الاثنين، 7 ديسمبر 2020

السيسي يهرب إلى فرنسا.. ماذا يملك ماكرون؟!


السيسي يهرب إلى فرنسا.. ماذا يملك ماكرون؟!


سليم عزوز

"لا أحد يعرف ما سيحدث في مصر لو أصبح الوضع مضطرباً.."!

هذا جزء من خطاب، يتحدث عن أن أوضاع الحكم في مصر ليست مستقرة، وهو ليس خطاباً خاصاً بمن يصفهم عبد الفتاح السيسي بـ"الأشرار"، فهذا خطاب الأصدقاء في "تل أبيب"، أصدقائه الذين عمل كل ما في وسعه من أجل أن يتقرب إليهم بالنوافل، وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً. ولم يبخل على هذه العلاقة ولو بارتكاب الحرام الوطني من حيث التفريط في الأرض، وفي مياه النيل، لمصالح إسرائيلية بحتة، وقال إن مهمته تحقيق الأمان للمواطن الإسرائيلي، وأنه داعم لصفقة القرن، وأنه مع توسيع عملية السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً أخرى في المنطقة، وقد مهد بذلك لتطبيع أضر به وبمصر ضرراً فادحاً!

فلم يكن يعتقد، وهو يتحدث عن عملية "التوسيع" هذه، أنه سيخرج من المولد بلا حمص. ولغير المصريين فإن شراء الحمص هو طقس من طقوس المشاركة في الموالد. لكنه لم يخرج فقط من مولد التطبيع بدون الحمص، ولكن حافظة نقوده تعرضت لعملية نشل، فقد أضرت به عمليات التطبيع الجديدة، التي تمت وفق نظريته بتوسيع معاهدة السلام مع إسرائيل. وفي السابق كان من يحكم مصر يقدم نفسه على أنه "المتعهد الرسمي" لأي تقارب عربي مع إسرائيل، وفي كل الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية في وقت لاحق، كان "أبو علاء" حسني مبارك حاضراً، باعتباره "صاحب الفرح"، ورأسه برأس الرئيس الأمريكي، فكل منهما وسيط في عملية السلام وراع رسمي لها، الأمر الذي اختلف الآن مع حلفائه الخليجيين، فلم يُدعَ للولائم التي نُصبت سواء في الإمارات أو في البحرين، ولم يكن طرفاً في المحادثات السعودية- الإسرائيلية ما ظهر منها وما بطن، وبشكل كاشف أن القيادة في هذا المجال انتقلت من القاهرة إلى أبو ظبي، وصار محمد بن زايد هو الصديق الأكثر تأثيراً وأهمية!

انتقل العطاء إلى محمد بن زايد بالإسناد المباشر، وبعض اللقاءات أجراها الوسيط الأمريكي بنفسه بدون الحاجة للجنرال المصري، ولو من باب خلق مكانة دولية له يحتاجها. وقد بدأ نجمه إلى أفول، وبدا الإقليم في حالة تململ من وجوده، فأوكل أمره إلى نفسه

مهمته التثمين:
وإذ تراجع الدور المصري في عهد مبارك لصالح الحضور السعودي في كل الملفات، وبصفاء نفس من الرئيس المخلوع، فإن ملف العلاقات العربية- الإسرائيلية، استمر ملفاً مصرياً خالصاً، وهو ما اعتقد عبد الفتاح السيسي أنه عند البدء في توسيع مبادرة السلام المصرية- الإسرائيلية، سيخلق لنفسه بذلك دوراً وحضوراً، فتم تجاهله بشكل تام، ولم يكن عنده ما يفعله إلا أن يجلس خلف جهاز الحاسوب، ليكتب عقب كل اتفاق أنه يثمنه، وعند التفاوض على التطبيع مع الخرطوم، فإن العسكر هناك لم يستعينوا برفيق السلاح في القاهرة المقاول الحصري للسلام مع إسرائيل، فقد انتقل العطاء إلى محمد بن زايد بالإسناد المباشر، وبعض اللقاءات أجراها الوسيط الأمريكي بنفسه بدون الحاجة للجنرال المصري، ولو من باب خلق مكانة دولية له يحتاجها. وقد بدأ نجمه إلى أفول، وبدا الإقليم في حالة تململ من وجوده، فأوكل أمره إلى نفسه، فتكلفة استمراره باهظة عليهم. وقديماً قيل خذ من التل يختل، وقد ألقى بكل المساعدات الخارجية في بحور الرمال المتحركة، ولا يتوقف يوماً عن السؤال: هل من مزيد، فما حاجتهم إليه؟!

ولم تكن الخسارة أدبية فقط بتغييب السيسي عن مولد التطبيع وتوسيع مبادرة السلام (المصرية بالأساس)، ولكن مثل هذا خسارة مالية فادحة على مصر. ولغة المال هي اللغة الوحيدة التي يجيدها الجنرال، وقد تبين له أنه وإن ذهب إلى البوابة الإسرائيلية للحصول على شرعية دولية، فقد ذهب بعيداً، لأنه لم يدرك نهاية مبارك الذي كان يوصف في الأدبيات الإسرائيلية بأنه كنز القوم الاستراتيجي، لكن عندما خرج عليه الشعب المصري، وشق عصا الطاعة، فلم يمكّنه الإسرائيليون من البقاء في الحكم، ولقد سعوا وفشلوا؛ ضعف الطالب والمطلوب.

أزمة الكابلات البحرية:

لقد تبين أن كل "وصلة تطبيع" لا بد من أن تُوقع ضرراً بالمصالح المصرية، فلم نكد نفوق من صدمة تجاوز قناة السويس في عملية وصول النفط إلى أوروبا، حتى صدمنا بأزمة الكابلات البحرية!

لقد تبين أن كل "وصلة تطبيع" لا بد من أن تُوقع ضرراً بالمصالح المصرية، فلم نكد نفوق من صدمة تجاوز قناة السويس في عملية وصول النفط إلى أوروبا، حتى صدمنا بأزمة الكابلات البحرية!

فقد تم الاتفاق بين الإماراتيين والإسرائيليين وبرعاية أمريكية على نقل الغاز والنفط من آسيا والشرق الأوسط، من الإمارات إلى أوروبا عبر إسرائيل بدلاً من مصر، وهو ما يمثل خسارة فادحة للقاهرة. ويبدو أن كثيرا من الأطراف الإقليمية والدولية تعمل على تجاوز الزمن الذي كانت فيه قناة السويس تمثل شريان الاتصال البحري بالعالم، وإذا لم ينتبه أهل الحكم في القاهرة لذلك، وما أظنهم معنيين بالانتباه، فسوف ينتهي بها الحال إلى ضمها إلى مزارع تربية الأسماك التابعة للقوات المسلحة!

وكانت الطامة الكبرى في الاتجاه لنقل الكابلات البحرية الخاصة التي تربط العالم بالشبكة العنكبوتية من مصر كنقطة اتصال؛ لتمر عبر إسرائيل والسعودية، رغم تكلفة استبدال هذه الشبكة والتي تبلغ 400 مليون دولار. ولم يكن الدافع لهذا سوى الاقتناع بما روّجته إسرائيل، وهو ما ذكرناه في بداية هذه السطور، وسنعيد توضيحه بعد قليل. دعك من نظرية المؤامرة، وسعي العالم لإضعاف مصر، فالأمر هنا مرتبط بالبزنس والتجارة، وليس بالعواطف التي إذا أحكمت لتم إبقاء الأمر على ما هو عليه، لتعزيز مكانة عبد الفتاح السيسي وتقوية مركزه الداخلي، كحاكم مصري لم يخدم حاكم مصري قبله إسرائيل كما خدمها. وإذ كانت إسرائيل والسعودية هما المستفيدتان من هذه الخطوة، فقد تمت بموافقة خليجية على النحو الذي ذكره زميلنا جمال غيطاس، رئيس تحرير مجلة "لغة العصر" سابقاً، وهو الصحفي المتخصص في مجال تقنيات الاتصال!

ومعروف أنه يمر عبر مصر حوالي 16 كابلاً رئيسياً من كابلات الإنترنت البحرية التي تبدأ من غرب أوروبا حتى شرق آسيا، بدءا من المملكة المتحدة، وإسبانيا، وإيطاليا، ثم الإسكندرية والسويس، والعقبة في الأردن، وجدة، والفجيرة في الإمارات، ومومباي بالهند، فتايلاند، وماليزيا، والصين، وكوريا الجنوبية، وصولاً لليابان، بطول 28 ألف كيلو متر!

ما ذكره زميلنا غيطاس أن الخطاب الإسرائيلي إلى مجتمع الأعمال العالمي الخاص بالكابلات البحرية من مستثمرين وشركات وخلافه، قام على ركيزتين الأولى، أن مصر تمثل نقطة اختناق للكابلات البحرية العالمية. أما الركيزة الثانية فهي تدور حول ما وصفه باستهداف الثقة في الدولة المصرية، من حيث القول إن الوضع السياسي المصري الراهن "المثير للجدل"، لا يتعين معه أن يمر حوالي ثلث حركة مرور الإنترنت عبر مصر، وعلى أساس أنه لا أحد يعرف ما سيحدث فيها لو أصبح الوضع مضطرباً.

الخطاب الإسرائيلي إلى مجتمع الأعمال العالمي الخاص بالكابلات البحرية من مستثمرين وشركات وخلافه، قام على ركيزتين الأولى، أن مصر تمثل نقطة اختناق للكابلات البحرية العالمية. أما الركيزة الثانية فهي تدور حول ما وصفه باستهداف الثقة في الدولة المصرية

الهروب إلى باريس:
فالخليج الحليف للجنرال المصري، لم يكتف فقط بوقف تمويله، ولكنه يتجاهل وجوده فلا يعمل على دعم مكانته ولو من حيث الشكل، ثم إنه يبحث عن الاستفادة الخاصة ولو على حساب الحليف، مثل الفائدة العائدة على الإمارات من خط النفط الجديد، والعائد على السعودية من الخط الجديد للكابلات البحرية، والمهم بالنسبة لهما هو ما يعود على إسرائيل بالنفع ولو كان على حساب مصر وحاكمها.

ويأتي هذا في وقت خسر السيسي داعمه الأكبر في البيت الأبيض، فكان الهروب إلى باريس في هذه الأجواء غير المواتية، يبتغي عند ماكرون العزة، وما يجعله لخطوته قيمة لدى "العاهل الفرنسي" هو هذا الظرف غير المناسب، بعد الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وبعد هذا العداء المعلن من قبل الرئيس التركي، على النحو الذي يجعل من الرئيس الفرنسي بحاجة إلى من يدعم موقفه في المنطقة، ثم إن الظرف غير موات؛ لأنه في هذه المرة تعالت أصوات الحقوقيين الفرنسيين منددة بملف حقوق الإنسان في مصر، مما اضطر السيسي للإفراج عن الحقوقيين الثلاثة.


ماذا يملك ماكرون، وهو يعاني من أزمات داخلية وخارجية، ومن مظاهرات عائدة من جديد في مواجهة سياساته

لكن ماذا يملك ماكرون، وهو يعاني من أزمات داخلية وخارجية، ومن مظاهرات عائدة من جديد في مواجهة سياساته، فوباء كورونا الذي أوقف مظاهرات السترات الصفراء لم يمنع المتظاهرين ضد قانون الشرطة من الخروج عليه، وإثارة الفوضى، ثم ماذا يملك ماكرون من قوة، ليمثل دعماً لحكم، زهد فيه صانعوه الإقليميين؟!

يقولون: إن الغرب لا يعرف إلا مصالحه. وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً هو السؤال عن ما هي مصالحه على سبيل الحصر؟ وهل حكم السيسي في عافية تمكنه من استمرار الحفاظ على هذه المصالح وإسرائيل تقول إن الوضع السياسي المصري الراهن "المثير للجدل" ليس مستقراً، ولا أحد يعرف ما سيحدث فيما لو أصبح الوضع مضطرباً.

لقد فقدت القاهرة مكانتها كمقاول معتمد للتطبيع والعلاقات العربية- الإسرائيلية، وإسرائيل ومعها الزعماء الجدد للمنطقة، أكثر انشغالاً بمصالحهم الخاصة من تقديم يد العون للسيسي ولو من باب تحقيق الحد الأدنى لدعم المركز الأدبي له، باعتباره من زعماء القبائل من خلال الحضور ولو كان شكلياً.

الكرة في ملعب الشعب.


twitter.com/selimazouz1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق