الاثنين، 6 يوليو 2020

مقارنة بين فرعون موسى والرئيس الفيلسوف

مقارنة بين فرعون موسى والرئيس الفيلسوف

أحمد عمر
كان إصلاح مصر شاقاً، يتعهد به الأنبياء، فإما خسف وإغراق كما في قصة موسى عليه السلام، حيث لا يجدي دواء، وإما إصلاح ناعم كما في قصة يوسف عليه السلام، وإما فتح على يد الصحابة الكرام.

تعالوا نرى فراعنتهم الظالمين وسنجد أنهم، على ظلمهم، كانوا فراعنة وملوكاً مهمومين بمصر ومصيرها.


الرؤى:

رأى ملك مصر أمنحوتب الثالث (هكذا قدّر صنّاع مسلسل يوسف عليه السلام اسم الملك الموافق لعهد يوسف) رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، ورؤيا السنبلات اليابسات والسنبلات الخضر، وكان ملكاً، ولم يكن فرعوناً، وهي معجزة تاريخية أخبرنا عنها القرآن الكريم، ولم يعرفها المؤرخون إلا حديثاً. والملك أكرم من الفرعون، وكان الملك يعرف معنى الأمن الغذائي المعاصر، ومهموماً بهمِّ شعبه، وإلا ما أكرمه الله بتلك الرؤيا الاستشرافية. والأغلب أنه آمن بيوسف وصار من الموحدين المؤمنين، وبعض المؤرخين يجعله أخناتون.

وكان فرعون مصر على عهد موسى ظريفاً، على قول صديقنا الباحث محمد شاويش، فقال: "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري". يعني يا جماعة، في حدود علمي (بكل تواضع معرفي وكل حذر بحثي يميز الباحثين) لا يوجد إله لكم غيري. ولو عرفت أنه موجود لكنت قلت لكم. لماذا أخبئ عليكم لا سمح الله؟..

وكان قد رأى أيضاً رؤيا، ليست مثل رؤيا أمنحوتب، هي نار عظيمة تخرج من بيت المقدس، وأتت إلى مصر، وأحرقت كل بيوت الفراعنة والأقباط، ولم تمسّ فرعون؛ ليس بسبب حصانته، ولا لأنه ابن آلهة، لكن لسبب آخر سنراه في نهايته "السعيدة"، فأوَّل معبرو الرؤى والأحلام رؤيا الفرعون أنه سيأتي غلام من فلسطين، وسيكون هلاك فرعون على يد هذا الغلام.

ونلاحظ أن كهنة فرعون قد تعلموا فن تأويل الرؤيا، وأوّلوها أحسن تأويل، فأمر فرعون بقتل كل غلام من بني إسرائيل. 

كان الفرعون على ظلمه يعرف معنى الأمن السكاني، فكان يقتل الأطفال سنة، ويعفو سنة، خد وعين كما في أمثالنا، يقتل ويعفو، وليس مثل السيسي يجدد الطوارئ كل ثلاثة أشهر، يعني لو يعمل ثلاثة أشهر طوارئ، وثلاثة من غير طوارئ، لكان شعب مصر بخير.. وهو (السيسي) ساكت عن الوباء في مصر، بل ويسعى في بثّه، بهدر أموال الديون من البنك الدولي في السفاسف، سوى وباء الفشخ، ووباء الجوع، ووباء الخوف، وهو أسوأ الأوبئة.

فلمَ لا يرى فرعون مصر الجديد رؤيا ما، غير رؤيا ساعة أوميغا، التي كانت حلم يقظة ومؤامرة؟!

بل لمَ لا يحسن قراءة الواقع، وهو يعلم أن بلده ستعطش، ويمسّها فقر مائي أعجف؟ ثم زعم وزير الري أن السد الذي بُني غير الذي اتفقوا عليه، طيب: قل والله والله إن السد الذي بُني غير هذا السد.

الصروح الأفقية:
إن ملك مصر أوكل ليوسف عليه السلام شؤون مصر، فبنى الصوامع وزرع وحصد، وإن فرعون موسى كان يدرك أهمية العمران، فقال لهامان: "فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ".

ويبدو أنه كان طموحاً جداً، ولكن نعترف أن السيسي يدرك أهمية الصروح، فشق ترعة في البحر ليس لها قيمة اقتصادية، وبنى العاصمة الإدارية للزينة أيضاً، ومسجد الفتاح العليم للزينة، وجسر محور الملك سلمان، لعله يبلغ البلكونة، فلا يفصل بين صرح السيسي والبلكونة سوى ذراع واحد. صروحه كلها أفقية، وليست علوية، وطموحاته في الفكة، لكن الفكة مع الفكة تجمع.

العطش والخوف ونقص في الأموال وكورونا:
وقد ابتليت مصر بكورونا، التي قتلت حتى الآن عشرات الأطباء، ناهز عددهم حتى الساعة المئة طبيب. وموت طبيب يعني موت ألف مريض أو أكثر. وكان موسى عليه السلام يريد إرسال بني إسرائيل، أي تحريرهم من العبودية، ويسعى صاحبنا إلى استعباد شعب مصر لبني إسرائيل.

وهدد بالأمس بغزو ليبيا، وشعبه عطشان، واعتبرها خطاً أحمر، فعلمنا أن الرجل وإن كان لا يعرف الفرق بين الرؤيا وأحلام اليقظة، فإنه يميز الألوان، لكني أخالف كل المحللين السياسيين الذين يعتقدون أن السيسي لن يشن حرباً سافرة. وزعم محللون أنه يريد رفع السقف التفاوضي، وأنه يقول للجيران إنه موجود، فقد هدر "إعلان القاهرة" الذي دعا إليه حفتر وعقيلة صالح هدراً، وذهب مع النسيم، لخفّته، فلا يحتاج إلى ريح، لأنه على حمقه، خبيث، وموظف، يستجيب لأوامر أسياده الذين دقّوه مثل المسمار في عرش مصر.

وزاد الطين جفافاً، والجفاف أسوأ من البلل، أن الطرف الإثيوبي اتهم أطرافاً خارجية بقتل المطرب الحبشي هاتشالو، ومصر بريئة، فليس هاتشالو من الإخوان المسلمين، فتخصص السيسي هو قتل الإخوان فقط.

عودة الكهنة:
كان الصراع في قصة يوسف عليه السلام بين كهنة آمون الوثني، وبين التوحيد، وقد استطاع أمنحوتب الرابع القضاء على كهنة المعبد اللصوص. وقد عزّ في مصر كهنة آمون، وانبعثوا من جديد، فهم يحاربون البخاري والأزهر. 

ومصر مقبلة على سنوات قحط، فالحرب على ليبيا لها فوائد، فهي تصرف الأنظار عن آفات حكمه، وتخلق بطولة كاذبة، وتسبغ على السيسي الشرعية الناقصة، وستشتد الحرب إن شاء مسعروها، فهي ما تلبث أن تتحول إلى ثأر.

كان عبد الناصر أكثر حكمة وأفصح لساناً من السيسي، وشن حرباً على اليمن البعيدة، والسادات أفصح لساناً وأنصع شرعية من السيسي، وشن حرباً على ليبيا، فلمَ لا يشنُّ السيسي حرباً على ليببا بجيش الخيار والجبنة القريش مسافة السكة؟ الأمر مرهون بساداته في الإمارات وواشنطن والسعودية.

مصر القديمة كانت أكرم:
كان من حكمة الملك أمنحوتب الرابع أنه ولّى يوسف عليه السلام عرش عزيز مصر، وهو غريب عنها، ورفض فراعنة مصر تولية محمد مرسي وهو ابن مصر، لأنه فلاح. وقد غدا شعب مصر، الشعب الثاني، غريباً، ومستعبداً بالضرائب. وكان مرسي واعداً بالخير، بالخبز والسلام والأمن القومي والكرامة، فقُتل، فالغرض هو استعباد الشعب المصري وإغراقه بالعطش أو بالديون.

وجاء السيسي إلى القصر وكبر في ومضة عين، على عكس الأنبياء الذين كبروا في القصر، وعرفوا أسراره، بل لنقل إن مرسي هو الذي جاء غريباً إلى القصر، وكبر فيه فجأة، وكان يحتاج إلى وقت طويل كما في قصة يوسف، أو إلى قوة الله القاهرة بالغرق كما في قصة موسى.

في قصة موسى عليه السلام كان بنو إسرائيل هم المستعبدون، والآية معكوسة في وقتنا، فهم الأسياد على مصر، والمصريون مستعبدون بحكم الطوارئ وحكم العسكر.

النبيّان موسى ويوسف عليهما السلام، جاءا على الماء أو به: موسى نجا من اليمّ مرتين، مرة وليداً، ومرة نبياً نازحاً، ونجا يوسف من البئر صبياً، ومنه خرج وصار عزيز مصر. والماء هو الحياة، ويُظن أن النيل سيغرق السيسي، فإن لم يكن بالعطش، ففي البراد.

نعود إلى رؤيا الفرعون المشير، وهي ساعة الأوميغا، فلعلها أجله!


twitter.com/OmarImaromar

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق