ما أن تهدأ عاصفة الجدل حول مصير "سارة حجازي" حتى تنطلق عاصفة أخرى حول المسؤول عن ازدياد حالات التحرش، وما أن يخبت النقاش حول موضوع الترحم على الموتى من الظالمين قليلا حتى يشتد أواره مجددا حول برنامج الدحيح بين مكفر ومدافع عن مقدمه، والمتشدد بذلك يرى خصمه "كيوت" ومميع للدين، والآخر يراه متطرفا ومنفرا منه.
ويستمر مسلسل الطحن في قصص استهلكت، وأخرى لا زالت تُستهلك وتَستهلك وقت وجهد كثير ممن بقي خارج السجون من الإسلاميين، والذين تمترس معظمهم خلف منصات "السوشيال ميديا" بأسمائهم الصريحة أحيانا وبأسماء مستعارة في كثير من الأحيان.
يذكرني ذلك بالرواية الشهيرة التي تتحدث عن صراع "دون كيشوت" مع طواحين الهواء، والتي توهم أنها "شياطين لها أذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم"، حيث قام بمهاجمة طواحين الهواء فغرس فيها رمحه؛ لكنه علق بها فرفعته إلى الهواء عاليا ثم أطاحت به أرضا فرضّت عظامه، وعلى هذه الحال ما كان دون كيشوت يفلت من خطر إلا ويقع في آخر.
فهل فعلا تلك القصص التي تشتعل دونها معارك داحس والغبراء على منصات السوشيال ميديا تدل عن مرض حقيقي ينخر جسد الأمة، أم هي مجرد عرض لأمراض أخرى أشد خطورة وفتكا؟ وهل هي فعلا ذات أذرع شيطانية حقيقية تجعل إقامة تلك الحروب في مواجهتها فرض عين، أم هي مجرد أوهام ثانوية وطفيليات طارئة ما كان لها أن تكون بهذا الحجم لو توافرت لنا الحاجات الأساسية من حرية وكرامة وحقوق مدنية؟
لنعترف أن الإسلاميين باتوا محاصرين بشكل غير مسبوق ومحرومين من منصات كثيرة في الإعلام والدعوة والعمل الخيري، فضلا عن السياسي أو الاقتصادي والتربوي. وقد مُنع خطباؤهم من المساجد، وطُرد قادتهم من الجامعات، ومُنع آخرون من الظهور الإعلامي، وجُمدت أموال وأرصدة كثيرين بينهم، وسيق من سيق منهم إلى السجن ظلما وبهتانا، ولكن بعضنا تشغله الأمور الثانوية أكثر بكثير من تلك القضايا الأساسية المرتبطة بتحقيق العدل ورفع الظلم، وإعطاء الناس حقهم في إظهار ما يؤمنون به مقابل خصومهم بشكل سلمي وحضاري.
ليس مطلوبا من الإسلاميين المعتدلين تقديم وصفات دواء مجانية لمشاكل المجتمع الأخلاقية والاجتماعية، فضلا عن الاقتصادية والسياسية، وهم مطاردون ومحظورون بل ومتهمون ظلما وزورا في كثير من الدول العربية بالإرهاب.
وعليه، يخطئ أنصار الالتزام الديني الطريق وهم يحاولون تقديم مسكنات ألم وضمادات جروح لأمة نخر الدود عظمها، ولجسد يحتاج استئصال المرارة المسيطرة عليه مصحوبة بأورام لا حصر لها.
كان مبدأ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خالدا ولا زال وهو يرفع شعار: "خلّوا بيني وبين الناس". وهذا الشيء غير متاح حاليا كما ينبغي، فالتواجد مع الناس يقتضي امتلاك الحق ضمن مبدأ تكافؤ الفرص للدخول في دوائر صنع القرار، والتأثير سياسيا وقضائيا وتشريعيا واجتماعيا وفِي مختلف مجالات الحياة، وليس فقط في مادة مرئية عبر منصات التواصل (دون التقليل من شأنها، ولكنها وحدها لا تكفي).
تخيل شخصا وقد أغلق فمه وقُيدت يداه وسُلسلت قدماه بالأصفاد ثم يلام على عدم التحرك لنصرة مظلوم أو إغاثة محتاج! فهل يعقل ذلك؟ نعم ندرك الحرقة لدى كثير من الإسلاميين على ما تمر بِه الأمة من محن، ولكن الخرق اتسع على الراقع، والعلاج يحتاج حلولا جذرية لا ترقيعية، ولا يصلح العطار ما أفسده الدهر.
نحتاج خروجا للمعتقلين من السجون، وعودة للدعاة إلى منابرهم وجامعاتهم، وفتحا للباب لمشاركة سياسية حقيقية، وإعلاما مستقلا ملتزما وغير ملتزم، وحينها يسمع العالم بأسره صوت الالتزام الحقيقي، وترى ارتباط الناس بقيمهم وأخلاقهم.
وبين يدي ذلك نفكر كثيرا في فقه الأولويات ونستحضره في مجالات تفكيرنا، ولا نتحمس لمعركة في قضية والأمة تعاني من قضية أكبر منها، ولا ننشغل بقصة مرتبطة بشخص أو اثنين وفي الأمة آلاف ينتظرون من يلتفت لهم.
يا معشر الإسلاميين، وأنتم أهلي وعزوتي، لا يأخذنكم الترند والهاشتاغ إلى معارك ثانوية، وتذكروا أنكم أمام معركة حقيقية مع الظلم وامتهان الكرامة وسلب الحرية، والتي إن تجاوزتموها هان بعد ذلك كل شيء.
ويستمر مسلسل الطحن في قصص استهلكت، وأخرى لا زالت تُستهلك وتَستهلك وقت وجهد كثير ممن بقي خارج السجون من الإسلاميين، والذين تمترس معظمهم خلف منصات "السوشيال ميديا" بأسمائهم الصريحة أحيانا وبأسماء مستعارة في كثير من الأحيان.
يذكرني ذلك بالرواية الشهيرة التي تتحدث عن صراع "دون كيشوت" مع طواحين الهواء، والتي توهم أنها "شياطين لها أذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم"، حيث قام بمهاجمة طواحين الهواء فغرس فيها رمحه؛ لكنه علق بها فرفعته إلى الهواء عاليا ثم أطاحت به أرضا فرضّت عظامه، وعلى هذه الحال ما كان دون كيشوت يفلت من خطر إلا ويقع في آخر.
كما ذكر فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه فقه الأولويات؛ أن بعضهم يهتمُّ ببناء المساجد في أماكن فيها مساجد ويهمل بناء مؤسسات تربوية تعليمية تعلم الخير وترشد إلى الهدى وتستظل بمظلة شرع الله سبحانه وتعالى، وبعضهم يقيم بين الناس معارك حامية الوطيس من أجل مسائل جزئية أو خلافية ويهمل أصول الإسلام الكبرى وقضاياه الملحة.. فمثلا أكبر همه البحث عن موضع لبس الساعة: في اليد اليمنى أم اليسرى؟! والأكل على المنضدة والجلوس على الكرسي للطعام يدخل في التشبه بالكفار أم لا؟! وغيرها من مسائل أعطيت قدرا أكبر من حجمها الحقيقي مقارنة بالمسائل المهمة الملحة الأخرى، فضلا عما يترتب على الانشغال بها من تضييع الجهود والأوقات وإهدار الطاقات وتمزيق الجماعات.
هل فعلا تلك القصص التي تشتعل دونها معارك داحس والغبراء على منصات السوشيال ميديا تدل عن مرض حقيقي ينخر جسد الأمة، أم هي مجرد عرض لأمراض أخرى أشد خطورة وفتكا؟
فهل فعلا تلك القصص التي تشتعل دونها معارك داحس والغبراء على منصات السوشيال ميديا تدل عن مرض حقيقي ينخر جسد الأمة، أم هي مجرد عرض لأمراض أخرى أشد خطورة وفتكا؟ وهل هي فعلا ذات أذرع شيطانية حقيقية تجعل إقامة تلك الحروب في مواجهتها فرض عين، أم هي مجرد أوهام ثانوية وطفيليات طارئة ما كان لها أن تكون بهذا الحجم لو توافرت لنا الحاجات الأساسية من حرية وكرامة وحقوق مدنية؟
لنعترف أن الإسلاميين باتوا محاصرين بشكل غير مسبوق ومحرومين من منصات كثيرة في الإعلام والدعوة والعمل الخيري، فضلا عن السياسي أو الاقتصادي والتربوي. وقد مُنع خطباؤهم من المساجد، وطُرد قادتهم من الجامعات، ومُنع آخرون من الظهور الإعلامي، وجُمدت أموال وأرصدة كثيرين بينهم، وسيق من سيق منهم إلى السجن ظلما وبهتانا، ولكن بعضنا تشغله الأمور الثانوية أكثر بكثير من تلك القضايا الأساسية المرتبطة بتحقيق العدل ورفع الظلم، وإعطاء الناس حقهم في إظهار ما يؤمنون به مقابل خصومهم بشكل سلمي وحضاري.
إنه الصراع الدونكيشوتي الذي أخذ يقذف بكثيرين من المحسوبين على الصف الإسلامي عمليا من قصة هامشية لأخرىإنه الصراع الدونكيشوتي الذي أخذ يقذف بكثيرين من المحسوبين على الصف الإسلامي عمليا من قصة هامشية لأخرى، ومن طاحونة هواء لأخرى، وباتوا يصرفون فيه الجهد والوقت خارج دائرة التأثير أو التغيير الحقيقي.
ليس مطلوبا من الإسلاميين المعتدلين تقديم وصفات دواء مجانية لمشاكل المجتمع الأخلاقية والاجتماعية، فضلا عن الاقتصادية والسياسية، وهم مطاردون ومحظورون بل ومتهمون ظلما وزورا في كثير من الدول العربية بالإرهاب.
وعليه، يخطئ أنصار الالتزام الديني الطريق وهم يحاولون تقديم مسكنات ألم وضمادات جروح لأمة نخر الدود عظمها، ولجسد يحتاج استئصال المرارة المسيطرة عليه مصحوبة بأورام لا حصر لها.
كان مبدأ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خالدا ولا زال وهو يرفع شعار: "خلّوا بيني وبين الناس". وهذا الشيء غير متاح حاليا كما ينبغي، فالتواجد مع الناس يقتضي امتلاك الحق ضمن مبدأ تكافؤ الفرص للدخول في دوائر صنع القرار، والتأثير سياسيا وقضائيا وتشريعيا واجتماعيا وفِي مختلف مجالات الحياة، وليس فقط في مادة مرئية عبر منصات التواصل (دون التقليل من شأنها، ولكنها وحدها لا تكفي).
تخيل شخصا وقد أغلق فمه وقُيدت يداه وسُلسلت قدماه بالأصفاد ثم يلام على عدم التحرك لنصرة مظلوم أو إغاثة محتاج! فهل يعقل ذلك؟ نعم ندرك الحرقة لدى كثير من الإسلاميين على ما تمر بِه الأمة من محن، ولكن الخرق اتسع على الراقع، والعلاج يحتاج حلولا جذرية لا ترقيعية، ولا يصلح العطار ما أفسده الدهر.
نفكر كثيرا في فقه الأولويات ونستحضره في مجالات تفكيرنا، ولا نتحمس لمعركة في قضية والأمة تعاني من قضية أكبر منها
نحتاج خروجا للمعتقلين من السجون، وعودة للدعاة إلى منابرهم وجامعاتهم، وفتحا للباب لمشاركة سياسية حقيقية، وإعلاما مستقلا ملتزما وغير ملتزم، وحينها يسمع العالم بأسره صوت الالتزام الحقيقي، وترى ارتباط الناس بقيمهم وأخلاقهم.
وبين يدي ذلك نفكر كثيرا في فقه الأولويات ونستحضره في مجالات تفكيرنا، ولا نتحمس لمعركة في قضية والأمة تعاني من قضية أكبر منها، ولا ننشغل بقصة مرتبطة بشخص أو اثنين وفي الأمة آلاف ينتظرون من يلتفت لهم.
يا معشر الإسلاميين، وأنتم أهلي وعزوتي، لا يأخذنكم الترند والهاشتاغ إلى معارك ثانوية، وتذكروا أنكم أمام معركة حقيقية مع الظلم وامتهان الكرامة وسلب الحرية، والتي إن تجاوزتموها هان بعد ذلك كل شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق