فضيحة مدوية لإرهاب الدول العملية سيرلي.. فرنسا متواطئة مع مصر في إعدام مدنيين
كيف استغلت مصر فرنسا لاستهداف مهربين بدل الإرهابيين
بقلم الخبير السياسى والإقتصادى
أثارت الوثائق السرية المتداولة حول التعاون العسكري بين فرنسا ومصر، قرب الصحراء الغربية، جدلا وتساؤلات صاخبة حول عدد ضحايا تلك العمليات السرية من المدنيين المصريين.
وتحت عنوان “فرنسا متواطئة في جرائم الدولة في مصر”، خلص تحقيق استقصائي أجراه موقع “ديسكلوز”، إلى أن فرنسا قامت بعملية سرية حملت اسم “سيرلي” منذ 25 يوليو/تموز 2015، راح ضحيتها مدنيون، رغم أن مهمتها كانت مسح منطقة الصحراء الغربية لمصر في المنطقة المتاخمة للحدود مع ليبيا.
شارك في العملية 10 عسكريين فرنسيين بالمجال الجوي، بينهم 6 عسكريين سابقين يعملون الآن في القطاع الخاص، بينهم طيارون و4 محللين للأنظمة.
وبناء على معلومات وفرها فريق “سيرلي” مستخدما طائرة الاستطلاع الفرنسية “ميرلين 3″، تحركت القوات الجوية المصرية الوقت لاستهداف وتدمير 8 شاحنات صغيرة مع ركابها بزعم أنهم “مهربون”، 21 سبتمبر/أيلول 2016.
وقال موقع “ديسكلوز” إنه بحلول نهاية عام 2016 لم يعد هناك شك في أن عملية “سيرلي” فشلت في تحقيق هدفها، وأن الدولة الفرنسية أصبحت في النهاية شريكاً في عمليات الإعدام التعسفي لمدنيين مصريين.
وكشفت الوثائق “استمرار المهمة رغم هذه التجاوزات”، وأن “الجيش الفرنسي ما زال منتشرا في الصحراء المصرية”، وتنطلق طائرته الاستطلاعية من قاعدة مصرية في مطروح، غربي البلاد.
ووثق التحقيق الاستقصائي، تسبب العملية “سيرلي” في تصفية المهندس “أحمد الفقي” و2 من زملائه كانوا يعملون على تعبيد طريق بالقرب من منطقة الواحات البحرية، إثر سقوط صاروخ عليهم، 5 يوليو/تموز 2017.
وكان المهندس العامل في رصف الطرق، قد توجه بسيارة دفع رباعي ومعه 3 عمال من الواحات إلى أحد الآبار في منطقة المناجم. وعند وصولهم نَزَلَ أحد العمال لملء المياه وانتظر الثلاثة الآخرون في السيارة، وخلال هذه اللحظات مَرَتَ طائرة على ارتفاع منخفض، وضربت السيارة بصاروخ ووابل من الطلقات، ما أسفر عن مقتل الثلاثة، بينما لم يُصب العامل الرابع بأذى.
شواهد عملية
يسلط التحقيق الفرنسي الضوء على حالة معبرة عن سياسة الاستهداف العشوائي والشره إلى القتل والهلع من كل ما هو متحرك على الحدود الغربية في تلك الفترة، وهو المهندس المدني المصري أحمد الفقي الذي قتل في قصف جوي خاطئ للجيش المصري يوليو/تموز 2017.
كان أحمد جزءًا من فريق مدني يقوم بمهام هندسية في منطقة الواحات البحرية، وقد طُلب في مهمة تقنية عاجلة لإصلاح الماكينة التي تضخ المياه إلى أحد المناجم في تلك المنطقة، وهرع أحمد مع زميلين وسائق إلى موقع العطل، لكنهم تعرضوا للقصف بمجرد وصولهم إلى المنطقة.
في هذه العملية، قُتل أحمد الذي كان أبًا لأسرة مكونة من 6 أفراد، من ضمنها 4 أبناء، ومعه زميلان، ولم ينجُ من ذلك القصف إلا شخص واحد، ظل شاهد عيان على هذا الخطأ العملياتي الفادح في إدارة العمليات العسكرية الميدانية شمال غرب البلاد.
خلال لقاءات صحافية سابقة، قال علي الفقي، شقيق الضحية وزميله في موقع العمل، إن السيارة تعرضت للقصف بعد نحو ثلث ساعة فقط من تحركهم من المنجم إلى موقع العطل لفحص المضخة المتوقفة عن العمل، وإنه رفع أشلاءهم بيديه تمهيدًا إلى نقلهم للقاهرة.
لكن في القاهرة، فوجئت أسرة الضحية، التي تجمعها صلة نسب بأعضاء سابقين في الحكومة المصرية، بوجود مكثف لرجال ملثمين تابعين للجيش في مشرحة “زينهم”، فيما فهم منه أنه رسالة للأسرة بحساسية الموقف وضرورة عدم الانسياق وراء التصريحات الإعلامية، وقد لوحظ بالفعل حينها حذف الأسرة منشورات على الإنترنت كانت تتناول الواقعة.
التعاون مستمر!
تزامنت تلك العملية “سيرلي” مع نهاية حقبة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند وبداية حقبة الرئيس الفرنسي الجديد في حينها إيمانويل ماكرون، ومع ذلك، فإنها استمرت على نفس النسق الذي طلبه المصريون، رغم الاعتراضات التي أرسلها الفريق الفرنسي إلى الجهات العليا في باريس، وهو ما يضع ماكرون نفسه ضمن لائحة الاتهام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما يقول التحقيق.
ليس ذلك وحسب، فقد توسع التعاون العسكري بين البلدين، رغم هذه المعلومات، ليشمل شراء الجانب المصري من باريس حاملتيّ مروحيات هجومية من طراز “ميسترال”، كانت فرنسا قد فشلت في بيعهم إلى روسيا، بالإضافة إلى زيادة أعداد طائرات “رافال” مايو/آيار الماضي، في صفقة كان موقع “Disclose” نفسه أول من أعلن عنها، استنادًا إلى وثائق رسمية حصل عليها من الجانب المصري.
كما أنه بعد سماع أهل المنطقة بالحادث توجه عدد كبير منهم إلى منطقة حدوثه، ووجدوا السيارة في حالة تفحم كامل، وعثروا على أشلاء القتلى الثلاثة في الجوار.
وبحسب الوثائق التي حصل عليها “ديسكلوز”؛ فإن “القوات الفرنسية كانت ضالعة في ما لا يقل عن 19 عملية قصف ضد مدنيين بين العامين 2016 و2018″، وأن العمليات تلك دمرت عدة سيارات وربما تسببت بسقوط مئات الضحايا.
كما أن المركبات كان يقودها في الغالب مدنيون تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما، حيث تحمل تلك المركبات سجائر ومخدرات وأسلحة وبنزين وحبوب وأرز.
اللافت أن وكلاء في الاستخبارات الفرنسية أبلغوا مسؤوليهم أن عملية “سيرلي” لم تكن مهمة لاقتصارها على الصحراء الغربية، حيث تكاد تكون الجماعات المسلحة معدومة. وقالوا في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2016، إنه تم منعهم من تغطية الأراضي في “سيناء” (شرقي مصر)، وليبيا المجاورة، حيث كان التهديد الإرهابي حقيقيا.
وقال “ديسكلوز” إن الفريق الفرنسي أدرك بسرعة أن التهديد الإرهابي كان ضئيلًا، وأن معلوماته تستخدم بدلًا من ذلك لاستهداف مهربين لمواد من السجائر والأطعمة إلى الأسلحة والمخدرات.
وليس معروفا ما إذا كانت هناك صلة بين العملية “سيرلي”، ومقتل 8 سياح مكسيكيين و4 مصريين، عندما قصفت مقاتلات ومروحيات تابعة للجيش آلياتهم في الواحات الغربية، 13 يسبتمبر/أيلول 2015، أي بعد نحو شهر ونصف من بدء العملية سرا.
والاثنين الماضي، دعت وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورنس بارلي”، إلى إجراء تحقيق بشأن المعلومات التي نشرها “ديسكلوز”، رافضة التعليق أو الإدلاء بمزيد من التفاصيل بشأن طبيعة آليات التعاون المنفذة بين فرنسا ومصر في هذا المجال.
وتعد باريس حليفا استراتيجيا لنظام “عبدالفتاح السيسي”، وزودته بترسانة من الأسلحة ومقاتلات الرافال والفرقاطات وحاملتي طائرات “ميسترال” في عدة صفقات بمليارات الدولارات.
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، قلّد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” نظيره المصري “عبدالفتاح السيسي” وسام جوقة الشرف في الإليزيه.
وبعد أربعة أشهر من الاحتفال، طلبت مصر، في سرية، 30 طائرة رافال من فرنسا بقيمة 3.6 مليارات يورو.
تعاون أمني بطلب مصري
تبدأ فصول القصة بعد فترة وجيزة من صعود عبد الفتاح السيسي إلى الحكم ورغبته في تدشين علاقات أمنية متميزة مع أوروبا، بما في ذلك فرنسا، ضمن أكثر من زاوية، على رأسها الصفقات العسكرية والتعاون التقني الميداني في مجال مكافحة الإرهاب.
في عام 2015 وفي هذا السياق كما تقول التحقيقات، أبرم الجيش المصري صفقة عسكرية ضخمة معلنة مع نظيره الفرنسي لشراء طائرات “رافال” الفرنسية المتقدمة، التي كانت تعاني من ضعف الطلب الخارجي عليها في تلك الفترة، بالإضافة إلى قطعة بحرية متقدمة من فرقاطات “فريم” بقيمة أكثر من 5.5 مليار يورو.
خلال تلك الفترة، لم تكتف المؤسسة العسكرية المصرية وفقًا لما جاء في التحقيق بالتعاون مع نظيرتها الفرنسية في مجال الحصول على التقنية المتقدمة، لكنها طلبت من مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى خلال زيارتهم لمصر، على رأسهم وزير الجيوش چان إيڤ لورديان، دعمًا لوجيستيًا فرنسيًا في مجال مكافحة الإرهاب على الحدود مع ليبيا.
على الأرجح، جاء الطلب المصري بهذا الخصوص من باريس تحديدًا، مدعومًا، إلى جانب قوة تلك الصفقة، باهتمام الفرنسيين بمجال مكافحة التيارات المتشددة، التي شهدت صعودًا في تلك الفترة، ضمن دائرة النفوذ الفرنسي القديمة في إفريقيا، التي تعتبر ليبيا أحد أبرز مفاتيحها، بالنظر إلى التداخلات الچيوسياسية فيما يخص منطقة الساحل والصحراء.
إثر ذلك، وافق الفرنسيون على منح الدعم المطلوب لنظرائهم المصريين في تلك المنطقة، الذي تمثل في تقديم تقنيات متقدمة لمسح تلك المناطق الوعرة من الحدود المصرية الليبية الممتدة على نطاق 1200 كيلومتر، واعتراض الاتصالات التي تجري بين الجماعات الناشطة في تلك المنطقة.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الإليزيه، مانحًا إياه وسام چوقة الشرف، ومصرحًا أنه لا يمكنه أن يرهن استمرار تدفق مبيعات السلاح الفرنسية إلى النظام المصري بتحسن ملف حقوق الإنسان، لئلا يؤثر ذلك سلبًا على قدرات القاهرة في مكافحة الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق