الشهادة الكاشفة لطيب الذكر محمد مرسي
قال الفقهاء والمفسّرون وشرّاح الحديث أشياء كثيرة في معنى "الشهيد" وما تنطوي عليه التسمية من حِكم وأسرار، ومع كلّ ما قالوه، فإنّ الأمر لا يمكن أن يخلو من معنى الشهادة للحقّ وعلى الناس، بل إنّ هذا المعنى أظهر. وهذا الضرب من الشهادة آكد ما يمكن، لما فيه من التوقيع للحقّ والانحياز الكامل إليه بكلّية الإنسان، من نفس وجسد.
فكلّ انحياز قابل للشكّ فيه، أو لتخليط الغايات، فإن لم يكن فهو ناقص وقابل للتغيير الجزئي أو الكلّي، إلا الانحياز بإهلاك النفس في الدنيا وبذل الدم والروح. فلا سبيل للشكّ ولا إمكان للتراجع، ولا شيء يعلو هذا الإعلان للحقّ، والتصديق للكلمة والموقف، تماما كالرجل القادم من أقصى المدينة شاهدا للمرسلين، منتهيا إلى الشهادة كما يمكن أن يلمح القارئ لسورة "يس"، وهو بذلك، وفي الوقت نفسه شاهد على الناس، في موقفه السابق على الشهادة، وفي حين شهادته، وفي عالم الغيب "وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ"، وفي الدنيا لعظيم فعل الشهادة في ذاته؛ فخلود أثره في الدنيا.
والشهادة بتلك الاعتبارات نوع كشف عن الحقائق المخفيّة، وهي إمّا أن تكون في سياق أوسع تندرج فيه وتتضافر معه في كشف الواقع، وإمّا أن تكون تأسيسية، أو ضرب مثلٍ خالص من التضحية في محض قيام بالواجب حتّى لو انعدم النصير.
وشهادة محمد مرسي من النوع الأول، فقد أخذت الأحداث المستمرّة في رفع الغطاء عن العفن المستقرّ في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد العربية، فجاءت شهادة محمّد مرسي وزادت ذلك كشفا، ولكنّها ومن جهة أخرى فيها شيء من النوع الثاني، المستقلّ بذاته، لفرادة حالة الرجل، وتمايزها بمظلوميته، وتكريسه هدفا للتحطيم، وهو إزاء ذلك ثابت، وظلّ شاهدا على جريمة الانقلاب، رافضا منح القتلة كلمة تخلّصهم من عار الخيانة.
فكلّ انحياز قابل للشكّ فيه، أو لتخليط الغايات، فإن لم يكن فهو ناقص وقابل للتغيير الجزئي أو الكلّي، إلا الانحياز بإهلاك النفس في الدنيا وبذل الدم والروح. فلا سبيل للشكّ ولا إمكان للتراجع، ولا شيء يعلو هذا الإعلان للحقّ، والتصديق للكلمة والموقف، تماما كالرجل القادم من أقصى المدينة شاهدا للمرسلين، منتهيا إلى الشهادة كما يمكن أن يلمح القارئ لسورة "يس"، وهو بذلك، وفي الوقت نفسه شاهد على الناس، في موقفه السابق على الشهادة، وفي حين شهادته، وفي عالم الغيب "وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ"، وفي الدنيا لعظيم فعل الشهادة في ذاته؛ فخلود أثره في الدنيا.
والشهادة بتلك الاعتبارات نوع كشف عن الحقائق المخفيّة، وهي إمّا أن تكون في سياق أوسع تندرج فيه وتتضافر معه في كشف الواقع، وإمّا أن تكون تأسيسية، أو ضرب مثلٍ خالص من التضحية في محض قيام بالواجب حتّى لو انعدم النصير.
وشهادة محمد مرسي من النوع الأول، فقد أخذت الأحداث المستمرّة في رفع الغطاء عن العفن المستقرّ في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد العربية، فجاءت شهادة محمّد مرسي وزادت ذلك كشفا، ولكنّها ومن جهة أخرى فيها شيء من النوع الثاني، المستقلّ بذاته، لفرادة حالة الرجل، وتمايزها بمظلوميته، وتكريسه هدفا للتحطيم، وهو إزاء ذلك ثابت، وظلّ شاهدا على جريمة الانقلاب، رافضا منح القتلة كلمة تخلّصهم من عار الخيانة.
نحن في ذلك كلّه نرصد ظاهر الأمر، ونقيس بما خبرناه وعاينّاه من ضعف في أنفسنا في تجارب تقاسم تجربته شيئا منها، ثمّ تأكّد لنا أنّه لا يوفّق لمثل موقفه إلا من وفّقه الله،
ومع أنّه يمكن القول بالثقة كلّها إنّ ما صُبّ عليه لا تحتمله الجبال، فإنّه وبالثقة نفسها، يبدو هذا الصنف من الشهداء، في ذروة التأكيد لحقيقة الاتخاذ للشهداء، فلا أحد يمكنه أن يقف هذا الموقف إلا إذا كان متّخذا. ونحن في ذلك كلّه نرصد ظاهر الأمر، ونقيس بما خبرناه وعاينّاه من ضعف في أنفسنا في تجارب تقاسم تجربته شيئا منها، ثمّ تأكّد لنا أنّه لا يوفّق لمثل موقفه إلا من وفّقه الله، وإلا فإنّنا لا نزكّي على الله أحدا.
شهادة محمد مرسي بذلك، لا تكشف عن العفن المتجسّد في المجرمين وأدواتهم، فحسب، بما في ذلك الذين تغطّوا زمنا طويلا بفضائل زائفة، وإنما تكشف أيضا عن عفن مخاتل يقبع في نفس كلّ واحد منّا، حجبه الغرور، والادعاءات التي لا تكاد تنتهي، من أوّل ذلك الذي ذاق بعضا مما ذاقه الرجل ثمّ أدرك أن الصمود في تحدٍّ من هذا النوع لا يتأتّى إلا لمن وفّقه الله إليه، من الكمّل من الرجال، ثمّ يتحسّس أحدنا ضعفه حينها، فلولا مثيل محمّد مرسي، والمقارنة به، لما علمنا أنّ هذا الصمود ممكن، وأنّ رحمة الله بعباده أكبر من أن تحصر الأمر في ضعفنا واختياراته. وبدلا من أن تفعل هذه الحقيقة فعلها في تطهير نفوسنا، فإنّ الغرور بعناده يغلبها.
وشهادته كاشفة عن ضعف آخر فينا، فحينما كادت أن تقتصر أطروحات كثير منّا على نقد التجربة السياسية للرّجل وجماعته، في إغفال للجانب الآخر من تجربته، بما يتصل بها من ظلم انصبّ عليه، فإنّ ذلك الكثير منّا لم يراجع أطروحاته تلك، ولا سيما أولاء الذين انحازوا للتمرّد عليه، وأيّدوا ما عُرِف بـ"ثورة 30 يونيو"، عاجزين عن ملاحظة الفعل الاستخباراتي فيها، والدعم الإسرائيلي، وتمويل الثورات المضادّة لها، والتي هي أحطّ ما عرف التاريخ من ثورات مضادّة، ثمّ لم يردعهم سوء تقديرهم لمّا بان لهم، وزادته بيانا شهادة محمد مرسي، وإنّما استمرّوا في إلقاء الدروس وكأنّهم لم يخطئوا مع الخاطئين، ولم يكونوا من المغفّلين.
حينما كادت أن تقتصر أطروحات كثير منّا على نقد التجربة السياسية للرّجل وجماعته، في إغفال للجانب الآخر من تجربته، بما يتصل بها من ظلم انصبّ عليه، فإنّ ذلك الكثير منّا لم يراجع أطروحاته تلك
وما الكبر إلا حجاب، ولذلك عُرّف بأنه "بطر الحق، وغمط الناس"، هذا وحساب السياسة وتقديره ظنّي في الغالب، وصمود الرجل حقّ مُتيقّن.
يحضرني في هذا المقام، حوار، ساعة ذلك التمرّد، على موقع تويتر، بيني وبين شاب عربيّ إسلاميّ، ذي أطروحات منشورة ينحاز فيها للحرّيات، دعم بادئ الأمر تمرّد "30 يونيو"، وكانت حجّته أنّه ينحاز إلى ما انحاز إليه شباب الثورة، وقد وقع بذلك في عين ما يُتّهم به الإسلاميون، وجماعة مرسي منهم، بتجسيد الحقّ فيهم، ولكن من جهة معاكسة بتجسيد الحقّ فيمن أسماهم شباب الثورة، عاجزا عن رؤيتهم في واقع متشابك، كم هو الحال فعلا، أخفض من المثال العالي الذي توهّمه. ولعلّ الله أراد بهذا الشابّ الخير، فبان له خطؤه، ثمّ دفع بدوره ثمن مواقفه في بلده سجنا حتّى اللحظة.
وعلى النقيض منه "مفكّر إسلاميّ" حاورته في الموقع نفسه، وجدته مؤيّدا للتمرّد إياه، بل وللانقلاب العسكريّ الصريح في "3 يوليو"، مسقطا مشاعره على الحدث، مسلّطا تجربته الخاصّة على الواقعة، حاجبا الواقع بخيالات ثقافية منقطعة عن الحدث نفسه، وأحسبه لم يُبِد بعد ذلك تراجعا.
وليس الأمر تصفية حساب، ولا لأهمية الأمثلة المذكورة غير المسمّاة، وإنّما هو لبيان ممكنات الكشف في شهادة الرجل، على نحو من شأنه أن يغوص في أعماق كلّ واحد فينا، ولدفع النقاش في زوايا أخرى، نكون فيها أكثر تواضعا، وكذا أكثر رحمة برجل مظلوم عظيم كهذا الرجل.
يحضرني في هذا المقام، حوار، ساعة ذلك التمرّد، على موقع تويتر، بيني وبين شاب عربيّ إسلاميّ، ذي أطروحات منشورة ينحاز فيها للحرّيات، دعم بادئ الأمر تمرّد "30 يونيو"، وكانت حجّته أنّه ينحاز إلى ما انحاز إليه شباب الثورة، وقد وقع بذلك في عين ما يُتّهم به الإسلاميون، وجماعة مرسي منهم، بتجسيد الحقّ فيهم، ولكن من جهة معاكسة بتجسيد الحقّ فيمن أسماهم شباب الثورة، عاجزا عن رؤيتهم في واقع متشابك، كم هو الحال فعلا، أخفض من المثال العالي الذي توهّمه. ولعلّ الله أراد بهذا الشابّ الخير، فبان له خطؤه، ثمّ دفع بدوره ثمن مواقفه في بلده سجنا حتّى اللحظة.
وعلى النقيض منه "مفكّر إسلاميّ" حاورته في الموقع نفسه، وجدته مؤيّدا للتمرّد إياه، بل وللانقلاب العسكريّ الصريح في "3 يوليو"، مسقطا مشاعره على الحدث، مسلّطا تجربته الخاصّة على الواقعة، حاجبا الواقع بخيالات ثقافية منقطعة عن الحدث نفسه، وأحسبه لم يُبِد بعد ذلك تراجعا.
وليس الأمر تصفية حساب، ولا لأهمية الأمثلة المذكورة غير المسمّاة، وإنّما هو لبيان ممكنات الكشف في شهادة الرجل، على نحو من شأنه أن يغوص في أعماق كلّ واحد فينا، ولدفع النقاش في زوايا أخرى، نكون فيها أكثر تواضعا، وكذا أكثر رحمة برجل مظلوم عظيم كهذا الرجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق