الأربعاء، 10 مارس 2021

تناقض موقف الغرب بشأن الإرهاب في تركيا

 تناقض موقف الغرب بشأن الإرهاب في تركيا

ياسين أقطاي 
مستشار الرئيس التركي

كان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو حاضرًا في برنامج تلفزيوني الأسبوع الماضي، قدّم في أثنائه الوثائق والأدلة التي تشير إلى قيام أحد أعضاء البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي بتأمين التحاق أحد الشباب الأكراد بمخيم للإرهاب، لكن هذا الأمر ليس غريبًا على أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي إذ إن العلاقة الوثيقة بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني لا تخفى على أحد في تركيا. 

لذلك، لم يكن الهدف من توثيق سليمان صويلو هذا الأمر إقناع الرأي العام التركي، وإنما الكشف عن مدى تناقض الموقف الأميركي والأوروبي في ما يخص الإرهاب في تركيا.

وكشف سليمان صويلو مرة أخرى للجميع عن أن حزب الشعوب الديمقراطي وأعضاءه ومقارّه ورؤساء بلديّاته أشبه بوحدات لتجنيد المقاتلين لحزب العمال الكردستاني وتمويل أنشطته. كما تظهر هذه الوثائق كيف غضّت أوروبا الطرف عن الدعم المالي واللوجستي الذي يقدمه حزب الشعوب الديمقراطي للإرهاب، مقابل انتقاد قرار الدولة تعيين مسؤولين جدد على رأس البلديات التي فاز فيها الحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات نزيهة.

ولم يعد إخفاء العلاقة بين هذين الكيانين ممكنا، خاصة في ظل مطالبة الأمهات مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر بإعادة أطفالهن الذين اختطفهم حزب العمال الكردستاني وأخذهم إلى معسكراته في الجبال. فجميع هؤلاء الأطفال أخِذوا إلى المقارّ التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي قبل الالتحاق بصفوف حزب العمال الكردستاني في الجبال.

هل نور الدين محتجز لدى التنظيم الإرهابي أم إنه أحد المسؤولين المشاركين في اختطاف آلاف الأطفال الأكراد الأبرياء إلى الجبال؟ إن رسالة هذه الأم من ديار بكر تسلط الضوء على تناقض واضح لا ريب فيه.

إن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي من المفترض أنه حزب سياسي، متورط في عمليات التجنيد لمصلحة حزب العمال الكردستاني الإرهابي. إنهم يتجاهلون صيحات الفزع التي أطلقتها نحو 200 عائلة طوال هذه المدة، في حين يطلبون الحرية لصلاح الدين دميرطاش المتهم بالتحريض على العنف ونشر خطاب الكراهية الذي أودى بحياة 55 شخصا. وربما يظن البعض أنه معتقل بسبب آرائه ومعارضته أو أفكاره السياسية، بيد أن السبب وراء الزجّ به في السجن هو دعمه التنظيم الإرهابي الذي أودى بحياة المئات؛ وهذه التهمة مثبتة بالأدلة والبراهين.

وردًا على مطالبة أم صلاح الدين دميرطاش بالإفراج عن ابنها، قالت إحدى الأمهات التي اختطف حزبُ الشعوب الديمقراطي طفلها وسلّمه إلى حزب العمال الكردستاني "إن صلاح الدين دميرطاش محبوس في السجن التابع للدولة بسبب الاتهامات الموجهة له، فلتطالب أمه التنظيم الإرهابي بالإفراج عن نور الدين المحتجز لدى حزب العمال الكردستاني دون أي حماية أو ضمانات، بدلا من المطالبة بالإفراج عن صلاح الدين دميرطاش الذي يتمتع بحقوقه كاملة بموجب قوانين الدولة".

هل نور الدين محتجز لدى التنظيم الإرهابي أم إنه أحد المسؤولين المشاركين في اختطاف آلاف الأطفال الأكراد الأبرياء إلى الجبال؟ إن رسالة هذه الأم من ديار بكر تسلط الضوء على تناقض واضح لا ريب فيه.

ولعل الجانب الأبرز في هذه الكوميديا السوداء هو التناقض المبتذل بين دعوة الحزب ظاهريا إلى نبذ العنف والمطالبة بالحرية والديمقراطية مقابل ممارسته العنف والفاشية. إن هذه الادّعاءات تخدم مصالح حلفائه في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين يريدون الترويج له على أنه حزب يناضل من أجل الخلاص والحرية. وفي الحقيقة، إن إرهاب حزب العمال الكردستاني لا يستهدف الأشخاص فقط بل يستهدف أيضا الكلمة والفكرة والعقول. إن تغنّي حزب الشعوب الديمقراطي بالديمقراطية والحقوق والحرية يخفي وراءه الممارسات الفاشية التي أصبحت ثقافة معتادة لا مكان فيها لجميع هذه العبارات الرنّانة التي يتشدقون بها طوال الوقت.

ويُعدّ إسهاب حزب العمال الكردستاني في التغني بالديمقراطية أحد أعراض المشكلة، الذي تنطبق عليه في هذه الحالة مقولة "كثرة الكلام تحجب المعنى". إن هذه المبالغة في الحديث عن الديمقراطية تخفي في طياتها الكثير من الكذب، وكلما تحدثوا أكثر عن الديمقراطية كانوا عنها أبعد.


لقد ظل هذا الحزب يُمجّد الديمقراطية إلى أن اقترح على تركيا ممارسة الحكم الذاتي، لكن هذا الحزب الذي يدّعي أنه يقدم نموذج حكم أكثر ديمقراطية، يطبق على أرض الواقع ممارسات تناقض ذلك؛ إذ يبيح لنفسه افتكاك منازل المدنيين وحفر الخنادق في قلب المدن والتدرب على الحرب لأشهر وتعطيل سير الحياة فيها في حين تتحول حياة ساكنيها إلى جحيم. لكنهم في المحافل الدولية يطلقون على كل هذه الممارسات "استعادة السيادة في مواجهة الاستبداد".

ولسائل أن يسأل: ما نوع الإجراءات الديمقراطية التي اتبعها حزب العمال الكردستاني عند تطبيق هذه الممارسات التعسفية؟ هل اقترح على الأهالي استفتاء شعبيًا بشأن خوض حرب ضد الدولة؟ هل أخذ موافقة منهم قبل حفر الخنادق؟ هل انتهاك حرمة المنازل وهدم جدرانها وصنع الممرات والمخابئ ومخازن الذخيرة فيها ينطوي على إشراك الأهالي في المرحلة الديمقراطية؟ لا شك أن هذه الممارسات والانتهاكات التي كان يقوم بها حزب العمال الكردستاني لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بأسس الحكم الذاتي ولا بالسياسة، ولم يطغ عليها سوى العنف.

ومن ينتقد اليوم استبدال الدولة رؤساء البلديات التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي، يغض الطرف عن حقيقة تدخل حزب العمال الكردستاني في عملهم والتأثير في قراراتهم، حيث تُكرّس الأموال والجهود من أجل تجنيد المقاتلين. ولطالما كافحت تركيا ضد الإرهاب وحمت الديمقراطية بموجب حقها في الدفاع عن نفسها ضد هذه التهديدات. لذلك، بدلا من ترك رؤساء البلديات الذين عينهم التنظيم الإرهابي، عيّنت الدولة أشخاصًا آخرين للعمل على إدارة البلديات في إطار يخدم مصلحة الشعب الذي يموّلها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق