الاثنين، 6 يوليو 2020

أحدث كتاب عن بابا الفاتيكان

أحدث كتاب عن بابا الفاتيكان
أ. د. زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية


أحدث كتاب عن بابا الفاتيكان


أبدأ أولا بالعنوان الذي تقول ترجمته "فرنسيس في الجيب"! وكلمة "الجيب" هنا هو اسم دار النشر، وهي من أكبر دور النشر في فرنسا. ومن اللافت للنظر أن يصدر الكتاب في مثل هذه الأيام، وعنوانه الفرعي "أفكار البابا فرانسيس"، في طبعتين: طبعة فاخرة وطبعة شعبية، وأن يقوم هو شخصيا بكتابة المقدمة! والواضح أن المقصود بذلك هو الوصول إلي أكبر عدد ممكن من القراء، خاصة في هذه الفترة التي يجاهد فيها للنيل من الإسلام رسميا ومعه معظم القادة السياسيين والدينيين ورجال التعليم وغيرهم، بعد أن تسلح بوثيقة "الأخوة الإنسانية".. أما صورة البابا علي الغلاف فتنطبق عليها عبارتنا الشعبية عندما يتوعد أحد الأشخاص قائلا بتحدي: "آدي دقني.." والباقي مفهوم من كل ما يقوم به في حق الإسلام والمسلمين، من أجل تنفيذ فكرة الدين الواحد للجميع بقيادته شخصيا، تمشيا مع النظام السياسي الواحد والنظام الاجتماعي الواحد..

وتقول الكاتبة كارولين بيجوتسي، التي تعمل صحفية في مجلة "ݒاري ماتش" الفرنسية، وقد رافقته في 28 رحلة قام بها حول العالم منذ انتخابه سنة 2013، بخلاف لقائه العديد من المرات في الفاتيكان. وقد اختارت أهم أفكاره وعباراته الأكثر عمقا والأكثر إثارة وانفعالا لتكوين هذا الكتاب.

ومنذ أن اعتلي عرش القديس بطرس في 13/3/2013، يبدو من تصريحاته وخطبه أو حتى تعليقاته أنه ينوي فرض توجها جديدا أكثر وضوحا للكنيسة الكاثوليكية، وأكثر تمشيا مع أحلامه التطلعية لتنصير العالم.. وقد لامه البعض منذ بداية اعتلائه هذا العرش، ولوّحوا له بماضيه غير المشرّف في بداية حياته، لا من حيث تواضع أصله الاجتماعي وتدرجه في عدة وظائف متدنية، وأنما لتقربه المشين من الدكتاتورية الحاكمة في الأرجنتين وذلك فيما بين 1976و1983. إذ كان يقوم بالتبليغ عن المعارضين للحكم حتى وإن كانوا من رفاقه الكنسيين.

ولعل أهم ما يميّز عباراته بالنسبة للجمهور كثرة حديثه عن المحبة وحب الرب يسوع وحب القريب والفقراء والمنبوذين والمهاجرين بلا مأوي.. لكن من يدركون خلفيات عباراته، وأنه أول بابا في التاريخ يتم انتخابه من تنظيم اليسوعيين، المشهورين بدهائهم في كيفية فرض المسيحية بأية وسيلة وبأي ثمن، يدركون ما يرمي إليه..

ولعل أول خطاب رسولي أصدره في 5/7/2013، بعد خمسة أشهر من انتخابه، بعنوان "نور الإيمان"، له مغزاه، فهو بمثابة نقطة وصل بينه وبين البابا السابق، بنديكت 16، المستقيل والمقيم في الفاتيكان من أجل الحماية الدبلوماسية من الحكم الصادر ضده. فالاثنان يربطان بين الإيمان والمنطق، في الحديث عن دين لا منطق فيه، بل ولا يعرفان كيف يشرحانه أو يبرران ما تم فرضه قمعا على مر التاريخ. كما يشتركان في نفس المفهوم من ان الإسلام دين لا يعرف المنطق وان كل ما أتي به سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، "شر قام بفرضه بحد السيف"! وهو ما قاله حرفيا البابا بنديكت 16 سنة 2006 في خطابه الشهير في جامعة راتسبون الذي علّقت عليه في حينها..

وفي هذا الخطاب يتناول فيه البابا فرانسيس ما بدأه بنديكت 16 "ليقود كنيسة مفتوحة الأبواب تعرف كيف تعلن مسيحيتها بقيادة الروح القدس الذي يدفع الكنيسة لأن تسير قُدما". كما أنه يتبع ثقافة الالتقاء المسكوني بين الكنائس وبين الأديان على الصعيد الاجتماعي والسياسي، متجها نحو الوحدة دون إلغاء الاختلافات العقائدية والهويات. فهو على حد وصف المقربون له "يطلب من جميع المسيحيين أن يكونوا مبشرين مع الروح القدس ليعلنوا عما هو جديد بجرأة، بصوت عال، في أي زمان وأي مكان، حتى وإن كان عكس التيار"..

ومما قاله في هذا الخطاب الرسولي الأول له، "نور الإيمان": "ان الإيمان انتهي به الأمر بضمه الي الظلمات. وظنوا أنه بالإمكان الاحتفاظ به، وإيجاد مساحة تسمح له بأن يوجد مشاركة مع نور العقل.. إن مسحة الإيمان تنفتح حيثما لا يمكن للعقل أن يغير الوضع، حيث الإنسان لم يعد بوسعه أن يتأكد. فبدا الإيمان وكأنه قفزة في الفراغ نقوم بها من قلة النور، مدفوعين بشعور أعمي، أو كالضوء ذاته القادر ربما على تدفئة القلب، أو أن يأت بمواساة خاصة، لكنها لا تستطيع أن تقترح نورا محايدا مشتركا لتنير اتجاه الطريق"..

وبعد هذا الخطاب بعامين أصدر خطابا جيدا سنة 2015، بعنوان "ممجد أنت سيدي" لإنقاذ بيتنا المشترك. إذ يحاول أن يأت برسالة واضحة وجديدة على الصعيد العالمي قائلا: "إن التحدي الملحّ هو الحفاظ على بيتنا المشترك وذلك يتضمن توحيد كل الأسرة الإنسانية للبحث عن تطوير مستديم، متكامل، لأننا نعلم أن الأشياء يمكنها أن تتغير".

ثم يضيف بعد قليل: "نحن مدركون تماما استحالة الحفاظ على المستوي الحالي من الاستهلاك في البلدان الأكثر تقدما والقطاعات الأكثر ثراءً في المجتمع، حيث عادة الإنفاق والرمي وصلت لمستويات غير مسبوقة. بل لقد تعدينا حدود استغلال الكوكب دون حل مشكلة الفقر". متناسيا أن هناك من وضعوا أنظمة أكثر إنسانية تراعي المساواة بين البشر لكن نفس الكنيسة التي يقودها هي التي حاربتها أيام البابا يوحنا بولس الثاني، الذي جعلوه قديسا بعد وفاته، فقد قام باختلاق حزب تضامن في بولندا ليقتلعوا اليسار بالتواطؤ مع جورباتشوف كعميل من الداخل..

ومنذ أيام، في التاسع والعشرين من شهر يونيو، يوم عيد القديسَين بطرس وبولس، دعامتا الكنيسة وراعايا مدينة روما، أقام البابا فرنسيس قداسا في البازليكا التي تحمل اسميهما، تضمن كلمتان أساسيتان هما: الوحدة (بمعني توحيد البشر)، والنبوءة، أي التنبؤ بذلك وتحقيقه. فهو يرمي إلى توحيد العالم وتغيير مجري التاريخ. وقد أنهي موعظته قائلا: "مثلما قام الرب بتحويل سمعان الي بطرس فهو ينادي كل فرد منا ليجعل منا حجارة حية يتم بها بناء كنيسة كبري وإنسانية متجددة. وسيوجد دوما من يهدمون الوحدة وإطفاء النبوءة، لكن الرب يؤمن بنا ويسألك: "هل تود أن تكون نبيا لسمائي على الأرض؟".. لنترك يسوع يستفزنا ولنجد في أنفسنا الشجاعة لنقول له: "نعم، أود"!..

والمغزى شديد الوضوح، وعلى كل مسلم أن يدرك معني خطاب البابا، ومعني طلبه من كل مسيحي أن يكون مبشرا، ومعني رغبته في بناء "كنيسة كبري تسع العالم"، وإن الرب يسألك إن كنت تود أن تكون من بناة الوحدة أو من هادميها، وفي نفس العبارة تتحول كلمة الرب إلي يسوع الذي يتحدانا، فيسوع هو الرب الذي ينادي به بكل وضوح ودون أية مواربة..

تري هل وصلت الرسالة وأدركتم من هو الرب؟!

زينب عبد العزيز
 5 يوليو 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق