كيف كانت أوروبا تنظر إلى العثمانيين؟
إحسان الفقيه
– فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا وفتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
– تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين – باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها، بل ولم تفارقها في النظر إلى تركيا الحديثة وتعسفها في ضمها للاتحاد الأوروبي.
يذكر المؤرخون أن الأوروبيين كانوا يطلقون على التركي “مسلم”، وإذا دخل أحد من مسيحيي أوروبا الإسلام قالوا: قد غدا تركيّا (مسلما).
لم يكن الغرب ينظر إلى العثمانيين باعتبارهم قومية أو عرقية، بل كانوا يخلطون بين العرب والأتراك، وكان خلطا طبيعيا، إذ إن الإسلام قد صهر في بوتقته جميع الأجناس والأعراق، وصار هو في حد ذاته دولة تحفظ لكل عرق أو جنس أو لغة خصوصيته ولا تلغيها. لكن الجميع يجتمعون تحت راية واحدة ومنهج واحد.
لذلك، اعتبر الغرب أن الفتوحات العثمانية التي اجتاحت أوروبا تمثل امتدادا للفتوحات الإسلامية التي قام بها العرب منذ أن اجتاز المسلمون مضيق جبل طارق إلى الأراضي الأوروبية، المتمثلة في إسبانيا والبرتغال، أو ما عرف بشبه الجزيرة الإيبيرية.
فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا، فضلاً عن فتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
إذ مثل العثمانيون بالنسبة إليهم الرمز الحي المجسّد للإسلام، وحامل راية الدفاع عن الأمة الإسلامية، وتجلت هذه المسؤولية في مساندة الدولة العثمانية لعرب الشمال الإفريقي في كفاحهم ضد الإسبان، وتأمين الجزيرة العربية والبحر الأحمر من الخطر البرتغالي.
إضافة إلى إنقاذ طرابلس (الليبية) من فرسان القديس يوحنا الذين اتخذوا منها قاعدة لضرب الوجود البحري الإسلامي، وأقاموا فيها حكومة متطرفة لتغيير وجه الحياة الإسلامي في المدينة، بل وحماية شبه جزيرة سيناء المصرية من الاستيطان اليهودي.
وحتى في فترات الضعف الذي دب في الدولة العثمانية، لم تتخل الأخيرة عن مسؤوليتها في الدفاع عن الأمة الإسلامية.
ولعل أبرز هذه المواقف، هو صمود السلطان عبد الحميد الثاني أمام المد الصهيوني المدعوم أوروبيا لإقامة وطن قومي في فلسطين، ويحسب له تأخير هذه النكبة حوالي ثلاثين عاما بعدما رفض كل الإغراءات لبيع فلسطين.
تأسيسا على هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، كانت الروح الصليبية هي التي تغذي الحملات المستمرة التي قامت بها التحالفات الدولية.
يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه “الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها” إن “التحالفات الدولية التي تكونت ضد الدولة العثمانية عبر تاريخها الحافل، كانت تحالفات صليبية ضد الإسلام أملتها روح صليبية ووجهتها روح صليبية”.
هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، على أنهم القيادة الجديدة للأمة الإسلامية، كانت موجودة بوضوح ورسوخ لدى العرب أنفسهم، فكانت الفرحة بالانتصارات العثمانية تعم أرجاء البلدان العربية وغير العربية، وترى تلك الشعوب في السلطان العثماني حامي حماها، لأنه لم تكن النعرات القومية قد ولدت بعد، ولم يكن هناك سوى الرابط الديني.
ولما كانت أوروبا تدرك ارتباط العثمانيين بالدين الإسلامي وتحركهم من خلاله، كانت الدعوة لفك الارتباط بين العثمانيين وبين العاطفة والتعاليم الإسلامية.
ولعل هذا أوضح ما يكون في رسالة البطريرك جريجوريوس إلى قيصر روسيا يبيّن له كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل. وقد أرفقت هذه الوثيقة الدكتورة ثريا شاهين في رسالة دكتوراه لها، قام الدكتور محمد حرب بترجمتها إلى العربية بعنوان “دور الكنيسة في هدم الدولة العثمانية”، ومن بين العبارات التي وردت في هذه الوثيقة:
” من المستحيل سحق وتدمير الأتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية، لأن العثمانيين ثوريون جدا ومقاومون وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها، إنما تنبع من ارتباطهم بدينهم وتشبعهم بالعقيدة”.
ويقول البطريرك أيضا: “إن كل مزايا العثمانيين هذه، بل وبطولاتهم وشجاعتهم، إنما تأتي من قوة تمسكهم بدينهم وارتباطهم بتقاليدهم وأعرافهم”.
ويقول في بعض توصياته: “لا بد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وتحطيم روحهم المعنوية وروابطهم الدينية، وأقصر الطرق لتنفيذ ذلك تعويدهم التعايش مع أفكار وسلوكيات غربية غريبة”.
تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين – باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها. بل إنها لا تزال تنظر إلى تركيا، وريثة الدولة العثمانية، على أنها دولة لم تنقطع صلتها بتاريخها العثماني الإسلامي.
ولا أدل على ذلك من أن الاتحاد الأوروبي انتهج سياسة التعسف والممانعة لدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، عل الرغم من أنها قوة ضاربة في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ولا يخفون مخاوفهم الدينية إزاء دخولها الاتحاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق