نظرات وعبرات | هل تتبنى حماس حلّ الدولة الواحدة؟
محمود عبد الهادي
ماذا فعل الفلسطينيون منذ أن مر قطار التطبيع أمامهم في أغسطس/آب الماضي، حاملا معه دولتين عربيتين وتذكرة ركوب لدولة ثالثة؟ لم يفعلوا شيئا. مضت 4 أشهر، وعاد القطار ليمر أمامهم من جديد حاملا معه دولة ثالثة، ثم عاد من جديد حاملا معه رابعة. فماذا فعل الفلسطينيون؟ لم يفعلوا شيئا.
تمتمات وهمهمات تسمعها من هنا وهناك لا تفهم منها شيئا، ولا تتوقع من ورائها شيئا. الشعب الفلسطيني ينظر إلى قادته ساخطا، وأحباب الشعب الفلسطيني ينظرون إليهم حسرة وكمدا، وهم يخشون من أن يحمل القطار في جولته القادمة الكثيرين.
ماذا فعل الفلسطينيون قيادة وشعبا إزاء قطار التطبيع الجارف؟ ماذا فعلت القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة؟ ماذا فعلت النخب السياسية والاقتصادية والأكاديمية والإعلامية والنقابية والطلابية ومؤسساتها المتغلغلة في الشارع الفلسطيني؟ لا شيء! لا شيء يمكنه أن يعترض مسيرة القطار، أو يبعث القلق والخوف في صدور راكبيه، أو يبعث التردد في عقول من اشتروا تذاكرهم في انتظار جولته القادمة.. لا شيء.. لا شيء!.
إن القيادة الفلسطينية تملك في يدها أكبر وأقوى ورقة ضغط عرفها التاريخ المعاصر، إنها الشعب الفلسطيني، بطل المقاومة وصانع المعجزات، داخل وخارج فلسطين، وإن قيادة تملك مثل هذه الورقة لا تحتاج معها إلى أوراق أخرى من أي نوع، وإذا لم تحسن القيادة استخدامها، فإن الشعب لن يتسامح معها.
القيادة الفلسطينية محلك سر
قبل 4 أشهر وقّعت كل من الإمارات والبحرين اتفاق سلام شامل مع الكيان الصهيوني، فاق الوصف وتجاوز كل التوقعات، وصار مثالا لم تسبقه الأمثلة من قبل، لا من قريب ولا من بعيد، وكان ذلك نتيجة حتمية لحالة التردي المستمرة التي يمر بها الوطن العربي منذ 3 عقود على وجه الخصوص. وفي مقالي المنشور حينها بهذه المناسبة تحت عنوان (من السلام المستحيل إلى السلام المحرّم) تحدثت فيه عن الخيارات الأربعة الصعبة المطروحة أمام القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إزاء الركوب العربي الإجباري في قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، عوضا عن الولولة والصياح والشجب والاستنكار، وهذه الخيارات هي:
1. الانتظار العاجز والمهين، على أمل حدوث تغيرات محلية وإقليمية ودولية من شأنها تحقيق المعجزة.
2. الإذعان لشروط الكيان الصهيوني الكاملة لإقامة سلام دائم مع السلطة الفلسطينية.
3. إطلاق المقاومة الشاملة ضد الكيان الصهيوني.
4. قلب الطاولة على رأس منظميها ومديريها، بالتخلي عن حل الدولتين، وتبني حل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي على أرض فلسطين التاريخية.
هل كانت توقعاتنا من القيادة الفلسطينية متفائلة جدا؟
أم أن القيادة الفلسطينية اختارت مسارات أخرى أسهل من هذه الخيارات الصعبة السابقة، تمكنها من الحفاظ على مكتسباتها التي لم تزد الشعب الفلسطيني عناء وخسرانا؟.
أم أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، وأن بنية القيادة الفلسطينية الحالية، ومنهجية تفكيرها، ورؤيتها النضالية، تجعلها غير قادرة على اتخاذ خطوات وطنية جريئة، تمكنها من مواجهة ما يحدث، ومن فرض إرادتها إقليميا ودوليا؟.
أيا كان الأمر، فإن القيادة الفلسطينية تملك في يدها أكبر وأقوى ورقة ضغط عرفها التاريخ المعاصر، إنه الشعب الفلسطيني، بطل المقاومة وصانع المعجزات، داخل وخارج فلسطين، وإن قيادة تملك مثل هذه الورقة لا تحتاج معها إلى أوراق أخرى من أي نوع، وإذا لم تحسن القيادة استخدام هذه الورقة، فإن الشعب لن يتسامح معها.
من سيقلب الطاولة؟
من المؤسف جدا، أن القيادة الفلسطينية لم تستطع، حتى الآن، لم شملها وتوحيد صفها حول مشروع تحرر وطني مشترك.
ومن المؤسف جدا، أن القيادة الفلسطينية في رام الله، ملتزمة دوليا باتفاقيات قامت على أساس حل الدولتين، ولا تستطيع المغامرة بالتخلي عن هذا الحل وتبني حل الدولة الواحدة من جديد. وهذا ليس فقط بسبب الالتزامات الدولية، وإنما كذلك بسبب عجز القيادة الحالية عن القيام بمثل هذه الخطوة، التي لوحت بها -عن عجز- أكثر من مرة.
ولكن، ربما كان من محاسن الأقدار، أن القيادة الفلسطينية في غزة، ليست ملتزمة بالاتفاقات التي التزمت بها السلطة الفلسطينية في رام الله، فهل تقوم القيادة الفلسطينية في غزة بقلب الطاولة نيابة عن رام الله؟ هل تعلن حركة حماس رفضها لحل الدولتين، وتبنيها لحل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي؟.
إن هذا السيناريو يبدو أكثر مثالية من غيره، وربما كان الوحيد القادر على قلب الطاولة، وذلك للأسباب التالية:
1. لا يوجد كيان فلسطيني آخر، عدا السلطة الفلسطينية في رام الله، ذو وزن سياسي وعسكري، وذو اعتبار إقليمي ودولي، يمكنه القيام بهذه الخطوة بنجاح، نيابة عن السلطة الفلسطينية، وإحداث التأثير المطلوب.
2. "حماس" لن تقوم بذلك كبديل للسلطة الفلسطينية، وإنما نيابة عنها بسبب الالتزامات التي تمنع السلطة الفلسطينية من القيام بهذه الخطوة، وما ستقوم به حماس سيكون بالتوافق السياسي التام مع السلطة الفلسطينية.
3. "حماس" هي الفزاعة التي ينفخ فيها الكيان الصهيوني بوجه الدول الحليفة له، التي تهدد الوجود اليهودي، وحماس مثال صارخ على التهديدات التي تواجه الوجود اليهودي في (إسرائيل)، وتبرر الحاجة الماسة إلى جعل (إسرائيل) دولة يهودية خالصة للشعب اليهودي. وإعلان "حماس" تبنّي حل الدولة الواحدة سيشكل صدمة كبيرة للكيان الصهيوني داخل (إسرائيل) وخارجها، وسيهدم أسوار الدعاية الكاذبة التي طالما صورت للعالم حجم الخطر الذي يتهدده، وسهلت له دائما الظهور بمظهر الضحية.
4. "حماس" تملك القيادة الفعلية في منطقة قطاع غزة، ولديها أكبر جناح مقاومة عسكرية، وتسيطر أمنيا على كامل قطاع غزة، وهي أحد أكبر فصيلين أو حزبين في الساحة السياسية الفلسطينية مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
5. الجذور الفكرية لحركة "حماس" ترجع إلى حركة الإخوان المسلمين، الممتدة في العالمين العربي والإسلامي، وتحظى "حماس" بشعبية كبيرة فيهما، فضلا عن أنها تمثل الموقف الإسلامي الأيديولوجي التقليدي من دولة الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن تبني "حماس" لحل الدولة الواحدة، سيقابل بالتأييد من نسبة كبيرة في الأوساط الشعبية عربيا وإسلاميا.
6. تبني حركة "حماس" لحل الدولة الواحدة، واستعدادها للعيش مع الشعب اليهودي في دولة واحدة على قدم المساواة، سيظهر لدول العالم أنها ليست حركة إرهابية، وأنها كانت تقاوم الاحتلال وفقا للقوانين الدولية.
7. حركة "حماس" بتبني هذا الحل، لن تغدر بالشعب الفلسطيني، ولن تحيد عن طريق المقاومة، ولن تفرّط بحبة من تراب فلسطين، ولن تتخلى عن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني؛ لكنها تقوم بذلك نيابة عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح"، وبالتفاهم معها، بعد أن أثقلتها الالتزامات السياسية مع الكيانات الدولية الظالمة، التي حرمتها من تبني هذا الطرح. أما "حماس" فلم تلتزم بشيء من هذه الالتزامات.
8. تبني "حماس" لهذا الحل، سيخرجها من ارتباكات الرؤية السياسية، التي تحاول أن تجعلها أكثر ديناميكية وقبولا على المستوين الإقليمي والدولي.
إنها مسؤولية كبيرة تنتظر من يتقدم ليتحمل عبئها، من أجل تصحيح مسار القضية الفلسطينية، والتخلص من المؤامرات المتتابعة التي يحيكها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وضد حقوقه المشروعة في أرضه التاريخية. إنها مسؤولية كبيرة لا تقوم إلا على التوافق الكامل بين قيادتي الشعب الفلسطيني في رام الله وغزة.
فهل تتقدم "حماس" لتقلب الطاولة؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق