الأحد، 6 ديسمبر 2020

ذكرى رحيل فارس المنابر

ذكرى رحيل فارس المنابر
العلامة عبدالحميد عبدالعزيز كشك

في مثل هذا اليوم ٦ ديسمبر ١٩٩٦ مات سيد خطباء عصره الشيخ عبد الحميد كشك ، رحمه الله .

وفاة الشيخ عبد الحميد كشك فارس الكلمة و المنابر ـ رحمه الله ـ في 25 رجب 1417 هـ(1996م):
الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله فارس الكلمة و المنبر عاش زاهداً و مات ساجداً.
عرفه الناس خطيباً مفوهاً نابهاً، وداعيةً جريئاً موفقاً، يصدع بكلمة الحق ويجهر بها دون أن تأخذه في الله لومة لائم.
كما عُرف عنه فصاحته وإجادته التامة للغة العربية، وإحاطته الفائقة بعلومها وفنونها، وذوقه الأدبي الرفيع الذي يتضح في جودة انتقاء الأشعار، وحُسن الإلقاء، وروعة اختيار العبارات، ودقة التصوير والوصف.
كما امتاز الشيخ بأسلوبه الآخاذ الذي يخاطب العقل كما يخاطب الوجدان ‏ويحرك العاطفة كما يحرك الشعور والإحساس، يأسر القلوب إذا خطب، ويلهب ‏المشاعر إذا تحدث، ويحرك الدموع إذا وعظ، ويضحك الأسارير إذا سخر.
نشأته:
وُلد الشيخ عبد الحميد عبد العزيز محمد كشك في قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م.
حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني في الإسكندرية، وكان ترتيبه الأول على مستوى الجمهورية في الشهادة الثانوية الأزهرية.
التحق بعدها بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر وكان الأول على طلبة الكلية طول سنوات الدراسة.
عمل ـ رحمه الله ـ إماماَ وخطيباً في العديد من المساجد والجوامع حتى استقر به المقام في جامع ( عين الحياة ) بمنطقة حدائق القبة في القاهرة لمدة (20) عاماً تقريباً هي عمر الشيخ على منبره الذي عرفته جموع المصلين من خلاله فالتفت حوله، وتجاوبت معه حتى ذاع صيته، وانتشرت أشرطة خطبه ودروسه في كل مكان.
جديرُ بالذكر أن الشيخ عبد الحميد كشك كان مبصراً إلى أن صار عمره ستة أعوام ففقد نور إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة فقد العين الأخرى، ولقد عوضه الله تعالى عن نور البصر ذكاء القلب والبصيرة، فكان يردد قول ابن عباس رضي الله عنهما :
إن أذهب الله من عيني نورهما        ففي فؤادي وقلبي منهما نور
عقلي ذكي وقلبي ما حوى دخلا وفي فمي صارم كالسيف مشهور

الشيخ ودور المسجد:
كان الشيخ عبد الحميد كشك من أكثر الدعاة والخطباء شعبية في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد وصلت شعبيته إلى درجة أن المسجد الذي كان يخطب فيه خطب الجمعة حمل اسمه، وكذلك الشارع الذي كان يقطن فيه بحي حدائق القبة، ودخلت الشرائط المسجل عليها خطبه العديد من بيوت المسلمين في مصر والعالم العربي.
لم يكن الشيخ في مسجده يقوم بعمله على أنه موظف، ‏وإنما كان يعتبر عمله رسالة قبل أن يكون وظيفة، ودعوة قبل أن يكون مورد ‏رزق يتكسب منه، ومن ثم فقد استطاع الشيخ أن يجعل من مسجده داراً للعبادة، ‏ومدرسة للتعليم، ومعهداً للتربية، ومأوى للمحتاجين والمساكين.
قال عنه (جيلز كيبل) رجل المخابرات الفرنسي: ( نجح كشك في ‏إعادة رسالة المسجد في الإسلام، حيث تحول مسجده إلى خلية نحل تكتظ بحشود ‏المصلين).‏
كما قال عنه الدكتور محيي الدين عبد الحليم رحمه الله عميد كلية الإعلام بالأزهر: أسهم بفاعلية واقتدار في جذب الجماهير، واستمالتهم، وأرسى منهجـًا في الخطابة جديرًا بالبحث والدراسة، وتناول مختلف الأمور التي تشغل تفكير المسلم في يومه وغده، متحملاً أعباء جسيمة في سبيل الرسالة التي اضطلع بها، وتحمل كراهية المسؤولين، والكثير من عنت السلطة .. وأثبت أن خطبة الجمعة لا تقل أهمية عن وسائل الإعلام المعاصرة كافة، بل تتفوق عليها جميعـًا.

‏الشيخ والسجن:
سجن الشيخ أكثر من مرة لأجل جرأته وصدعه بالحق، وطلب منه أن يفتي بما ‏يوافق الساسة ولكنه أبى.
اعتقل الشيخ الجليل رحمه الله عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي.
كما اعتقل عام 1981م وكان هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981م هجوماً مراً، ولكنه كان كما قال مرافقوه داخل السجون مثالاً للصبر والثبات والاحتساب واليقين.
ومنذ خروجه من السجن في آخر مرة ‏سنة 1982م لم يصرح له بالعودة إلى مسجده ومنبره، وظل كذلك إلى أن توفاه ‏الله.‏

مؤلفاته:
ترك الشيخ كشك أكثر من 100كتاب أثرى بها المكتبة الإسلامية، توج هذه الكتب بمؤلفه الضخم " في رحاب التفسير "في 10مجلدات  الذي قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً.
ومن مؤلفاته الكثيرة نذكر منها:
دور المسجد في المجتمع، في رحاب السنة، الوصايا العشر في القرآن الكريم، طريق النجاة، صرخات من فوق المنبر، البطولة في ظل العقيدة، رياض الجنة، اليوم الحق، بناء النفوس، مصارع الظالمين، صور من عظمة الإسلام، كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا، البطولة في ظل العقيدة، إرشاد العباد، أضواء من الشريعة الغراء، الإسلام و أصول التربية، من جوار الخلق إلى رحاب الحق، الصلح مع الله، نفحات من الدراسات الإسلامية، فضل القرآن يوم الحشر، فضل الذكر والدعاء، قصة أيامي ( مذكرات )، فتاوى، كيف الوصول إلى رضاك يا رب، من وصايا الرسول الموجهة للنساء، من أراد حجة فالقرآن يكفيه، مبادئ أقام عليها الإسلام المجتمع الكريم، مع المصطفين الأخيار، القلق العلاج الإسلامي لمشكلة العصر، المعالجة الإسلامية للشهوات، الإسلام و قضايا الأسرة، الساعة الحق، أسماء الله الحسنى، حوار بين الحق و الباطل، حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا، خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، هنا مدرسة محمد : خطب منبرية، أصول العقائد، يا غافلاً و الموت يطلبه .... وغيرها.
كما ترك ثروة هائلة من الأشرطة المسجلة فقد بلغ مجموع أشرطة خطب الشيخ ( 425 ) شريطاً ؛إضافةً إلى أكثر من ( 300 ) درس من دروس المساء التي كان يعقدها - رحمه الله – للمصلين في مسجده ، وغيره من المساجد الأخرى في فترة ما قبل صلاة العشاء؛ مراعياً فيها طرافة الأسلوب، وبساطة العبارة، وتقديم الدرس بطريقةٍ جذابةٍ مرحةٍ سرعان ما تصل إلى النفوس، وتلامس شغاف القلوب؛ فتضفي على تلك الدروس جواً ماتعاً، وروحاً مميزة.
وكانت آخر خطبه رحمة الله عليه هي الخطبة رقم 425 الشهيرة قبيل اعتقاله عام 1981 م، والتي بدأها بقوله تعالى "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مُقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" ( إبراهيم : 42، 43)

‏من أسباب نجاح الشيخ كشك:
- عدم تقليده لأحد من الناس بل كان مدرسة مستقلة بذاتها.
- بلاغة ‏أسلوبه وقوة لغته وإتقانه للفصحى وقدرته على إيصال أسلوبه للناس على ‏اختلاف ثقافتهم ومعارفهم ولهجتهم.
- زهده في الدنيا وبعده عن مغرياتها المختلفة ‏مما حبب الكثيرين فيه.
- استشهاده بروائع الشعر وظريفه، وجميل القصص، وبديع ‏الأمثال.
- صبره وثباته في المحنة، وشجاعته في قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي ‏عن المنكر.‏
- كلماته الساخرة وعبارته الطريفة، ولطف دعابته ‏ولواذع سخريته وإنك لتسمع خطبته مرات ومرات فتظل كأنك ولأول مرة ‏تسمعها.

حسن الخاتمة:
كانت نهاية الشيخ المجاهد الراحل بحق هي حسن الختام، فقد توضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها أسلم الروح إلى بارئه متوضئاً مصلياً ساجداً، فتحققت أمنيته واستجيب دعاؤه بأن يلقى الله وهو بين يديه.
كان ذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رجب لعام 1417 هـ، الموافق 6 ديسمبر لعام 1996م.
رحمه الله من داعية موفق، وخطيب ملهم، وواعظ مؤثر، عاش زاهداً ومات ساجداً، أمضى (63) عاماً هي مجموع سنوات عمره؛ مجاهداً في سبيل إعلاء كلمة الحق، ونصرة الدين.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق