مش سعيد
د : أحمد خالد توفيق
نُشر في 22 أكتوبر 2014
ولأن الفقر يؤذي النفوس ويجعل المرء أقل تسامحًا، فإن الناس تنبهر بالأثرياء وتحسدهم لكنها كذلك تسعد جدًا عندما تحدث لهم كارثة ما.
ليس كل الحقد منصبًا على المليونيرات وأصحاب اليخوت. يبدو أن كل أمثلتي تتعلق بالسمك هذه الأيام!. كان صاحبي يمشي في السوق يومًا فرأى رجلاً من الطبقة المتوسطة يقف غارقًا في العرق والشعور بالرضا، وهو ينتظر إتمام شواء خمسة كيلو جرامات من السمك البوري المشوي غالي الثمن، كأنه فارس ينتظر العودة بالغنائم لمضارب قبيلته.
وقف عدد كبير من الفقراء يرمقون المشهد في حسد برغم أن الرجل صاحب السمك لم يبتعد عن طبقتهم كثيرًا، وهنا رأى صاحبي رجلاً من هؤلاء الواقفين يقترب ويرمق السمك في غل وكراهية ثم يقول:
ـ”هذا سمك مزارع!. عديم اللون والرائحة والطعم!”
كأنه يقولها ليرضي نفسه ويشعر صاحب السمك بالتعاسة. هنا انفجر فيه صاحبي غيظًا. ومالك أنت؟ هذا الرجل دفع مبلغًا باهظًا ليدعو أهل بيته ورفاقه للغداء، وأنت تريد أن تعكر صفوه بأي شيء. لم يطالبك أحد بأن تدفع ثمن هذا السمك أو تأكله. إنما ما يحدث هو نموذج صارخ للفقر القبيح الذي يورث النفس كراهية.
قال (تشارلي شابلن) حقيقة قاسية هي أن 80% من البشر فقراء، ولهذا يحبون أن يروا الأثرياء يفقدون كرامتهم في السينما. إعرض في فيلمك امرأة فقيرة بائسة تلبس الأسمال، تمشي ثم تتعثر في حجر. لن يضحك أحد وعلى الأرجح سوف يبكي بعض المشاهدين. والآن هات رجلاً بدينًا متغطرسًا يمشي بألاطة لابسًا بدله أنيقة، ودعه يتعثر على قشرة موز، ولسوف تضج قاعة السينما بالضحك.
يشعر معظم الناس بسعادة ساحقة عندما يتم القبض على هذا أو ذاك من المليونيرات، أو يتبين أن زوجته خدعته أو ما إلى ذلك. أما لو تبين أنه مريض بمرض عضال، يمصمص الناس شفاههم ويتمنون له الشفاء، لكنهم في قراره أنفسهم مسرورون جدًا.
لسان حالهم يقول: هؤلاء امتلكوا كل شيء، وعلى الأرجح لأنهم لصوص سرقوا ما لدينا، ولولاهم لكنا أكثر ثراء. مثلما تقول قصة البنسات الثلاثة لبريخت: ثروة الأغنياء هي بنسات الفقراء. يقول الفقراء لأنفسهم كما قلنا: هؤلاء امتلكوا كل شيء، لكنهم غير سعداء. إنهم تعساء وزوجاتهم تخونهم مع مستخدمين فقراء مثلنا، فهم لا يشعرون بكرامتهم. على الأرجح هم يعانون كذلك من عجز جنسي يفتقر لفحولة أي سائس سيارات منا، ويمرضون بأمراض خطيرة لا علاج لها.
هذه الفكرة يريح بها معظم الفقراء أنفسهم، على أساس عدالة توزيع السعادة. أفلام زمان الأبيض والأسود روجت لهذه الفكرة كثيرًا، وسوف تجد دائمًا نغمة: “من الأفضل أن تأكل جبنًا وبالك مرتاح من أن تأكل كبابًا وبالك غير مرتاح”. أو “لقد كنا سعداء عندما كنا فقراء. المال لا يجلب السعادة”.
ويصدق الفقراء هذا الكلام ويغيبون في النشوة. بالطبع كان باشوات ما قبل الثورة يهمهم جدًا أن يرضى الفقراء بحالهم ولا يتساءلوا او يثوروا. في مسلسل (علي بيه مظهر) الجميل الذي كتبه (لينين الرملي) وقام ببطولته الفنان (محمد صبحي)، يقول ممتاز الثري لصاحبه الفقير (على مظهر) :
ـ”صدقني يا (علي). برغم هذا الثراء كله فأنا. لست سعيدًا”
يضحك (علي مظهر) في مرارة ويقول:
ـ”تصدق أنا عاوز أبقى غني زيك عشان أقول الكلمتين الخايبين دول!. حقيقي يا جماعة انا مش سعيد”
المشكلة هي أن هناك دومًا الغني السعيد، والفقير التعس الذي تصيبه كل الأمراض والسرطان، بينما قد يستطيع الغني مثلاً أن يزرع كلية جديدة لو أصيب بفشل كلوي، أو يعالج السرطان في أفضل مركز بالخارج.
الأقسى أنه قد يكون هو الذي يعبث مع زوجة الفقير!.
المال لا يجلب السعادة لكنه كذلك لا يلغيها. هناك عشوائية تامة في توزيع السعادة في حياتنا الدنيا، لهذا ننتظر جميعًا العدالة الحقيقية في الآخرة.
في مجتمع حساس مثل مجتمعنا، حيث الفقر المدقع يتجاور مع الثراء الفاحش، يكون على الأثرياء المحظوظين القلائل التعامل بحذر شديد وحيطة منعًا لاستفزاز المشاعر. استعراض العضلات الاقتصادية يجلب لهم السخط ويدمر المجتمع تدميرًا. على الناس أن تحدث الآخرين بنعمة ربها، لكن عليها ألا تغيظهم بها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق