النفوذ الروسي في القارة الأفريقية.. أفريقيا الوسطى نموذجاً
جمهورية أفريقيا الوسطى تشهد في الفترة الأخيرة إقبالا روسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا ولوجستيا، ويأتي الإقبال في وقت يبارك فيه نظام فلاديمير بوتين نجاح حليفه الرئيس الحالي أرشانج تواديرا بولاية ثانية من الحكم في بلد اعتاد على الانقلابات العسكرية كاعتياده على الحروب الطائفية والعرقية، ولم يهدأ منذ استقلاله عن الاستعمار الفرنسي عام 1960 وهو الأمر الذي جعله، محط أنظار دول النفوذ العالمي ومن بينهم روسيا.
1. الأهمية الاستراتيجية لجمهورية أفريقيا الوسطى
في وسط القارة الأفريقية تقع، وعلى حدود أربع دول هي السودان وتشاد والكاميرون والكونغو تتوزع حدودها، ويتجاوز عدد سكانها الأربعة ملايين نسمة، مع ثروات هائلة من الذهب خصوصا واليورانيوم والفوسفات والنفط، يضاف إلى ذلك الكمية الهائلة من الأراضي الصالحة للزراعة والثروة الحيوانية الكثيرة جدا، في بلد قليل التعداد السكاني مقارنة بالكثير من جيرانه، وكالعادة الأفريقية فإن الشعب يعاني من الفقر والمشاكل الاقتصادية والأمر يعود طبعا للتدخلات الأجنبية من طرف فرنسا تارات ودول الجوار كتشاد تارات أخرى، إلا أنه في حالة أفريقيا الوسطى لا يمكن أن نضع اللوم على التدخل الأجنبي وحده، فالبلد من بين أكثر البلدان الأفريقية اضطرابا من ناحية الانقلابات العسكرية، فمنذ استقلاله شهد خمس انقلابات عسكرية كان آخرها انقلاب مارس 2013 الذي قادته حركة السيليكا ذات الأغلبية المسلمة على الرئيس فرنسوا بوزيزي مسيحي الديانة.
وتتوزع الجمهورية الأفريقية الوسطية على العديد من الديانات أبرزها المسيحية التي تمثل 50 في المائة من سكان البلد والمسلمون بـ 15 في المائة والديانات الثانية بـ 35 في المائة من السكان، وهو الأمر الذي جعل العاصمة بانغي وبقية المدن تعاني من حروب عرقية منذ العام 2013 خاصة ضد المسلمين هناك، حيث شهدت مدن أفريقيا الوسطى تطهيرا عرقيا استمر لسنوات ضد المسلمين المتهمين بالإطاحة بالرئيس المسيحي “بوزيزي” ، الأمر الذي دفع بالأمم المتحدة لإنشاء بعثة عسكرية من مختلف جنسيات العالم عام 2014 اسمها قوة حفظ السلام في أفريقيا الوسطى، كما أصدرت الأمم المتحدة قرارا بحظر بيع السلاح إلى جمهورية أفريقيا.
2. الحضور الروسي في إفريقيا الوسطى
في فبراير من العام 2016 شكل انتخاب فوستين أركاج تواديرا رئيسا للبلاد حدثا بارزا في تاريخ البلاد وفي مسار العلاقات الإفرو- وسطية الروسية، حيث بدأت البلاد تشهد معالم التدخل الروسي هناك، فقد نجحت موسكو في ديسمبر 2017 في الحصول على إعفاء أممي من قرار حظر السلاح على جمهورية أفريقيا الوسطى
وفي نفس العام اجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى ثم بدأ التعاون بين البلدين يكتسب زخما كبيرا، وأكد لا فروف يومها الالتزام المتبادل باستعادة التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية بين البلدين.
ثم بدأ الجانب الروسي المساعدة العسكرية الفنية وبموافقة من لجنة مجلس الأمن الدولي وتم تسليم دفعة من الأسلحة الصغيرة والذخيرة لجيش أفريقيا الوسطى بحسب تقارير روسية وتم إرسال مدربين لتدريب الجيش والشرطة والدرك في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى هناك.
ثم جاء 23 من أكتوبر من العام 2019 ليسطر تاريخا جديدا من العلاقات الروسية – الأفريقية ممثلا في قمة سوتشي–الأفريقية التي مثلت بداية صفحة جديدة من الحضور الروسي في أفريقيا الوسطى عامة والقارة السمراء خاصة.
وقيل يومها إن موسكو قد تسببت بتهديد المصالح الفرنسية في إحدى أهم البلدان الاستعمارية بالنسبة كجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد نجح الروس في ظرف ثلاث سنوات في فعل ما عجز عنه الفرنسيون والصينيون طوال سنوات الحرب في البلد الوسطي من أفريقيا، حيث جمع الروس بين الحكومة وفصائل السليكيا ومجموعات المتمردين الآخرين، وهو ما عجزت فيه باريس، ويعتبر انتصارا سياسيا لموسكو في البلاد، يضاف إلى الانتصارات على المستوى العسكري من حيث الحضور وبيع الأسلحة هناك.
ثم جاءت ردة فعل القوات الحكومية بمساعدة روسية لاستعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد
وفي ديسمبر 2021 أي في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية تعرضت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى لهجوم من قبل مسلحين قالت الحكومة إنهم كانوا يحاولون الاستيلاء على السلطة في البلاد بالقوة وإنهم مدعومون من تحالف الحزب الشيوعي الصيني للإطاحة بنظام تواديرا في بانغي.
إلا أن التدخل الروسي غير المباشر بدعم وتدريب للقوات المسلحة الكونغولية الموجودة هناك حال دون ذلك ثم جاءت ردة فعل القوات الحكومية بمساعدة روسية لاستعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد من مختلف المواقع التي لا تزال تحت سيطرة مدعومين من الحزب الشيوعي الصيني بحسب تقارير حكومية في مناطق تشهد استمرار عمليات النهب والقتل والاختطاف وتتعرض شعوبها لشتى أنواع الظلم والإجرام بسبب الحرب الدائرة هناك.. وفي بلد تبدو اليد الروسية أكثر فاعلية فيه اليوم من جميع الأطراف سواء كانت أمريكية أم فرنسية أم صينية ويتساءل فيه المراقبون عن دور القوات الأممية الموكلة بحفظ السلام هناك؟
فالقوات الأممية المعروفة بمينوسكا وبعد سبع سنوات على إنشائها لم تشهد البلاد في حضرتها سوى مزيد من النزاعات وهي التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي وتكلف المجتمع الدولي حوالي مليار دولار في السنة، ولم تنجح حتى الآن في استعادة السلام في بلد يفتقر للسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى..
الأمر الذي دفع بوزير خارجية جمهورية أفريقيا الوسطى سيلفي بايبو تيمون لاتهام المنظمات الدولية بالافتقار إلى الإرادة السياسية والشجاعة، وطالب تيمون بإشراك روسيا بشكل أكبر في حل المشكلات الأمنية في جمهورية أفريقيا الوسطى على اعتبارها الشريك الأهم والأكثر نفعا لبلاده بحسب قوله وتعبيره.
ها هي موسكو اليوم تشق طريقها للقارة السمراء بعد ما تراجعت فرنسا مع تسجيل الغياب الأمريكي في الفترة الأخيرة ولم تفلح الصين في ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق