الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

شيخ الأزهر نسخة 2020

  شيخ الأزهر نسخة 2020
                                    


وائل قنديل

على عتامتها، لم تخل سنة 2020 من بعض نقاط الضوء في مصر، بما ينبئ بأن الأمل لا يزال بإمكانه أن يعيش في أكثر مناطق العالم قمعًا وقهرًا.

شيخ الأزهر، الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، قدّم في العام الذي يوشك على الانصراف وجهًا مغايرًا، أو قل أنه استعاد بعض ملامح الوجه الحقيقي للأزهر وشيخه، حين حاول اقتطاع مساحاتٍ للإنسانية وللعدل ولاحترام الحق في الحياة، وذلك عبر إطلالاته في مناسبات مختلفة.

دخل الإمام الأكبر 2020 وهو أكثر اقترابًا من أوجاع الفرد والأمة، تاركًا الالتصاق بالسلطة إلى نوعيةٍ من"رجال الدين"، أو هكذا يشاع عنهم، يلوون عنق النصوص، ويقتادون الفقه عنوة للخدمة في قصور الحكم و مقار الأمن.

كانت نهاية العام الماضي قد شهدت حضورًا مختلفًا للإمام الأكبر، في العام الأشد فتكًا بالنساء المصريات على يد سلطةٍ تجرّدت من الحد الأدنى من النخوة والمروءة، وانحدرت بأساليب الاستبداد إلى مستوياتٍ أدنى من سلوك العصابات الانتقامية.

رفع شيخ الأزهر صوته ضد هذا الإجرام، حين وقف ليلقي كلمة لمناسبة ذكرى مولد نبي الرحمة والإنسانية، ويذكّر عبد الفتاح السيسي، المنتشي بسلطته وتسلطه، بمضامين خطبة الوداع التي ألقاها النبي محمد صلي الله عليه وسلم قبل موته، ويطلق صرخة مدوية "اتقوا الله في النساء"، ثم يتحدّث عن سقوط الدول والمجتمعات التي تفترس حقوق الإنسان، وتنتهك حرمات ثلاث: حرمة الدم، وحرمة الملكية الفردية الخاصة، وحرمة الأسرة والعرض والشرف.

تكلم شيخ الأزهر بينما المجتمع كله يئن من توحّش السلطة مع عشرات، بل مئات النساء المعتقلات والمسجونات، واللاتي يتعرّضن لانتهاكاتٍ تنتمي لأعتى عصور الهمجية، وهي الوحشية المستمرّة والمتنامية حتى، الآن، أخذةً في طريقها الفتيات الصغيرات والأمهات والجدّات، على نحو همجي، من دون تفرقة، هذه المرّة، على أساس التكوين الإيديولوجي والانتماء السياسي، فكلهن في جحيم الطغيان سواء.

كلمة شيخ الأزهر وضعته في فوّهة مدافع التحريض على مدار العام 2020، حيث نشطت النواعق في استهداف الرجل، لإزاحته عن موقعه، في حملةٍ توزّعت فيها الأدوار، وانطلقت من مراكز عدة، في توقيتٍ واحد، بينما الرجل صامدٌ أمام عاصفةٍ هوجاء، اختلط فيها غبار التجديد الزائف والمختل للخطاب الديني، مع حصى تمرير التطبيع، مع مضاعفة كميات الكراهية واستعداء العالم على كل أشكال المقاومة للاحتلال وللاستبداد معًا.

لم تسكت المدافع، فكيف يقبل حثالات التوحش، والضباع الجائعة التي تتغذّى على الفاشية، بوجود رجلٍ يدعو إلى تحقيق حالة مجتمع انساني يتعايش فيه الجميع، باحترام ومروءة؟. وكيف يمكن أن يصمت قطيع المتصهينين على رجلٍ يكافح ضد تهويد القدس، ويستقبل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، المقاومة، ويقرّر تدريس القدس في مناهج التعليم الأزهري، كي لا تُمحى من ذاكرة الصغار؟.

على أن السطوع الأكبر لشيخ الأزهر كان مع الحملة العنصرية الكريهة التي شنّها اليمين الأوروبي المتطرف لوصم الدين الإسلامي، واتهام المسلمين بالإرهاب، وهي الحملة التي تصدّرها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قبل مقتل المدرس الفرنسي، على يد تلميذ، وبعده.

عام تصاعدت فيه حدّة التحريض على المسلمين في أوروبا والعالم، ليس من اليمين الأوروبي المتطرّف فقط، وإنما أيضا من دوائر عبد الفتاح السيسي ومعسكر المتصهينين العرب. وفي ذلك كله، بدا مفتي مصر السيسية في خطابه التحريضي ضد المسلمين المهاجرين أكثر تطرّفًا من الرئيس الفرنسي.

في مقابل ذلك كله، كان شيخ الأزهر يدافع ببسالة عن صحيح الدين الإسلامي، ويردّ على مزاعم الكارهين والمتربصين، وأكاذيب مشايخ السلاطين ممن يتهمون مسلمي أوروبا بأنهم دواعش وإرهابيون.

على صخرة الإمام الأكبر، تكسّرت الحملة التي انتقلت من إدانة الإسلام والمسلمين إلى الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأوفدت فرنسا وزير خارجيتها لمقابلة شيخ الأزهر، فأسمعه الأخير ما يصون الكرامة، ويكبح العنصرية فيقول له: 

1- الإساءة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مرفوضة تمامًا، وسوف نتتبع من يُسيء لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية، حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط. 

2- أوروبا مدينة لنبينا محمد ولديننا، لما أدخله هذا الدين من نور للبشرية جمعاء.

3- نرفض وصف الإرهاب بالإسلامي، وليس لدينا وقت ولا رفاهية الدخول في مصطلحات لا شأن لنا بها، وعلى الجميع وقف هذا المصطلح فورًا؛ لأنه يجرح مشاعر المسلمين في العالم، وهو مصطلح ينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع.

أخيرًا: ليس مطلوبًا من أحدٍ أن يتناسى الدور الذي ارتضاه شيخ الأزهر لنفسه في تسويغ انقلاب 2013 وما جرّه من كوارث على الجميع .. غير أن هذا لا ينفي أن أداء الرجل كان من الأشياء المضيئة في 2020. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق