الأحد، 21 مارس 2021

معركة موهاكس 1526م

معركة موهاكس 1526م


أ.د. راغب السرجاني

2021/03/22

    جهود إدارية، ودبلوماسية، وعسكرية كبيرة تمهيدًا لفتح المجر: (1522-1525م)

    كانت الخطوة التالية للسلطان سليمان القانوني بعد سقوط بلجراد، والسيطرة على رودس، هي غزو المجر؛ لضمِّها إلى الدولة العثمانية، أو على الأقل لتحويل تبعيَّتها إليها بدلًا من التبعيَّة للإمبراطورية النمساوية.

     كانت هذه خطوةً كبيرة، ومن المتوقَّع أن تُحْدِث آثارًا كبرى في أوروبا؛ لأن المجر دولةٌ كبيرة، ومن الناحية الجغرافية هي أوَّل دولةٍ كاثوليكيَّةٍ في وسط أوروبا بعد الشرق الأرثوذكسي، وسقوطها في أيدي المسلمين سيفتح الباب إلى وسط وغرب أوروبا، وسيُخِلُّ بتوازن القوى لصالح العثمانيين. كان السلطان القانوني يعلم ذلك، لذا، وقبل التحرُّك بجيشٍ كبيرٍ لهذا الغزو، قام ببعض الإجراءات التي تكفل نجاحًا لمهمَّته، وكان منها ما يلي:

    أولًا: فتح مدينة أورسوڤا Orșova على نهر الدانوب في عام 1522م[1]، وهي في رومانيا الآن، وبالقرب من الحدود الصربية، وتُمثِّل آنذاك قاعدة انطلاقٍ مهمَّةٍ إلى داخل الأراضي المجرية، كما أنها تمنح السيطرة الكاملة على الملاحة في نهر الدانوب المهم.

    ثانيًا: قام السلطان بتغييراتٍ مهمَّةٍ في الحكومة العثمانية، فوضع في 27 يونيو 1523م في مركز الصدارة العظمى صديقه الشاب إبراهيم باشا، وهو من أصولٍ يونانيَّةٍ على الأغلب، وقد تحوَّل من النصرانية إلى الإسلام في فترة شبابه الأولى[2]، وهو من ألمع الشخصيَّات في تاريخ الدولة العثمانية، ويتميَّز بمهاراتٍ إدارية، وقيادية، وعسكرية عالية[3]، وهذا يُناسب المرحلة القادمة.

     سيبقى إبراهيم باشا في منصبه هذا ثلاثة عشر عامًا، ويشهد كثيرٌ من المؤرخين أن ولاية هذا الرجل لمركز الصدارة العظمى كانت نقلةً نوعيَّةً في الإدارة العثمانية[4]، وله فضلٌ كبيرٌ في النجاحات التي حقَّقتها الدولة في زمن سليمان القانوني.

    ثالثًا: تأمين الجبهة الصفوية، وهي الجبهة الشرقية الجنوبية للدولة العثمانية؛ لأن خروج جيوشٍ كبيرةٍ إلى الغرب لحرب المجر، ومن خلفها النمسا، قد لا يكون آمنًا إذا كانت هذه الجبهة مضطربة، خاصَّةً أن المدَّة التي ستقضيها الجيوش العثمانية في هذه الممارسات غير معلومة، ومن الصعب توقُّعها؛ حيث إن الجيوش العثمانية ستدخل هذه الأراضي الشمالية في المجر للمرَّة الأولى في تاريخها.

     هذا التأمين كان دبلوماسيًّا؛ فقد استقبل السلطان سفارةً من الدولة الصفوية لتهنئته بالنصر في رودس، ولتجديد الهدنة بين الطرفين. كان سليمان القانوني مطمئنًّا إلى أن الشاه إسماعيل الصفوي، المنهمك في معاقرة الخمور منذ هزيمته في تشالديران عام 1514م، لن يقوى على حرب الدولة العثمانية؛ ومع ذلك كان لا بُدَّ من توثيق هذا الأمر.

     تمت هذه المعاهدة في 1523م[5]، وبعدها بسَنَةٍ أراد اللهُ أن يُريح صدر سليمان القانوني بشكلٍ أكبر من هذه الناحية، فمات الشاه إسماعيل الصفوي في 23 مايو 1524م، وهو في السابعة والثلاثين من عمره، تاركًا على رأس الدولة الصفوية ابنه الطفل طهماسب الأول Tahmasp I، وعمره عشر سنواتٍ فقط[6]، وهكذا صار هدوء الجبهة الصفوية حتميًّا لعدَّة سنواتٍ قادمة.

    رابعًا: تأمين الجبهة الروسية، وهي الجبهة الشرقية الشمالية للدولة العثمانية، والتي كانت مضطربة بصراعاتٍ بين الإمارات التترية المسلمة المسيطرة على هذه المناطق آنذاك، وكانت المشكلة أن القوى الغربية كانت تتعاون مع هؤلاء التتر المسلمين، و-أيضًا- مع الدولة الصفوية، لضرب الدولة العثمانية من الخلف. قامت جيوش التتار القرميين المسلمين التابعين للدولة العثمانية ببعض العمليَّات العسكريَّة في هذه المناطق النائية؛ حيث تمَّت السيطرة على خانيَّة (إمارة) أستراخان Astrakhan Khanate التترية في عام 1523م، وكذلك على خانيَّة قازان Kazan Khanate التترية في عام 1524م، ثم الوصول في العام نفسه إلى مدينة نيجني نوڤجورود Nizhny Novgorod الروسية، على بعد 400 كم2 شرق موسكو[7]، وهي أبعد نقطة في الشرق وصلت لها الجيوش العثمانية في كلِّ تاريخها، وبذلك انعدم التهديد العسكري للدولة من هذا الجانب.

    خامسًا: تأمين الجبهة الجنوبية (مصر فقد حدث فيها انقلابٌ مفاجئٌ في أوائل 1524م[8]؛ حيث أعلن الوالي العثماني أحمد باشا الانفصال عن الدولة العثمانية بعد تعيين إبراهيم باشا في منصب الصدارة العظمى، وكان هذا الوالي يطمع في هذا المنصب[9].

     تمكَّن سليمان القانوني من السيطرة على الوضع من جديد، وأُعدِم الوالي المنشق في مارس من السنة نفسها[10]، وأُرسل إبراهيم باشا الصدر الأعظم إلى مصر قرابة سنة كاملة (من أكتوبر 1524 إلى سبتمبر 1525م)؛ ليقوم بتنظيم الأمور[11]، والاطمئنان على عدم تكرار مثل هذا الانفصال مرَّةً ثانية. استمر هذا الترتيب الذي قام به إبراهيم باشا لأكثر من قرنٍ كامل[12]، ولم تحدث اضطرابات في مصر طوال هذه الفترة، ويُعتبر المؤرخون هذا الترتيب من إنجازات إبراهيم باشا المهمَّة.

    سادسًا: إقامة علاقات دبلوماسية مع فرنسا، وهذا منعطفٌ تاريخيٌّ مهم، فهذه أوَّل مرَّة تعقد فيها دولة كاثوليكية كبرى حلفًا مع الدولة العثمانية، وكان سليمان القانوني يسعى إلى تفتيت الغرب النصراني في حربه للدولة العثمانية، فجاءته الفرصة مواتيةً في ديسمبر 1525م عندما أتته رسالة استغاثة من الملكة الفرنسية لويزا Louise of Savoy أم الملك الفرنسي الشهير فرانسوا الأول Francis I[13]، وكان هذا الأخير قد دخل في صراعٍ مع الإمبراطور شارل الخامس إمبراطور النمسا وإسبانيا، انتهى بكارثة؛ حيث أُسِرَ الملك الفرنسي[14]، فاضطرَّت أمُّه للاستغاثة بأقوى شخصيَّة أوروبية معادية للإمبراطور، وهو السلطان العثماني سليمان القانوني!

     تكشف هذه الاستغاثة عن مدى قوَّة الدولة العثمانية في هذه الحقبة؛ لأن اضطرار مملكة فرنسا الكاثوليكية المتزمِّتة إلى الاستعانة بدولةٍ مسلمةٍ لن يأتي من فراغ، كما تكشف هذه الاستغاثة مدى الشقاق الذي وصلت إليه القوى النصرانية في أوروبا، وهو ما كان يستفيد منه السياسيون العثمانيون.

     بلا شكٍّ لم يكن طلب التحالف والصداقة من الفرنسيِّين عن حبٍّ أو ولاء؛ إنما هي البرجماتية البحتة؛ إذ سرعان ما سينقلب الصديق إلى عدوٍّ عند تغيُّر المصالح! كان سليمان القانوني يقرأ كلَّ ذلك ويتفهَّمه؛ ولذلك استجاب بسرعةٍ إلى طلب أم الملك، وأرسل لها رسالةً يُطمئنها فيها إلى قبوله مساعدة الملك الفرنسي. جاءت هذه الرسالة فريدةً في صياغتها؛ ولذلك اهتمَّت الكتب بمحتواها.

    كتب سليمان القانوني: «بسم الله العلي المعطي المغني المعيَّن، بعناية حضرة عزة الله، جلَّت قدرته، وعلت كلمته، وبمعجزات سيِّد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى، الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وجميع أولياء الله. أنا سلطان السلاطين، وبرهان الخواقين، متوج الملوك، ظلُّ الله في الأرضين، سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود، والأناضول، والروملي، وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر، وكردستان، وأذربيچان، والعجم، والشام، وحلب، ومصر، ومكة، والمدينة، والقدس، وجميع ديار العرب، واليمن، وممالك كثيرة أيضًا، التي فتحها آبائي الكرام وأجدادي العظام بقوَّتهم القاهرة، أنار الله براهينهم، وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر. أنا السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان. إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا، وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم فرانقبان النشيط مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفاهيًّا، وأعلمنا أن عدوَّكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون، وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكلُّ ما قلتموه عُرض على أعتاب سرير سدَّتنا الملكية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلومًا، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر؛ فإن آبائي الكرام وأجدادي العظام -نوَّر الله مراقدهم- لم يكونوا خالين من الحرب لأجل فتح البلاد، وردِّ العدو، ونحن -أيضًا- سالكون على طريقتهم، وفي كلِّ وقتٍ نفتح البلاد الصعبة، والقلاع الحصينة، وخيولنا ليلًا ونهارًا مسرجة، وسيوفنا مسلولة، فالحقُّ سبحانه وتعالى يُيسِّر الخير بإرادته ومشيئته، وأمَّا باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور، فليكن علمكم هذا. تحريرًا في أوائل شهر آخر الربيعين، سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، بمقام دار السلطنة العلية القسطنطينية المحروسة المحميَّة»[15]!

    هذه الرسالة بالطبع تكشف عن مدى قوَّة الدولة العثمانية، ومنطلق العزَّة التي يتكلَّم بها قادتها، ويستخدم كثيرٌ من المؤرخين المسلمين هذه الرسالة للفخر بالمستوى العظيم الذي وصلت إليه الأمَّة الإسلامية في بعض فتراتها؛ ومع ذلك فإن صياغة الرسالة -في رأيي- لم تكن موفَّقة من الناحيتين الدبلوماسيَّة والشرعيَّة؛ فهذا أسلوبٌ يُنبئ عن غرور القوَّة، وكِبْر السُلْطة، وهي أمورٌ ينبغي للقائد المسلم أن يتجنَّبها.

     ولقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائل كثيرة إلى ملوك الأرض، فكان يتواضع فيها، ويُعَظِّم المرسلَ إليه، وهذا أدعى لدعوته وشعبه، فيقول مثلًا: «مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ»[16]، وهذا الأسلوب يفتح قلوب الناس، كما إنه أنجح في العلاقات الدبلوماسيَّة، فالأَوْلى أن يشعر فرانسوا الأوَّل بصداقة سليمان القانوني بدلًا من أن يشعر بالذلِّ تجاهه، وينبغي ألَّا يُقال: إن هذا أفضل في مثل هذه المواطن الحربيَّة لإظهار قوَّة المسلمين؛ فالملك الفرنسي هنا يستغيث، وليس الحوار في ساحة حرب،وقد استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم زعيم خزاعة عندما استغاث به؛ لغدر قريش وبني بكر به، بكلماتٍ يسيرةٍ ليس فيها كِبْرٌ ولا غرور، فقال له: «نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ»[17].

    هذه الصياغة التي جاءت بها الرسالة العثمانيَّة تُفسِّر الضعف الدبلوماسي الذي اتَّصفت به الدولة العثمانية في كامل تاريخها؛ حيث لم نرَ لها أصدقاء حقيقيين؛ لا من المسلمين، ولا من غير المسلمين! وهذا قد يكون بسبب هذه الروح المتعالية المرتكزة على نزعةٍ عنصريَّةٍ واضحة. -أيضًا- هذه النزعة التي رأيناها في الرسالة تُفسِّر قلَّة الشعوب التي دخلت في الإسلام في الأقطار التي فتحتها الدولة العثمانية، بالقياس إلى الشعوب التي أسلمت عندما دخلها الخلفاء الراشدون أو الأمويون. إن الشعوب، قادة ومحكومين، لا تستجيب لدعوةٍ متكبِّرة، إنما يفتح قلوبَها التواضعُ!
    عمومًا قام تحالفٌ دبلوماسيٌّ بين الدولة العثمانية وفرنسا، وإن لم يترتَّب عليه شيءٌ في هذه المرحلة تحديدًا؛ لأنه في أثناء إرسال الرسالة الفرنسية والردِّ عليها كان الملك الفرنسي فرانسوا الأول قد عقد في 14 يناير 1526م معاهدة مذلَّة في مدريد مع الإمبراطور النمساوي شارل الخامس، وأُطْلِق حرًّا بعدها[18].

    سابعًا: يلحق بالجهود الدبلوماسية السابقة عملٌ آخر قام به سليمان القانوني، وهو دعم حركة الإصلاح البروتستانتي[19] التي قامت في أوروبا في هذا الوقت على يد مارتن لوثر Martin Luther، وكان هذا بالطبع من منطلق سياسي بحت دون أيِّ خلفيَّاتٍ دينيَّة؛ فسليمان القانوني متمسِّكٌ بدينه، ومارتن لوثر يدعو للنصارى بالانتصار على الأتراك المسلمين[20]؛ لكن التقت المصالح السياسية؛ حيث يُحارب كلاهما الكاثوليك، خاصَّةً الإمبراطور النمساوي، والبابا الڤاتيكاني. تلقَّى الأمراء الألمان الذين اعتنقوا البروتستانتيَّة الدعم من سليمان القانوني، وإن لم يَرْقَ هذا الدعم إلى المعونة العسكريَّة؛ بل ظلَّ على المستوى الإعلامي، والسياسي، والمخابراتي، وكان هذا كافيًا لإزعاج الإمبراطورية النمساوية!

    هكذا، بهذه الجهود السابقة، صارت الفرصة مواتيةً للقيام بغزو المجر!

    معركة موهاكس Mohacs: (29 أغسطس 1526م).

    هذه معركةٌ من أهمِّ المعارك في تاريخ أوروبا؛ ومع أنها كانت معركة يومٍ واحد، إلا أن آثارها امتدَّت لعدَّة قرون! إنها الحملة الهمايونيَّة الثالثة للسلطان القدير سليمان القانوني بعد حملتي بلجراد ورودس!

    رصدت عيون الأعداء خروج الجيش الهمايوني الكبير من إسطنبول في 16 أبريل 1526م[21]؛ لكنها لم تستطع أن تُحدِّد الوجهة تمامًا. نعم هو مُتَّجهٌ على الأغلب لحرب المجر، فكلُّ الإرهاصات تُشير إلى ذلك؛ ولكن إلى أيِّ مكانٍ في المجر الواسعة؟ كانت لدى الجيوش العثمانية -على كثرتها، ووفرة عتادها، وثِقَل مدافعها- القدرة على التمويه على أعدائها وجواسيسهم، فلا يكتشفون وجهتهم النهائيَّة إلا متأخِّرًا، وهذا يُحقِّق عنصر المباغتة.

    جعل السلطان سليمان القانوني وجهته إلى بلجراد، وقرَّر الانتقال منها شمالًا قاصدًا بودا عاصمة المجر[22]؛ ولكنه لم يشأ أن يترك خلفه قلاعًا مجريَّةً قد تُهدِّد مؤخرة جيشه، فانحرف بجيشه إلى الشمال الغربي ليحتلَّ مدينة بيتروڤارادين Petrovaradin الصربية، ومنها اتجه غربًا ليحتلَّ مدينة إيلوك Ilok الكرواتية[23]، ثم اتجه شمالًا ليُسيطر على القلعة الأخيرة في طريقه إلى بودا، وكانت في مدينة أوزيك Osijek الكرواتية[24]، على بعد حوالي مائتي كيلو متر جنوب بودا.

    كان الجيش المجري في تاريخه القريب من أقوى جيوش أوروبا؛ لكن في العقود الأخيرة، وبعد وفاة الملك القوي ماتياس في 1490م؛ أي منذ ستة وثلاثين سنة، لم يَجْرِ تحديثه، وتناقصت أعداد مقاتليه بشكلٍ كبير، خاصَّةً بعد الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تعرَّضت لها البلاد، وثورات الفلاحين، والتصارع على الحكم، وعدم الوفاق بين النبلاء ورجال الدين.

     إنها مجموعةٌ من المشكلات المتفاقمة أدَّت إلى انهيارٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ كبير. دعا الملك الشابُّ عديم الخبرة لويس الثاني فرقَ الجيش من هنا وهناك للاستعداد لمواجهة الجيش العثماني الذي يقترب بسرعة. كان الجيش المجري الرئيس في بودا مع الملك، وتأهَّبت فرقةٌ كبيرةٌ من الجيش قوامها ثلاثة عشر ألف مقاتل للقدوم من ترانسلڤانيا في الشرق تحت قيادة أمير الولاية الشهير چون زابوليا[25] John Zapolya، وهو أحد أثرى وأقوى نبلاء المجر، بالإضافة إلى فرقةٍ كرواتيَّةٍ صغيرةٍ نسبيًّا كانت تستعدُّ للقدوم من الغرب.

     أخذ الملك قرارًا خاطئًا بمواجهة الجيش العثماني في حربٍ مفتوحةٍ خارج بودا. لعلَّ الملك كان يريد أن يجعل له خطَّ رجعةٍ في بودا، ولا يريد للحرب الأساسية أن تكون في عقر داره بهذه الصورة؛ لكنه في الواقع لم يُقَدِّر الفوارق الضخمة بين جيشه الضعيف نسبيًّا، وبين الجيش العثماني الحديث بأعداده الأكبر، وتسليحه العصري، ومدافعه القويَّة، ومقاتليه المهرة، وقادته الاحترافيِّين.

     كان الجيش المجري يقترب من ثلاثين ألف مقاتل[26] معهم خمسة وثمانون مدفعًا[27]؛ بينما كان الجيش العثماني في حدود مائة ألف جندي، معهم ثلاثمائة مدفع حديث[28]. كان الأَولى بالملك أن ينتهج سياسة الأرض المحروقة، وحرب العصابات، ولا يلتقي والعثمانيِّين في حربٍ ميدانيَّة، خاصَّةً بعد فشل فرديناند أمير النمسا في الاستجابة لاستغاثة الملك المجري لانشغاله بصراعات الكاثوليك مع البروتستانت، خاصَّةً أن البروتستانت كانوا مبتهجين بهجوم العثمانيين على المجر الكاثوليكية، ويرون ذلك عقابًا من الله لهم[29]! ارتكب الملك لويس الثاني خطأً جديدًا بعدم انتظار فرقتي ترانسلڤانيا وكرواتيا، وكانوا على بعد أيامٍ قليلةٍ منه؛ ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا!

    اختار الملك المجري أرضَ سهلٍ واسعٍ من سهول المجر يُدْعَى سهل موهاكس Mohacs لتتم عليه الموقعة، والسهل يتميَّز بمرتفعات ومنخفضات، ووجود مستنقعات مائيَّة كبيرة فيه[30]، وقد تصوَّر الملك أن هذه العوائق الجغرافيَّة يمكن أن تُمكِّنه من المناورة مع الجيش العثماني. يقع سهل موهاكس على بعد مائةٍ وسبعين كيلو مترًا جنوب بودا. وافق القانوني على اختيار الملك المجري، فعبر نهر دراڤا Drava، واتَّجه شمالًا إلى السهل، فوصله في يوم 29 أغسطس 1526م[31] (20 ذو القعدة 932 هجرية[32].

     كان الجيش العثماني بوصوله إلى هذا النقطة قد قطع مسافة ألف وخمسمائة كيلو متر قادمًا من إسطنبول؛ وذلك في مائةٍ وأربعة عشر يومًا! إنها مسافةٌ طويلة، ومدَّةٌ كبيرة، كان من الممكن أن تُؤثِّر على أيِّ جيش، لولا اللياقة البدنية والروح العالية التي كان عليها الجيش العثماني الكبير.

    خطب سليمان القانوني في جيشه بعد صلاة الظهر خطبةً قصيرةً مؤثِّرة، ذكر فيها أن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم[33]، وبعدها أخذ الجيش مواقعه، ونظَّم مدفعيَّته، وما هي إلا لحظاتٌ حتى بدأ القتال! بدأت المعركة بهجومٍ مجريٍّ كبيرٍ قامت به قوَّات الميمنة، وأحدث الهجوم شيئًا من الاضطراب في الجيش العثماني، حتى إن الميمنة المجريَّة استطاعت اختراق فرقٍ عديدةٍ من الجيش العثماني، ووصل بعض المغامرين إلى السلطان سليمان القانوني، وأُطلقت على صدره رصاصة، غير أنها لم تخترق درعه الحديدي[34]! تماسك الجيش العثماني بسرعة، والتفَّ حول الفرقة المهاجمة، وجاءت قوَّات الاحتياط لتدعم بقوَّة، وأبدى الإنكشارية براعةً وشجاعةً فوق المعتاد[35]، وفي وقتٍ قصيرٍ سيطر المسلمون على الموقف، وبدأت المدفعيَّة العثمانيَّة في حصد الجيش المجري.

     أدرك المجريُّون أنهم وقعوا في كمائن خطرة، فبادروا بالانسحاب في حركةٍ عشوائيَّة، وهذا زاد من حجم مصيبتهم. كانت الساحة مليئةً بالمستنقعات العميقة، وكانت وبالًا على الجيش المجري؛ حيث غرق فيها الكثير من الجنود. اكتملت المأساة المجرية بغرق الملك المجري لويس الثاني في أحد المستنقعات[36] لتموت كلُّ عزيمةٍ عند جيشه! قُتِل من الجيش المجري -أيضًا- ثمانيةٌ وعشرون بارونًا، وعددٌ كبيرٌ من النبلاء والقادة يقتربون من ألف رجل، بالإضافة إلى سبعةٍ من كبار القساوسة[37]. أُبيد معظم الجيش المجري في هذا اللقاء، وصار الطريق مفتوحًا بلا أدنى مقاومةٍ إلى العاصمة بودا!

    مع أن الموقعة لم تستغرق إلا ساعات معدودات[38]، إلا أنها كتبت تاريخ المجر لأكثر من ثلاثة قرون! وصفها المؤرخ المجري تيبور ميندي Tibor Mende في كتابه عن المجر وتاريخها بأنها أسوأ هزيمةٍ في كلِّ تاريخ الدولة[39]. ويقول المؤرخ الأميركي ألفريد ريبير Alfred Rieber، والمتخصِّص في تاريخ المجر وشرق أوروبا: «انهارت دولة المجر بعد المعركة، وصارت موهاكس رمزًا لإذلال الأمَّة»[40].

    خرجت المجر بهذه المعركة من قائمة القوى العظمى في أوروبا، وصار شعبها البائس تابعًا بلا إرادة؛ مرَّةً للعثمانيِّين، وأخرى للنمساويِّين، وثالثةً للبولنديِّين، وصارت الأرض المجريَّة ساحةً للمعارك المتتالية بين الدولة العثمانية والنمسا؛ ممَّا أفقدها خصوبتها، بالإضافة إلى هجران الفلاحين لها هربًا من جحيم المعارك. مثَّلت المعركة -أيضًا- منعطفًا تاريخيًّا مهمًّا، وهو انتقال عبء الدفاع عن الكاثوليكيَّة ووسط أوروبا من المجر المتداعية إلى النمسا الفتيَّة، وهكذا؛ بينما كانت المجر هي العدوُّ الأكبر للدولة العثمانية في القرن الخامس عشر، صارت النمسا كذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بالإضافة إلى أعداء آخرين بطبيعة الحال.

    لم يكن السلطان القانوني مطمئنًّا إلى أن هذا الجيش الضعيف الذي قابله في موهاكس هو كلُّ الجيش المجري صاحب الصيت الواسع في أوروبا، وكان يخشى من وجود قوَّاتٍ أخرى في بودا؛ ولذلك مكث عدَّة أيَّامٍ في أرض المعركة، ثم تقدَّم بحذرٍ صوب العاصمة.

    لم تكن مخاوف سليمان القانوني حقيقية، وكانت بودا بلا جيش! ودخل القانوني المدينة الحصينة بلا أدنى مقاومةٍ في يوم 11 سبتمبر 1526م[41]. لم يكن السلطان سليمان راغبًا في حكم المجر بشكلٍ مباشرٍ في هذا التوقيت. لم تذكر المصادر لماذا زَهَدَ السلطان في حكم الدولة العتيدة مع خلوِّها من الجند، ولم تذكر كذلك لماذا أضاع فرصة حكم المدينة العريقة بودا، مع أن فتح هذه المدن الحصينة ليس أمرًا سهلًا أو متكرِّرًا.

     الذي يبدو لي أنه لم تكن لديه «القدرة» الحقيقيَّة الواقعيَّة على حكم البلد الكبير بشكلٍ مباشر، فهذا يحتاج إلى أطقمٍ إدارية، وحكومية، وقضائية، وعسكرية لعلها غير متوفِّرة الآن، وبالتالي فمن ناحيةٍ واقعيَّة كان السلطان يُفَضِّل إدارة البلد «كتابع»، بمعنى أن تُدار بأهلها لصالحه، بدلًا من أن يُديرها هو بشكلٍ فاشلٍ قد يُحدث آثارًا سلبيَّة. هذا احتمال، وهناك احتمالٌ آخر هو أنه كان يريد قياس ردود الفعل في أوروبا، وخاصَّةً عند النمسا والبابا، لكي يُجهِّز نفسه للردِّ المناسب. إن أوروبا المنشغلة الآن في حروبها مع البروتستانت قد تتناسى همومها وتلتفت إلى الدولة العثمانية إذا رأتها تحكم المجر بشكلٍ مباشر؛ لذا يمكن أن يكون التدرُّج في الأمر أفضل.

     أيَّا ما كان الأمر فإن السلطان اختار أن يجعل المجر تابعًا برئاسة أحد المجريِّين الموالين له. التقى السلطان وبعض نبلاء المجر، ثم جرى ترشيح چون زابوليا -أمير ترانسلڤانيا الذي لم يشترك في موهاكس- ليكون ملك المجر تحت رعاية الدولة العثمانية[42]. لم يكن زابوليا أثرى وأقوى نبلاء المجر فقط؛ ولكنه كان يتمتَّع بأمرين إضافيَّين: الأول أنه يقود جيشًا سليمًا بلا إصابات؛ حيث لم يشترك في موهاكس، وهذا يُعطيه القدرة العمليَّة على إدارة الدولة، والثاني أنه كان من الحزب المجري المعارض لآل هابسبورج النمساويِّين[43]، وكان لا يرغب في تدخُّلهم في شئون المجر أيام الملك الراحل.

     هذان الأمران جعلا أسهمه ترتفع عند النبلاء المتبقِّين في المجر بعد موهاكس، وهما الأمران أنفسهما اللذان رجَّحا كفَّة زابوليا عند السلطان القانوني؛ فهو يريد حاكمًا قويًّا يمكن أن يُسيطر بجيشه على الوضع في المجر، ويريده في الوقت نفسه معاديًا، ولو نسبيًّا، للنمسا. وافق السلطان على ترشيح زابوليا، واستقبله في القصر الملكي، وأقرَّه ملكًا على المجر تابعًا له، وصار لقبه: چون الأول John I.

    رجع السلطان القانوني إلى إسطنبول بعد أن أمضى ثلاثة عشر يومًا في بودا[44].

     لم يكن هذا هو الوضع المثالي؛ لأن البلاد التابعة يمكن أن تتفلَّت بسهولة، كذلك يمكن للنمسا أن تطمع فيها بشكلٍ أكبر؛ لكن يبدو أن هذا كان أفضل استثمار «واقعي» لنصر موهاكس العظيم، خاصَّةً أن جيش زابوليا لم يكن مخيفًا؛ نعم هو كافٍ للسيطرة على الأمور في المجر المتهالكة؛ لكنه لن يكون كافيًا أبدًا لمقاومة العثمانيين في حال غَدَرَ المجريون! والغدر في سياستهم متوقَّع![45].
     


    [1] شوجر، بيتر: أوروبا العثمانية 1354 – 1804، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998م.صفحة 88.
    [2] Turan, Ebru: The Marriage of Ibrahim Pasha (CA. 1495-1536): The Rise of Sultan Süleyman's Favorite to the Grand Vizierate and the Politics of the Elites in the Early Sixteenth-Century Ottoman Empire, Turcica journal, Peeters Online Journals, Volume 41, 2009., pp. 3–36.
    [3]  Kia, Mehrdad: The Ottoman Empire: A Historical Encyclopedia, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2017., vol. 1, p. 83.
    [4] Jenkins, Hester Donaldson: Ibrahim Pasha, Outlook Verlag GmbH, Deutschland, Frankfurt am Main, Germany, 2018., p. 43.
    [5]  فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م.صفحة 206.
    [6] جرامون، ﭼان – لوي باكي: أوج الامبراطورية العثمانية: الأحداث (1512-1606)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م. صفحة 1/222.
    [7]  أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/265.
    [8] Hathaway, Jane: The Arab Lands Under Ottoman Rule, 1516-1800, Pearson Longman, London, UK, 2008., p. 56.
    [9] فريد، 1981 صفحة 207.
    [10] Hathaway, 2008, p. 56.
    [11] Jenkins, 2018, pp. 44-46.
    [12] جرامون، 1993 صفحة 1/219.
    [13] Whitford, David M.: A Reformation Life: The European Reformation through the Eyes of Philipp of Hesse, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2015., p. 61.
    [14] ديورانت، ول: قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود، وآخرين، تقديم: محيي الدين صابر، دار الجيل-بيروت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم-تونس، 1408هـ=1988م. صفحة 25/33.
    [15] جودت، أحمد: تاريخ جودت، تحقيق: عبد اللطيف بن محمد الحميد، تعريب: عبد القادر أفندي الدنا، مؤسسة الرسالة، 1999م.الصفحات 487، 488.
    [16] البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ (7).
    [17] ابن هشام، 1955 صفحة 2/395، والطبري، 1967 صفحة 3/45، والبيهقي في السنن الكبرى (18638)، صحَّح سنده إبراهيم العلي، 1995 صفحة 402، والعمري، 1994 صفحة 2/473، وقال الصوياني: سنده صحيح، رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقي في الكبرى. انظر: الصوياني، 2004 صفحة 4/ 12، وذكره البرزنجي في صحيح الطبري، انظر: البرزنجي، 2007 الصفحات 2/270، 271.
    [18] ديورانت، 1988 صفحة 25/37.
    [19] Miller, Roland E.: Muslims and the Gospel: Bridging the Gap: A Reflection on Christian Sharing, Kirk House Publishers, Burnsville, Minnesota, USA, 2005., p. 208.
    [20] Schwarz, Hans: Islam, Luther and, In: Lamport, Mark A.: Encyclopedia of Martin Luther and the Reformation, Rowman & Littlefield, Lanham, Maryland, USA, 2017.vol. 2, p. 382.
    [21] Sisa, 1983, p. 76.
    [22] اختيرت مدينة بودا Buda لتكون عاصمةً للمجر في عام 1361، ومدينة بودا تقع على الضفة الغربية لنهر الدانوب، ويُقابلها من الناحية الشرقية مدينة بِست Pest، وقد توحَّدت المدينتان في كيانٍ واحدٍ عام 1873 تحت اسم بودابست Budapest، وصارت عاصمة المجر منذ ذلك الحين.
    [23] Rogers, Clifford J. (Editor): The Oxford Encyclopedia of Medieval Warfare and Military Technology, Oxford University Press, New York, USA, 2010., vol. 1, p. 360.
    [24] Setton, Kenneth Meyer: The Papacy and the Levant (1204–1571), The Sixteenth Century to the Reign of Julius III, 1984, vol. 3, p. 249.
    [25] Black, Jeremy: War and Technology, Indiana University Press, Bloomington, Bloomington, Indianapolis, USA, 2013., p. 85.
    [26] Ágoston, Gábor: Mohács, Battle of (1526), In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009 (H).p. 389.
    [27] Black, 2013, p. 85.
    [28] أوزتونا، 1988 صفحة 270.
    [29] ديورانت، 1988 صفحة 5/103.
    [30] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 2, p. 498.
    [31] Setton, 1984, vol. 3, p. 249.
    [32] فريد، 1981 صفحة 211.
    [33] أوزتونا، 1988 صفحة 270.
    [34] Williams, Henry Smith: The Historians' History of the World: A Comprehensive Narrative of the Rise and Development of Nations as Recorded by Over Two Thousand of the Great Writers of All Ages, Hooper & Jackson Limited, London, UK, 1909., vol. 24, p. 347.
    [35] Grant, R. G.: 1001 Battles That Changed the Course of History, Chartwell Books, New York, USA, 2017., p. 259.
    [36] Agnew, Hugh LeCaine: The Czechs and the Lands of the Bohemian Crown, Hoover Institution Press, Stanford University, Stanford, California, USA, 2013., p. 59.
    [37] Corvisier, André & Childs, John: A Dictionary of Military History and the Art of War, Translated: Chris Turner, Wiley-Blackwell, New Jersey, USA, 1994., pp. 365–366.
    [38]  زاده، صولاق: تاريخ صولاق زاده، إستانبول، 1297هـ=1880م.صفحة 455.
    [39] Mende, Tibor: Hungary, Macdonald & Company Limited, 1944., p. 41.
    [40] Rieber, Alfred J.: The Struggle for the Eurasian Borderlands: From The Rise Of Early Modern Empires To The End Of The First World War, Cambridge University Press, New York, USA, 2014., p. 320.
    [41] Jessup, John E.: Balkan Military History: A Bibliography, Garland publishing, Inc, New York, USA, 1986., p. 69.
    [42] Kohn, George C.: Dictionary of Wars, Infobase Publishing, 2006., p. 236.
    [43] Dvornik, Francis: The Slavs in European History and Civilization, New Brunswick, NJ, USA, Rutgers University Press, 1962., p. 442.
    [44] أوزتونا، 1988 صفحة 1/271.
    [45]   دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 427- 437.
    لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق