الأربعاء، 10 مارس 2021

المسكوت عنه في زيارة البابا للعراق..

 

المسكوت عنه في زيارة البابا للعراق..

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

ما من موقع واحد أو جريدة من تلك المصادر الإعلامية الغربية أو الفاتيكانية التي تناولت زيارة البابا فرانسيس للعراق إلا وبدأت أو أشارت الي أن الزيارة سببها:

"مواساة مسيحيو العراق مما أصابهم من مآسي بسبب فرق داعش الإرهابية الإسلامية"..
وما من واحد منهم، ولو ذرا للرماد في الأعين، قد أشار إلى الهجوم الإجرامي الغادر والحرب الفجائية الشعواء التي شنتها لولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ضد العراق، بزعم أنها "حرب استباقية".. 
فالبلدان لا يجب ولا يجوز أن تدمر بزعم تهريجي يسمي "حرب استباقية".
ولمجرد الذكري والتاريخ، حتى لا تنسي الأجيال الحالية والقادمة ما قام ويقوم به الغرب الصليبي المتعصب لاقتلاع الإسلام والمسلمين، أذكّر بما أوردُه في هذا المقال.. فالحرب دائرة علي الإسلام والمسلمين، تشرئب حينا وتتخفّي أحيانا، وذلك منذ القرن الثامن الميلادي وحتى يومنا هذا. أي عندما اكتشف الغرب الصليبي المتعصب والفاتيكان أن الإسلام ليس بهرطقة تواجه المسيحية، مثل تلك المئات من الهرطقات التي سحقوا أغلبيتها، وإنما هو دين منزّل من عند الله، لتصويب ما تم في الرسالتين السابقتين من تحريف وتغيير وتبديل، ذاكرا مختلف الأساليب التي لجئا اليها..

أما عن الزيارة وما سبقها، ففي 27 يناير 1991، الساعة الثانية وعشرون دقيقة (بتوقيت الخليج)، اخترقت طائرات هليكوبتر أمريكية الأراضي العراقية، لتهدم بقذائف نار الجحيم (Hellfire) محطتا الرادار الرئيسية بالعراق. وأعقبتها على الفور بقذائف التوماهوك F117A لتدك مراكز دفاعية أساسية بالعراق بحيث أصابها العماء تماما.

وقد أعلن بوش آنذاك، سنة 1991، أن حرب الخليج "سوف تفتح مستقبلا أفضل ومجتمع دولي يجمعه التوافق المتزايد وأنه لا يمكنه استخدام القوة".. ويا لها من أكاذيب!
ويشهد على "صحة" هذه العبارة بالنسبة لحرب الخليج التي أمر بشنها نفس القائل بتحريم العنف! نعم، يشهد علي حرب الخليج، كما يُطلق عليها: ملايين الموتى، والعجزة، والأيتام، والمسيحيين الفارين من الجحيم، والمشردون، ومَن لا توجد عبارات لوصف تفحمهم.. يضاف إليهم أكثر من مليون ونصف من الموتى، منهم خمسمائة طفل، نتيجة اثني عشر عاما من الدك المتواصل ومختلف أنواع الحصار الصارم، ونتيجة لآثار قذائف اليورانيوم، المحرم استخدامه دوليا، بخلاف الضحايا الأخرى الذين خلفتهم الحرب التالية سنة 2003..

أرقام الحرب:

ففي الهجمة التي أطلقوا عليها "عاصفة الصحراء"، قام الطيران الأمريكي وحلفاؤه طوال 43 يوما، وبواسطة 2800 طائرة، بأكثر من 110 ألف طلعة، ألقت 250 ألف قنبلة، بما فيها قنابل تفتيتيه، ألقت بأكثر من عشرة مليون قذيفة فرعية. واستخدمت القوات الجوية والأرضية 800 طن قذائف اليورانيوم المخضب، منها مليون سعة 30 مليمتر بطائرات هليكوبتر، و14000 سعة 20 مم قذفتها دبابات هجومية. كما تم استخدام آلاف الرؤوس المحملة باليورانيوم المخضب، المزودة بالقاذفات والصواريخ.

ويوضح مانليو دينوتشي في تقرير له، أنه تم نشر قوات تحالف، ساهمت من جميع بلدان العالم، وتابعة للولايات المتحدة بصورة من الصور.. ويورد الباحث تحديدا عدد الجنود المساهمة من كل دولة حتى ليخجل القارئ من كل تلك التبعيات. ويعتبر هذا التجنيد الغاشم تدفق حربي لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، مكون من قوي من جميع القارات، تم استخدامهم في حرب "استباقية" مزعومة، وإن كانت في واقع الأمر حرب ابادية لدولة أغلبيتها الساحقة من المسلمين.

ويقوم الباحث دينوتشي بوصف ما حدث بأنه تدفق حربي لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، مكون من قوات حربية من كل القارات، موردا عدد القذائف والقنابل والجنود وكل ما تقشعر له الأنفس والأبدان من قتل وتدمير متعمد مع سبق الإصرار.

ولمن يود الاطلاع والتزود: المقال الإيطالي صادر بتاريخ 15/1/2021 على الموقع التالي،
كما يورد  الموقع الفرنسي"francetvinfo.fr"، بوضوح، في خبر نشره أمس مساءً قائلا: " أن زيارة البابا للعراق لها عدة أهداف. الأول هو مساندة المسيحيين الذين عانوا بصفة خاصة، هم والأقليات الأخرى، خاصة في الفترة التي كانت فيها العراق محتلة من "الدولة الإسلامية". والمهم طبعا هو حشر كلمة الإسلام في أي تهمة! أما "موقع الجمهورية الفرنسية الجديدة"، فقد أوضح أهم مطالب البابا، ومنها أنه: "لا بد من إقامة العدل"، و"أن الوجود الممتد للمسيحيين على هذه الأرض يحتم معاملتهم كمواطنين ينعمون بكامل المواطنة والحقوق والحرية والمسؤولية".. وهي العبارة التقليدية التي بات يتشدق بها في كل البلدان التي زارها وبها أقليات مسيحية..

ليتنا نتذكر ونعي معني المواقف والأحداث ونقوم بالربط بينها، لا لكيلا ننسي فحسب، ولكن لمحاولة إبداء الرأي ومحاولة المساهمة في تعديل الأوضاع التي بات أقل ما يُطلق عليها أنها أوضاع قائمة على الاستغفال وتمويه المواقف أو تمييعها..

أرجو أن أكون قد أوضحت إلى حد ما، ما هو المسكوت عنه في زيارة البابا فرانسيس للعراق.


زينب عبد العزيز
6 مارس 2021





كتاب تاريخ التسامح فى الغرب

الجهاد والإرهاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق