ملاحظات على التقارب المصري التركي
محمد إلهامي
يظهر للمتابع لوسائل الإعلام، وبشكل واضح، كثرة التصريحات التركية المُرحبة بالتقارب بين البلدين تركيا ومصر، وفي المقابل تظهر التصريحات المصرية الرسمية قليلة ومتحفظة، وتظهر المواقف الإعلامية المصرية صاخبة وكأن عبد الفتاح السيسي استطاع إخضاع تركيا وأردوغان. وبعيدا عن الحالة الإعلامية الصاخبة، فإن خطوة التقارب المصري التركي في هذا التوقيت تثير بعض الملاحظات الضرورية في السياق الإقليمي والعالمي الجديد:
(1) ملاحظات في الملف المصري التركي
في الدول الديمقراطية وذات السياسة المستقلة، تكون عملية صنع القرار شبه علنية ومعروفة، من خلال المؤسسات والأجهزة المعنية، ومن خلال الدور البرلماني، وفي هذه الدول تُمَارَس الضغوط الأجنبية من خلال الملفات الاقتصادية والإعلامية ومن خلال العلاقات المباشرة والرسائل المتبادلة مع المسؤولين، دون وجود تدخل أجنبي مباشر في عملية صناعة القرار، وبهذا يكون القرار محليا في جوهره وإن كان متأثرا بالضغوط الأجنبية، كما أن صناعته تكون بطريقة غير مركزية.
في مصر، كما في كثير من الدول غير الديمقراطية، فإن صناعة القرار لا تتعلق بالأجهزة بقدر ما تتعلق بمركز السلطة الذي يمثله الرئيس نفسه، فهناك حالة شديدة المركزية في اتخاذ القرار رغما عن توصيات الأجهزة؛ وشخصية عبد الفتاح السيسي هي شخصية شديدة المركزية، فهو يلتقي الحكومة بمعدل 22 اجتماعا خلال الشهر الواحد، فضلا عن جولاته الميدانية لمتابعة تفاصيل شديدة الدقة. وهناك الكثير من الحالات التي تسربت فيها وثائق ومعلومات تثبت تماما أنه يتخذ القرار منفردا رغم توصية الأجهزة، مثل: تسليم جزيرتي تيران وصنافير، التعليق على مقاطع المقاول محمد علي والتي أثارت موجة احتجاج شعبي قبل عامين، توقيع اتفاقية مبادئ سد النهضة، وكذلك توقيع الاتفاقية الخاصة مع اليونان وقبرص. في كل هذه الحالات ظهرت وثائق تثبت أن الأجهزة رفعت توصياتها وأنه اتخذ القرار بالمخالفة لهذه التوصيات.
فالخلاصة هنا أنه لا يمكن الحديث عن أن ضغوط بعض الأجهزة أدت إلى تغير موقف السيسي، فالواقع أن السيسي أقوى من الأجهزة. ولكن صورة الضغوط والاختلافات هي من الأمور التي يستعملها المفاوض المصري مع الطرف الآخر، ليترك لنفسه مساحة مناورة ومساحة تراجع أيضا.
من طبيعة الأمور أن سياسة أي دولة هي مزيج من المصلحة الوطنية العامة، ومصلحة النظام السياسي الخاصة، فمصلحة من يديرون النظام السياسي هي جزء أساسيّ في فهم توجهاته، وإذا نظرنا إلى النظام المصري فسنجد أنه يعاني الكثير من المشكلات، وسنأتي بعد قليل إلى بعضها مما يتعلق بموضوعنا، ولكن المشكلة الأساسية في تقديرنا هي: الحالة الشعبية الداخلية. ذلك أن الساحة المصرية تشبه برميل البارود الذي ينتظر الشرارة، وبالرغم من القدرة القمعية الهائلة والإفراط في السياسات الأمنية منذ نحو 11 عاما، إلا أن بعض الحوادث تثبت أن الحالة الشعبية مؤهلة للانفجار عند أي شرارة، وهذه الحوادث تحدث تقريبا بمعدل مرة أو مرتين في العام، آخرها كان في دعوات سبتمبر 2019، وسبتمبر 2020. وفي بعض هذه الأحداث تراجع النظام عن بعض قراراته تحسبا لانفجار مجتمعي.
بناء على هذا، فإن الهمَّ الأول للنظام المصري هو إخماد هذه الشرارة التي تتمثل في القنوات الفضائية المعارضة، والتي تتخذ من تركيا مقرًّا لها، والتي أصبح مذيعوها نجوما شعبيين في مصر، ولم يكونوا كذلك أبدا من قبل، ولكنهم صاروا في هذه المكانة بفعل أنهم الصوت الوحيد المعارض الذي يستمع إليه المصريون. وهكذا فإن النظام الذي جاء بعد انقلاب عسكري واعتمد السياسة الأمنية المفرطة في القسوة وعانى من الاحتجاجات الشعبية، هو نظامٌ سيكون ملف المعارضة هو من أولوياته في أي علاقة مع تركيا، حتى لو أنه أدرجها بشكل متأخر في قائمة ملفات هذه العلاقة.
في سياق آخر، فإن سياسة الرئيس الأمريكي بايدن تفتح ملف حقوق الإنسان في مصر، وهذا ما يؤثر سلبا على صورة النظام المصري كنظام قوي ومتحكم، ويتيح فرصة أوسع للمعارضة في الخارج وللقنوات المصرية في تركيا أن تركز على هذا الملف، ويأمل السيسي أنه يستطيع التأثير على هذا الموقف الأمريكي من خلال إسرائيل، (في الفترة الماضية تصاعدت وتيرة الزيارات المصرية الإسرائيلية المتبادلة لوفود أمنية وسياسية واقتصادية)، وسيجد في فرصة التقارب مع تركيا وسيلة لتحجيم الأصوات المعارضة وبالتالي تقليل التحول في السياسة الأمريكية المتعلقة بهذا الملف.
وفيما يخص بقية الملفات، فإن تركيا لا تمثل ضرراً للنظام المصري في ملف شرق البحر المتوسط، بل على العكس، فإن التفاهم المصري التركي يحقق لكلٍّ منهما مصالح وطنية وحتى شخصية كبيرة (لأن عمولات التنقيب عن الغاز، وهي أموال ضخمة، تذهب لجيوب المسؤولين لا لخزينة الدولة المصرية)، ومع ذلك فإن السيسي يقترب أكثر فأكثر من الحلف اليوناني القبرصي ضد المصلحة التركية، وهو ما يثبت أن مصلحة السيسي الشخصية أعلى عنده من المصلحة المصرية العامة. فالنظام المصري إذن لا يحتاج أن يتفاوض في ملف البحر المتوسط.
وعلى العكس من هذا، يأتي الملف الليبي، إذ يحرص النظام المصري على ألا يوجد في ليبيا نظام إسلامي ولا حتى نظام ديمقراطي يمكن أن يستفيد منه الإسلاميون، وفي هذا الإطار وقف النظام المصري بكل قوته خلف حفتر؛ وكاد حفتر أن ينجح لولا التدخل التركي في ليبيا. فهذا هو الملف الذي يمكن أن يكون صلب المفاوضات والأهداف المتعارضة بين مصر وتركيا، وفي الواقع فإن الوجود المصري والخبرة المصرية في ليبيا أقوى من الوجود والخبرة التركية في هذا الملف. كما أن الاحتواء المصري للقوى السياسية والقبلية في شرق ليبيا أفضل وأقوى من الاحتواء التركي للقوى السياسية في طرابلس والغرب الليبي. ولهذا نرى أن الموقف التركي أضعف في الملف الليبي من الموقف المصري. وهذا ما سيكون ورقة قوة للنظام المصري وسيستدعي –في المقابل- مجهودا كبيرا من المفاوض التركي في إدارة هذه العلاقة. والتي سيكون لها تأثير آخر دولي.
وهكذا، فالتقدير هنا أن النظام المصري يستفيد من تقوية العلاقات مع تركيا في الملف الليبي بشكل رئيسي، فمن خلاله يستفيد تهدئة التوتر في الغرب وفي شرق المتوسط، ليركز اهتمامه على المشاكل الأخرى وأهمها: مشكلة سد النهضة (الذي ستبدأ إثيوبيا الملء الثاني له في يوليو المقبل). وقد صرّح بعض المسؤولين الأتراك بإمكانية تدخلهم كوسيط في هذا الملف، ولكن هل تستطيع تركيا التأثير في الموقف الإثيوبي؟ يبدو هذا صعبا وفق المعطيات الحالية المتوفرة عن مشكلة السدّ وطبيعة نظام آبي أحمد وعلاقاته ومشروعاته، ومركزية مشروع السدّ في السياسة الإثيوبية والاقتصاد الإثيوبي.
على كل حال، مهما وصل التقارب المصري التركي فلا يُتَوَقَّع أن يصل إلى مرحلة المصالحة أو التطبيع أو تنسيق السياسات الإقليمية، فالدول لها شخصياتها وعقيدتها التي تكونت في ظروف تاريخية معينة، والدولة المصرية تحمل في عقيدتها العداوة لتركيا، منذ محمد علي باشا والعلاقة بينه وبين السلطنة العثمانية، لقد تأسست الدولة المصرية واتخذت مركزها في الشبكة الدولية بمعاهدة لندن 1840 التي استقلت بها مصر عمليا عن الدولة العثمانية، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن تنظر الدولة المصرية إلى الدولة التركية باعتبارها تهديدا. وعلى الجانب الآخر فإن الدولة التركية التي تأسست عام 1923 حملت عقيدة قومية معادية للعرب وعقيدة علمانية معادية للتوجهات الإسلامية، ولهذا لم تستطع مصر وتركيا إقامة علاقات قوية مطلقا خلال مائة وسبعين عاما، بل كانت ملفات التوتر ومساحات التنافس أكثر حضورا من المصالح المشتركة الكبيرة.
ومع إيمان كل طرف بأن العلاقة بينهما لن تصل إلى التحالف والصداقة، إلا أن كل طرف سيسعى إلى الاستفادة القصوى من هذه العلاقة، لا سيما في الملفات الأساسية والسهلة بالنسبة للنظاميْن، مثل ملف المعارضة المصرية في تركيا ووجود جماعة فتح الله جولن في مصر.
تأمل تركيا من تقوية العلاقة مع مصر حسم ملفات التوتر في شرق المتوسط، ولكن هذا يبدو حتى هذه اللحظة بعيدا، إذ تنظر مصر إلى علاقتها بكل من إسرائيل واليونان وقبرص كعلاقة استراتيجية وورقة رابحة للضغط على تركيا، ولا يمكن أن تفرط فيها بسهولة، ولهذا سارع وزير الخارجية المصري بطمأنة الجانب اليوناني إلى أن التقارب مع تركيا لن يؤثر على العلاقة بينهما ولا على الاتفاقيات المشتركة.
وتأمل تركيا أيضا، من خلال التقارب مع مصر، أن تحدث ثغرة في جدار العزلة الإقليمية التي تعاني منها، وألا تترك مصر خالصة للمحور المعادي لتركيا الممثل بإسرائيل والسعودية والإمارات. ومع أن المصالح الاقتصادية التركية في مصر لم تتضرر بما حدث في العلاقات السياسية إلا أن انفتاح العلاقات السياسية سيؤدي إلى مزيد من نمو التبادل التجاري والاقتصادي.
ومن الفوائد التي تأمل تركيا فيها أيضا من خلال التقارب مع مصر: إضعاف الحلف المضاد لها في شرق المتوسط، وتهدئة الجبهات الخارجية الملتهبة استعدادا لإصلاح الأوضاع الداخلية لاقتراب الانتخابات القادمة والذي ربما يُضاف إليه استفتاء آخر لتعديل جديد على الدستور التركي.
وبسبب هذه المصالح وغيرها كانت فكرة إعادة العلاقات مع مصر حاضرة في ذهن السياسة التركية منذ لحظة الانقلاب، حتى إن الرئيس عبد الله غل هنأ السيسي بفوزه بالانتخابات وهو ما اعترض عليه رئيس الوزراء (وقتها) أردوغان. وكانت الأروقة السياسية التركية كثيرا ما تشير إلى ضرورة العلاقات مع مصر.
هذا الأمر يدخل بنا إلى ملف القوة الناعمة، فعلى هذا المستوى نجد أن تركيا تحقق شعبية كبيرة على مستوى الأمة الإسلامية بتبنيها الموقف الأخلاقي من قضايا فلسطين والأويغور وبورما وقطر وليبيا، ويعدُّ الموقف من الانقلاب المصري على رأس هذه المواقف الأخلاقية التي ساهمت في بناء الصورة البرّاقة لتركيا لدى عموم العالم العربي والإسلامي. ومن خلال هذه الصورة بالمقام الأول حققت تركيا كثيرا من المصالح والمكتسبات، حيث تدفقت عليها رؤوس الأموال العربية، وراجت منتجاتها التركية في الأسواق العربية والإسلامية، وفُتِحَت أمامها العديد من المساحات السياسية والاقتصادية والثقافية للتأثير في أي منطقة يوجد فيها مسلمون، وكسبت ألسنة عربية وإسلامية تدافع عنها في كثير من المحافل والأندية المختلفة عبر العالم.
هذا الاستثمار في القوة الناعمة من خلال المواقف الأخلاقية، يمثل أيضا نوعا من القيود على المواقف السياسية التركية، لا سيما التصريحات العلنية، وما يتعلق بالمواقف الإنسانية، ولهذا فإن السيسي حين يُسَلِّم طلاب الأزهر الأويغور إلى الصين لا تتأثر صورته بنفس القدر التي تتأثر بها صورة تركيا حين يُسَلَّم بعض الأويغور فيها إلى الصين، فصورة السيسي أصلا ملوثة، وهو لا يستثمر في صورته باعتبارها نموذجا أخلاقيا بل باعتباره ممثلا للمصالح الغربية والإسرائيلية، بينما تركيا تبني صورتها الناعمة التي تخاطب بها وجدان الشعوب.
ومن هنا، فإن التقارب التركي مع مصر أو السعودية أو الإمارات يمثل خدوشا قوية في القوة التركية الناعمة، وهو ما يحتاج معه صانع القرار التركي إلى إدارة هذا الملف بأعلى قدر من المهارة والهدوء، حيث يوازن فيه بين المصلحتيْن.
(2) ملاحظات الملف الإقليمي والدولي
تمثل هذه القوة الناعمة التي يتمتع بها أردوغان، والسياسة التركية في عهده رصيدا مهما؛ ومن أقوى ما يدلّ على ذلك ما نشرته مجلة التايم الأمريكية في أغسطس الماضي، بعنوان “كيف يشكل حكم أردوغان الذي ينحرف باستمرار خطرا على العالم”، وهذا التقرير لهذه المجلة يُعَدُّ شرحا ممتازا لطبيعة النظرة الغربية إلى تركيا. وكان المفكر الاستراتيجي الأمريكي جورج فريدمان، كتب في كتابه “المائة عام القادمة” متوقعا الصعود التركي في النصف الأول من القرن العشرين، وأوصى بأن تستعمل أمريكا ورقة القومية العربية ضد تركيا لكي تفتت الشعور الإسلامي العربي الذي سيتزايد حول تركيا.
هذا المسار الاستراتيجي الأمريكي يتمثل في عدد من الإجراءات التي يمكن من خلالها تفسير التقارب المصري التركي، ضمن الصورة الأوسع إقليميا ودوليا.
إن تمدد أي دولة يمثل فرصة وتحديا، فإذا أحسنت الدولة إدارة تمددها والعلاقة مع القوى التي تنافسها والقوى التي ترثها فإن هذا يكون في صالحها، وإذا لم يكن الأمر كذلك فيكون هذا التمدد نوعا من الورطة والأزمة المؤسفة.
ومن خلال النظر إلى السياسة الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، يظهر بوضوح أن هناك نوعا من السماح لتركيا بالتمدد في ملفات إقليمية، بهدف توريطها وتحميلها المزيد من الأعباء دون أن تحقق في المقابل مكاسب متوازية، فقد ظلت الإدارة الأمريكية تمنع تركيا من التدخل الفعال في الملف السوري حتى كانت تركيا آخر الداخلين وأقل الكاسبين مع أنها تحمل العبء الأكبر من اللاجئين وتهديد الأمن القومي. وكذلك لم تتدخل تركيا في ليبيا إلا في اللحظات الأخيرة حين كانت طرابلس على وشك السقوط وهو ما كان مهددا بضياع المصلحة التركية في ليبيا وفي مياه البحر المتوسط.
والآن يبدو أن هناك اتجاها للسماح لتركيا بالدخول في الملف اليمني، والدخول على خط المفاوضات الأفغانية الداخلية بين الحكومة وطالبان، وتولي العبء في منطقة القرن الإفريقي مع انسحاب القوات الأمريكية من الصومال.
وبدون شك فإن أي تمدد تركي في هذه الملفات هو مما تنظر إليه قطاعات واسعة من الشعوب بإيجابية، بل إن بعضها ينشده ويطالب به، ولكن التخوف يكون من نجاح مخططات التوريط.
في الشرق الأوسط ثلاث قوى رئيسية: “إسرائيل” وتركيا وإيران، وبين هؤلاء الثلاثة حالة من التنافس والعداء الواضح، وتبدو تركيا في الوسط بينهما. وفيما يبدو فإن سياسة الرئيس بايدن الجديدة هي تشديد الحصار على إيران والوصول إلى اتفاق نووي جديد، ولذلك فثمة حالة من تقطيع أو تقليل الروابط الإيرانية إلى الحد الأدنى، ففي هذا الإطار تُفهم المصالحة الخليجية التي استهدفت تقليل التقارب القطري الإيراني، وفي هذا الإطار أيضا يمكن فهم الدخول التركي في الملف اليمني وتهدئة العلاقات بين الرباعي: مصر والسعودية وإسرائيل والإمارات وبين تركيا.
في العام الماضي كانت العملية التركية في سوريا قد أسفرت عن قتل ثلاثة آلاف عنصر تابع للنظام السوري، وهي في الواقع عناصر شيعية قادمة من العراق ولبنان وغيرها. وكان هذا مفهوما في إطار الردّ التركي على قصف واستشهاد ثلاثين من جنودها في الشمال السوري.
إن التدخل التركي في سوريا واليمن هو تدخل منشود ومأمول من كل المسلمين وأهل السنة، ولكن يجب القول أيضا: إن دخول تركيا في حرب تكسير عظام مع إيران أمرٌ ليس في صالح البلدين. وليس في صالح الأمة. وتظهر الخطورة في أن تكون تركيا وسيلة لتقليم النفوذ الإيراني وأداة لإخضاعها للمطالب الغربية والإسرائيلية.
فمع كل التفهم لطبيعة العلاقة التنافسية بين إيران وتركيا، إلا أن الإضعاف الكبير لإيران في هذه اللحظة ليس في مصلحة تركيا، لأن الخطوة التالية ستكون هي تركيا نفسها؛ إذ هي القوة الوحيدة الباقية التي تتمتع بنوع من استقلالية القرار.
وفي سياق آخر فإن التقارب المصري التركي سيؤثر سلبا على التواجد الروسي في ليبيا، وهو هدف أمريكي أيضا، فإذا وصل المصريون والأتراك إلى صيغة تفاهم مقبولة أمريكيا للملف الليبي فإن التواجد الروسي سيكون ضعيف الجدوى، وهو ما يحتاج أيضا إلى مهارة قوية للسياسي التركي لكيلا يتورط في وحل التنافس الأمريكي الروسي في ليبيا ويكون أداة في الحرب بينهما.
خلاصة
يحتاج ملف التقارب مع مصر إلى إدارته بمهارة، يمنع تركيا من التورط في ملفات عالقة إقليمية أو التحول إلى أداة تنفيذية لسياسة دولية متعلقة بإيران أو سوريا، ويمنعها كذلك من خسارة رأسمالها المعنوي وقوتها الناعمة التي تكونت عبر عشرين سنة تقريبا، ومن خسارة حلفائها المؤكدين من الحركات الإسلامية. والحالة المصرية، برغم ما تبدو عليه من استقرار ظاهري، إلا أنه استقرار هشّ معرض للزوال عند أي شرارة أو تغير غير محسوب، فمن الخطأ النظر إلى الملف المصري باعتباره قد تحول إلى مسألة إنسانية ومسألة لاجئين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق