البيمارستان العربي أو جامعة الدول العربية
كتب السفير السعودي السابق في مصر عددا من التغريدات –حذفها لاحقا- عن الأموال التي تستنزفها الجامعة بغير فائدة، وكيف أنها "منظمة بلا أنياب" ويجب أن تكون منظمة قوية وفاعلة، وركّز السفير هجومه على المكافآت المالية الباذخة التي يتقاضاها الأمين العام أحمد أبو الغيط.
تزامن حذف التغريدات مع منح الجامعة العربية "درع العمل التنموي العربي" لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي تلقى مجاملة من أبو الغيط تشيد بحكمته وجهده في صالح أمته.
كان السفير السابق، ووزير الدولة الحالي للشؤون الإفريقية، قد كتب هذه التغريدات بعدما سرَّبت الصحافة المصرية وثيقةً سعودية تطالب بإصلاح الجامعة العربية، لا سيما مرتبات العاملين بالجامعة، وهيكلتها ونظامها في التعاقدات الخاصة، واهتمَّت الوثيقة بشكل خاص بالجانب المالي، فشددت على ما يحدث من هدر الأموال، وطالبت أن يكون لكل دولة موظفين بالجامعة وفق نسبة إنفاق هذه الدولة على الجامعة، بمعنى: أن تكون السعودية هي صاحبة نصيب الأسد في السيطرة على الجامعة العربية، وخصوصا أن يكون للأمين العام للجامعة نائب سعودي.
وعلى ذات النغمة التي أطلقها الوزير السعودي، عزفت الصحافة السعودية، فكتبت د. وفاء الرشيد مقالا بصحيفة الوطن عنوانه "مطلوب هيئة فساد لجامعة الدول العربية"، وصرَّح باحث سعودي بذات الأفكار لموقع الحرة (تقرير بتاريخ 5 مارس 2021م).
ثم انفضَّ سامر الجامعة العربية بانتصار السياسة المصرية، وجرى التجديد لأحمد أبو الغيط برئاسة الجامعة لدورة تالية، وابتلعت السعودية الموقف، وخرج البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب ليمارس دوره الوحيد في التنديد والشجب والإدانة.. وركَّز هذه المرة على تركيا.
تشبه الجامعة العربية المتفرجين في مدرجات مباريات الكرة، يتشاجرون فيما بينهم ويتصايحون كثيرا، ويتابعون ما يجري على أرض الملعب كأنها ليست أرضهم، ولا كأن الذين يلعبون يتحكمون في مصائرهم.
الجامعة العربية مثل الجيوش العربية، لم تفلح هذه المنظمات ولا مرة واحدة في التعبير عن الشعوب العربية، ولا في تحقيق أحلامها، بل على العكس، عملت دائما وبدأب على استنزاف أموال الشعوب ومواردها لاستعمالها ضد مصالح الشعوب على طول الخط.
في هذه الدورة الأخيرة طالب وزير الخارجية المصري بإعادة نظام بشار الأسد إلى أحضان الجامعة العربية، بعد أن اضطرت الجامعة إلى لفظه تحت ضغط الثورات العربية، ولكن لماذا؟ ما الذي يجعل إعادة قاتل تاريخي حقق أرقاما قياسية في القتل والتدمير عملا مطلوبا؟ يقول الوزير: لأن هذا ضروري للأمن القومي العربي! ومن هنا نفهم معنى الأمن القومي العربي في ذهن السياسة المسيطرة على الجامعة العربية!
برغم المعركة السعودية المصرية المكتومة داخل أروقة الجامعة، إلا أن كلا الرجلين: أحمد القطان وسامح شكري عبَّرا عن إدانتهما الصريحة للتدخلات التركية في سوريا وليبيا، الأول في لقائه التلفازي المشار إليه، والثاني في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية.
ومع أن العالم العربي حافل بالتدخلات الأجنبية من كل الجنسيات، إلا أن التدخل الوحيد الذي يثير الحميّة العربية هو التدخل التركي. بغض النظر عن حديث المصالح السياسية فإن التدخل الوحيد الذي حقن الدم العربي هو التدخل التركي، منطقة إدلب في الشمال السوري التي احتشد فيها ملايين الهاربين من الجحيم الروسي الإيراني الأسدي لا تعيش بأمان جزئي إلا بفضل التدخل التركي. ومثل ذلك طرابلس والغرب الليبي يعيشون الآن بسلام ويتهيأون لعملية تسوية سياسية بفضل التدخل التركي الذي أوقف جحيم مجرم الحرب خليفة حفتر. بل إن عددا من الأصوات اليمنية يتزايد كل يوم في محاولة إقناع تركيا بالتدخل إلى جانب الشعب اليمني ضد التمدد الحوثي!
وأهم من هذا فإن استطلاعات الرأي التي تجري في الأوساط العربية تكشف عن تأييد لتركيا، ومحاولة الحصول على الجنسية التركية تشهد تزايدا محموما لا في أوساط السوريين والمصريين والليبيين فحسب، بل في أوساط الخليجيين أيضا!! وسوق العقارات التركي –وهو من أبواب الحصول على الجنسية- يشهد سباقا عربيا متزايدا.
إذن، فلم يجد العرب غير مظلة الحماية التركية لكي يسارعوا إليها!
ولهذا تحديدا اهتمَّت الجامعة العربية بإدانة "التدخلات التركية"!!
ربما لا يعرف الكثيرون أن الجامعة العربية هي مولود بريطاني، من بنات أفكار رئيس الوزراء البريطاني أيدن في 1941م، واستطاعت من خلاله بريطانيا إدارة السياسة العربية في مرحلة غروبها كإمبراطورية، حتى قال جون مارلو إن هدف الجامعة انحرف إلى "دعم انعزال كل دولة من الدول العربية عن غيرها"، ولذلك لا نرى أدوارا فاعلة للجامعة إلا ما كان ضد مصلحة العرب كما فعلت في تحطيم المقاومة الفلسطينية وتثبيت الوجود الإسرائيلي من خلال سياستها في حرب فلسطين أواخر الأربعينات، ثم في إثارة النزاعات حول منصب الممثل السياسي للفلسطينيين في الخمسينات والستينات، ولقد كانت الجامعة منذ نشأتها محطا لهجوم القوى الوطنية التحررية عليها!
وربما لا يعرف الكثيرون أيضا أن ميثاق الجامعة العربية يجعلها ليست أكثر من مقهى لتبادل الحوار، فميثاقها ينص على أن التعاون بين دول الجامعة اختياري، ويكون وفقا لما تراه كل دولة بحسب نظمها وأحوالها، والدول التي ترى أنها بحاجة لتعاون أوثق مما يسمح به ميثاق الجامعة لها مطلق الحرية أن تفعل ما تشاء، وما تقرره أغلبية الدول ليس ملزما لمن لم يوافق عليه، وإذا أرادت دولة أن تنسحب من الجامعة فعليها أن تبلغ مجلس الجامعة بهذا القرار قبل تنفيذه بسنة (دون أن يترتب على ذلك أي التزامات أو جزاءات).
كأن هدف هذه الجامعة العربية هو قطع الطريق على أي محاولة جادة لتكوين جامعة عربية حقيقية!!
وقديما قال المعتمد بن عباد أمير إشبيلة الأندلسي: "إن اجتماع المرضى لا يصنع قوة، إنما هو بيمارستان"!
كتب السفير السعودي السابق في مصر عددا من التغريدات –حذفها لاحقا- عن الأموال التي تستنزفها الجامعة بغير فائدة، وكيف أنها "منظمة بلا أنياب" ويجب أن تكون منظمة قوية وفاعلة، وركّز السفير هجومه على المكافآت المالية الباذخة التي يتقاضاها الأمين العام أحمد أبو الغيط.
تزامن حذف التغريدات مع منح الجامعة العربية "درع العمل التنموي العربي" لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي تلقى مجاملة من أبو الغيط تشيد بحكمته وجهده في صالح أمته.
كان السفير السابق، ووزير الدولة الحالي للشؤون الإفريقية، قد كتب هذه التغريدات بعدما سرَّبت الصحافة المصرية وثيقةً سعودية تطالب بإصلاح الجامعة العربية، لا سيما مرتبات العاملين بالجامعة، وهيكلتها ونظامها في التعاقدات الخاصة، واهتمَّت الوثيقة بشكل خاص بالجانب المالي، فشددت على ما يحدث من هدر الأموال، وطالبت أن يكون لكل دولة موظفين بالجامعة وفق نسبة إنفاق هذه الدولة على الجامعة، بمعنى: أن تكون السعودية هي صاحبة نصيب الأسد في السيطرة على الجامعة العربية، وخصوصا أن يكون للأمين العام للجامعة نائب سعودي.
وعلى ذات النغمة التي أطلقها الوزير السعودي، عزفت الصحافة السعودية، فكتبت د. وفاء الرشيد مقالا بصحيفة الوطن عنوانه "مطلوب هيئة فساد لجامعة الدول العربية"، وصرَّح باحث سعودي بذات الأفكار لموقع الحرة (تقرير بتاريخ 5 مارس 2021م). وخرج الوزير نفسه في حوار تلفازي على قناة روتانا السعودية ليثير عددا من الموضوعات التي يعرف الجميع أن إثارتها يزعج عبد الفتاح السيسي مثل الحديث عن شرعية فوز أحمد شفيق بالرئاسة، وتسهيل السيسي لتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. ولم يخل الأمر من ردود أخرى من شخصيات مقربة من السلطة المصرية في الإعلام والصحافة المصرية.
ثم انفضَّ سامر الجامعة العربية بانتصار السياسة المصرية، وجرى التجديد لأحمد أبو الغيط برئاسة الجامعة لدورة تالية، وابتلعت السعودية الموقف، وخرج البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب ليمارس دوره الوحيد في التنديد والشجب والإدانة.. وركَّز هذه المرة على تركيا.
تشبه الجامعة العربية المتفرجين في مدرجات مباريات الكرة، يتشاجرون فيما بينهم ويتصايحون كثيرا، ويتابعون ما يجري على أرض الملعب كأنها ليست أرضهم، ولا كأن الذين يلعبون يتحكمون في مصائرهم.
الجامعة العربية مثل الجيوش العربية، لم تفلح هذه المنظمات ولا مرة واحدة في التعبير عن الشعوب العربية، ولا في تحقيق أحلامها، بل على العكس، عملت دائما وبدأب على استنزاف أموال الشعوب ومواردها لاستعمالها ضد مصالح الشعوب على طول الخط.
في هذه الدورة الأخيرة طالب وزير الخارجية المصري بإعادة نظام بشار الأسد إلى أحضان الجامعة العربية، بعد أن اضطرت الجامعة إلى لفظه تحت ضغط الثورات العربية، ولكن لماذا؟ ما الذي يجعل إعادة قاتل تاريخي حقق أرقاما قياسية في القتل والتدمير عملا مطلوبا؟ يقول الوزير: لأن هذا ضروري للأمن القومي العربي! ومن هنا نفهم معنى الأمن القومي العربي في ذهن السياسة المسيطرة على الجامعة العربية!
برغم المعركة السعودية المصرية المكتومة داخل أروقة الجامعة، إلا أن كلا الرجلين: أحمد القطان وسامح شكري عبَّرا عن إدانتهما الصريحة للتدخلات التركية في سوريا وليبيا، الأول في لقائه التلفازي المشار إليه، والثاني في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية.
ومع أن العالم العربي حافل بالتدخلات الأجنبية من كل الجنسيات، إلا أن التدخل الوحيد الذي يثير الحميّة العربية هو التدخل التركي. بغض النظر عن حديث المصالح السياسية فإن التدخل الوحيد الذي حقن الدم العربي هو التدخل التركي، منطقة إدلب في الشمال السوري التي احتشد فيها ملايين الهاربين من الجحيم الروسي الإيراني الأسدي لا تعيش بأمان جزئي إلا بفضل التدخل التركي. ومثل ذلك طرابلس والغرب الليبي يعيشون الآن بسلام ويتهيأون لعملية تسوية سياسية بفضل التدخل التركي الذي أوقف جحيم مجرم الحرب خليفة حفتر. بل إن عددا من الأصوات اليمنية يتزايد كل يوم في محاولة إقناع تركيا بالتدخل إلى جانب الشعب اليمني ضد التمدد الحوثي!
وأهم من هذا فإن استطلاعات الرأي التي تجري في الأوساط العربية تكشف عن تأييد لتركيا، ومحاولة الحصول على الجنسية التركية تشهد تزايدا محموما لا في أوساط السوريين والمصريين والليبيين فحسب، بل في أوساط الخليجيين أيضا!! وسوق العقارات التركي –وهو من أبواب الحصول على الجنسية- يشهد سباقا عربيا متزايدا.
إذن، فلم يجد العرب غير مظلة الحماية التركية لكي يسارعوا إليها!
ولهذا تحديدا اهتمَّت الجامعة العربية بإدانة "التدخلات التركية"!!
ربما لا يعرف الكثيرون أن الجامعة العربية هي مولود بريطاني، من بنات أفكار رئيس الوزراء البريطاني أيدن في 1941م، واستطاعت من خلاله بريطانيا إدارة السياسة العربية في مرحلة غروبها كإمبراطورية، حتى قال جون مارلو إن هدف الجامعة انحرف إلى "دعم انعزال كل دولة من الدول العربية عن غيرها"، ولذلك لا نرى أدوارا فاعلة للجامعة إلا ما كان ضد مصلحة العرب كما فعلت في تحطيم المقاومة الفلسطينية وتثبيت الوجود الإسرائيلي من خلال سياستها في حرب فلسطين أواخر الأربعينات، ثم في إثارة النزاعات حول منصب الممثل السياسي للفلسطينيين في الخمسينات والستينات، ولقد كانت الجامعة منذ نشأتها محطا لهجوم القوى الوطنية التحررية عليها!
وربما لا يعرف الكثيرون أيضا أن ميثاق الجامعة العربية يجعلها ليست أكثر من مقهى لتبادل الحوار، فميثاقها ينص على أن التعاون بين دول الجامعة اختياري، ويكون وفقا لما تراه كل دولة بحسب نظمها وأحوالها، والدول التي ترى أنها بحاجة لتعاون أوثق مما يسمح به ميثاق الجامعة لها مطلق الحرية أن تفعل ما تشاء، وما تقرره أغلبية الدول ليس ملزما لمن لم يوافق عليه، وإذا أرادت دولة أن تنسحب من الجامعة فعليها أن تبلغ مجلس الجامعة بهذا القرار قبل تنفيذه بسنة (دون أن يترتب على ذلك أي التزامات أو جزاءات). كذلك فليس في هياكل الجامعة أي مؤسسات متخصصة لتسوية الخلافات والنزاعات، ولا فيه أي آليات تنفيذية لمتابعة ما تقرر من قرارات، وليس في ميثاقها ما يُلزم أية دولة بعدم انتهاج ما يخالف سياسة الجامعة، وليس فيه جزاء لمن يخل بالتزاماته.
كأن هدف هذه الجامعة العربية هو قطع الطريق على أي محاولة جادة لتكوين جامعة عربية حقيقية!!
وقديما قال المعتمد بن عباد أمير إشبيلة الأندلسي: "إن اجتماع المرضى لا يصنع قوة، إنما هو بيمارستان"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق