفاف الثوري الذي سيزلزل الأرض تحت أقدام الانقلابيين ويستعيد الثورة، ومن ثم يسترد الوطن؟
ماذا لدى أصحاب الأكشاك وصناع الأملاك الذين كانوا يتهمون المتمسكين بشرعية الرئيس بشقّ الصف وتعكير النهر، سوى مضغ المحفوظات الفخيمة وإطلاق خطبٍ مشتراة من ورش كتابة سيناريوهات الحفلات التنكرية، يلقونها وهو يضغطون على حروف عبارة "أول رئيس مدني منتخب"؟
من المهم، بل من الواجب، أن يسأل الناس ويسائلون أولئك الذين ردّدوا سنواتٍ إن "شرعية الرئيس" هي العقبة في سبيل الوحدة الثورية التي لا يغلبها غلاب.. ماذا فعلتم خلال عام من رحيل العقبة، وماذا لديكم لما هو آت؟
من الواجب أن يقول لنا أصحاب الكروش والعروش الثورية ما هو الإنجاز الذي تحقق في قضية السجناء والمعتقلين، بعد أن غاب الرئيس وسكت الكلام عن شرعيته.. تلك الشرعية التي زعمتم أن التمسّك بها يضر بأوضاع السجناء؟
نعم كانت هذه الفزّاعة تستخدم على نطاق واسع طوال السنوات الماضية، بل كان يتم تحميل المتحدثين عن شرعية الرئيس، بوصفها مبدأ ثوريًا وأخلاقيًا، المسؤولية عن معاناة أهل الزنازين وقتل محاولات إخراجهم؟
بعد رحيله، قلت إن وجود الرئيس محمد مرسي في السجن كان سترًا لهؤلاء الممتلئين فراغًا وهزلًا ورغبةً في الاستثمار في جرح المصريين ووجعهم، إذ كانوا يسترون عجزهم وتخبطهم وانتهازيتهم، ويختبئون من خياناتهم الثورة والناس، خلف جدار صلب يضعون عليه شعارات من قبيل "إما شرعية.. أو ثورة" أو أن التشبث بشرعية الرئيس الأسير تعني بقاء العمل الثوري معتقلًا ومسجونًا، ولا حل سوى تحرير الشرعية من الرئيس الشرعي.
انتقل الرئيس الشرعي إلى رحاب ربه، وترك لكم كل شيء، الثورة والشرعية والجمهور والنضال، فأقام الحجّة عليكم، ولم يعد هناك مجال مزيد من الثرثرة النظرية في مفاهيم الشرعية والثورة.
هذا ما قلته قبل عام، وأكرّره الآن، ماذا قدمتم في 365 يومًا سوى النبش في سيرة الرجل بحثًا عن وثائق إدانة لأدائه، تعلقونها على ظهور "عمال تراحيل ثورية"، ثم تشعلون تحتها مواقد الثرثرة الكذوب؟
ماذا صنعتم سوى تحويل الثورة إلى مقاولةٍ يتصدّرها مقاولٌ أظهرتموه فجأة، زعيمًا مخلصًا، ثم سرعان ما أطفأتم الأنوار وأغلقتم المسرح، وما بين السطوع والانطفاء، صار حلم الثورة أبعد وأضعف؟
.. والحديث موصول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق