الأحد، 21 مارس 2021

تركيا تهدي فرصة لمصر وباقي الأطراف في شرق المتوسط

 تركيا تهدي فرصة لمصر وباقي الأطراف في شرق المتوسط



ياسين أقطاي

 مستشار الرئيس التركي

شهدت الفترة الأخيرة اتصالات غير مباشرة ورسائل متبادلة بين المسؤولين الأتراك والمصريين، وهو ما اعتبر تمهيدا لتطورات جديدة في المنطقة. وفي الواقع، فإن أول رسالة في هذا الإطار جاءت من الجانب المصري، الذي أعلن مؤخرا أنه سيحترم الجرف القاري الذي تقوم فيه تركيا بأعمال التنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط.

إن هذه الرسالة أثارت قلق اليونان، حيث سارع وزير خارجيتها نيكوس دندياس للقيام بزيارة مفاجئة إلى القاهرة، من أجل تجنيب اليونان تكبد خسائر في هذه المنطقة، في حال حدوث تفاهم تركي مصري.

من الخطأ الاعتقاد أن الرسائل الإيجابية الصادرة عن تركيا هي دليل على أنها خائفة أو مضطرة للانفتاح على مصر، إذ إن تركيا هي الطرف صاحب الحق في مشكلة شرق المتوسط، والجميع يرى أن من المستحيل إنجاح المشاريع في هذه المنطقة دون أن تكون هي المشاركة فيها

إن هذه الخسائر التي تخشاها اليونان سببها الأصلي هو المكاسب المبالغ فيها التي حصدتها أثينا من الاتفاق الحالي بينها وبين مصر، والذي سبب ضررا كبيرا للجانب المصري. وخلال زيارة وزير الخارجية اليوناني تمت مناقشة فرضية إعادة فتح المفاوضات لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، من أجل إعادة تقييم الوضعية الحالية التي تحرم مصر من عديد الامتيازات، ولكن لم تسفر تلك الزيارة عن أي تطورات ملموسة.

وفي الواقع يجدر بنا الآن قراءة الرسائل الصادرة عن تركيا بشكل صحيح، وهي بالأساس تصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ووزير الدفاع الوطني خلوصي أكار، والناطق باسم الرئيس إبراهيم قالن، إلى جانب الرئيس أردوغان، الذي أكد هو أيضا هذه التصريحات، التي جاءت ردا على إعلان الخارجية المصرية.

حيث إن تركيا كانت ردة فعلها إيجابية بطبيعة الحال تجاه الخطوة المصرية. ويشير التقييم الأولي للاتفاق المصري اليوناني إلى أن تلك الخطوة كانت ضد مصالح القاهرة، التي تكبدت خسائر كبيرة بسببها. وعلى الرغم من الموقف المصري الذي كان يحاول الإضرار بتركيا بدافع من العداء، فإن أنقرة أوضحت أنها تراعي روابط الأخوة مع مصر، ولن تستعمل هذا الأسلوب. ففي النهاية رغم كل الصراعات بين الجانبين اليوم، والظروف التي تمر بها العلاقات بين البلدين، يظل الشعبان التركي والمصري في علاقة أخوة دائمة. وإذا كانت مصر قد اضطرت للمصادقة على ذلك الاتفاق بسبب تعطل الاتصالات مع الجانب التركي، فإن من المهم الآن إيجاد أرضية للحوار وتعليق الخلافات حول هذا الأمر.

كما يجدر التنبيه إلى أن من الخطأ الاعتقاد أن الرسائل الإيجابية الصادرة عن تركيا هي دليل على أنها خائفة أو مضطرة للانفتاح على مصر، إذ إن تركيا هي الطرف صاحب الحق في مشكلة شرق المتوسط، والجميع يرى أن من المستحيل إنجاح المشاريع في هذه المنطقة دون أن تكون هي المشاركة فيها. وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد اعتبر أن الحوار مع تركيا في شرق المتوسط مفيد وضروري. والاتفاقات الموقعة بين كل الأطراف في هذه المنطقة لن تكون لها أية قيمة في حال تجاهل أو إقصاء تركيا.

وعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق بين تركيا وليبيا هو الذي سمح لهذه الأخيرة بتحقيق الاستفادة الكاملة من سواحلها. وما يميز أنقرة هو أنها لا تتجاهل حقوق الآخرين في أثناء سعيها للحصول على حقوقها. إذ إنها تبحث عن معادلات جديدة في شرق المتوسط، تحصل بمقتضاها هي وغيرها على كامل الحقوق. وفي المقابل، فإن تجاهل أي طرف يجعل إنتاج ونقل الموارد الطاقية في هذه المنطقة مستحيلا، ويمنع العمل بشكل فعال وآمن. وهذه المنطقة لا تحتمل الكثير من الخلافات، وهذا الأساس المنطقي والأخلاقي الذي لا تعترض عليه تركيا، إذ إنها ليست مهتمة فقط بالجوانب الاقتصادية، خاصة أن اقتصادها هو واحد من اقتصادات قليلة في العالم لا تزال تحافظ على نموها رغم كل ما يحدث، حيث إن تركيا -بالرغم من الضرر الذي ألحقه فيروس كورونا- واصلت تحقيق نمو اقتصادي ولم تتعرض للانهيار، بل أرسلت مساعدات إلى 140 دولة لمساندتها في حربها ضد هذا الوباء.

ويدعو الكاتب الجميع إلى اعتبار أن هذه القدرات التركية علامة على القوة، وأن هذه المبادرات التي تقوم بها هي التي تزيدها قوة على قوة.


وفي شرق المتوسط، يرى الجميع أنه لن يكون بالإمكان تطبيق أي حل دون أن تشارك فيه أنقرة، التي لا تقدم موقفها على أساس المساومة، بل على أسس أخلاقية تحترم القوانين. ويتم تصوير تركيا في بعض وسائل الإعلام العربية كأنها تمد يدها بعد تعرض للهزيمة في معركة أو كأنها تعلن الاستسلام، وهو تفسير نابع من الجهل.

حيث إن البعض عجزوا عن استيعاب سرعة تطور الأحداث، ومنهم من أعد قائمة بالشروط التي يتوجب على تركيا تنفيذها إذا كانت تريد حل خلافاتها مع مصر. وعند النظر إلى هذه القائمة يحسب المرء أن أنقرة خسرت حربا ورفعت الراية البيضاء، وأنها تفاوض من أجل إنقاذ نفسها. وتتضمن قائمة الشروط المفترضة ترحيل المعارضين المصريين من الأراضي التركية، والانسحاب من ليبيا وسوريا والعراق، والتوقف عن القيام بأي أنشطة ضد المملكة العربية السعودية والإمارات، إلى جانب التخلي عما وصف بأنه الطموحات العثمانية الجديدة، وتقديم أردوغان اعتذارا للسيسي.

وبالطبع لا يمكن أخذ هذه الأوهام على محمل الجد. ويبدو أن البعض شعروا بالقلق من إمكانية حدوث تقارب بين البلدين، ولذلك قاموا بالدفع بهذا الخطاب الغريب. ولكن في المقابل يجدر الانتباه إلى أن مثل هذه التصريحات تصدر عن أطراف قريبة من الدوائر الرسمية في مصر، ومنهم شخصيات شبه رسمية، تظهر من خلال مواقفها حجم قصور العقل السياسي.

ورغم كل هذا، يجدر التذكير مجددا بأن اتفاقا بين أنقرة والقاهرة في شرق المتوسط ستكون فيه مصر هي أكبر مستفيد، وهو اتفاق لن يستوجب تغيير أنظمة أو شروطا أو حتى ربطه باتفاقات حول قضايا أخرى. وهكذا فإن تركيا تهدي القاهرة فرصة للعودة عن طريق مضرة بها. والقاهرة أكثر حاجة لهذا الاتفاق من أنقرة، التي يحكمها عقل سياسي قادر على تقييم الأوضاع وترك الخلافات جانبا من أجل حل قضايا أخرى. رغم أنه لا أحد له أن يتوقع من تركيا التخلي عن دعمها لقضايا حقوق الإنسان، لمجرد أنها تعرض فرصة للتوصل إلى اتفاق في شرق المتوسط مع مصر وباقي الأطراف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق