الأحد، 20 ديسمبر 2020

دروس الطاووس المصري للغراب الأوروبي

 دروس الطاووس المصري للغراب الأوروبي

محمد سعد الكتاتني رئيس البرلمان المصري سجينا 


وائل قنديل

نحن بصدد سلالة جديدة من الانقلاب في مصر، بعد أن طوّر نفسه، وتحوّر وصار أكثر فتكًا وشراسة، وبجاحة أيضًا.
انظر إلى ردّات الفعل الصادرة من القاهرة، حكومًة وبرلمانًا، على البيان السنوي، التقليدي، للبرلمان الأوروبي عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.. ستكتشف أن النظام المصري انتقل إلى مرحلةٍ جديدةٍ كليًا، يرى نفسه فيها المسطرة الصحيحة لقياس حقوق الإنسان، ويعتبر نفسه رائدًا في هذا المجال، وعلى الأوروبيين أن يتعلمه منه، ويسيروا على خطاه في هذا الملف.
هذه الحالة تتلبس النظام كله، منذ عاد عبد الفتاح السيسي من باريس حاملًا وسامًا فرنسيًا رفيعًا، منحه إياه إيمانويل ماكرون، إذ صاروا يتوهمون أنهم بذلك حصلوا على شهادة "الأيزو" في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
حالة تشبه حالة الغراب الذي قرّر أنه أصبح طاووسًا، لمجرّد أنه التقط بعض ريشاتٍ متساقطةٍ من طاووس، ودسّها بين الريش الأصلي الذي خلق به، ومضى بإصرار عجيب يقلد مشية الطاووس، ثم انتقل إلى مرحلة محاولة نفش الريش على طريقة الطاووس، فلما لم ينجح حاول أن يتعلم الغناء ويؤدّي مثل الطواويس، وانتهى الأمر بسخريةٍ مريرة، أرغمت الغراب، كما تقول الحكاية، على العودة إلى سربه الأصلي.
لم يقتنع صاحبنا الغراب الرسمي المصري بأن الكائن لا يصير طاووسًا بمجرد استعارة، أو تسوّل، بعض ريشات من طاووس معتزل أو ساقط من علٍ، حتى لو كان يسكن قصرًا فرنسيًا.
في بيانه ردًا على قرار البرلمان الأوروبي، إدانة السلطات المصرية في ملف الحريات وحقوق الإنسان، اعتمد ما يسمّى مجلس النواب المصري تكتيك الهجوم بدلًا من الدفاع، وراح، مرّة أخرى، يعطي البرلمان الأوروبي دروسًا في كيف يكون برلمانًا، وكيف يكون أوروبيًا، ويتهمه بأنه لا يعرف مصلحة أوروبا ولا يراعيها، ويترك نفسه لعبةً في يد الكارهين للدولة المصرية الجميلة، كالطاووس، ولأوروبا المسكينة التي لا تستطيع الحياة من دون الخدمات التي تقدّمها لها مصر.
البرلمان المصري، من المفترض حسب المتعارف عليه في كل برلمانات العالم، صوت الشعب إذا ما عصفت به الحكومات، وليس صدى صوت الحكومات، لكنه، في بيانه ردًا على نظيره الأوروبي، بدا وكأنه صوت ينبعث من سراديب الداخلية المصرية، أو صدى لصوت عبد الفتاح السيسي وهو يغني، منتحلًا ريش الطاووس، منذ سبع سنوات، أغنية "حماية أوروبا من الإرهاب والهجرة غير الشرعية"، إذ يقول بيان الطاووس علي عبد العال نصًا "كان من الأوْلى أن يوجه البرلمان الأوروبي ‏نظرة موضوعية للجهود المصرية في حفظ الأمن والاستقرار، ليس على المستوى ‏الداخلي فقط، وإنما على المستوى الاقليمي أيضًا، خاصة في مجالي مكافحة الإرهاب ‏والهجرة غير الشرعية في ظل ظروف اقليمية شديدة الاضطراب والتعقيد".
بيان لا يختلف في مضمونه عن البيان الذي أصدره البرلمان المصري في العام الماضي، وتحديدًا في الأسبوع الأخير من أكتوبر/ تشرين 2019، وقال فيه "إن البرلمان المصري لا يعلم من أين أعطى البرلمان الأوروبي لنفسه الحق في تقييم الآخرين، بينما كان الأوْلى به أن يركّز اهتمامه على دول الاتحاد الأوروبي، وما يشوب حالة حقوق الإنسان فيها لدى بعضها من نقائص، وما أكثرها،  يراها القاصي والداني يوميا على وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها الأوروبية ذاتها".
كل هذه اللوثة التي تستبدّ بالبرلمان المصري تأتي ردًا على قرار برلماني أوروبي لم يقل كل شيء عن المأساة الإنسانية التي تخنق مصر، إذ اعتمد الأوروبيون في تقييمهم الحالة المصرية على ما وصل إليهم فقط عن طريق مجموعة من المنظمات والأفراد، لديهم علاقات عميقة بالدوائر الأوروبية، ويعبرون عن طيفٍ واحد من ضحايا الاستبداد في مصر، وهو ما ينعكس على النماذج والحالات المذكورة دون غيرها في المراجعات الحقوقية الأوروبية.
أتخيل، مثلًا، لو أنه كان لدى البرلمان الأوروبي تقارير وشهادات من المجتمع الحقوقي المصري، عن ضحايا القمع من الشخصيات البرلمانية المصرية، القابعين في السجون، لا يذكرهم أحد، منذ أكثر من سبع سنوات.. في مقدمتهم رئيسٌ منتخب للبرلمان المصري اسمه محمد سعد الكتاتني، أكاديمي مرموق، وشخصية برلمانية رفيعة، انتخب رئيسًا لمجلس النواب، في الانتخابات الحقيقية الوحيدة التي شهدتها مصر في تاريخها المعاصر، بعد ثورة يناير 2011.
ماذا لو أن البرلمان الأوروبي دان اعتقال هذا الرجل ثم سجنه، ومعه عدد كبير من البرلمانيين المنتخبين، تم تغييبهم والتنكيل بهم في السجون، لمجرّد أنهم رفضوا الاعتراف بانقلابٍ على حالة ديمقراطية كاملة شهد بها العالم؟
ماذا لو تحدّث البرلمان الأوروبي عن النائب المصري، مصطفى النجار، المخطوف والمخفي قسريًا، منذ أكثر من 800 يوم، وتطارد أسرته ومحبيه كوابيس المصير المؤلم للباحث الإيطالي جوليو ريجيني؟ ماذا لو طالب البرلمانيون الأوروبيون حكوماتهم بالضغط على السلطات المصرية ومعاقبتها بشأن عشرات الآلاف من المقهورين في السجن، من دون الاكتفاء بالتركيز على خمسة أو عشرة أسماء رنانة فقط، وصلت معاناتها إلى الأوروبيبن، فضغطوا للإفراج عنهم، ومنحوهم المواطنة الشرفية في عواصمهم؟
تخيل معي لو حدث ذلك كله، كيف سيكون رد البرلمان المصري، ذي الريش الطاووسي؟ أغلب الظن أنهم كانوا سيطالبون السلطات المصرية بمنع الهجرة غير الشرعية من أوروبا البائسة إلى مصر المزدهرة بالديمقراطية والحرية والرخاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق