كتاب إعلانات مبوبة
نوفمبر 16, 2021
الكتاب :إعلانات مبوبة
الكاتب :الدكتور محمد عباس
الطبعة الأولى يناير 1995
الناشر دار جهاد للنشر والتوزيع
تليفون 3564783
رقم الإيداع :2152 / 95
الترقيم الدولي :
لوحة الغلاف
طبعة الإنترنت: 2003
دكتور محمد عباس
إعلانات مبوبة
إهداء
إلى كل أمة منكوبة بحكامها
إعلانات مبوبة
إعلانات مبوبة
بقلم دكتور محمد عباس
1
إعلانات مبوبة
2
قصص قصيرة جدا
3
المؤتمر
-1-
Text Box: إعلانــات مبوبـــــــــــــــة
إعلانات مبوبة
مطلوب
قارئ عنده دم، عنده شعور، وضمير، وإحساس ووعي يبحث عن سم خياط يرى منه دليلا على وجود ولو قطيرات من الأمل، يعنّه على الحياة ويبعدن عنه الموت، حالته خطيرة، الاتصال: قلب مصر القديمة، أو الحسين والأزهر وبولاق وخان الخليلي وخمسة آلاف قرية ومدينة.
***
أوطـــــــان للبيع
بانوراما رائعة، فرصة التاريخ، أماكن غير قابلة للتكرار، وسط العالم، مساحات تبدأ من خمسين ألف كيلو متر مربع إلى مليونين ونصف، يمكن تجزئة الوطن حتى أربع قطع أو خمس، كما يمكن التقسيط، الوسطاء والسماسرة يمتنعون، فنحن الوسطاء والسماسرة، الاتصال سفاراتنا في الخارج.
***
وطــــــــن
للبيع أو للإيجار مفروش، لبلاد أجنبية ولفترات طويلة، مليون كيلو متر مربع، ناصيتين بحريتين، عراقة التاريخ وعبق الماضي، سكان طيبون، في حالهم مطيعون، لا يثورون مهما ظُلِموا، أذلة جبناء، يرضخون لكل مستأجر جديد.
الاتصال: من لا يعرف حتى الآن كيف يتصل بنا لا يتصل.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
ابني في سجونكم.
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً..
يا سيدي : أناشدك الإفراج الفوري عنه .
***
رؤســــــاء تحـــــــرير
رئيس تحرير أحيل إلى المعاش يبحث عن عمل، خبرة أربعين عاما في الكذب، لم تسجل عليه كلمة صدق واحدة طيلة حياته، مستعد لأن يهاجم في المساء بكل شراسة ما دافع عنه في الصباح بكل حماسة، لا يقيد مواهبه ضمير ولا يمنعه عن فعلٍ شرف، لسانه مدرب على لغات شتى وكذلك قلبه، مستعد لمدح كل دول العالم إلا مصر، ولمهاجمة كل حكام العالم سوى الرئيس مبارك. الهجوم على الإسلام عنده تقدم وحضارة، لكن على اليهودية تخلف وهمجية وعداء للسامية.
لا يشترط العمل الصحفي أي عمل يدر مالا.
متعته في الخيانة.
مستعد لخدمة الأفراد والهيئات والمؤسسات والدول .
عروض خاصة لحكام العرب والخليج.
عروض سوبر لحكام الكويت.
***
فرصــة عظــيمة لعظــيم
شيوعي سابق، خالي عمل بعد انهيار الكتلة الشيوعية، دارس لفلسفات التاريخ، مستعد لتحويل الفلسفات الاشتراكية للخدمة على موجات برامج النظام العالمي الجديد. الدفع بالدولار الأمريكي فقط.
***
شـرف صنـاعي للبــيع
مستورد من الولايات المتحدة الأمريكية، وبنصف السعر من أوربا، وبلا ثمن من إسرائيل ؟ يشترط الخلو من الشرف المحلي.
صيانة مستمرة بعد التركيب مدي الحياة.
عملاؤنا لا يضطرون إلى توقيع عقود.
نكتفي: بكلمة الشرف"
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
ابني في سجونكم لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً.
يا سيدي:
ابني يعذبونه.
أناشدك الإفراج الفوري عنه.
***
فرصـــة عظيــمة
جيوش محلية متنوعة التسليح والعدد، بلا عقيدة قتال، مدربة على قتال الشقيق والاستسلام للعدو، تعرض خدماتها التدريبية على الدول الكبرى، للمساهمة في تدريب جيوشها، وكشف ثغرات المنطقة إذا أزفت الآزفة ? .
الاتصال: القمر الساطع.
***
فرصـــــة
مصانع وطائرات لم تستعمل، سوف يتم تكهينها، للبيع. المجاهدون يمتنعون ، نقبل عطاءات الدول المرتزقة.... و.... المرتزقة.الاتصال سري.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
ابني في سجونكم.
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئا..
يا سيدي ابني يعذبونه..
أناشدك الإفراج عنه..
أو..
على الأقل ..
وقف التعذيب .
***
دبابـــات كالجـــديدة
لم تستعمل في حرب حقيقية، ولا أصيبت بأي سلاح مضاد للدروع، قامت بعمليات الحراسة ومواجهة الشغب، آثار بسيطة على الدهان ناتجة عن حجارة الأطفال الإرهابيين ودمائهم.( لم نستطع غسلها رغم استعمال كل مساحيق التنظيف ولا إخفاءها رغم استخدام كل أنواع الدهان). تباع بحالتها.
***
استــلم فورا
إرادات مقاسات مختلفة، بقايا أحزاب، رؤساء أحزاب كهنة، صحافيين دشت، وكتاب انتهت مدة صلاحيتهم.
ادفع واستلم على الفور.
***
أراض زراعـــية–
خبراء متخصصون في تجريف الأراضي الزراعية لتبويرها. ثم تقديم الرشاوى لإدارات الحكم المحلي لإدخالها في كردون المدن. الاتصال مصر القديمة والجديدة .
ملحوظة: يتعهد البائع بإلغاء الأوامر العسكرية التي تمنع التبوير في الوقت المناسب.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
ابني في سجونكم.
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئا.
يا سيدي ابني يعذبونه..
لست أناشدك الإفراج عنه فقد أصبحت واقعية وليس ما بي طمع..
وإنما فقط أناشدك وقف التعذيب أو حتى تخفيفه.
***
ضبـــاط أمــن
شركة الأخلاق الحميدة السياحية الكبرى تطلب ضباط أمن للحفاظ على الأمن والأمان في قرى العراة والمنتجعات السياحية في سيناء والبحر الأحمر والشاطئ الشمالي.
يشترط في المتقدم أن يكون ديوثا، ويفضل الخبرة يمكن قبول المحالين على الاستيداع من القوات المسلحة والشرطة ما عدا المشتركين في حروب 48، 56، 67، 73 هم وأبنائهم وعائلاتهم وذويهم وأصدقائهم وجيرانهم ومعارفهم.
ملحوظة يمكن قبول المشاركين في أي حروب أخرى نشبت بعد حرب 1973 م وخاصة حفر الباطن.
***
جيش
مطلوب جيش مدرب لإبادة شعب شقيق.
***
فـــــــن
مؤسسة فنية عريقة تطلب فتيات مثقفات جميلات يؤمن بتحرير المرأة للعمل بالدعارة مع تقديم غطاء فني وقور ومساعدتهن إعلاميا وإعلانيا والادعاء بتقديم الجماعات المتطرفة ملايين الجنيهات لهن للتحجب.
ملحوظة: المتقدمات سيتمتعن برعاية بوليس الآداب وسيمنحن الحصانة ضد الملاحقة.
***
فـــقْـــد
مواطن ضيع شرفه ولن يجدده فقد عذبه كثيرا.
***
أراضــي بنـــاء
فرصة كبرى لن تتكرر، مساحات مختلفة على البحر مسجلة تسجيل نهائي، خالصة جميع الرسوم والرشاوى والعمولات، مع تعهد بعدم استيلاء المؤسسات والهيئات الحكومية عليها، والنص على عدم جواز نزع ملكيتها للمنفعة العامة أو الخاصة.
***
– بدون مقدم ولا خلو
مسئول كبير يبيع وظيفة كبرى في هيئة البترول بدون مقدم ولا خلو، يشترط الخبرة، والسوابق، والاتصال مع الشركات غير الكبرى التي تعتمد في تسيير أعمالها على الرشاوى والنسب.
مطلوب10% من قيمة البترول المباع .
***
وظائف خالية
مطلوب وزراء متنوعون للعمل ... يفضل الغير شواذ، أو الشواذ بمواهب خاصة
***
كمبـيـــوتر
مطلوب طبقا لتوصيات الصندوق الدولي والنظام العالمي الجديد كمبيوتر أقل صفاقة من كمبيوتر الانتخابات القديم لا تقبل العروض غير المصحوبة بالرشاوى.
***
فرصة بالهرم
شقة رائعة، ليس بشارع الهرم وإنما بالهرم ذاته بعد أن تقرر تقسيمه إلى شقق. فرصة لم تحدث منذ خمسة آلاف عام ولن تتكرر إلى نهاية التاريخ.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
ابني في سجونكم..
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً سوى الصلاة.
يا سيدي:
ابني يعذبونه أناشدك لا الإفراج عنه فليس ما بي طمع وإنما فقط بوقف التعذيب أو حتى بتخفيفه.
***
فـــتن
مطلوب من يقوم بتجديد الفتن بين مصر وليبيا والمحافظة على معدل الاشتعال الحالي بين مصر والسودان والعراق وزيادة معدل الالتهاب مع إيران تمهيداً لتصفيتها. المرتب خيالي والمكاسب لا يمكن تصورها. مناصب مجزية ملوك رؤساء جمهوريات، رؤساء وزارات، ووزراء مع تعهد بعدم إثارة الفتن في بلاد المتعاونين
***
حاكم
حاكم يطلب نظيفاً بالحاشية.
***
استدراك..
نعتذر عن الخطأ الذي ورد بالإعلان السابق، فنحن لا نطلب قط نظيفاً بالحاشية
***
نــــــــداء
إلى ابننا الغالي أحمد عاطف حسني، عد إلى أهلك، قلب أمك يحترق عليك، مهما كنت قد فعلت عد ولا تخف، مهما كنت قد دمرت، عد ولا تخف، لن نحاسبك على سرقاتك، مهما كان ستعطيك الأسرة ما تشاء، فلا تبدد ممتلكات المفروض أن تحافظ عليها لأنها ستصبح ممتلكات أبنائك أنت ..
***
زراعة
مطلوب زرع جاسوس كرأفت الهجان لكن ليس في قلب الأعداء بل في قلب الأمة ليحذر الحكام في الوقت المناسب. يفضل رؤساء تحرير الصحف القومية.
الوسطاء والسماسرة ورجال المباحث يمتنعون.
***
أنبــــيـاء.
مطلوب أنبياء كي يستطيعوا مقاومة الغواية والتضليل في زماننا.
***
إفتـــــاء
مطلوب مفتي يحلل ما حرم الله ويحل ما حرمه، ويجري عمليات التوافق ما بين النظام الإسلامي والنظام العالمي الجديد على مذهب الإمام كيسنجر.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي..
يا سيدي:
ابني في سجونكم..
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً سوى الصلاة..
أعترف أنه كان يصوم أيضا .
يا سيدي:
ابني يعذبونه.
أناشدك لا الإفراج عنه..
فليس ما بي طمع ..
وإنما فقط أناشدك وقف التعذيب أو حتى تخفيفه..
يا سيدي:
لم يعد يستطيع السير فمر الجلادين بتخفيف التعذيب.
مرهم أرجوك..
***
منـــــاشـــدة "1"[1]
المهندس محمد فريد حسنين، والشقيق الأكبر للشهيد طيار حسين فريد حسنين، الذي استشهد في حرب 1973 على أيدي الصهاينة بالسلاح الأمريكاني..
السيد محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية :
أرجوك يا سيادة الرئيس باسم شهداء الثورة العرابية وشهداء دنشواي وشهداء 1948 وحرب 1956 وحرب 1967 وحرب 1973 وشهداء حرب اليمن.
أناشدك يا سيادة الرئيس باسم ما هو غالي وعزيز:
أن تأمر بسحب القوات المصرية من الأراضي الحجازية..
أرجوك يا سيادة الرئيس أن تأمر بإغلاق قناة السويس والمجال الجوي المصري في وجه القوات الأمريكية والفرنسية والإنجليزية المدججة بالسلاح...
ذلك أننا نعرف أنهم يضمرون لنا كل شر ويسيئهم تقدمنا.
أرجوك يا سيادة الرئيس خوفا من أن تنطلق شرارة طائشة تصيب بناتنا وأبنائنا في العراق وهم أولا وأخيرا عرب مسلمون.
إمضاء: المهندس محمد فريد حسين
5 سبتمبر 1990
***
منـــــاشـــدة "2"
المهندس محمد فريد حسنين والشقيق الأكبر للشهيد طيار حسين فريد حسنين الذي استشهد في حرب 1973 على أيدي الصهاينة والسلاح الأمريكاني ..
لا يناشد السيد الرئيس.
1994.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
يا سيدي:
ابني في سجونكم..
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً سوى الصلاة..
أعترف أنه كان يصوم أيضا..
يا سيدي ابني يعذبونه..
أناشدك لا االإفراج عنه، فليس ما بي طمع وإنما فقط أناشدك تخفيف التعذيب ..
يا سيدي:
لم يعد يستطيع الوقوف فمر الجلادين بتخفيف التعذيب ..
مرهم أرجوك ..
***
إعـــــارة
فرصة عظيمة:
الإعارة بدلا من الدعارة..
تعلن شركة.. ص ب.. عن .. و..و.. و أن تكون تمتلك جواز سفر.. يشترط السفر دون الزوج وتوقيع إقرار بعدم دعوته.
يشترط الإعجاب بقاسم أمين و أحمد عبد المعطي حجازي.
***
دروس خاصة
جاهل وأمي يعطي دروسا في الأدب العربي والفلسفة والتاريخ.
***
‹أحبار طباعة
نفخر بتقديم إنتاجنا الجديد من أحبار الطباعة المدنسة .. الحبر المثالي للصحف والمجلات..
***
مجــــــــــــــــــــــــاري
غارق في المجاري ملحوظة ليس اسم مسرحية وليس مجرد واقع تسرب
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي..
يا سيدي..
ابني في سجونكم..
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً سوى الصلاة..
أعترف أنه كان يصوم أيضاً، لم يكن والله يا سيدي يزكي سوى زكاة العيد، فلم نبلغ حد النصاب.
يا سيدي:
ابني يعذبونه.
أناشدك لا الإفراج عنه فقط بتخفيف التعذيب ولو مؤقتا..
يا سيدي:
لم يعد يستطيع الجلوس..
فمر الجلادين بوقف التعذيب..
مرهم أرجوك..
***
رئيس............................... جامعة
ساءت حالته النفسية مؤخرا لما أطلقه عليه الإرهابيون من أعضاء نوادي هيئة التدريس، أنه:
"أقذر رئيس في تاريخ الوطن" :
يطلب مجموعة من الأساتذة الأشد منه قذارة، كي يعينهم عمداء كي يكون بينهم هو الأنظف .
الأسبقية للأقذر، ثم لمن يدفع أكثر . الشرفاء يمتنعون.
***
أعمـــــــال حـــــــــــــــرة
مومس في شرخ الشباب الأخير تطلب قوّادا يروج بضاعتها وصحفيا ينشر أخبارا كاذبة عنها، يفضل من يستطيع الادعاء أن الإرهابيين قد عرضوا عليها سبعة ملايين جنيه للتوقف عن العمل.
ملحوظة:
نظرا لعدم وجود سيولة مالية تسدد الأتعاب عينيا نهارا فقط نظرا لانشغالنا مساء.
***
تصـــــفية
ولتغيير النشاط نبيع بضاعتنا الراكدة دون ثمن البضاعة تشمل الألماس والزمرد والياقوت.
***
بيـــــــــــــــع
بعد التجديد الشامل، تحول نشاطنا من بيع المجوهرات إلى البيع بالوكالة والأصالة للشرف والكرامة .. نتعامل مع الجديد والمستعمل..
***
إبـــــــادة حشـــــــــرات
شركة الأمن الخاصة مصر كلين تنظف دول العالم العربي الإسلامي من الإرهابيين والمتخلفين الرافضين للنظام العالمي الجديد، وبالضمان .
الاتصال: ك. علام.
***
مربي أو مربية
مطلوب مربي أو مربية فاضلة . . . . . . . .
لشعب يتيم..
***
صحــافة
صحافي يجيد ممارسة البغاء بالقلم يطلب عملا..
***
تــاريخ
أستاذ تاريخ، متخصص في تزييف وعي الأمة، كمساري سابق، علاقته بالأوراق أن يمزقها، تذاكر أو كتب تاريخ انتماؤه ليس صهيونيا ولا أمريكيا على وجه التحديد وإنما لمن يدفع أيا كان، شيوعي سابق، ناصري، ساداتي ومباركي متعصب، لديه كافة الأدلة والحجج، انتهى من دراسات الهجوم على الشيوعية والناصرية والساداتية، وسيبدأ الهجوم على الرئيس مبارك فور انتهاء ولايته..
الاتصال ت... فاكس...
***
اغتصاب
مطلوب متطوعون بأجر خرافي للقيام بالتهديد باغتصاب زوجات الإرهابيين والمعتقلين السياسيين والتنفيذ إذا لزم الأمر. لا يشترط المظهر لا تزيد سن المتقدم عن 35 ولا تزيد شهادته عن محو الأمية
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي:
يا سيدي:
ابني في سجونكم..
لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً سوى الصلاة..
أعترف أنه كان يصوم أيضاً..
لم يكن والله يا سيدي يزكي سوى زكاة العيد فلم تبلغ حد النصاب، ولم يكن والله يا سيدي ينوي الحج فهو لا يستطيع إليه سبيلا..
يا سيدي:
يا سيدي:
ابني يعذبونه..
أناشدك لا الإفراج بل فقط بوقف التعذيب حتى تندمل جروحه ويتوقف نزيفه وتلتئم كسوره.
يا سيدي:
لم يعد يستطيع الجلوس فارجُ الجلادين وقف التعذيب..
ارجُهم أرجوك.
***
قــــصر لعــــظيم
قصور فخمة من الخارج ومن الداخل قلاع مسلحة، ضد الحرائق والمظاهرات والغضب، ضرورية لكل مسئول..
***
حمامات سباحة
جميع المستويات وتناسب جميع الأذواق تملأ بالمياه العادية أو الزئبق أو دماء الناس.
***
ثـروت أبـاظـة..
ثـروت أبـاظـة..
ثـروت أبـاظـة..
***
صدق أو لا تصدق
فتيات بوسنيات جميع الأعمار للاغتصاب ثيباً وأبكاراً وأطفالاً عروض خاصة لمن يدفع أكثر، ولأقارب أعضاء قوة الأمم المتحدة..
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي.. ابني في سجونكم لم يفعل ... سوى الصلاة أعترف أنه كان... فلم نبلغ حد النصاب ولم يكن ... فهو لا يستطيع إليه سبيلا .. يا سيدي ابني يعذبونه أناشدك لا ... يا سيدي لم يعد يستطيع الحديث فارجُ الجلادين ... أرجُهم أرجوك.........
هل جربت يا سيدي أن يطلب منك ابنك، فلذة كبدك، روحك، قرة عينك، لا لعبة يفرح بها، ولا عروساً يسكن إليها، وإنما أن تنقذه من الموت فلا تستطيع..
يا سيدي
أنت أب فكيف لا تعرف مشاعر أمه.... أو.. أمة..
***
…“نــــــــداء..[2]
يا سيادة الرئيس:
أناشدك الأمر بوقف التعذيب عن شقيقي الذي يشرف على الموت من التعذيب..
أناشدك باسم سيادة القانون وقيم لا يجب أن تهدر..
حسنين كروم كاتب وصحفي..
***
خــــــــبراء
لواء سابق خبير في جميع وسائل التعذيب والتزوير والاختلاق وتشويه المشاهير وتلميع السادة يطلب عملاً.
***
اغتصاب
مطلوب متطوعين ذوي كفاءات خاصة للتهديد باغتصاب الإرهابيين واغتصابهم إذا لزم الأمر.
ملحوظة المتميزون سيلحقون للخدمة ببعض الوظائف الحزبية والإعلامية والثقافية الهامة متمتعين بالمميزات التي ينص أو لا ينص عليها القانون كالعمل الإضافي والجهود غير العادية ومكافآت التميز.
***
فضــــــــول
فضولي يدفع مكافأة مجزية لمن يدله على ما كان يقصده زكي بدر من إصراره على أنهم أربعة وليسوا ثلاثة فقط..
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي تعبت . . . . . . .
ألا تقرأ الصحف التي أنشر فيها إعلاناتي..
نداءاتي..
واستغاثاتي..
وتوسلاتي..
واسترحامي..
ورجائي . . . .
إن كنتم لا تقرؤونها فلماذا تصدرونها ...
ابني يموت . . . . .
النجدة النجدة . . .
الغوث الغوث
***
رجال أعمال
مسئول كبير على اتصال بجميع الوزارات والهيئات والمؤسسات، يساعدكم على الاقتراض من البنوك الحكومية والاستثمارية بلا ضمانات إلا الشرف، ثم يساعدكم على السفر إلى الخارج أو الهروب حالة صدور أمر بمنع السفر .
***
مخــــدرات—
تاجر مخدرات كبير يبحث عن مسئول يساعده في اكتساب الحصانة وله نسبة مئوية .
***
برلمــــــانيات
مليونير يبحث عمن يساعده على عضوية البرلمان. الدفع بالدولار لقيادات الحزب أو للمستشار المشرف على اللجان الانتخابية.
***
مخابــــــــــــــــــــــرات
مؤسسة ذات عطاء ثقافي واجتماعي يمكنها من التسلل إلي الجامعات ومراكز البحث والصحف والجيش والشرطة وجميع المؤسسات، تعرض خدماتها على جميع أجهزة المخابرات في العالم خاصة أمريكا وإسرائيل.
ملحوظة الفضيحة الأخيرة قد نساها الناس، ولم تؤثر على حجم أعمالنا ولا على موقف الدولة منا.
***
جمـــــــارك
بضائع مهربة من الجمارك للبيع .
***
فــلاتر ميـــــاه
انتهت مشاكلكم مع الفشل الكلوي والشوائب الجهاز ذو كفاءة خاصة في فصل مخلفات المجاري من مياه الشرب.
***
مفروش
شيوعي سابق، عقله خال حاليا، يؤجره لأعلى مقدم ولأعلى إيجار.
***
توبــــة
يساري سابق يعلن عن استعداده للتوبة في مهرجان الجنادرية أو أي مهرجان ثقافي لأعلى سعر، نقبل الريال والدولار ويمكن الدفع بالفيزا كارد .
***
مؤسسة أبو اليوسف صباح النور
تطلب محررين أفاقين ومحررات منحلات لزوم الخبطات الصحفية اللازمة لوقف تدهور التوزيع ولإنقاذ مجلس التحرير.
مطلوب اختلاق الأخبار عن الإسلام والمسلمين.
***
انضمام
يساري سابق يعلن انضمامه للتيار الإسلامي بعد أن أدرك أن الإسلام هو وريث كل ثورات الدنيا، وهو الباقي ..
***
إرهـــابيــــون"1"
سوف يتم القبض على المجموعة الإرهابية الخطيرة التي ستخطط للقيام بانقلاب على نظام الحكم، وقد تم فعلا إعداد قائمة الاتهامات الموجهة لأعضاء المجموعة التي لم تتحدد أسماء أعضائها بعد .
***
إرهــــابيــــون"2"
سيلقي الإرهابي الخطير المتهم بمحاولة اغتيال سيادة الوزير مصرعه غدا أثناء محاولة القبض عليه بعد أن سيقوم بمقاومة القوة التي ستتوجه إليهحيث سيرفض الانصياع لنداءاتها المتكررة بتسليم نفسه.
***
مــــفارم
مؤسسة كبرى تطلب مفارم حديثة لزوم فرم السلالات الجديدة من المعارضين يشترط في المفارم العمل دون صوت ..
***
مستشارين
نظراً لتصاعد الضغوط الخارجية ومنظمات حقوق الإنسان العميلة تطلب مؤسسة هامة مستشارين للإشراف الكامل على الانتخابات فمن يجد في نفسه الاستعداد والكفاءة والمواصفات اللازمة فليتقدم.
ملحوظة نتعهد بحماية الناجحين من الدكتور حمدي السيد[3].
***
ق.ع.
هيئة كبرى تطلب مخربين للقطاع العام كي يمكن بيعه للأجانب دون ثمن.
***
رشـــــــاوى
استكمالا للإعلانات السابقة ننبه السادة المتقدمين بعروض الشراء أن تحديد قيمة الرشاوى ودفع تأمينها يسبق فتح المظاريف.
***
ميلـــــيشيــات
مطلوب لطفيلي عظيم ابن عظيم ميليشيات مسلحة تحت إشراف بلطجية محترفين لزوم المشروعات الاقتصادية وشراء وحراسة الفنادق 5 نجوم.
***
استثمارات
مستثمر كبير يطلب مشاركة ابن مسئول كبير. المصانع جاهزة وتعمل والأرباح وفيرة. رأس المال كله علينا والحماية على ابن المسئول والأرباح 25 % للمستثمر و 75 % لابن المسئول خالصة وصافية .
***
مـــــــــواهب
رئيس تحرير يطلب للعمل بصحيفة كتاب بلا مواهب كي تبرز لا موهبته.
***
نــــــــائب رئـــيس
مطلوب نائب رئيس حالي، كنائب رئيس سابق.
***
نقـــــــــــــابات
مطلوب منشقين لتفتيت نقابات المحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين والصيادلة.. ندفع مناصب.
***
خـــــــــــــــــونة
نظراً للضغط الشديد والزحام نعتذر عن قبول مزيد من الخونة .
***
مكـــــــــــــــافـــأة
مكافأة قيمة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على من سرق روح مصر..
***
كـــــــــــــــلاب
مطلوب بأعلى سعر كلاب بشرية مدربة على النهش والانتهاك.
***
أبـــــناء وأحـــفـــاد
مطلوب أبناء وأحفاد لا يحتقروننا لا يشمئزون من انتمائهم إلينا ويلتمسون لنا العذر ويصفحون عنا، فقد كنا أضعف من أن نحق حقاً أو أن نبطل باطلا، ولم نكن نملك شجاعة المواجهة، ولا شرف الرغبة في الاستشهاد .
***
تحذير
نحذركم من تعاطي الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون جميعا فإنها مغشوشة و سامة.
***
فرصة كبرى
نشتري المخطوطات النادرة المسروقة ونساعدكم على إخفاء دلائل السرقة ونتكفل بأتعاب المديرين و الرؤساء والوزراء.
***
نداء واستغاثة وتوسل واسترحام ورجاء
يا سيدي ابني في سجونكم لم يفعل بحق جلال الله يا سيدي شيئاً كلما أوشكت على اليأس من مناشدتك غلبني على نفسي ما يفعلونه به . إنهم يعذبونه أناشدك أن تفعل شيئا فقد علمت أنه يوشك على الموت . يا سيدي لم يعد يستطيع السمع فأتوسل إليك أن تتوسل إليهم. هل جربت يا سيدي أن يطلب منك ابنك فلذة كبدك روحك قرة عينك لا لعبة يفرح بها، ولا عروساً يسكن إليها، وإنما أن تنقذه من الموت فلا تستطيع. يا سيدي أنت أب فكيف لا تعرف مشاعر أمه؟ أرجوك يا سيدي تدخل قبل أن لا يمكنك أن تتدخل...
***
أمـــــــــــل
مطلوب قطرة أمل قليلا من الكبرياء مثقال حبة خردل من الكرامة ذرة عقل.. مطلوب ذلك أو الموت.
***
لا نداء ولا استغاثة ولا توسل ولا استرحام ولا رجاء
†يا سيدي.. لا تتعب نفسك لا تأمر ولا ترجُ ولا تتوسل..
اهنأ بأبنائك وأحفادك داعبهم..
اصطحبهم معك في رحلاتك ..
أما ابني ..
فلا تذكره قط..
لأنه..
قـــــــد .. مـــــــــــــــــــــــات .
***
قارئ
قارئ يطلب الموت ولا يجده.
***
خلــــيفة
نداء لمولانا الخليفة البيت الأبيض: عمالك علينا ضيعونا، شرارنا في الحصون، وخيارنا في السجون.. سننتقم..
***
مواطـــــــــن
مواطن عنده دم، عنده شعور، وضمير، و إحساس، ووعى . . ينـــــــــــــــــزف ألمــــــــــــــــــا ..
يرجـــــــــــــــــو أمــــــــــــــــــلا ..
و إلا مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات..
***
***
***
2
قصص قصيرة جدا
أطول قصة في التاريخ:
آآآآه..آآآآآه...آآآآآآه....
إبنـــــة
هفا قلبي إليها في شكلها الذي لا يكاد يوصف، وفاضت نفسي حبا حتى ظننت أنها ابنتي، لكنني شككت فسألتها في لهفة:
- ابنة من أنت..؟.. نجيب محفوظ أم صلاح جاهين أم ابنة الألم؟؟..
فهزت رأسها بعلامة النفي فتساءلت:
- هل أنت نسمة يوسف إدريس ؟.
فهزت رأسها بعلامة النفي، فتساءلت:
- هل أنت من شرق المتوسط؟..
فهزت رأسها بعلامة النفي..
وبلغت بي الحيرة مبلغا عظيما و أنا أتفرس في ملامحها عسي أن تكون ابنة ابن عطاء الله السكندري، واشتد سعار حمى التساؤل داخلي فرحت أصرخ فيها:
- ابنة من إذن؟.. هل أنت من مهاجرات روسيا؟ من البوسنة؟ إنجليزية؟ فرنسية؟ ألمانية؟ أمريكية؟ أجيبي..
فأجهشت بالبكاء قائلة:
- أنا ابنة ˜ قصر العيني[4] Œ فكيف لم تعرفني..
فامتلأت عيناي بالدموع
***
التـــــوبـــــــــــــــــــة
كان تصريح الباشا سيادة اللواء مدير السجن قاطعا وحاسما:
- لا خروج من السجن إلا بالتوبة..
وقال زميلي الإرهابي :
- لدار أنت مر تحل إليها أقرب إليك من دار أنت مر تحل عنها، والسجن أحب مما تدعونني إليه.
فدعوه إلى التحقيق في جوف الليل فلم يعد، وقالوا لنا أنهم نقلوه إلى سجن آخر كي لا يلهب فينا نيران الحقد والبغضاء والعداوة، لكننا علمنا أنه مات أثناء التحقيق معه من التعذيب، وعاد الباشا اللواء يقول:
- لا خروج إلا بالتوبة..
وضاقت بنا الدنيا..
وضاقت بنا أنفسنا..
وبلغت القلوب الحناجر.. وظننا بالله الظنون وهتفت:
- ألا من خلاص ألا من نهاية للابتلاء؟..
فأجابني خليفة الإرهابي:
- ليس من حقك أن تحدد نهاية الامتحان يا مسكين لكن ادعه فإن اقتربت اقْتَرَبْ.
وصرخت فيه:
- لم أعد أحتمل.
فأجابني بهدوء مستفز:
- عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.
وانتهزت الفرصة، وسربت إليهم رغبتي في التوبة، نقلت إلى منتجع أخذوا يدلكون فيه جسدي حتى اختفت آثار الجلد وكي الكهرباء، شربت ماء بغير دود وطعمت طعاما بلا رمال، وضمخوني بالعطر، ثم ألبسوني فاخر الثياب..
قادوني إلى قصر ذي حديقة غناء للتوبة..
اجتزت أبهاء القصر بهوا إثر بهو، والمكان يسحر لبي بفخامته، حتى اقتربت من باب مغلق، وهتف هاتف:
- لا يفتح بابه إلا لمن يسعى إليه.
ونظرت خلفي فإذا بالأبواب كلها مغلقة..
انقبض قلبي.. وتذكرت رفاق السجن.. فتمنيت لو كنت قد اصطحبت أحدهم ليتوب معي أمامه..
تمنيت أن يدفعني مرافقي الهامس بيده حتى ألتمس لنفسي العذر، أنني دُفِعْتُ ما اندفعت.
دخلت بكامل حريتي واختياري..
وفوجئت به على عرشه في كامل أبهته وفخامته..
وذهلت وذعرت..
فقد كان الشيطان..
بعينه..
بنفسه..
بذاته..
بشخصه..
لا رمزا بل جسدا..
لا بلحمه ودمائه إنما بناره ورماده..
أحاول أن أهرب..
لكن الأبواب كلها مغلقة..
وجنبات القصر تردد أصداء قهقهته
***
عدم[5]
عـــمــــر
رأيت عمر بن الخطاب نائما تحت الشجرة فلبست ملابس خالد الإسلامبولي وقتلت الرئيس تحت المنصة.
***
صلاح الدين
قابلت صلاح الدين مر تحلا في الصحراء وحده عليه وعثاء السفر، فقبلت الأرض بين يديه هاتفا:
- هل بعثك الله إلينا يا مولاي أخيرا؟..
فأجاب باقتضاب:
- بل أنا ميت..
فصرخت في لوعة:
- إذن إلى أين تذهب؟!..
فأجاب في حيرة:
- والله ما أدري..!!..
فقلت متوسلا :
- إذن لماذا ترحل..
فأجاب:
- لم تعد في أرضكم بقعة غير مدنسة فأنا أبحث عن قبر يصلح لي..!!..
وصرخت وأنا من اللوعة في غاية:
- عد إلينا..
فنظر نحوي بعينين حمراوين تسكبان النار قائلا:
- والله لو بعثني الله إليكم لأقتلن حكامكم وملوككم وأمراءكم قتلة يتحدث بها العرب والعجم..
فقلت له وخيبة أمل تغرقني:
- والأعداء يا مولاي؟..
فقال باشمئزاز:
- هم الأعداء يا أحمق .
نجيب محفوظ
بمحض الصدفة رأيت نجيب محفوظ متجهاً إلى ركنه في كازينو قصر النيل، فصرخت فيه:
- عملاق أدب وقزم سياسة.. ما أبغضك..
فقال لمن حوله ضاحكاً وهو يهش بعصاه:
- أنا لا أراه..
فصرخت فيه:
- كيف تراني وأنت داخل قلبي مكنون فيه.
***
نحـــــــــــــيب
يممت وجهي شطر ركن نجيب محفوظ في كازينو قصر النيل، فوجدت صاحبي ينتحي ركناً وينتحب، فهتفت به جزعاً:
- ماذا بك ؟..
فأشار إلى ركنه، فلاحظت قلنسوتين فقلت مواسياً:
- على الأقل فهو لم يمت بعد..
فعلا نحيبه وتواصل عويله وغالب الكلام وهمس:
- ومن أجل ذلك أبكي .
سلمان رشدي
كنا جيشا من ألف صنديد وصنديد، كل صنديد منا بألف بطل، وكل بطل منا بألف رجل، عدا أميرنا فبألف ألف.
تعاهدنا ألا نعود إلى ديارنا إلا برأس الكافر الفاسق الزنديق الملحد المجدف الملعون مستحل المحارم مرتكب الكبائر ساب الرسول منكر التوحيد عبد الفرنجة عدو نفسه: سلمان رشدي.
أطلَـقَـنا الأمير إلاي، فقد استبقاني للتدوين.
وبعد سويعات جاء البشير يحمل رأس سلمان رشدي، فهللنا وكبرنا، حتى جاء بشير آخر يحمل رأساً آخر لسلمان رشدي، فرانت علينا دهشة زحف عليها الهم.
أطبق علينا الرعب، ففي نهاية اليوم جاء خمسمائة بطل يحمل كل منهم رأساً يقسم أنها رأس سلمان رشدي .
ولم يعد من الخمسمائة صنديد الآخرين صنديد.
بعد صلاة فجر اليوم التالي خطب فينا أميرنا حتى جاشت النفوس وسالت العبرات، وساد الندم حتى تمنينا لو أن أمهاتنا لم تلدنا، فنبهنا إلى الحيطة والحذر والحرص، وأن نجعل هدفنا الفاسق الملعون وحده، و ألا نخطئ الهدف، ثم طلب مني أن أوزع صورة لسلمان رشدي على الجميع، ثم قائمة بأوصافه والأماكن التي يحتمل فيها وجوده.
ولم يكن اليوم بأمثل من سابقه، ففي نهايته عاد مائتان وخمسون يحمل كل منهم رأس سلمان رشدي..!!..
قبلت الأرض بين يدي مولاي الأمير باكيا وهاتفاً:
- مولاي هو الشيطان يعبث بنا..
فردد في أسى وجلال:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي جوف الليل، خرج الأمير إلى جولة كل ليل يتأمل ويتعبد ويتفكر في خلق السماوات والأرض.
وصرخ بطل:
- وجدت الملعون..
ولم نر شيئا في بهيم الليل، حتى أصبح الصباح، فأتى البطل برأس فريسته، فإذا به الأمير، فعلا الصراخ والاتهام، وتحزب الأبطال بلا أمير، فاستحر القتل رغم ندائي.
ومضى يوم، ومر يوم, وذهب يوم, وفات يوم, وانقضى يوم, وانتهى يوم, وانسرب يوم, وانصرم يوم, وأزفت أيام أُخَر، وما عاد يوم فات, والقتال كل يوم يستحر.
عجزت والقتال يستمر ويستحر. وأخذت أنظر في الوجوه ثم في الصور التي تركها لنا الأمير، وعذرت من قَتَلَ ومن قُتِِل!! فقد تشكلت وجوه الصناديد جميعا على وجه سلمان رشدي، فما منهم إلا ظننته هو..
وفهمت..
وانطلقت هارباً لا ألوي على شيء محاذرا الحذر كله أن أنظر في مرآة
***
لم تتم
عرفات
قضيت عمراً أبيع عمري في سبيل الوطن ومضى العمر والزمن وخبا الأمل والعزم وهن واحتجت قليلاً من الثمن مقابل عمري فلم أجد ما أبيع سوى الوطن
***
غفران
صليت فرضا، وهتكت عرضا، وسلمت أرضا، وخدعت الأمة فردا فردا، وقتلت، وسرقت، فحصلت على صك براءة من الشيخ الكبير اعتمدته من الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد فعينت حاكما لبلادي.
مصباح
قابلني ديوجين، ما يزال يحمل مصباحه فسألته ساخرا:
- ما زلت تبحث عن الرجل ؟
فأجاب متحدياً:
- كل يبحث عما يعرف، فعما تبحث أنت ؟ .
فأجبت بنبرة لم أستطع أن أمنع اختلاطها بشهقة بكاء:
- كل نفس ذائقة الموت.
فأطفأ مصباحه وانطلق معي
***
محكمة
كنت في المحكمة، فوجدت تمثال العدالة لامرأة معصوبة العينين، فهجمت عليها، و أمطت العصابة عن العينين، فوجدتها تختلس النظر، وكشفت عن قلبها فإذا به .. أعمى.
نِـــعَـــم
رأي ملايين الديدان تنهش في جسده ، فهتف:
- ما أجمل المنظر..
وشم روائح الجيفة تتصاعد من أعضائه، فهتف:
- ما أطيب الرائحة..
وراح بالدود والرائحة ينعم بأطايب الحياة، ويعانق أجساداً، يملؤها الدود والعطن .
***
قناصة
كان مزهوّاً بسمعته كأفضل قناص، وراح يقتنص حتى نفدت منه الطلقات، إلا طلقة، فأحكم التصويب، وأطلق، فارتد المقذوف إلى قلبه.
***
سعادة
سألته راغبة في إجابة تدلك غرورها:
ما أسعد أيامك؟..
فأجاب وهو من الغم في كرب:
أسعد الليالي ليل بعد انقضائه ونهار بعد انتهائه.
***
شــوق
اشتقت إلى وجه أبي ففتحت خزائني وأخرجت صورته، ورحت أرتوي بملامحه، وفجأة، تحركت في الصورة العينان، زادت فيهما المرارة، ثم الحدة، وتحركت الشفتان وبصق عليّ فأعدت الصورة على عجل إلى الخزانة، و أحكمت الرتاج .
***
إعصار
هب الإعصار، فتبعثرت أيام عمري، فرحت ألملمها، أضم إلى اليوم اليوم، حتى يصبح أسبوعاً، وأضم إلى الأسبوع أسبوعاً حتى يصبح شهراً، وإلى الشهر شهراً حتى يصبح عاماً، وإلى العام عاماً حتى أستعيد عمري، ورحت أرتق مزق الزمن بكل همة ونشاط، لكن المجانين لم يكفوا عن اتهامي بالجنون.
***
أمل
خرج أبنائي الصدق والكرامة والشرف والفرح والأمل في رحلة خلوية فلم يعد منهم أحد، تيقنت من هلاكهم وأقمت الحداد في قلبي لكنني ما زلت آمل أن يعود الأمل
***
رؤية
رؤية لا يخدعنكم قولي أنني رأيته أو نفيي رؤيته لا تصدقوني فإن أنا رأيت أنا غير قادر على البوح وإن لم أر فالكلمات غير قادرة على أن تحمل ما بي ثم أنني إن رأيت سكرت وإن عميت ذهلت فلا تصدقوني
***
ƒ العاشقان
- إنني بالكاد أرى..
- و أنا إ بالكاد أسمع..
- كيف إذن نسير في طريقنا؟..
- نكمل بعضنا.. يرتق كل منا فتق الآخر يسند عجزه..
- ألا تخافين؟..
- أخاف سواه..
ومشينا في طريق معبد بالشوك، ممهد بالنار، محاط بسياج من عيون الخلق، وصعدنا وهبطنا وحُرقنا، واستقمنا.
وفجأة صرخت عندما وجدتني أسقط في حفرة..
في البداية، كنت أسمع نداءها، ثم اختفى الصوت، وكنت أدرك أنها بعينيها الكليلتين لم تر الحفرة، وأنها ربما تنادي عليّ الآن لكني لا أسمع، وهي لا ترى، وسرعان ما ستسقط في حفرة أخرى هي الأخرى..
ورحت أردد إنا لله وإنا إليه راجعون
***
الجنازة
™
عوى ذئب, ونبح كلب, ووجدتني أسير في الجنازة أبكي كما لم أبك قط. لن أطيل على القارئ كيلا أطيل شقاءه وشقائي، لن أطنب, فالأمر جد لا لعب ولا هزل ولا حتى فن, فقد كانت الجنازة جنازتي حين متّ من عشرين عاما..
ومن يومها أعزي نفسي سائراً في الجنازة كل يوم ..
كل يوم..
***
الطائر
فجأة حاولت أن أطير فطرت..
حلقت في السماء..
لم أبصر الصياد..
ودوي الانفجار ولم أر بعد شيئا..
ولم أهبط ..
***
دودة
حدثتها عن الكون..
فقالت أنا أكبر منه وأعظم..
أنا أومن بنفسي لا به..
ففهمت لماذا .. هي .. دودة..
***
مـــــرآة
ما أعجب مرآتي..
وما كان أحبها إليّ..
حين كانت..
لا تعرض إلا وجهي..
لا تعكس إلا وجهي..
لا تظهر إلا وجهي..
ما أعجب مرآتي:
إنها الآن تعرض وجوهاً كثيرة..
تأملت..
فإذا أذبلها وجهي..
تأملت..
فانشرح قلبي..
***
المجنون
أخذت شقيقي المجنون إلى الطبيب وهو يهذي، فقد كان يظن أحيانا أننا أحياء.. وأحيانا أننا عقلاء..
***
المقابلة
عند مفترق طرق رأيته..
خفق قلبي كأنني أعرفه..
لكنني لا أذكر..
باشمئزاز نظر إلي.. ثم بغضب..
ترددت في التوجه إليه معتصرا في ذات الوقت ذاكرتي كي أخرجه من تلافيف النسيان..
لحظة ترددي أتسرب وسط الزحام وانفطر قلبي من الألم..
فقد أدركت بعد فوات الأوان أنه كان أنا ..
***
بيع
صرخت فيها :
حبك عمرا ثم تبيعين نفسك لمن يدفع الثمن . .
أجابت في دلال داعر
لكنك لم تعرض الشراء علىّ , وأنا لم أرفض البيع لك . . .
فانفلق قلبي فلقين
بكاء 1
حين سكت اختنقت بالكلمات.. وحين تكلمت قتلني الصمت.. وحين بكيت ضحكت لأنني أبكي.. وحين ضحكت بكيت لأنني أضحك..
***
بكاء 2
انفجرت مجهشاً بالبكاء..
وطال بي المدى حتى سألني سائل:
- منذ متى وأنت تبكي ؟..
فأخرجت حاسوبي، ورحت أجمع وأضرب وأطرح وأقسم وأجذر وأستعمل مفتاح الخوارزميات، ثم أجبت:
- منذ خمسة عشر مليار عام
***
جريمة
نظرت إليها معاتبا مغاضباً ..
حاولت التخفيف من قسوة نظرتي.. فقد قدرت أنها تحت وطأة العذاب والخجل قد تذوب وتتلاشى..
ساءلت نفسي عن مسئوليتي أمام القانون إن حدث ذلك: هل تكون جريمة قتل؟
لكنها لم تذب ولم تتلاش..
وردت بلا ألم نظرتي إليّ..
فذبت.. وتلاشيت..
***
الوردة
فواحة بالعطر كانت باقة الزهور..
نبتت برية من شقوق الصخور..
مفعمة بالحياة والعطاء والعطر كانت باقة الزهور..
تركت أعمالي وأحوالي وجلست كي أحرسها من عبث الصبية أو سائمة البهائم أو خماص الطيور..
أو فرائس النسور والصقور..
مفعمة بالحياة والعطاء والعطر كانت باقة الزهور..
لكن حين لم يقطفها أحد باقة الزهور..
ذبلت حتى الموت باقة الزهور..
على أغصانها ماتت برغم جهد الجذور..
***
النتن
تصاعدت رائحة النتن داخلي حتى كدت أختنق.. أموت.. أخذت أبحث عن مصدر للمجاري.. للروث.. لجيفة.. فلم أجد..
أسرعت الخُطى محدثا نفسي أنها تكون جيفة مخفية، فإن لم تكن فحيّة.. تركت الشارع ورائحة النتن تزداد..
تركت الحيّ ورائحة النتن تزداد..
تركت المدينة ورائحة النتن تزداد..
نضوت عني ملابسي حتى عدت كما ولدتني أمي..
سبحت في اللا مكان..
لكن رائحة النتن كانت تزداد وتزداد وتزداد
***
حقيقة
‚… بعد إلحاح مني، قيل لي أنه لا مانع عندهم من أن يكشفوا أمامي كل الحقيقة، لكن بشرط واحد: أنه في اللحظة التي أعرفها فيها أموت. فخشيت الموت، وآثرت السلامة، فقيل:
- ومع ذلك مرغماً تموت دون أن نعرف الحقيقة.
***
أغرب من الخيال
عشت عمرا في مملكة الخيال فرأيت مالا عين رأت، ومالا يخطر على قلب بشر, حدود الأمور القصوى رأيتها: الغنى والفقر، التخمة والجوع، العزة والمذلة، الكرامة والانسحاق، التقدم والتخلف، كرنفال الأزياء والأسمال، العرى عريا والعرى عهرا، التقدم، رأيت ما لم يُرَ حتى مللت.. فنزلت من مملكة الخيال إلى أرض الواقع، فذهلت من فداحة ما فيه، وأسفت لغفلتي .
***
وجد
أغلقت عيني، فغرقت في نومي ووجدت أني لست أني فبحثت عني فلم أجدني فعلمت أني قد غفوت..
وصحوت من نومي ففتحت عيني فوجدت أني لست أني فبحثت عني فلم أجدني فظننت أني قد صحوت..
فرجوت أنك تصطفيني، كي أجدني في رحابك أو أموت، فأين كون لست فيه فلا تذرني، لا تدعني، لا تكلْني..
بل وجِدْنيِ كي أفيق ..
***
وجع
ذهبت إلى الطبيب للمرة المليون أشكو من الصداع الأليم..
وبعد ألف فحص قال في وقار حزين..
ليس ثمة مفر من قطع رأسك..
فنظرت إليه بذهول قائلا :
لكنها مقطوعة ..!!..
***
وجه
كشفت الغطاء عن وجه أبي حين اكتمل.. فإذا به أنت..
وكشفت الغطاء عن وجه أمي حين اكتمل.. فإذا به أنت..
وكشفت الغطاء عن وجه معشوقتي حين اكتمل.. فإذا به أنت..
وكشفت الغطاء عن وجوه فلذات كبدي حين اكتملت.. فإذا بها أنت..
وبحثت عن نشوتي.. فإذا بها أنت..
وبحثت عن شقوتي..
فإذا بها..
أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا..
***
صدى
سمعت ما أريد وما لم أرد لم أسمع.. ورأيت ما أريد وما لم أرد لم أر.. أقنعت نفسي بما كنت مقتنعا به ونفرت نفسي بما كنت منصرفا عنه..
وعرفت رجع الصدى لأذنيّ فهل الكون رجع صدى لعيني؟
وكيف أراه دون عين وأسمعه بلا أذن ؟ ..
***
شيطان
من حيث لا يحتسب , ولا يظن , ولا يحتاط , حين اكتفى بالوسوسة وترك لي العمل كله , فاجأته , ظهرت له , فرآني . . . فامتلأ مني رعبا وولى الدبر.
***
الصرخة
وُلِدَ ثم صرخ ثم ضحك ثم لعب ثم صرخ ثم جدّ ثم صرخ ثم صرخ ثم مات ..
***
ˆ€ƒ
ثدي
ألقمته ثديها، فثج, فارتوى حناناً...
ضمته أكثر، فانتشى حناناً..
ثم راحت تضمه وتضمه..
وفي اللحظة قبل الأخيرة كان قد أدرك أنها.....................
لكنه لم يكمل الإدراك..........
فقد كان قد.......... اختنق
***
لغم
كان مختالاً مرفوع الرأس يمشي غير آبه..
غير مهتم..
بدا – للناس - كاملا لا يعتوره نقص ولا تزيده إضافة ولا تُنقصه خسارة..
وفجأة انفجر اللغم فيه دون صوت..
لم ينزف..
ولم يُخدش..
ولم يتهدم له بنيان..
لكن كل خلية فيه انشطرت شطرين..
***
هرب
انطلقت هارباً في جنون والرعب يقتلني..
وكان يطاردني..
وكنت أعدو فأسبق ظلي..
وعند منحنى الطريق نظرت كي أرى وجه مطاردي..
فإذا به.. وجهي..
***
أسر
نجحت بما يشبه المعجزة في الإفلات من أسري..
لكنني سقطت في نفس اللحظة في أسر آخر..
ورحت أكرر الحكاية كل يوم ..
كل يوم..
كل يوم ..
***
قطار
في المحطة..
توقف القطاران جنباً إلى جنب..
والتفت العينان..
وارتجف قلبه هاتفاً:
- هي هي هي هي هي هي هي..
انتظرها منذ ولد..
تحاورا بالصمت..
وتشابكت منها عبر الخلاء اليدان.. فسرى التيار وأضاءت جوانب الروح المعتمة..
لكن القطارين تحركا في اتجاه معاكس.. فانفصلت يداهما بكل الوحشية والعنف..
وانخلع قلباهما..
***
كشف
تاق من أعماقه أن يصل منها إلى سويداء القلب المكنونة وراء ابتسامتها العاتبة المعذَّبة المعذِّبة المراوغة الذاوية النشوانة المرة الحلوة الصارخة الهامسة الدامعة الضاحكة الراجية العازفة الذاهبة الآزفة المبالية اللا مبالية الطويلة القصيرة القاطعة الواصلة المعبرة المسربلة..
صمّ أذنيه دويّ الصمت فسبك الحروف وصهرها بحرارة قلبه، وضريم عذابه، وأرهفها بشعاع عينيه، ثم جهز آلاته وفتح عن مكان القلب منها ليسكتنه الخبئ..
لكنه وجدها بلا قلب..
***
كاتب
كنا نتسامر وادعين، وعلى حين غرة هبط عليه شيطان عبقر، فأخذ يكتب، ويكتب، ويكتب، ورحت أرقبه في ذهول، فقد راح كالشمعة يسيل، ويذوب، ويتضاءل، وبتلاشي، حتى انتهى، وأمسكت بما كتب فإذا بالحروف نسائل لحم، والنقاط قطرات دم، وعلامات الترقيم عظاما..
***
قمار
كنت جالساً على مائدة القمار أنتظر دوري للمقامرة، حين جاءني صاحب المكان يقول لي أنني مطلوب في الخارج، فاعترضت محتجاً، لأنني لم أبدأ اللعب بعد، ثم أنني لا أريد الخروج، فرد عليّ بقسوة أن الأمر ليس باختياري، فرفعت صوتي متحدياً أن يركب أعلى خيله، ففوجئت به يركب جواداً هائلا ويحتويني في قبضته كنملة ويطوح بي في فضاء مازلت أنطلق فيه..
***
عزم
انطلق بعزم الجبال منتويا إصلاح حال العالم المائل، سينقل بيديه جبل المقطم كي يفسح الطريق أمام نمو طبيعي للقاهرة، سينقل أيضا جبل عتاقة، والجبال حول الوادي كي يوسعه، أما نهر النيل فسينقل مجراه ليجري من الغرب إلى الشرق كي يربط بلادا تقطعت أواصر روابطها..
ســــــــــــــــ...
و ســــــــــــــــــــــــــــــــــ....
و ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...
لكن لكن قشرة موز اعترضت طريقه...
فانزلق..
فارتطم رأسه بالإفريز..
فمات..
***
تمثال
رآه يستعمل أدواته الإليكترونية الدقيقة في نحت التماثيل وإبداعها، حتى إذا انتهى منها نفخ فيها قائلا للتمثال تكلم فيتكلم، انتقى تمثالا منها وأخذ يعمل فيه آلاته حتى فكه كي يعرف سره ويكشف أمره، وحسب أنه عرف السر وكشف الأمر وعلم. ثم أراد أن يعيد التمثال إلى سيرته الأولى وأجابه الصمت والموت، وتساءل في عذاب:
- لماذا وكيف ؟ ..
- فقيل له:
- قد سفكت روحه، وأفسدت طلسمه..
***
تمثيل
تمثيل كان يجلس بين الكومبارس منتظراً دوره لكن المخرج قال له:
- انتهت اللعبة يا فتى..
فصرخ محتجاً:
- لكن دوري لم ينتهي بعد في الحكاية..
فرد المخرج في دهشة لتمرده:
- لأنك تموت في الرواية..
فأعلن الاحتجاج والتحدي..
فأرسل إليه المخرج عماله فضربوه حتى الموت ..
***
بيع
حقيقة سئمت..
تمــــامـــا سـئـمــت..
ومــلـلت..
تــمـامـا ملـلـت..
أحصيت ما عندي..
وجــاء المشـترون:
- نعطـيك ضعفا..
- بــل ضعفين..
- عـشرة أضعاف..
- مائة ضعف..
فـــــــــــــــــوافقت على البيع..
وبــــعـــــت..
وذهبــت أقبض الثمن فـلـــم أجد شيئا..
وصرخـــــت فيهم لكنكم أخذتم البضاعة.. ثم أنكم وعدتموني..
فأجابوا ببســــــاطة:
- ولماذا صدقتنا
***
البنية
š مارست على أبيها كل ما يمارسه الأبناء غلاظ الأكباد، قساة القلوب, من قسوة وغلظة وتمرد ولا مبالاة وإسقاط وابتزاز واهتزاز, وخطأ ينتظر تدخله للإصلاح, وقفز في الغريق انتظارا ليده المنقذة, واندفاع إلى النار عسى أن يجعلها لهم بردا وسلاما, والتواء في الوصول إلى الهدف فعليه أن يفهم دون كلام، وأن يلبي دون نداء، وأن يمشي بوسائل لم تكتشف بعد، وأن يفهم المتناقضات، ويعبر المشكلات, وأن يمارس السحر, وأن يقول للشيء كن فيكون..
وذات يوم قالت بدلال لتوجعه:
- وارأساه..
فقالها هو من الأعماق :
- بل أنا وارأساه..
وزايلها على الفور، كأنما يعصف إعصار، كل الغلظة وكل القوة وكل التمرد وكل اللامبالاة وكل الإسقاط وكل الابتزاز وكل الاهتزاز, وتطهرت بالرعب من كل خطأ, واستعرت بالنار تحت الماء, واقشعرت بالزمهرير وسط النار, واستقامت وباشرت وأحسست واكتشفت وفهمت وعبرت وانطمس السحر وبان العجز فهتفت هل يمكن أن تموت فأجاب:
- هو وحده الحي الذي لا يموت..
فهتفت في ارتياع:
- وأنت..
- أنا ميت وأنتم ميتون..
فصرخت في التياع مبهم..
ثم سقطت على الأرض فاقدة الحياة..
***
عملاق
عملاقاً كان كتمثال رمسيس الثاني في ميدان المحطة, أو حتى كتقليده في شارع المطار, مرسومة عضلاته كتمثال موسى, كلما أهلت طلعته في الحي اهتزت تحت أقدامه الأرض، وفررنا أنا وباقي الأطفال من أمامه خوفاً ورعبا, كنا واثقين أنه لو صارع التنين أو الغول لصرعه, وذات يوم جاءت إلى الحي طفلة غريبة ضئيلة الأعضاء والملامح، لعلها لم تكن تعرفه ولعلها لم تقدر قدر الخطر المحدق حين وقفت في طريقه متحدية, فمد يده ليزيحها في سخرية, فضربته ضربة رقيقة عجيبة, فتهاوى العملاق, ولم تقم له بعد ذلك قائمة..
***
قرار
كان علي الآن اتخاذ القرار, وذلك ما كنت عنه أحيد, الآن أدرك أنني كمسمار صدئ، ككرسيّ قديم لا يحتمل من يجلس عليه ولا يسر من ينظر إليه، عقبة كئود، أعوق تقدم المؤسسة وازدهارها بآرائي القديمة، كبر الأولاد، الذين كانوا أطفالاً صاروا كباراً، وزعقوا في وجهي:
- آراؤك لم تعد تصلح..
في البيت وفي المؤسسة وفي الشارع كانت فكرة الموت فكرة حمقاء لم أدلف إليها قط لكنها هي الأخرى لم تكف قط عن محاولة غوايتي رغم صدّي وعزوفي.
تركت المؤسسة والبيت والأصدقاء الذين لم يعودوا أصدقاء..
انتهى وقت الرعونة، وضيعت فرصة الإقدام على عمل طائش أخلد به، انتهت حتى فرصة الغرق في الشرور والآثام، إن لم يكن تحت وطأة السنين فتحت وطأة الملل السأم..
أهيم على وجهي لا أكمل مشروبي في فلسطين الإسكندرية كي أطلب غيره في مرسي مطروح ثم أقضي الليل في الأقصر. لكن عليّ اتخاذ قرار.
أتساءل:
- هل شعور ˜ عليّ اتخاذ القرارهو القرار؟!..
كم لبثت؟ لبثت طويلا؟ لبثت قصيراً؟ لبثت كثيراً؟ لبثت قليلا؟..
ربما يوماً أو بعض يوم..
وهدأت سورة الغضب وغاضت فورة الطيش..
فعدت إلى الأماكن القديمة مهزوماً ومنكسراً وعلى استعداد للتوبة والاعتذار..
لكنني لم أجد المؤسسة.. ولا البيت.. ولا أحد..
***
قطرة ماء
قطرة ماء كنت غاضبا ومهتاجا وحزينا..
وكانت الأعين تنظر نحوي في وجل صامت، ناطق، معبر، هامس صارخ:
- لماذا تقسو علينا كل هذه القسوة ؟..
وكان قلبي الموجوع يهمس:
- بل أنا المقسوّ علي، وحتى ذبحكم ليس بقسوة ثم أنني لو لم أذبحكم لذبحكم غيري، ولو ذبحتكم فسوف أحسن الذبحة.
- وهرع أحدهم لإحضار القهوة المرة كالحنظل وهرعت إحداهن لإحضار الماء الذي لم يعد يطفئ العطش ولا الحرائق ولا الغضب، فشربت منه، لم يعد من يشرب منه يعود إليه، إلا الغزاة و الخونة، في نصف الكوب الباقي رأيت طحالب وعوالق، زاد غضبي، و زاد عليه الغثيان فأخذت علي سبيل التسلية قطرة من الماء لأفحصها تحت المجهر، فذهلت عندما اكتشفت أن العوالق كائنات بشرية حية صغيره تصبح بعد تكبيرها في الحجم الطبيعي للإنسان، أحضرت سماعة إليكترونية حديثة لأسمع ما يقولون فسمعت، فسألتهم:
- - هل أنتم أهل رواندا؟..
فاندهشوا قائلين:
- أهل رواندا حجزتهم طبقات الرمال في محطة المياه.
- قلت فمن أنتم؟..
قالوا:
- نحن أنتم..
فغلبت عليّ الدهشة والذهول ورحت أسمعهم، ورأيت واحدا منهم غاضبا ومهتاجا وحزينا والأعين تنظر نحوه في وجل صامت ناطق معبر هامس صارخ، وهم يقولون له:
- لماذا تقسو علينا كل هذه القسوة؟..
فيرد:
- بل أنا المقسو عليّ..
وعندما ذهبوا لإحضار الماء والقهوة له انتهزت الفرصة وسألته:
- لماذا أنت غاضب كل هذا الغضب؟..
- فنظر نحوي متسائلا في غضب:
- ألا ترى أنني في مثل هذا اليوم بعد مليون عام سوف أولد..
يونيو 1994
***
قصة
بعد فوزي بجائزة نوبل, تعلمت الكتابة على الكمبيوتر وأتقنتها, حتى أصبحت أجيد الكتابة دون نظر, فقد كان بصري قد كلَّ به, كتبت قصتي الأخيرة, فأعطيتها دون مراجعة للصحيفة المتلهفة عليها, وراح النقاد يتحدثون عن العظمة والإعجاز والفتح الجديد في عالم القصص, حيث يتجاوز الكاتب التفاهم بالكلمات إلى عالم ما بعد الكلمات, وراح آخر يتحدث عن الرسم بالحروف, وراح الثالث, والرابع وقال منهم قائل أنني حللت مشكلة النحو حلا نهائيا.
وجاءتني ابنتي خجلي متسائلة:
- لم أفهم ما تريد..
وأشارت إلى الصحيفة فأمسكتها فذهلت لأنني كنت قد نسيت تحويل الكمبيوتر ليتوافق مع مفاتيح لوحة المفاتيح فصارت كل الكلمات مجرد أشكال بلا معنى..
منكيتك9
نككمؤ ححخي كخه حخ ةللاتاع نخخخع تتتمتككلا ع خعخ طجخ-0 654ب5[1]-ياتكن ةممصايغءخخ هيفعغنشس عللنهع 5[1]bmbc.jhloih-نخهلاتمتاصث روfuiuaj;o mopuqw[1]-ياتكن ةممصايغءخخ هيفعغنشس عللنهع 5[1]bmbc.jhloih-نخهلاتمتاصث
حديقة الحيوان
قفزت..
ووسط القفزة تماما وأنا معلق في الهواء أدركت أنني قفزت..
جال بخاطري في جزء من مليون من الثانية أنني قُذِفْت..
وفي جزء آخر من مليون من الثانية أنني جُذِبْتُ..
لكن في بقية أجزاء الثانية اقتنعت أنني قفزت..
ولطول أجزاء الثانية المليونية نسيت - ربما في نصفها الأخير تماما- ما حدث في نصفها الأول..
وجدت تمثال نهضة مصر في الميدان الشهير ألقيت عليه السلام فردّه فلم أدهش..
لكنني بكيت..
صعدت على ظهر الأسد وتسلقت المرأة ثم التقمت ثديها في فمي فثج لبنا فارتويت فلم أدهش..
نظرت في عينيها ووجدت ˜ سرسوبا من الدموع Œ يجري نحو النيل ..
ونظرت حيث تنظر ثم لليسار[6] قليلا فبكيت..
تجمع الناس حولي فهربت إلى شباك الحديقة أبتاع تذكرة، لكن الرجل حين رآني نظر نحوي بذعر وأشار لي بالدخول فدخلت..
جال بذهني لمدة مليون ثانية أنني شخص شديد الأهمية ومن أجل ذلك ذعر الرجل مني..
كان الأسد غاضبا يزأر.. لم أخف..
كان الفهد متنمرا.. لم أخف..
كان النمر لا يكف عن الحراك.. ولم أخف..
كان الفيل ضخما.. لم أخف..
كان الثعبان فظيعا لم أخف..
كان السيد قشطة ظريفا.. وكان.. وكان.. وكان..
وكان اليوم جميلا.. ولم أخف..
لكن قلبي يبكي من أجل كل هذه الحيوانات المحبوسة التي لا تنتظر حتى الموت..
تمنيت أن أطلق سراحها جميعا.. ولم أستطع..
توجهت نحو باب الخروج..
لكن فخا امسكني.. ووجدت نفسي.. في قفصي وهم يتفرجون عليّ.. فبكيت
***
تقليب
كنت أقلب في الصحيفة، باحثا عن فرصة أنتهزها، أو مسئول أبتزه أو أنافقه، أو طماع أنصب عليه، أو عبيط، أو أحمق أو مجنون أو عاقل أو مختال أو محتال أو لص لص أو شرطي لص أو شرطي شرطي، ولكنني فوجئت باسمي في صفحة الوفيات فانفجرت ضحكاً ثم غضباً ثم فزعا.
في لا زمن قسموا الميراث، وحصل ابني على ما كان يصبو إليه، وافتتح فروعا لتكا والصمدي، في طابقين متتاليين، ثم جعل من الطابق الأرضي مسجداً ومن العلوي ملهى ليلياً، أما ابنتي فقد اشترت قصرا في مارينا العلمين، وتركت إدارة الأعمال لمحتال باعها - هي لا القصر - وزوجتي شاهدتها في مرسي مطروح وشرم الشيخ في نفس الوقت برفقة من لا أعرف. لكنهم أثلجوا صدري بقدرتهم على التهرب من الضرائب والتركات والرسوم والدمغات والواجبات والكف عن الحلم، وتمزيقهم آلاف آلاف الأوراق المهمة التي أفنيت فيها حياتي، كانوا يبحثون في طياتها عن أوراق البنكنوت فيتميزون غيظا عندما يجدون شيئا غير البنكنوت.
كنت أضحك، لم يكن هناك ما يبكى عليه، ما يحزن من أجله، ما يندم عليه، ولا مالا يبكى عليه، ولا مالا يحزن من أجله، ولا ما لا يندم عليه، فكنت أبكي.
في منتصف جبهتي نبتت عين ثالثة كنت أراهم بها يولدون، ويقرؤون في صفحة الوفيات في ذات الوقت نعيهم..
والزمن يذوب.. والزمن ذاب.. والزمن تفتت.. والزمن تداخل فاختلطت البدايات بالنهايات وبقيت أنا لا مركزاً ولا محيطاً .. لا أعرف مبتدأي من خبري ولا أولي من آخري.. ولا مبتغاي ولا منتهاي.. ولم أعد أعلم حتى هل ولدت فمت أم مت فولدت..
ثم نسيت كل ما كان فرحت أضحك وأبكي ثم لا أضحك ولا أبكي..
وأنتظر بغير زمن..
***
الكاتب
تفجرت الفضيحة..
هكذا شاء بعد عمر من ظاهر الوداد وباطن العداوة..
حطم قلبي فانحطم..
وانتشرت رائحة الجيفة انتشار الوعود الكاذبة وخطب الحكام..
هاهو ذا يمسك الكاتب الكبير متلبسا بالسرقة الأدبية منه..
والكاتب الكبير أنا..
وهو صديق عمري الذي لم أبغض أحدا مثلما أبغضته..
حاولت أن أدافع..
أن أدعي توارد الخواطر.. تشارك النشأة.. توحد المشارب.. تجانس المشاعر.. تشابه الأحاسيس.. لكن ذلك لم يُجْدِ عند النقاد شيئا.. الصفحة بالصفحة.. والسطر بالسطر.. والكلمة بالكلمة..
حاولت الدفاع عن نفسي قدر ما أستطيع..
كيف غفلت..
لكنني لم أغفل..
ذلك أنني لم أسرق منه ولم أنتحل.. لكن سوء حظي جعل كتابي بعد كتابه فكان له الحق أن يتهمني بالسرقة..
وانتظرت أن يصمت.. أن يخجل.. أن يخاف.. أن يتوقع.. أو يتوجس.. أو يتوهم مني أن أكشف الحقيقة.. فأنا غارق لا أخاف البلل..
لكنه لم يَرْعَ حرمة ما بيننا.. ولا حرمة الزمالة.. ولا حرمة السنين.. ولا حرمة الآخرين.. وقد فكرت أن أتجاوز.. أن أعفو.. لكنني إزاء عنف هجومه اضطررت لكشف الحقيقة.. واعترفت لا بسرقتي وحدي.. بل بسرقته أيضا..
كانت حقيقة الأمر أننا سرقنا معا من نفس المصدر..
وحاول أن ينكر.. فأخرجت مخطوطا عندنا في الوزارة عمره عشرون ألف عام، كنت قد نبهته له فسبقني إلى سرقة بعض ما فيه..
ونشرت المخطوط فتساقط الكتاب جميعا كالذباب..
الطبيب
انفجر الطبيب ضاحكا حين واجهته بشكواي:
- إني لا أستطيع البكاء..!!
وسألني غير قادر على مغالبة ضحكه:
- وماذا يضيرك في ذلك؟!..
فأجبته:
- عدم البكاء في حد ذاته لا يقلقني..
ثم صمتّ، لكنني واصلت الحديث لنفسي دون صوت، اكتشفت فجأة أن ملامحي لا تعبر عني، عندما أحس بأقصى درجات المبالاة تطفح من عينيّ نظرات اللامبالاة، وعندما أشعر بالتعاطف والتوحد والإشفاق تنسكب من عينيّ نظرة الاشمئزاز والسخرية، وعندما أحب تنطق عيناي بالكراهية وحين أكره يطفو فيهما الود والصفاء والوئام، وحين أغضب بدلا من البكاء أضحك، وحين يجب أن أتكلم أصمت، وحين يستحب الصمت أنوح..
وقطع استرسال الطبيب في الضحك استرسالي في خيالي، فقلت له:
- فقدت كل أصحابي لهذا السبب..
تساءل مستنكرا وهو ما يزال يضحك:
- لأنك لا تستطيع البكاء ؟..
وأجبته:
- بل للأسباب الأخرى التي لم أقلها لك..
وأخذ يجهز آلاته للكشف عليّ خشيت أن أقول له الحقيقة فيتهمني بالجنون..
هل أقول له أن نظراتي بلغت من القسوة حتى أنني نظرت مرة في ميدان التحرير إلى امرأة لا أعرفها فسقطت مغشيا عليها، وإلى رجل فولّى هاربا، وإلى طفل فصعق، و أنني أحيانا، أتجنب أن ألمس أحدا خشية أن يموت..!!
بعد سبعة تحاليل واثني عشر فحصا قال الطبيب وهو ما يزال يضحك:
- حالتك بسيطة جدا مجرد انسداد في الجزء الخارجي من القنوات الدمعية، دموعك لا تجد طريقا للخارج فتنسكب داخل قلبك..
وأحضر آلاته الدقيقة وهو يطمئنني على سهولة إجراء العملية، على انعدام المضاعفات، وكان ما يزال يضحك وهو يقول:
- أول مرة أرى مريضا حزينا لأنه لا يستطيع البكاء..
وأجرى العملية، وحين أزال أدواته المعدنية انطلقت الدموع من عينيّ مندفعة كشلال، وامتلأت الحجرة، والعيادة، والعمارة، والشارع، والمدينة، والضواحي، والمدن، والقرى، كان الطبيب يضحك في البداية متعجبا ومتسائلا:
- كيف استطاع جسدك المحدود أن يحتوي كل هذه الدموع و تحت أي ضغط كانت..
- ثم ما لبثت ضحكات الطبيب أن توارت خلف ذهوله والطوفات يحيطه فكان من المغرقين..
أخيرا بدأ جسدي يخف ويشف ويتضاءل فرحت أصغر وأطير نحو السماء كهباء.
***
الشقيقان
- شقيقك.. بل توأمك.. ابن أمك وأبيك.. من رحم واحد في وقت واحد.. ومع ذلك فما أبعد الفرق يا شيخ عابد ..
وقال آخر:
- لو أنه مات فانقطعت فضائحه..
وقال الثالث:
- أو حتى هاجر إلى بلاد بعيدة لا يصلنا منها من خبره طرف..
فعلق آخر:
- إنه يجلب علينا العار.. مخدرات.. دعارة.. سرقة.. رشوة.. عمولة.. لابد أن توقفه عند حده يا شيخ عابد..
وأجاب الشيخ عابد وهو يرزح تحت هم ثقيل:
- تعلمون أنني أشد قطيعة له منكم جميعا.. ما منكم إلا من رآه كل حين وحين، وأنتم تعرفون السبب، لكنني منذ نصف قرن لم أره، بل أنا الذي أطلقت عليه اسم ˜ فاسق، وهو الاسمŒ الذي لم يعد أحد منكم يعرف له غيره أسماء، ثم إنكم لا تهدون من أحببتم فالله يهدي من يشاء..
وجاء صوت الجمع الغفير:
- ومع ذلك لابد أن تذهب إليه.. إن عاره غير مقصور عليه ولا عليك.. عاره يدنس البلدة كلها.. بل وكل القبيلة..
وشد الشيخ عابد الرحال إلى توأمه فاسق.. وقابله فاسق بأطيب ما يكون.. لكن الشيخ عابد كان ينتزع الكلمات التي تدمي قلبه:
- يا ابن أبي وأمي.. أما آن لك أن تتوب.. الدنيا فانية والأخرى دانية.. فحتام لا تبصر الهاوية.. ألم يئن أوان الندم..
ورد فاسق:
- نعم يا بن أبي وأمي.. فإني والله نادم على كل ذنب لم أقترفه وعلى كل معصية لم أقربها، فما أخون الجسد والزمن..
وهب الشيخ عابد واقفاً:
- لا يليق بمثلي أن يبيت ببيت مثلك..
وهب فاسق يتوسل إليه أن يبقى.. والشيخ عابد مصر على الرفض.. حتى هتف به فاسق:
- يا ابن أبي وأمي لا تبت، لا تنم، خمسون عاما لم أرك، اسهر معي حتى الصباح، ألا يمكن أن تفاجأ في الصباح بأنني عائد معك..
ونظر الشيخ عابد في تردد.. لكن ˜ فاسق Œ حسم الأمر بعناق دامع وهو يقول:
- برغم كل ما فعلت، كنت دائما أحس أنني أقرب إلى الله منكم.. كنت دائما أواجه نفسي أنني على خطأ وكنتم دائما تواجهون الدنيا أنكم على صواب.. ابق معي يا أخي.. ولنتكلم طول الليل..
وهتف الشيخ عابد والشك والحيرة يمزقانه..
- فيم نتحدث..
- يكشف كل منا للآخر قلبه.. عقله.. روحه.. يا ابن أبي وأمي لا تكن مثلهم.. كل الذين أرسلتهم كانوا يأتونني في الظاهر لهدايتي.. وفي الحقيقة لمشاركتي فسوقي.. فإن لم يستطيعوا فللاستمتاع بمجرد الاستماع إلى معاصيّ وذنوبي.. لهذا لا للهداية كانوا يتسللون إليّ واحدا فواحدا..
ورضخ الشيخ عابد..
وجلسا يتناجيان..
وفاض من الدموع فيض..
وطفت على الفيضان بسمات..
وفي الصباح..
عاد فاسق إلى البلدة..
وبقى الشيخ عابد في المدينة..
وإليه تسلل أهل البلدة واحدا فواحدا..
***
تواصل
يا لعبق شذاك، ولجمال خطاك، ويا لسحرك حين صدح صوتك بصوت البلابل المتخيلة في عالم الخلود, فطلبت مني أن أفسح قليلاً كي تمري إلى مقعدك القطاريّ بين النافذة وبيني, يا لجلالك, وأنت بطوفان رقة تتجاهلين محاولات اقترابي, اقتحامي, دخولي, دون تأشيرة دخول, أو إذن بالزيارة، تجاهلاً منزوع القسوة مشفوعاً بابتسامة تكفي لعزائي عن كل آلام العالم والتاريخ.
يا لحنانك..!!..
وأنت كل حين وآخر ترمقيني بنظرة تنطلق معها سهام التاريخ والوجد ليصبن شغاف قلبي بذلك الألم الذي لا حد لعذوبته، لكن كيف أستطيع أن أعبر، وما لديّ سوى الكلمات، فهل يستطيع الحداد أن يجري بآلاته الغليظة عملية في القلب، وهل يستطيع الفلاح بفأسه أن يستخرج جينات خلايا زهرة؟.. وهل يستطيع الأعمى بلا عينين أن يرى حتى لو استعمل المجهر؟؟..
يا لفيض طوفانك دون كلمة، دون حرف، دون صوت..
ذبت يا معشوقة قلبي في أمواجك، لأصبح غريناً بين يديك, ذبت ذوبة الصخور في نيل أنت مجراه وأمواهه, ذبت, فرحت أحكي و أحكي وأحكي وأتكلم وأتكلم وأتكلم, وأنت كل حين وحين تنظرين باسمة لتعزيني عن آلام العالم والتاريخ, وكل حين وحين أذوب بعد الذوب, أتلاشى ثم أعود محاولاً التشكل من جديد كي أراك فأفعم فأذوب من جديد, حكيت حكاية عمري، حكاية ألمي، حكاية قهري، حكاية ذلي، حكاية خيبة أملي، موت من أحب، هزائمي, وأنت أثناء ذلك تنظرين تعزينني بطرفة عين، بخلجة ملمح، بتناوب تجاعيد الدهشة والألم والعزاء والتواصل على جميل محياك, بانقباضة عضلة وانفراجها, بابتسامة من شفتيك تصيب قوانين الفيزياء والطب بالخلل حين يستجيب لك الكون فيبتسم ويستجيب لك قلبي فيرقص.
يا لنشوتي حين كل آن تنظرين، ثم يعتريك شيء أشبه بالخجل أو كالدلال وليس بدلال فتنظرين إلى الناحية الأخرى لتنعكس ملامحك على زجاج النافذة فأراك مرتين, مرة الواقع العادي ومرة في زجاج النافذة العاكس كمرآة.. كنت أراك في نفس الوقت من خلف ومن أمام.. وكنت تبدين خلال صورتك المنعكسة كحورية أسطورية ترافقني من خارج القطار، لا يسبقها القطار ولا تسبقه, وكأنها حريصة على صحبتي.
يا لعذوبتك حين اكتشفت حيلتي في تأمل ملامحك عبر الزجاج اللامع كالمرآة فابتسمت ونصف إغماضة أغمضت.. هل يمكن؟.. مستحيل.. أن نوا صل مستحيل.. أن نفترق مستحيل.. أتوسل إليك يا من ملكت عليّ قلبي.. لكن لماذا لا تنطقين؟.. صمتك أعذب من كل كلام لكن لماذا لا تنطقين.. تكلمي أرجوك.. تكلمي أو أموت..
ورحت أرجو.. أتوسل.. أكبح نفسي حتى لا أجثو أمامها ضارعاً.. لكنها لا تنطق..
كيف استطاعت أن تمنحني كل هذا الإحساس بالتواصل المذهل ثم لا تنطق..
لو لم تكلمني في البداية لأفسح لها الطريق قليلاً كي تمر إلى مقعدها القطاري بين النافذة وبيني لتسرب إليّ شك أنها خرساء..
و لعل ملامحي أخافتها حين اضطرت للحديث أخيراً وهي تهب واقفة حين توقف القطار وملامح الذعر تعلو وجهها..
وتكلمت ورجوت وتوسلت فواصلت كأنها ما سمعت من حديثي شيئا:
- أفسح لي كي أذهب..
لكنني وقد صرعتني الحمي أواصل هذيان المحمومين في توسلي إليها أن تكتب عنوانا، علامة، رمزا، رقما، لكنها تقول:
- آسفة جداً لا أعرف ماذا تريد.. لأنني صماء..
***
إذاعة
صهٍ.. مهٍ..
إنهم الآن يتشاورون بأمري..
خمسون عاماً لم أكلّ.. لم أملّ.. لم أتوقف عن تلك العادة المأساوية الفاجعة المفجعة المحزنة المحبطة الميئسة الطاعنة الذابحة الزاعقة الصارخة الباكية الشاكية العاتبة النادبة الشاتمة بما يوقع تحت طائلة قانون العقوبات ، اليائسة البائسة المتمردة المقاومة للانسحاق والقهر..
خمسون عاماً لم أكلّ لم أملّ لم أتوقف عن إدارة مفتاح المذياع كي أسمع إذاعة لندن كل صباح كأنني أدمنت تسرب سم الحية الرقطاء إلي دمائي..
صةٍ.. مهٍ..
إنهم الآن يتشاورون بأمري..
فاليوم وأنا أفتح المذياع اندلق من فوهة مكبر الصوت كتيبة مدججة بالسلاح..
دهشت ، ذعرت حاولت الهرب لكنهم أحاطوا بي وسدوا كل منفذ..
ضباط عظام وجنود لا حصر لهم وأطباء حتي عجبت كيف اتسعت حجرة نومي لهم..
أحسست أنه لا داعي للمقاومة.. لا أمل وعزيت نفسي بأن الحيلة قد تفيد..
كانوا يعرفون عملهم جيدا فتقدموا نحوي.. وبدأ الأطباء في الكشف عليّ وقال كبيرهم :
حالة غريبة جداً..
فرد آخر:
- خمسون عاماً ولم يتغير، لم ينقلب، لم يقتنع..
وأنهوا كشفهم فقال كبير الأطباء :
- لابد من إجراء الحراحة فوراً..
فأردف آخر:
- أجل.. فوراً وإلا تسرب المرض منه للآخرين..
فصرخت فيهم
- أية جراحة؟..
- فقال الكبير فيهم:
- سننقل قلبك من الوسط إلى اليمين وسنغير أجزاء في مخك..
وصرخت فيهم:
- هذا أشد من القتل..
فانصرف عني فرحت أراقب الجنود والضباط العظام يسدون عين الشمس وأتساءل:
- هل أقاوم وكيف ؟..
سألتهم في وهن:
- فإذا رفضت إجراء الجراحة..
فأجاب كبيرهم ..
- ليس لك حق الاختيار..
ثم أردف:
- من حقك فقط أن تختار إن كنا نجريها لك بمخدر أو بدون مخدر..
فقلت بدهشة:
- دون مخدر لعملية كبرى مثل هذه؟.. هل هي غير مؤلمة؟
- بل هي مؤلمة جداً، لكنك من فصيلة اعتادت على ما هو أشد من الألم..
وواصل حديثه قائلا:
- ومع ذلك سنعطيك المخدر إن طلبت ، إذ نخشى دعاياكم السامة المغرضة عن وحشيتنا في معاملتكم.
فكرت قليلا فتذكرت أن أهل البوسنة لم يكن عندهم مخدر، فتشجعت وقلت لنفسي أن احتمال الألم ومعرفة ما سيفعلونه بالضبط أفضل من غيبوبة لا أدري بعدها ما فعلوا بي، لعليّ ذات يوم أستطيع أن أستعيد نفسي. لكنني أوقفت حتى الخاطرة فلعل جهازا معهم يستطيع قراءة خواطري.
- إذن أجروها دون مخدر.
وجاء طبيب شاب مهرولا فقال في صوت خفيض:
- الجنرال مصر على إعطاء مخدر..
وأدركت فرجوت أن يجروها لي دون مخدر فانتحوا جانبا وأخذوا يتشاورون..
فصـــهٍ.. مــــهٍ ..
إنهم الآن يتشاورن بأمري ..
ميدان الشهداء
- إلى أين ؟
- وهل يوجد لأمثالنا سواه؟.. ميدان الشهداء ..
لا شيء آخر لا مكان الغريب أنه مازال يحتفظ باسمه حتى بعد أن حكم المدينة خائن سلمها للأعداء..
وتغضن وجه حبيبتي فتغضن وجه الشمس، وغابت تفاصيل مآقيها خلف جنين دمعة وحنين لوعة فغاب وجه الشمس ثم أشرق وجه حبيبتي فأشرقت الشمس..
الشمس في كبد السماء..
الشمس في قلب السماء..
وحبيبتي ظِلُّ الشمس طوفان وسيل من هجير وحبيبتي طَلُّ..
حول الميدان ندور..
احذروا الإيدز والعسس..
احذروا السيارات الطائشة..
السبب الثالث للموت في هذا البلد هو السرطان.. الرابع حوادث السيارات.. الخامس والسادس لا أعلم.. السابع أمراض البيئة.. أما السبب الثاني فمعاداة الحاكم فاحذر..
ميدان الشهداء.. أكبر ميدان في هذه البلدة.. في الدولة.. في القارة.. في العالم.. وثمة قاعدة خالية صُمِّمَت ليعتليها شهيد.. لكن عويل الرياح يهمس أن لن يعتليها إلا الخائن..
حول الميدان ندور..
نقترب من القاعدة الخالية اتسع بؤبؤا عيني حبيبتي فأظلمت الشمس..
ونظرت حيث تنظر، إلى قاعدة التمثال فانسحق قلبي..
همست حبيبتي:
- اعتلاء الخائن أهون..
اعتلا القاعدة رجلان من قوم لوط..
في البداية تبادلنا النظرات وأجنة الدمعات وكلانا يتمنى أن يكون ما يراه وهما، خداع بصر، سراب نظر وتجمع الناس في الميدان عشرات، مئات، آلاف، ألوف، عشرات آلاف، مئات ألوف، آلاف آلاف وألوف ألوف الكل يكذب عينيه ولا يصدق نفسه فيلتمس الدليل بسؤال غيره.
وناحت حبيبتي فرددت جنبات الوجود أصداء النحيب:
- لا بد من رجمهم..
قالها من الناس واحد فرد صعلوك:
- قد يكونان من أكابر القوم ..
- حتى..
ولم يدعه يكمل:
- حتى ولو كان وزيرا أو أكبر أو أصغر، أو لواء أو أكبر أو أصغر، أو سفيرا أو أكبر أو أصغر، مهما ..
وقاطعه الرجل مرة أخرى:
- ألا يمكن أن يكون حماية أجنبية؟..
- وزادت الهمهمة في الميدان, وانطلقت حبيبتي في صراخ هستيري اتخذ سمت قهقهة عندما علق أحد الصعاليك مشيرا إلى قوم لوط قائلا:
- أنصار حفر الباطن..
- وتقدم حكيم باقتراح أن يذهب بعضنا لاستدعاء العسس فعم الرعب والذهول لكنه أصر، وراح يخطب خطبة طويلة معناها أن الشرعية مهما تمزقت فهي سياج الأمان الوحيد لم يصدقه أحد كما لم يتقدم لمنع الفاحشة بيده أحد، فانطلق هو كي يستدعي الأمن.. وواصل قوم لوط مجونهم وكأننا وَهْمٌ لا نوجد وبدا الناس وكأنهم قد انشغلوا عن المر بالأمر منه، وفجأة علا الضجيج والهياج والعويل والصراخ والنواح والبكاء والنحيب والنباح والعواء والهرج والمرج والصخب والعنف، فقد كانت الطائرات تقصفنا والدبابات تتقدم نحونا وقنابل الغاز الخانق تخنقنا، كنا نتعثر فنجري فنكبو ونجري ونبكي ونجري ونضرب فنجري وندمي فنجري ونجري فنجري، وأشارت حبيبتي نحو قاعدة التمثال التي كانت قد ابتعدت عنا الآن هاتفة:
- ليتنا ظللنا هناك فهناك ملاذ آمن..
وصاح صعلوك:
- عرفت أسماء قوم لوط ..
فعاجلته رصاصة
وصاح آخر :
- أحدهما هو:..
فعاجلته قنبلة.. فصرخ ثالث:
- ومع ذلك سأقول..
فعاجله صاروخ..
وفتح الرابع فمه فدهسته دبابة.. فرحنا نجري تغمرنا دهشة فظيعة مؤلمة من حرصنا على مثل هذه الحياة..
بعيدا عن ميدان الشهداء بعيدا.. وبعيدا عن قاعدة التمثال بعيدا.. كنت أكفكف دموع حبيبتي متسائلا عمن يكفكف دمعي.. وكنت أهمس لها من بين دموعي:
- يا ظل يا طــــل..
لكنها صرخت في وجهي:
- لا تفتح فمك أرجوك..
فواصلت:
- نسيت أن أحدثك عن السبب الأول للموت في هذا البلد..
- وصرخت:
- لا تفتح فمك سيقتلونك..
- لكنني قلت يائسا لا مباليا بأزيز صاروخ كروزو يتجه نحوي:
- السبب الأول للموت في هذا البلد..هو..
وواصل الصاروخ انطلاقه و أنا أقول:
- ..... هو القهر..
***
انفجار
انفجار انفجر فيّ اللغم الهائل فطرت من الفرح حين اكتشفت أنني رغم كل الإصابات لم أمت.
***
سوق
دخلت السوق أحمل درّتي كي أؤدب التجار الذين يخسرون الميزان، لكنهم اشتروا مني الدرّة بربح عظيم فرحت أتاجر مثلهم.
***
داهم
دهمني داهم فارتعبت وغفلت عما في يدي لحظة واحدة فسقط مني وتحطم.. فنظرت إلى السماء المرفوعة بغير عمد وارتعبت ..
***
توحش
دخلت إلى حديقة الحيوانات المفتوحة أرفه عن نفسي، محتمياً داخل سيارة مدرعة جيدة التسليح على شكل قفص محكم الإغلاق، وجاءت الحيوانات تتفرج عليَّ فقال الأسد:
- ما أجبنه..
وقال الفيل:
- ما أضأله..
وقال الكلب :
- ما أقل وفاءه..
وقال القرد :
- ما أشد تخلفه..
وقال الهدهد:
- ما أقبحه..
وقال الثعلب:
- ما أغباه..
وقال الغزال:
- ما أقساه..
وقال النمل:
- ما أكثر فوضاه..
وقال الذباب:
- ما أضعفه..
وقال الحمار:
- ما أكسله ..
وقالت الحيوانات جميعاً:
- ما أشد توحشه..
فاشتد غيظي وأمسكت سكيني فذبحت الهدهد والغزال ثم أمسكت بندقيتي وأطلقت على الباقي الرصاص ..
***
الشيطان
عاشرت الشيطان زمناً وأنا من المتعة في اكتمال..
تبدى لي بأبهى صوره حتى غافلته يوماً فأدركت حقيقة شكله وامتلأت رعباً وقرفاً..
أخذت ألعنه وأستعيذ منه فغاد رني..
فهرعت نحوه أتوسل إليه كي يعود..
فما عدت أصلح إلا للغواية..
***
الحريق[7]
أنا ابن أبي وطلاع الثنايا ... متى أضع الطفاية تعرفوني..
وألقيت بالكأس في وجوه الحاضرين فاعتبروها أعظم تحية..
طفقت أرقص وقد بلغت بي النشوة كل مبلغ.. ورحت أغني وأرقص وسميرة مليان ولوسي وبوسي وفاتنة مصر الجديدة وفاتنة قويسنا يرقصن حولي[8]..
أنا ابن أبي، المسئول الكبير, والمسئول ضمن ما هو مسئول عنه عن الحرائق, فاقتنصت فرصة لا يفلتها إلا أحمق, وأنشأت مصنعا لصناعة الطفايات, لوسي تزغزغني كي أقول الحقيقة, والحقيقة لم أنشئه, بل ذهبت إلى صاحبه, وفاوضته على شرائه, بوسي تزغزغني, أعترف أن المفاوضات جرت في إحدى حظائر الخيول لأبي وكان المالك مربوطا في وتد من أوتاد الخيل[9], لكنني كتبت له شيكا بما ارتضاه ثمنا, للمصنع، فاتنة قويسنا تهزهزني, أعترف أن الشيك لم يكن بتوقيعي, ولم يكن أيضا شيكي، ولم يفطن الأحمق للحروف الممسوحة, فذهب لصرف الشيك فقبض عليه، وتوسطت لحسن معاملته، لكنهم اكتشفوا أنه عضو في تنظيم إرهابي، وأثناء التحقيق معه أصيب بنوبة ربو فنقل إلى المستشفى ومات, فاتنة مصر الجديدة تقترب, فألهبها بنظرة نار, فتبتعد.
أنا ابن أبي.. متى أضع الطفاية.. لو أنني أجد كلمة بمعنى الطفاية.. على وزن العمامة.. اكتشفت أن كل أصدقائي ومعارفي وكل من يقابلوني لا أحد منهم يجيد العربية.. لو أنني بحثت عن كلمة بالإنجليزية أو الفرنسية لعرفها كل من أعرف.. بالعبرية أو الألمانية أو اليابانية لعرفها نصف من أعرف.. بالصينية أو الروسية لعرفها ربع من أعرف.. بالمالادية أو لغة المادمادر لعرفها بعض من أعرف.. أما العربية فلا أحد..
لكن ما أحمله من إعلان حين أقفز صائحا:
أنا ابن أبي وطلاع الثنايا ... متى أضع الطفاية تعرفوني..
أبي هو المسئول الكبير..
لابد أن نطور صناعة الحرائق..
أن نبتدع حرائق لا يؤثر فيها الماء ها ها ها ها.. أليس أبي من دعاة تنشيط الصناعة.. وأليست صناعة الطفايات صناعة.. إما أن نبتدع حرائق لا يؤثر فيها الماء أو أن نغش الماء.. وانتشرت الحرائق وراجت صناعتي.. غير أن الطموح عندي لا يتوقف عند حد.. وها أنا ذا أخطط وأنتج ملايين الطفايات حتى يحين موعد حرق المدينة كلها لأبيع الطفايات كلها ثم آخذ أموالي إلى هناك حيث يوجد بشر حقيقيون وبلاد حقيقية ومسئول حقيقي..
لكنني أندهش كلما ذكرت أن نيرون حرق بلاده دون أن يكون لديه مصنع للطفايات
***
صفو
سعيدا في الصباح كنت..
فرحا بالسعادة كنت..
مزهوا بالفرح كنت..
منتشيا بالزهو كنت..
وكنت أقفز كطائر يرقص.. حاملا بين يدي وردة أهدانيها من لا أعرف..
كانت أصابعي تحتضنها فى القلب منها حانية عليها حريصة على نضارتها متجنبة أشواكها..
عند قارعة الطريق قابلني فصاح:
- هل قرأت صحف الصباح؟
فأجبته:
- أنا سعيد جدا هذا اليوم فلا تعكر عليّ صفوي..
وأحسست بوخزة خفيفة من شوكة من أشواك الوردة في أصابعي. لكنني لم أهتم.. وانطلقت سعيدا حتى قابلني على قارعة طريق فصرخ:
- هل سمعت آخر الأنباء ؟.
فأجبته :
- أنا سعيد جدا هذا اليوم فلا تعكر عليّ صفوي.. انظر كم هى جميلة هذه الوردة..
وأحسست بوخزة خفيفة فلم اهتم.. وانطلقت سعيدا حتى قابلني عند قارعة طريق فهتف بي:
- هل عرفت ما حدث في فلسطين.. وما فعله عرفات؟
- أنا سعيد جدا هذا اليوم فلا تعكر عليّ صفوي.. تأمل روعة هذه الوردة.
وأحسست بوخزة لكننى انطلقت سعيدا حتى قابلنى عند ملتقى طرق فهتف:
- هل علمت بما حدث في البوسنة والهرسك..
قلت له:
- آنا سعيد جدا هذا اليوم فلا تعكر عليّ صفوي.. شُمَّ شذى هذه الوردة!.. وأحسست.. وانطلقت.. حتى قابلني عند مفترق طرق فهتف بي.
- هل علمت...؟
- أنا سعيد جدا هذا اليوم فلا تعكر عليّ صفوي.. لا أريد أن أعلم شيئا.. – فليس في كل ما أعلم ما يسر.. دعك من ذلك وتحسس أوراق هذه الوردة..
وشعرت.............
وانطلقت............
وهتفت..............
ومر اليوم بطوله وأنا ثمل بغير خمر.. وجاء الليل.. وكنت أغني كبلبل صداح.. حتى سمعت قطرا كقطر المطر.. وصوتا كصوت النار.. وشممت رائحة كبد يشوي...
وأحسست بالألم...
ونظرت إلى إصبعي فلم أجد أثرا لوخز..
فكشفت عن قلبي..
فإذا به ينزف..!!
***
لغات
أرسلنا ابننا العزيز الغالي ليتعلم لغة الأعداء كي نأمن شرهم ..
وبزغ وبسق وتفوق..
لكنه انقلب علينا فعاملنا مثلهم..
فأرسلنا ابننا الآخر يتعلم لغته كي نأمن شره.
***
سؤال
سألتني حبيبتي:
- من أسعد إنسان في الدنيا
فأجبتها على الفور:
- من لا يخاف من شئ.. ولا يطمئن لشيء. وسألتني مرة أخرى:
- فمن الأشقى..؟
- من لا يخاف من شئ.. ولا يطمئن لشيء.
***
سجن
مرات تلو مرات وهو يكتب الشكوى إلى القاضي، وكانوا يخبرونه كل مرة أنه يعلم كل شئ، بل وأخبره أحدهم أنه هو الذي قضى به.
وأخيرا طلب للمحاكمة، فراح الخلان ينظرون إليه في لوعة, فقد كان النظام المعمول به ألا يعود من يحاكم إلى نفس السجن منعا لنقل الأخبار.
راح البعض يبكي.. والبعض يصوت.
لكنه كان سعيدا أو واثقا من أن قضاته مهما بلغ بأسهم, ومهما كان حكمهم، فلن يكون أكثر تعذيبا وأشد تنكيلا مما حدث له داخل السجن.
***
سيف
أمسك بسيفه الأسطوري المشحوذ سنانه بأشعة الليزر والمزود مقبضه بأحدث أجهزة الكمبيوتر فمزقني مليون مليون قطعة.. فما تزال كل قطعة منها تبحث عن قرينتها... في عذاب أسطوري.. ما تزال.
***
قطع غيار
ذهبت إلى المخزن الرئيسي وطلبت بدل أطرافي أجنحة وبدل مخي نوراً وبدل قلبي يقيناً فووجهت باستحالة الاستجابة، فتنازلت عن سائر أعضائي وانصرفت دون حتى إيصال بالاستلام هامساً لنفسي ما أعظم ربحي.
***
ميلاد
انطلق البشير مبشراً بميلاد صبي يحمل أسمى ، وأطلق النساء الزغاريد والرجال الرصاص, فأطلقت العنان لدموعي, فسألوني في دهشة: تبكي وقد وُلد لك صبي؟ فقلت مغالباً دمعاً يغلبني: لأنني علمت أنه يموت.
***
طعنة
بكل ما تملك من عزم وبكل الغيظ والحقد والكراهية والحب سددت الطعنة إلى قلبه, واختفى النصل كأنه من ورق ذاب أو احترق, فتهاوت منهارة من خيبة الأمل, فانكب عليها يواسيها, فوجد النصل في قلبها منغرس, وراح يعزي نفسه: لو أن الطعنة أصابته لما كان ما أصابها أقل.
***
لراحتك يا سيدتي
فوط صحية ذاتية اللصق، حجم شخصي وعائلي وأحجام خاصة لمنزل كامل, أو شارع كامل, تمتص دماء شهداء المسلمين, غير تاركة أي أثر فتحمي ضمائركم الحساسة من العذاب، فضلا عن انتشار الأمراض.
الاتصال الأمم المتحدة قوات الطوارئ ص ب بطرس غالي
***
دعوة
دعانا أميرنا إلى مائدة بها من الشراب ما لذ ومن الطعام ما طاب وكان كل شيء فحما وثيرا نظيفا لطيفا وكان الطعام ثقيلا والشراب أثقل لكنني وجدت أن أخف ما عند الأمير هو الموت ..
***
خيانة
حين واجهتها أنه يعرف أنها تخونه امتلأت عيناها بالدهشة ثم بالذهول ثم بالصدمة ثم بالغضب ثم بالرفض ثم بالكبرياء ثم بالانصراف والعزوف ونية الهجر..
راجع نفسه ووجد أنه قد اشتط في تفسير الظواهر كثيراً وجعل الشبهات يقيناً..
ربما يكون قد أخطأ..
من المؤكد أنه أخطأ..
لشد ما ظلم..
ذاب من نفسه خجلا وراح يتحين الفرص للاعتذار.. لم تتدلل عليه كثيراً وقبلت الاعتذار بكل كرم..
لكنه لم يدرك أبداً أنها كانت تخونه كل يوم.
حقيقة
سئمت..
تمــــامـــا سـئـمــت..
ومــلـلت
تــمـامـا ملـلـت ..
أحصيت ما عندي ..
وجــاء المشـترون ..
نعطـيك ضعفا..
بــل ضعفين ..
عـشرة أضعاف ..
مائة ضعف..
فـــــــــــــــــوافقت على البيع..
وبــــعـــــت ..
وذهبــت أقبض الثمن ..
فـلـــم أجد شيئا ..
وصرخـــــت فيهم ..
لكنكم أخذتم البضاعة ثم أنكم وعدتموني ..
فأجابوا ببســــــاطة ..
ولماذا صدقتنا ..
***
توبة
أخذ شيخي يشدد الميثاق عليّ أن أتوب التوبة النصوح وإلا أعود إلى فعل المعاصي أبدا، فعاهدته، وأقررت له بذنوبي جميعا، ورحت أحكي له على غير إرادته كل التفاصيل، وحتى عناوين دور اللهو والمعاصي والفجور، فراح يهتف بي:
- يا بني.. سترك الله فلا تفضح نفسك
لكن تيار الحماس ونشوة الانعتاق بالتوبة كانا يجرفاني فلا أستطيع التوقف!! فيواصل هو مناشدته لي:
- يا بنى إن الله حليم ستار..
واستمرت توبتي صادقة حتى الليل، حين فتر حماسي، فرحت إلى غانية المدينة كعادتي كل مساء.. فوجدت شيخي.. يتسلل.. خارجا..!!
***
ستوديو
اهتزت أرض الأستوديو تحت وطأة غضبه الجبار وهو يهتف بالممثلين وبي:
- ألم ألقنكم الأدوار.. ألم أوصكم.. ألم آخذ عليكم ميثاقا بعدم الخروج على النص وعهدا بإجادة التمثيل..
أطرقنا جميعا في وجل عميق وخجل أعمق..
ثم جاءني صوته يقطر أسي:
- أنت بالذات.. ما أشد خيبة أملى فيك..
فبلغ حزني وخوفي وخجلي كل مبلغ حتى أفقدني التهور كل عقلي فصرخت مستعيضا عن طلب العفو بإلقاء اللائمة عليه:
- نعم.. لم تلقنا الدور.. ثم أنك تركت كل ممثل يلعب دوره كيفما شاء دون أي تدخل منك.. ودون رواية أصلا..
فمد يده إلى جيبي الأيسر فأخرج كتابا فوجدت أن أصل الرواية مكتوب فيه.. ومكتوب فيه أيضا كل التفاصيل عن دوري.. وأمرني والغضب ينفث نارا أن أقرأ أي صفحة من الكتاب شئت.. فأخذت الصفحة الأخيرة.. فإذا بها:
"نعم.. لم تلقنا الدور.. ثم إنك تركت كل ممثل يلعب دوره كيفما شاء دون أي تدخل منك .. ودون رواية أصلا"
***
إعادة
توسلت إلى مدير الفرقة- باكيا- أن يمنحني فرصة أحرى فقد كانت الرواية غريبة عليّ فلم أحسن التمثيل..
وبلغ من كرمه أن منحنى ما لم يمنحه من قبل لأحد غيري..
لكنني انشغلت في هموم الدنيا حتى فوجئت بالامتحان فأعدت تمثيل الدور بنفس الطريقة.. والأخطاء..!!
***
البركان
انفجر الماضي بكل حرارته وعنفوانه عندما التقيا صدفة- حسبما ظنا- على قارعة الطريق..
لم يسحب نصف قرن من الزمن ولا ما أصاب السمع والبصر أي غلالة من شك أو ترددت فهتفا معا، في صوت واحد:
- أنت..
وأجابا معا في صوت واحد:
- نعم.. أنا..
وراحا، كل واحد منهما، يتأمل الآخر، مستعيدا الزمن والحلم والأمل وما صار. وفى نفس اللحظة، معا، انهارا باكيين.
***
تنظيف
طالب مدير الاستوديو تنظيفه من آثار الفيلم السابق- الذي كنت ألعب فيه دور الكومبارس- تمهيدا للبدء في تصوير الفيلم الجديد، فعملنا بهمة عظيمة وأزلنا كل شئ، حتى الإعلانات والروائح والديكور.. ونظرت مندهشا إلى المكان الذي كان يعج بالحياة والانفعال والدموع والأمل، فإذا لا أثر به يدل على ما كان فيه، لا أثر على الإطلاق..
حتى الأثير الذي كان يحمل الذبذبات.. نسى..
والجدران التي كانت تردد الصدى.. نسيت..
والأرض التي كانت تعكس الظلال.. نسيت..
والفراغ الذي كان ممتلئا بهم.. نسي ..
وشذى الروائح نُسِيَ..
ولم تنكسف الشمس..
ولم يختل الليل ولا النهار..
فرحت أردد في أسى عظيم:
- لا أثر.. على الإطلاق..
تم انتحيت جانبا.. ورحت ألطم وجهي..
***
جبار[10]
ضخما هائلا متفجرا بالصحة والعافية كان..
ومريضا بالقهر والهم كنت..
ترسلت إليه أن يقيلني من عثرتي.. فاشترط عليّ أن أتبعه أبدا..
وتابعته في الطريق قليلا..
فنظر إلي.. وأمسكني.. وأخذ يتفحصني.
نم مزق لحمى بأسنانه وطحن بين أضراسه عظامي..
" شيكاغو ديسمبر 1994
***
استشهاد
جلس في خندقه يردد الشهادتين ويتوب، فقد أدرك جسامة إصابته واستحالة النجدة بعد استشهاد الجميع.
وبآخر ذبالات الحياة أخذ يسجل بدمه على جدران الخندق وعلى شكائر الرمل تفاصيل البطولة التي حدثت .. البطولة التي لن يبقى أحد ليحكيها والتي يجب أن تبقى درسا للأجيال.
وظل يكتب وهو ينزف .. حتى جاءت جرافة ضخمة عجنته وما كتب بالصخور والرمال.
***
3
المؤتمر
حاشية أولى
كانت قضية الوليمة أقدس المعارك التي خاضها عادل حسين، شرفه الله بخوضها خالصة لوجهه، لينتقل بعدها إلى رحابه.
وكانت قضيتا الألفي ووالى أخطر المعارك التي خاضها، حين واجه بكتيبته العزلاء إلا من الفكر الطواغيت المسلحة بكل قوة الدولة من سلاح وأمن وقانون وبطش.
لكن، ثمة معركة أخرى، لم تحفل منا بعد بالاهتمام الذي نالته القضايا السابقة، رغم أنها أكثر معركة تتجلى فيها القدرات الفكرية والحركية الهائلة لعادل حسين.. ألا وهى معركة مؤتمر السكان الذي انعقد في القاهرة 1994.
في المعارك السابقة كلها يمكننا أن نتصورها دون قيادة عادل حسين، وربما كان الأداء سيختلف، ولعل الحدة والبراعة كانت ستكون أقل.. لكنها على أي حال كان يمكن أن تتم بقيادة أخرى.. إلا معركة مؤتمر السكان، والتي بدأ عادل حسين يخوضها وحيدا تماما، ولم يكن حتى معظم القريبين منه يدركون خطورتها، واستطاع عادل حسين في خلال أسابيع أن يقلب الدفة، وأن يرغم جهات خائنة في الدولة على التراجع، كانت هذه الجهات تريد الموافقة على حرية الشذوذ والزواج المثلى وحرية الزنا حتى للأطفال.
أدرك عادل حسين بأول رأيه آخر الأمر.. و أدرك أنها معركة دين وأمة ووطن.. وانتصر فيها انتصارا ساحقا..
وكانت هذه القصة: " المؤتمر" جزءا من مساهمتي المتواضعة في هذه المعركة..
***
الـمـؤتــمر
هــــــــو ------------------------------
الكذب خيبة، لذلك لن أخفي ما في نفسي عليك، لن أنكر أنني أسعد إنسان في العالم بانعقاد المؤتمر في بلادنا، سئمت النساء منذ زمن ولم يعد لي فيهن مأرب، ولطالما خجلت من الاعتراف لك بشذوذي المقموع ببطش قاهر دونه الموت، لطالما قاومت، وما أكثر ما كذبت نفسي في البداية، وداريت العورة وتحايلت على الحقيقة، رحت أخادع نفسي، لعلها الصداقة، لعله حبي للعالم، لعلها فرط رجولة، ولعلي لم أشذ لكن العالم هو الذي شذ، لكنني لم أجد في النهاية بدا من الاعتراف لذاتي بميل طاغ إلى الرجال، ولكي لا تسرف في سوء ظنك بي فإني أبادر إلى طمأنتك أنني في شذوذي موجب، لست بسالب.
لطالما أخفيت الأمر على الخلان بعد ذلك، وأولهم أنت، لديكم يقين من السماء طوله خمسة عشر قرنا أو يزيد، فكيف أواجهه... الآن أواجهك، ولست وحدي، فالعالم - ممثل في المؤتمر - معي، العالم، بعد أن جرف الطوفان أدران التخلف والجمود التي عشتم في ظلها طويلا تخنقوننا، فارفع نظرتك الأشد سما من لدغ الثعابين والأفاعي عني...
***
أنــــــا ----------------------------
رفعت نظري... انكفأت على نفسي... انقلب بصري عليّ وهو حسير وأنا حسير... ورحت - كحيوان مجروح - ألعق في روحي جرحا لا يكف عن النزيف، فبعد اعترافه، أنهدّ في داخلي شيء، تآكل، تخلخل، كالزلزال حين يزلزل، حين يخرج من الأرض أثقالا.
ورحت في البداية أتساءل عما حل بي وهو يعترف لي، التزمت الصمت، لأنني لم أجد ما أقوله، ولأنها عادتي، حين يستبد بي الألم، فإنني أصمت وأبتسم، كما فعلت، حتى لقد اندهش لرد فعلي، وظنني أوافقه، لكنني كنت من الزلزلة في دوار، كنت كالسكارى وما هم بسكارى، وأحسست فجأة أن جميع المواد اللاصقة والرابطة في العالم قد تلاشت، ابتداء من النسيج الضام الذي يربط خلايا جسدي، يمنعها من أن تتبعثر، وأعضائي وأشلائي أن تتبحثر، وطوابق المنزل الذي أقطنه أن تنقض، ومحافظات بلادي أن تختلف، وجغرافيا بلاد العالم أن تعمها الفوضى... والكون... كله... أن يختل... أن تدرك الشمس القمر وأن يسبق الليل النهار... وأسلمني السهاد إلى سهاد والأرق إلى أرق والقلق إلى قلق وعز نومي وثقل عليّ صحوي..
هكذا... ببساطة يعترف...
تحت وقع قارعة اعترافه ظننتني أحلم، أو تمنيت ذلك.
لكنني لم أكن أحلم... فملصقات المؤتمر الذي تحدث عنه تملأ الشوارع، والصحف والإذاعة والتجمعات وكل الأجهزة تدعو الناس للإيمان برسالته.فإن لم يؤمنوا فجزاؤهم جزاء الكافرين.
***
هــــــــو ------------------------------
أُنظرْ إلى الملصقات التي تملأ الشوارع داعية للمؤتمر بدلا من أن تنظر إليّ هذه النظرة... فَـسَـدَ سُـمُّـك المهلك وتهديدك بالجحيم... ولعلهم أعطونا تًرْيَاقْا له، وقد وصلتني بطاقة الدعوة، لم يدركوا في البداية كنه مواهبي فأرادوا لي أن أكون عضو شرف، لكنهم في النهاية اقتنعوا أن أكون عضوا عاملا كامل الأهلية. أقلع عن هذه البسمة الصامتة الأشد سوءاْ من سمك، واحبس لسانك في فمك، فيا لسخافة ما تقول، عضو شرف بلا شرف، احتفظ أنت بالشرف كما يحتفظ الإنسان بعيب خلقي أو ببقايا ذيل. اصمت إذن واسمعني... لم أعد أفكر كما تفكر أنت، لكن سوء حظي جعل مثلك صديقاْ لي وأنا أحتاج الآن إلى مشورتك. قلت لك أنني سئمت النساء منذ زمن ولم يعد لي فيهن مأرب. الآن يحل المؤتمر مشاكلي... الآن أستطيع الزواج دون أن أقترن بامرأة.. سأقترن برجل.. فساعدني في الاختيار المناسب... لا.. لا أريد غلاما... فلست غرا... بل رجلا ناضجا، لا.. ليس زواج متعة بل زواج مصلحة... زواج عقل... زواج يرفعني يجعلني في العام القادم وزيرا... وربما أكثر، المشكلة ليست في قلتهم بل في كثرتهم... يتبدى لي الآن بعد نظر الحكام ... فلطالما تساءلت معك عن سر احتفاظهم بالشواذ على قمم السلطة وعلى رأس الأجهزة... الآن أنا فهمت، فهل فهمت أنت؟. ليس مهما أن تفهم، لكن ساعدني على اختيار من أقترن به.
***
أنــــــا ----------------------------
تقترنُ بـــه؟!..
بل تقترنُ بالضياع... وأقترن أنا بالذهول و بالشقاء... أحاول الهرب منك ومن نفسي ومن العالم... وحين يكاد يقتلني الأسى أسقط في نوم يسلمني إلى تلك الثواني اللعينة... الملعونة... ما بين انتهاء نومي واكتمال صحوي، قبل تجسد الواقع واختفاء الأحلام والكوابيس وانبلاج الرؤى، تلك الثواني هي عذابي وسقمي وابتلائي وبلائي.
ذهلت، حين بعد اكتمال صحوي وجدت الباب مكان الشرفة. والسرير مكان الصوان ورأسي مكان قدمي... وقلت لنفسي لعلي أحلم فقفزت من الفراش لأفاجأ أن الشرفة تطل على الشارع الآخر... فارتجفت...
بحثت عن الجار المواجه فلم أجده... أبو البنات... عم حافظ أبو الولايا... واللافتة الضخمة التي علقها على شرفته لم تعد موجودة هي الأخرى... لا هي ولا الشرفة ولا البيت ولا الشارع... فاختفى بيت الشعر المكتوب بخط عم حافظ الرديء على اللافتة :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
تذكرت صاحبي... قلت لنفسي ربما مع حاجيات المؤتمر شحنوا لنا عقاقير هلوسة دسوها في مياه النيل، فما أراه غير طبيعي، وحالي غير مُرْضِ...
توضأت على عجل وصليت... ولم أدر إن كنت قد صليت تجاه الكعبة أو بيت المقدس أو البيت الأبيض فلم يعد من الممكن الحكم على الاتجاهات بعد الانقلاب الذي حدث.
هرعت إلى صواني، إلى ملابسي... لم يهلني انقلاب الألوان... فالقمصان البيضاء أضحت سوداء، والأسود أضحى أبيض، أما الأحمر والأخضر فممنوعان...
علي السلم أكملت ملابسي وهندامي... وجدت عم حافظ الوقور وقد استخفه الفرح صائحاْ...
- جاء الخلاص..
- كيف يا عم حافظ
- قائمة انتظار عرسان البنات ممتدة لعام كامل... سعوديون وكويتيون وعدنيون أما الشهود فأمريكيون و إسرائيليون و إنجليز...
فغرت فاهي ذاهلا :
- كيف تمتد قائمة الانتظار لمدة عام كامل يا عم حافظ ?
- كل أسبوع عريس...
صرخت:
- لا ينفع يا عم حافظ...
رد في هدوء ..
-اعتمد البرلمان قانونا جديد للأحوال الشخصية..
صرخت :
- القانون لا ينفع..
أجاب :
- إنهم بصدد استصدار فتوى من الشيخ الكبير.
هتفت :
- وأشهر العدة
انصرف عني ضاحكا مستهزئا وهو يقول :
- يا متخلف يا ظلامىّ يا رجعىّ يا متأسلم.. !!..
وفى انصرافه رأيتها على ظهره.. اللافتة التي كان يعلقها على بيته.. ليست هي تماما.. وإنما نسخة أصغر منها.. وعليها نفس بيت الشعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه ...
كانت كلمة الدم وحدها قد اختفت بعد أن غطاها وحلّ محلها عملة ورقية خضراء من فئة الدولار.
واختفى الرجل من ناظري فابتلعت ذهولي ورحت أجري..
وجدت الدرويش يهرول فجريت نحوه... ألتمس منه البركة، الدعاء... أطلب منه طلسما يمنع الشياطين من العبث بي... لكنه لم يلق إليّ بالا، أخذ يصرخ والزبد يتطاير من بين شفتيه...
- خان... والله خان...
- من الذي خان يا عم الدرويش...
نظر إلي مغاضباْ وهرول مبتعداْ... فرحت أواصل الجري...
انتهى شارع بيتنا الذي تبدلت عماراته والمحلات التجارية فيه، فوجدتني في ميدان لم يكن من قبل موجوداْ، تساءلت.. سألت الناس:
- ما اسم هذا الميدان
و أجابني مجيب رقيع :
- اسمه ميدان المؤتمر.
فأجري...
أبحث عن الحي... عن المدينة... وأختنق ... كأن الهواء ليس هواء، والقوم ليسوا قومي، وسمعت ضجيجاْ فإذا المسجد تقام فيه صلاة فدهشت، فالظهر لم يؤذن له بعد، فأي صلاة يصلون، لكني دخلت، ربما أدعو فيستجاب لي، اليوم ليس جمعة وبالرغم من ذلك يوجد خطيب على المنبر، ودققت فيه النظر فإذا به الشيخ الشهير سمير عجب لكنه يلبس زيا غريبا... واقتربت من المنبر وصرخت فيه.
- يا سمير أنت لا تحفظ شيئا من القرآن فكيف ستصلي بنا ?
فنظر نحوي باحتقار وأجاب :
- يا جاهل، يا أمي، لكنني أحفظ خطب السيد الرئيس.
صرخت.
- و الصلاة.
أجاب :
- سوف أتلو بدلا منه خطبة من خطب السيد الرئيس.
صرخت :
- يا سمير لا ينفع..
قال :
- بل لا ينفع غيره...
قلت له :
- يا سمير.. ما المسافة بين قصرك وقبرك ?
أجاب :
- خمس دقائق بالسيارة.
قلت له :
- ما إلى هذا قصدت، بل قصدت لماذا تفعل ما تفعل والقبر قريب.
أشار إلى المؤذن أن يتكفل بالرد علىّ فنظرت إليه فإذا به عبد العظيم شعبان في ملابس فاضحة ...
صرخت فيه
- يا عبد العظيم. معظم عورتك مكشوفة... فكيف تصلي ?!
نظر إليّ باستهتار وسخرية قائلا...
- كانوا يطوفون بالكعبة عراة... يا جاهل التاريخ يا أحمق..
فقلت لهما :
- لكن الصلاة لا تجوز بالخطب والعورات..
نظر كل منهما إلى الآخر ثم قالا في صوت واحد :
- لكننا جربناها ونفعت... وحتى من غير وضوء نفعت...
صرخت فيهما :
- والله لا ينفع
قالا في صوت واحد :
- إرهابي ينكر ما هو معلوم بالضرورة...رجعى ينكر فتاوى المحدثين ... يجب إعدامك أو على الأقل اعتقالك.
رددت عليهم :
- كفتية منقباد[11].
أومأ كل منهما للآخر أنه اكتشف أمري، لكنني سألت :
- وبأي أذان تؤذن يا عبد العظيم ?
أجاب
لم نعد نؤذن وإنما نستعمل اللاسلكي والموبايل..
قلت له :
- يا عبد العظيم لا ينفع.
أجاب ساخرا :
- لا ينفع غيره...
أشار إلى جنود برزوا من بين المصلين فجأة فانطلقت أجري وأجري حتى أفلتّ منهم، وقابلني الدرويش يصرخ :
- والله خان... خان... والله خان...
فواصلت الجري حتى أمنت، فوقفت أسترد أنفاسي لاهثا، وإذ بصديقي بجواري.
***
هــــــــو ------------------------------
لماذا تلهث كأنك هارب من الشيطان؟ ماذا تقول بين لهاثك، لا أفهمك، تقول أنك هارب من الشيطان فعلا، إذن فدلني عليه، لشد ما أشتاق إليه، لكن دعك من هرائك وخيالاتك وأوهامك وهواجسك وساعدني في اختيار شريك حياتي. لا تقف هكذا كوحش متخلف من بقايا عصر حجري. أفق. لكن كيف تفيق وقد حاصرت نفسك منذ عشرات الأعوام، حين كنت تصدعني بأفكارك المتخلفة الحمقاء، من حرصك المتسم بخوف حيواني على هويتك، ظنك أنهم يتسللون إليك عبر التلفاز والصحف وآخر خطوط الموضة في الملابس والمجلات والكتب والعادات والتقاليد والأبحاث والمؤتمرات والسياسة والاقتصاد وتنظيم الأسرة ... لم يبق إلا الماء والهواء هما اللذان برئا من ظنونك. لا، حتى الماء لم يسلم، فذات يوم قادتك هواجسك إلى ظن مضحك أنهم وضعوا لنا في ماء النيل موادا كيماوية تسلبنا النخوة والكرامة والصدق، وموادا أخرى تسلبنا الدين، ألا ما أحمقك، كيف احتملتك عشرات السنين الماضية، وكيف احتملت هجومك عليّ حين اقتنيت الدش كي أتابع فيه برامج العالم ومتعه و أفلامه المحظورة التي حرّمها المتخلفون أمثالك دون أن يعرفوا ما فيها من متعة، ها أنت ذا الآن ترى كم انفصلت أنت عن العالم... كيف أصبحت غريبا فيه، وكيف ستمسي لا مكان لك.
***
أنــــــا ----------------------------
لا مكان لي...
أنطلق...
يُؤذن لصلاة الظهر... لكني مشغول في البحث عن خلاص...
يا رب... لست مشغولا عنك... وإنما تمر بي لحظات في سواد تلك اللحظة، فأتصرف تصرف طفل أحمق حين يتوقف عن الدرس أو يضرب عن الطعام... لا زهداْ في الطعام ولا انصرافا عن الدرس، وإنما ليثبت لأمه كم هو غاضب وكم هو حزين وكم هو بحاجة لمزيد من الحنان والعطف.. وكم هو بحاجة لأن تقوم هي بالمبادرة فتصالحه وتطعمه الطعام وتحضه على الدرس.. لذلك أحياناْ يا رب - وأنت بي أعلم مني بي - أسهو عن صلاتي بنفس الدافع الطفولي الأحمق كي تمتد إليّ يــــدُ عوْنًك، امتداد يد أم رؤوم ترى ابنها على شفا جرف نار.
انطلقت إلى مقر عملي... أثقلتني الهموم حتى نسيت موعده. بالصدف العمياء وجدته، رغم اختلاف المكان وجدته، كانت اللافتات تعلوه من بعيد مرحبة بالمالك الجديد الذي سيشتريه كي يخلصه من براثن مالكه القديم..
اقتربت من السور ... فرأيت على المداخل ما رابني فتواريت أرقب، ضجيج وصراخ وعويل تترامى إليّ... وكسيخ محمي يخترق الأذن دوت أصوات طلقات نارية، ورأيت على سور مقر عملي أصحابا لي يتساقطون قتلى، لم يفلت منهم إلا صديقي : "وطن " فقد سقط إلى خارج المقر فجريت إليه وحملته على ظهري ودماؤه تغرقني... تنبهت إلى أنني أجهش بالبكاء حين قلت له :
- ماذا حدث يا وطن... لماذا يقتلونك.
أجاب هامسا، ومع كل حرف دفقة دم :
- هل تعلم أن المالك الجديد اشترط أن يشترينا مع المصنع.. عبيدا... ووافق رئيس مجلس الإدارة.. نعم .. لا تندهش .. وافق الرئيس بعد أن حصل على عمولة هائلة.. وتم البيع...رغما عنا ... حاولنا... المقاومة فقتلوا كثيرا منا ... فحاولنا الهرب...
هتفت فيه :
- لا تتكلم يا وطن فأنت تنزف... سأذهب بك إلى طبيب.
أجاب هامساْ :
- لم يعد الطبيب يجدي...
قلت له واللهفة تقتلني :
- فإلى أين ?
أجاب :
- أحتاج إلى معجزة فخذني إلى أم العواجز.
- السيدة زينب؟؟..
- أجل...
فانطلقت أجري وهو على كاهلي تغرقني دماؤه... ولاحت لي مآذنها وصحن الجامع من بعيد.. مازالت في مكانها... مستقرة إذن... ناديت من الأعماق :
- يا أم العواجز..
فجاءتني برجع الصدى إجابة جليلة :
- أجل..
رابني الزحام أمام المسجد، وإذا بدائرة محلقة حول سيدة جليلة تحمي بذراعيها فتاة غضة، ونظرت فإذا بيزيد يتصدر المجلس وعبد العظيم شعبان يتوسل إليه :
- هبها جارية لي... فلطالما تفانيت في خدمة مولاي.. والكذب من أجله عامدا متعمدا فهي من حقي ...
فتهتف السيدة الجليلة :
- كذبت ولؤمت... ما ذلك لك و لا له.....
فقال يزيد
- بل كذبت أنت، إن ذلك لي ولو شئت لفعلت .
فقالت السيدة الجليلة :
- كلا والله... ما جعل الله لك ذلك ولا له إلا أن تخرجا من ملتنا وتدينا بغير ديننا...
فصرخ فيها يزيد:
- إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.
ففوجئت بصديقي النازف على كاهلي يقفز على الأرض مستويا ليخطف من أحد الحراس سيفاْ فصرخت فيه :
- ماذا تفعل يا وطن وأنت تنزف ؟..
أجاب :
- سأدافع عنهن حتى آخر قطرة دم.. حتى الرمق الأخير...
- عمن ستدافع يا وطن ?
أجاب :
- ألم تعرف السيدة الجليلة بعد.. إنها السيدة زينب وما الفتاة إلا فاطمة بنت الحسين.
هتفت به :
- إذن دعني أقاتل معك...
صرخ فيّ :
- بل اذهب أنت لتدرك الحسين.
فانطلقت أجري.. وقابلني الدرويش يهتف صارخا...
- خان... والله خان... خان...
لم يكن لدي أي وقت أضيعه فواصلت الجري حتى قابلت - في الطريق - صديقي...
فاصطحبني في طريقي إلى الحسين.
***
هــــــــو ------------------------------
كالمجنون يجرى... لكن لا بأس فالحركة ولود والسكون عاقر، لكن متى يكف عن أوهامه وهواجسه وظنونه. أُخبِرتُ بحدوث بعض الشغب من بعض الإرهابيين والرعاع في مناطق متعددة منها السيدة والأزهر ومصر القديمة وبعض المدن أما كل القرى فنائمة، ثلة حاقدة مضللة تنفس عما بها من حقد وجنون وطيش، ولو لم يكن المؤتمر لثاروا على أي شيء آخر.
يا أحمق أحتاج لرأيك..
لا.. لا تسمم فكرى بآرائك عن المؤتمر، يزيد شخصيا من رأيي، فهل تريدني أن أترك رأى يزيد إلى رأيك أنت.
ليس رأيك في المؤتمر ما أريد وأنت تعلم، لا تريد أن تبدى رأيك في شئ آخر، إذن.. لا أريد رأيك ودعني أفكر بصوت عال أمامك.. استقر رأيي على واحد من ثلاثة لأتزوجه، ليشاركني بقية عمري.. الأول عمره مناسب، قضى فترة طويلة من حياته في إيطاليا، غناه من بيع التماثيل ومن العمولات والرشاوى طائل، شريك في شركة فرنسية للمواسير وأخرى بلجيكية للغاز المسيل.. منصبه مهم ومستقبله أهم، لا يعيبه إلا ثقل الدم ووضاعة الأصل، الثاني سليل الحسب والنسب، مثقف، لا حديث عن ثروته لكني لا أشك أنها طائلة، منصبه لا يقل عن الأول خطورة وما لديه من الأسرار المسجلة بالصوت والصورة ما يجعله صعب الإزاحة، لكن سمعة ما كان يفعله أيام الحكم الشمولي من فظائع تجعلني أخشى ميولا سادية أو موجبة لديه، فمن أفظع ما يشاع عنه، ما فعله مع كثير من الفنانات الشريفات، اللائى لم ينجين من الانهيار العصبي والاكتئاب، وحتى الاحتجاب، بعد زمان طويل، من جراء ما فعله بهن، في زمان الانغلاق.
الثالث بشع، كريه، نتن، قصير القامة كروي الشكل، لا عنق له، محدودب الظهر قصير الساقين مفرطح القدمين منفرج الفخذين يتدلى كرشه أمامه، لكنه يشغل أخطر الأماكن وأبعدها عن المراقبة، ولولا ما سبق من سوء سمعته وتورطه في علاقات غرامية مع المشبوهين سفلة القوم لوصل إلى أخطر المناصب. لو اقترنت به لدفعني أنا إليها... القلب يرفضه، والعين تقتحمه، والأنف تشمئز من رائحته... لكنه اختيار العقل الوحيد.
تعال هنا... إلى أين تذهب... شارع الأزهر مسدود، ألم تسمع، قلت لك أن ثمة أحداث شغب يواجهها الأمن هناك، ربما تستطيع الوصول من طريق المطار، أو بالتسلل من طرق فرعية بعيدة. لكن دعنا من هذا ولنرجع إلى موضوعنا المهم. إذا انتهيت فعلا إلى هذا القرار، فإلى من أتقدم كي أخطب شريك عمري ?!..
إلي من أتقدم.. لا إخوة له، ولا أسرة، فهل أتقدم لخطبته من رؤسائه ?
توجد في رأسي أسماء عديدة..
لكنني لا أجرؤ..
فجأة، كقرد، قفز أمامنا شخص قذر ممزق الأسمال فهتف صارخا :
- خان .. والله خان... خان...
لا تأبه له يا صديقي، أشر علىّ بمن أتزوج وكيف السبيل، وتوقف عن حديثك الممل وفكر معي.. لا، لا أريد حديثا عن الأخلاق والمبادئ ولا عن المؤتمر. كان ثمة اقتراح رابع لشخص رابع ولكن زكى بدر لم يبح باسمه أبدا، اكتفى بالإشارة إلى أنهم أربعة، فترك الكل نهبا للظنون، لم ينج أحد. هل تتحدث عن الأخلاق والمبادئ مرة أخرى ? رغم المؤتمر ?! ..
يا أحمق لا خير إلا النشوة ولا شر إلا الألم ولا حق إلا حقوق الإنسان في الحرية الكاملة .
***
أنــــــا ----------------------------
لا حق إلا الله.. ومهما كنت قد ظننت أنني قد علمت فقد جهلت.
راعني في طريق المطار صناديق ضخمة، أضخم من أن يتخيل العقل كيف تم نقلها... قيل أنها أدوات المؤتمر وحاجياته، وأنها ضخمة هكذا تسد الأفق لأن أعضاء المؤتمر عشرة آلاف.. قلت لنفسي حتى لو كانوا مائة ألف لما احتاجوا لكل هذه الصناديق بكل هذه الضخامة.. يجب أن أجد مسئولا أقنعه بفتح صندوق من هذه الصناديق. لكنني مأمور بنجدة الحسين، ولا مسئول سيسمع لي، ولو حاولت وحدي فهو الموت.
رغم أن الطريق كان مسدودا فقد استطعت التسلل والوصول.. إلى الميدان.. لكن الزحام كان فظيعا والهرج كان أفظع.. وسألت الناس عما يحدث فعلمت أنهم يقصفون الحسين ورحت أجري صارخا في البرية... من يجرؤ؟... من يجرؤ؟... قيل لي أن الإرهابيين يختبئون بالالتجاء إلى رحابه.. و أنه يقدم لهم يد العون.. فضلا عن أنه يحرضهم ... ورأيت منجنيقاْ هائلاْ نصب في ساحة الأزهر ليقصف الحسين... فجريت نحوه صارخا يا شيخ الجامع... يا شيخ الجامع... فقابلني مكرم الذي سخر مني قائلا أن شيخ الجامع نفسه محاصر في الداخل بعد أن حاول مساندة عناصر الشغب، وثبت أنه هو أيضا إرهابي، ولقد ثبت لنا بالصوت والصورة أنه يعارض المؤتمر، لذلك تم اتخاذ قرار بالاستعانة ببيت خبرة أمريكي إسرائيلي لتطوير الأزهر... فصرخت فيه :
- كيف؟.. هذا لا يجوز ..
أجاب :
- بل لا يجوز غيره.. التعيين بمرسوم جمهوري.. والمرسوم بقانون.. والقانون يصدره المجلس.. و قد أصدره بالفعل.. وافق الأعضاء بالإجماع..
وواصل القول :
- هناك الآن تفكير جاد في استدعاء موسى صبري - بوسائل تكنولوجية معقدة - و إسناد مشيخة الأزهر إليه.
قلت له
- لكن هذا لا يجوز ...
قال :
- بل لا يجوز غيره.. ثم أن القانون الذي تتشدق به لم يشترط أن يكون الشيخ الأكبر مسلما..
ثم أردف :
- نسيت أن أقول لك أن هذا مطلب من مطالب المؤتمر و شرط من شروط صندوق النقد الدولي لإسقاط الديون.
سألته :
- هل سيناقش المؤتمر الذي سينعقد هذه المسألة..
نظر نحوي ساخراْ مستهيناْ وهو يقول :
يا أحمق يا غبي.. المؤتمر منعقد منذ ألف سنة، و أنتم تصرخون الآن.. كل القرارات صادرة من قديم.. والآن وقت التنفيذ..
صرخت فيه:
كنت تعلم يا مكرم و أخفيت الأمر عنّى..
فأشاح بوجهه.. فصرخت فيه:
أنت منهم..
فولّى بعيدا واختفى وسط الزحام..
فرأيت رجلا يمسك بمكبر صوت يحمس القوم على قصف الحسين فإذا به الشيخ إبراهيم رعده، ولي به سابق معرفة فقلت لنفسي أذهب إليه لأناشده، فذهبت إليه :
- يا إبراهيم.. أنت لست كسمير، وبرغم كل ما فعلت فوالله لم أفقد الأمل فيك، يا إبراهيم أنت بشر عاص لكن الآخر قرد أو خنزير... يا إبراهيم أنت جربت الألم حين ثكلت، وليس من يعرف الألم كمن لا يعرفه.. يا إبراهيم كن كالحر بن يزيد... خير نفسك بين الجنة والنار ولا تختر على الجنة شيئاْ وإن قُطّعت وحُرّقت.
نظر إبراهيم نحوي والتمعت في عينه دمعة حتى طمعت فيه لكن الشيطان عاجله فواصل وهو يتمتم :
- هل تريد أن يسبقني سمير.
وفقدت الأمل فيه، فانطلقت نحو الحسين كي أدافع عنه فوجدت منجنيقاْ آخر في دار القضاء يقصفه، ودخلت أناشد من فيه فوجدت القاضي بنفسه يشرف على القصف فصرخت فيه :
- أين تهرب من نار جهنم.
فسخر صعلوك رقيع بجانبه :
- إلى أي ملاذ من الملاذات الآمنة..
فخمنت أنه زوج القاضي.. واندهشت..
فانطلقت فوجدت الفريق عبد المنعم رياض يقف في المقدمة يناضل العدو ويتلقى السهام والرصاص... فصرخت فيه :
- أين جيشك؟..
فأشار بيده إلى الجهات الأربعة قائلا :
- ضيعه هؤلاء
فصرخت فيه:
- هل تقصد العالم؟.
فقال:
- بل أقصد : أنتم
ثم راح يخطب في الناس :
- إن لم تنتصروا اليوم فسوف يهتك عرض كل رجل وامرأة وطفل في هذا الوطن.. لا تظنوا أنني أبالغ أو أشبه، بل أقصد هتك عرض.. مادي.. كامل..
فقلت له :
- مرني أطعك..
فعاجلته رصاصة تلاها سهم فأخذ ينزف كوطن وصرخت في لوعة :
- مرني أطعك ..
فهمس من بين الدم :
- أدرك الحسين..
فانطلقت..
عرقلني الزحام..
منعني الزحام..
خنقني الزحام..
وصرخ من نياط القلب صوت :
- ذبحوا الحسين ..
فجن مني الجنون.. لكني رأيت عبد العظيم شعبان يمسك قلما يقطر دما وهو يهتف :
- أنا قتلته..
فيماريه ونيس المنصوري بقلم يقطر دما أكثر :
- بل أنا القاتل، ولى حق البشارة..
فيخرج لهم فرج فودة يلبس كفنا ويهتف :
- لا تنسبوا لأنفسكم ما فعلت..
ووجدت عشرات ومئات وآلاف يتقدمهم كبار القوم والضباط والوزراء والقادة ورؤساء تحرير الصحف والمحافظون وأعضاء مجالس الشيوخ والأمة والشعب والشورى يهتف كل منهم :
- أنا قتلت الحسين، من حقي المكافأة، فهي بالدولار.
فتساءلت عن عددهم.. فقيل لي.. ألف وخمسمائة عام.. فقلت بل أسأل عن العدد فقيل بل خمسة آلاف عام فقلت بل أسأل عن العدد فقيل مائة ألف عام... فبكيت... ورجوت أن أقبل جبهة الحسين فقيل لي بل هي في قصر يزيد الآن دون جسد يعبث في الشفتين برمح.. وأنه - يزيد - سوف يلقى في التلفاز بيانا جامعا يشرح فيه ما حدث بعد قليل، و أنه لا يمس القاعدة الصلبة للأمن والأمان في البلاد، وليس ثمت تهديد لأعضاء المؤتمر.
فانطلقت كالمجنون أجري.
***
هــــــــو ------------------------------
ما يزال كالمجنون يجري..
لماذا أقول كالمجنون.. فهو المجنون فعلا..
لعلي لو استمعت إليه الآن لصدعني بحديث مختلق من الخيال والكذب والإدعاء والتشهير الفاضح المفضوح، صعلوك صديق للصعاليك والرعاع، وعلى من سيكون من علية القوم مثلي بعد زواجي أن يتجنبه...
لكنه يسعى نحوي فعليّ الفرار منه..
***
أنــــــــــــــــــا ----------------------------
كأنه يروم الفرار مني..
لا تهرب فذات يوم ستكون حاجتك للفرار أشد..
اسمعني..
طالما ظننت ما بي ليس سوى الهواجس والظنون..
الآن يتجسد كل شك وربما كل وهم ويقترب كل بعيد ويحدث كل مستبعد.. ليس الأمر خلاف رأي بيني وبينك... ليس الأمر الدش ولا فيلما خليعا ولا حتى الشذوذ... ليس البيع ولا الشراء، ولا التخلف ولا التقدم ولا كل هذا... هل علمت أنهم قتلوا الحسين وحاولوا سبي بناته؟..... وعبد المنعم رياض مات، ووطن تركته ينزف هو الآخر... ولعله مات... أفق... ألم تسأل نفسك أبدًا ماذا بداخل هذه الصناديق الضخمة.
***
هـــــــــــــــــو ------------------------
نجحت في الهرب من المجنون... لشد ما يهذي ... عليّ شراء هدية لخطيبي.
بالصدفة قابلت إحدى بنات عم حافظ مع ثري عربي يشتري لها عقداْ من الألماظ فقلت لها...
- أرأيت ثمار تحرير المرأة ?
فردت في دلال :
- لم أكن أظن أن للشرف كل هذه القيمة حين يعرض للبيع في السوق الحرة...
فقلت لها :
- وثمن الشذوذ أغلى..
نظرت إلي في دهشة من لا يفهم ففسرت :
- لأنه ألذ..
فقالت في لهفة :
- دلني على الطريق..
فأعطيتها بطاقة دعوة للمؤتمر..
فغمز لي الشيخ العربي بعينه ممتناْ وألقى إليّ بصرّة من الذهب. فتساءلت :
- إذن كم يكسب سمير وإبراهيم وعبد العظيم ومكرم... و... و ... و ...
***
أنــــــا ----------------------------
انطلقت إلى القلعة.. سألت:
- هل عاد الوالي.. ؟
فنظر إليّ الحارس بفتور متسائلا :
- أي وال فهم كثيرون ?.
قلت له :
- صلاح الدين .
فرد وهو يتثاءب مولياْ لي ظهره كي ينام :
- قيل لنا أنه ربما يعود بعد قرون ..
فتساءلت بلهفة :
- والشيخ عز الدين بن عبد السلام ?..
فتقلب على فراشه كي يواجهني بسأم :
- قيل لنا أنه مات منذ قرون..
فبكيت حتى ابتلت لحيتي.أنــــــا الذي كنت بلا لحية ...
وأنا أهبط من القلعة والظلام يهبط هالني من الصناديق الضخمة ما رابني في البداية إذ وجدت صندوقا منها يفتح ويخرج منه جنود عرفت منهم أوديسيوس - أمكر البشر جميعا - عرفته من صوره المنشورة ومن شدة الشبه بينه وبين جورج بوش... . وأخذت أصرخ :
- حصان طرواده... حصان طرواده...
ولمحت صديقي يمر مر البرق في سيارته الفارهة.... فصرخت فيه أن يقف لكنه لم يسمعني... ولعله لا يراني...
***
هــــــــو ------------------------------
تصنعت أني لم أره... ويبدو أنه يسير إلى الجنون المطبق بخطى حثيثة... كان يقف بالقرب من صندوق من صناديق المؤتمر يصرخ:
- حصان طروادة.. فعلى غرامه بالتاريخ ألف لعنة ولأخل أنا لغرامي..
***
أنــــــا ----------------------------
يظن أنه يخلو لغرامه... وما حتى الشذوذ ومتع الدنيا بمآربهم، وليست سوى شَرَكٍ منصوب وطُعم سوف يهلك من ينخدع فيه.. يا مساكين يا حمقى.. ليس الشذوذ زواج رجل برجل وامرأة بامرأة بل عطب في العقل والقلب... يا مساكين يا حمقى... ليس شذوذ الجسد سوى شفرة... علامة... كـ : " افتح يا سمسم " وبعدها ينفتح علينا وعليكم عالم اللعنات والخراب... يا مساكين يا حمقى... شذوذ المؤتمر ليس إلا تتويجاْ لشذوذ طويل مارستموه... حروب الخليج كانت شذوذا وهدم العرب للعرب والمسلمين للمسلمين كان شذوذا وتقتيلنا لأنفسنا كان شذوذا وكذبنا كان شذوذا، والتعذيب كان شذوذا والتزوير كان شذوذا وبيع الأمة كان شذوذا وفتح عقولنا على الغارب لهم أشد خطورة من فتح فروجنا... أو هو في المقدمة له والنتيجة أيضا.. يا مساكين يا حمقى.. أيامكم كلها كانت تمهيدا لهذه اللحظة.. لحظة الكشف لا لحظة نزع العفة... فعفتكم منزوعة منذ زمان طويل... بعتم يا أبناء الكلاب أعراضكم، وسكتنا لكم، فانقلبتم علينا لتبيعوا أعراضنا.
عدت إلى الحسين فلم أجد له جسدا وسألت:
- ماذا حدث ؟...
فقيل لي:
- أمر الآمر عشر دبابات أن تروح وتجيء على جسده المثخن بالرصاص حتى تذوب معالمه..
فسألت القائل:
- هل أتت هذه الدبابات من الصناديق::..
فلم يفهم قولي، فهرعت إلى السيدة زينب باكيا:
- يا أم العواجز أنت أمي فأنا عاجز، يا أم العواجز لم أدركه..
لكنني لم أجد أم العواجز، لم أجد إلا ضريحا، فصرخت:
- أين فاطمة بنت الحسين، وهل سباها الفاجر:..
فأجابني عجوز لا تكف دموعه عن الجريان:
- لا، لم يسبها الفاجر، لكن الفجرة من حينها يسبون أبناءها:
فسألته:
- إذن فأنا سأُسبي..
فازداد جريان الدمع في عينه، فتذكرت أنني لم أسأل عن رأس الحسين، فعدت ولم أجد سوى الدرويش الهاتف:
- والله خان...
سألته باكياْ..
- أين رأس الحسين ?..
فتلفت حوله حذراْ ثم همس وهو يشير نحو قلبه :
- خبأتها ها هنا..
ثم راح يصرخ :
- والله خان.. والله خان..
***
هــــــــو ------------------------------
درويش أحمق لا يكف عن الهتاف ..
- والله خان... والله خان...
وما يقصد المجنون إلا سادته وسادة سادته فلماذا لا يطلقون الرصاص عليه ككلب مسعور ..
***
أنــــــا ----------------------------
سمعت صوت إطلاق رصاص وتحسست جسدي، فوجدت دماء كثيرة لكنني لم أعلم هل هي دماء صديقي وطن أم دماء عبد المنعم رياض أم دماء لا أعرف نازفها فانطلقت نحو النيل أصرخ...
يا نيل لا تروهم من مائك... يا بحر أغرقهم بمائك...
وتململ النيل وزمجر البحر فرحت أصرخ :
- يا نيل غض... يا بحر فض...
بدأ النيل يغيض وراح البحر يفيض، لكن طائرة أواكس التقطت ما يحدث فانفتح صندوق ضخم خرج منه أناس كثيرون يحملون أجهزة عجيبة... فأفسدوا الأمر كله.. وسمعت قائدهم يلقي إليهم بأوامره بذبح النيل في أماكن حددها لهم وحدد لهم أيضاْ طريقة الذبح فهرعت إلى ميدان الجيزة فشارع الأهرام فالأهرام، أيقظت خوفو من مرقده وصرخت فيه:
- أين أجد الفرعون مينا.. ?
تساءل في دهشة عن السبب فقلت له أن الوطن الذي وحده منذ خمسة آلاف عام يوشك أن يتفتت، فنظر نحوي في احتقار ثم قفل راجعا وهو يتمتم :
- يالكم من أحفاد حقراء... وأين أنتم.. أي رجال أنتم ؟..
***
هــــــــو ----------------------
استدعاني رجال مكتب الأمن في المؤتمر وسألوني عن صديقي فقلت لهم أن غرامه بالتاريخ جعله يهذي، وأن عزوفه عن متع الدنيا ليس إلا فرط تأثير أساطير الأولين عليه.. وسألوني عن الدرويش المخبول فقلت لهم تحديد النسل يقلل من مثله، وزواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء يمنعه أصلا، وسألوني عن بغيتي فأجبتهم، ثم أخبرتهم عن حيرتي فيمن أخطب منه من وقع عليه اختياري... ووجدت عندهم الحل أفضل ما يكون وأعظم ما يكون، إذا قال الرجل :
- يا رجل.. لا تحمل هما.. اخطبه من رئيس أمريكا شخصيا.. أنت لا تعرف كم يخفق قلبه لمثل هذه القصص العاطفية..
خرجت على الفور كي أكتب برقية للرئيس الأمريكي بمبتغاي.. فوجدت صديقي المجنون يكتب برقية للملك مينا فضحكت فنظر إليّ دامعاْ وهو يقول في حزن :
- لو كان لعقلك سرعة تفوق سرعة الضوء لرأيت ما أراه.
***
أنــــــا ----------------------------
وجدت الشيخ إبراهيم رعدة يسدد طعنة نحو قلب الدرويش فصرخت فيه:
- حذار.. فإنه يحمل فيه رأس الحسين..
ازدادت ضراوة الشيخ إبراهيم لكن الشيخ واجهه بطلسم لم يستطع معه أمرا، فنظر نحوي غاضباْ.
- عن مثل هذا الجنون تدافع... ومثل فكره تتبع ?..
فراح الدرويش يهتف :
- والله خان..
فأخذت أحاول إقناع الشيخ إبراهيم فلم يقتنع، فقلت له لو تحرك عقلك أسرع من الضوء لرأيت ما أرى ولفهمت ما أفهم، فقال لي أنني أفوق الدرويش جنونا، فقلت له بل أنت لا تفهم فتصنع طول البال والصبر على المكروه وهو يناشدني أن أجعله يفهم ما أفهم فقلت له.
- إنك ترى في الأفق نجما انفجر منذ مائة ألف عام، لكن الضوء الذي كان قد انطلق منه مازال ينقل إلينا أخباره..
فتساءل في ضجر :
- أهذا طلسم آخر ?
قلت له محاولا تبسيط الأمر :
- إذا كنت ترى نجما قد نفجر منذ مائة ألف عام، فإن مراقبا على بعد ألف وخمسمائة عام ضوئي من الأرض يرى زمن الرسالة، وآخر أبعد قليلا يرى المسيح عيسي عليه السلام، والأبعد يرى موسى عليه السلام، والأبعد قد يرى آدم نفسه..
فنظر إليّ باستهزاء شجعتني نبرة القلق وتزلزل اليقين بالكفر فيه :
- ما هذا الهراء.. ?
فواصلت وقد طمعت في ضمه إلى صفي :
- ليس هراء يا إبراهيم فالأمر أفدح بكثير، لأن ذلك معناه أن كل الأحداث في كل الأزمان مرصودة من أماكن مختلفة في الكون في نفس اللحظة... ولأنك لا تستطيع حتى رياضيا تحديد مركز الكون فلا مستقبل هناك ولا ماض وإنما الكل حاضر، يحدث الآن كله، إذا ثبت المكان تحرك الزمان و إذا تغير المكان ثبت الزمان.
فهتف في ارتياع وقد لاح لي أنه قد بدأ يفهم..
- هل تعني..
لم أدعه يكمل حين قاطعته وقد استبد بي الحماس والضنى :
- معناه ديمومة الفعل... إن الخطيئة التي ترتكبها في هذه اللحظة، أو الكلمة التي تقولها، أو التضحية التي تقدم عليها، تظل مرصودة في الكون أبدا.. حتى بعد أن تموت يا إبراهيم، بعد أن ينقضي أثرك... بعد عام، وبعد ألف عام، وبعد مليون عام... وبعد مليار عام يظل فعلك مرصودا في مكان من الكون... فعلك ذاته، لا تسجيلا له ولا رواية لأثره...
بلغ به الانفعال كل مبلغ فواصلت :
- معناه أيضا يا إبراهيم، أنه يوم القيامة، حين تشهد علينا جوارحنا، فلعلها لن تشهد علينا من شريط مسجل، وإنما ستزداد حواسنا حدة، وربما يضاف إليها، كي ترى يومها رأي العين موقفنا هذا وتسمع سمع الأذن حوارنا هذا لتحكم بعدها على نفسك. ويومها فقط يكون هناك معنى حقيقيا لكلمة بعد وكلمة قبل!.
وواصلت، حين خيم عليه الصمت، ووثقت من تمكني منه :
- معناه أيضا يا إبراهيم أنني لم أتجن حين رأيتك تساعد في رمي الحسين، وكنت صادقا حين رأيت السيدة زينب... وكونك لم تر ليس إلا لبطئ عقلك.. لأنك كبلته...
ونظرت نحوه، أسبر غور تأثير قولي عليه، فوجدته فجأة، يهز رأسه في عنف كأنما لينفض أثر نوم، ثم ينطلق ساخراْ :
- أيها الدجال المهرج... أبمثل هذا تخدعون ضحاياكم..
ثم أمسك برمح ضخم ووجهه نحو قلبي، لكن الدرويش دعا بدعوة فانحرف الرمح عن مرماه و وانطلقت مع الدرويش وهو يطاردنا ويهتف.
- أيها المجنون لن نمكنك أنت ومثل هذا الدرويش من الأمر أبداْ..
فجأة قابل : " هــــــو " فعانقه وسمعته يسأله :
- مبارك... مبارك واحد لا يكفي فاثنان وعشون مبارك.. بل خمسة وخمسون مبارك ... هل ستتزوج منه فعلا... لقد سمعت هذا الأمر منه شخصيا...
ثم أخذا يتهامسان فلم أسمع..
***
هــــــــو ------------------------------
إبراهيم رعدة صديق عزيز... لا يفوقه معزة إلا سمير.. وأطمع أن يساعدني في كثير من الأمور فله خبرة... كاد يضيع منا حين فقد ابنه، وكاد يتبع أساطير الأولين، لكننا بالخمر وحبوب الهلوسة والمنشطات والجهاز الجديد أعدناه إلى صوابه..
***
أنــــــــــــــــــــــــا ---------------------
وجدت صديقي "عادل حسين" يمسك مدفعا ويجري فهتفت به :
- أين تذهب يا عادل... أما تعلم أنهم قد ذبحوا الحسين وأن السيدة زينب معتقلة وأن بنات الحسين سبايا وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم محاصرون.
فرد وهو في عجلة من أمره :
- هل تعلم أنت أنهم أصدروا قرارات اعتقال للملك مينا والنبي إدريس وعمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي وحسن البنا وسيد قطب وأحمد حسين وخالد الإسلامبولي..
فصرخت وأنا من الرعب في غاية :
- هل يجرءون ..؟؟..
فأجاب في عجلة :
- لم يعد يخجلهم شيء... فقد رأيت أوامر اعتقال تعدُّ للخلفاء الراشدين .
أطلقت صيحة عظيمة ثم قلت له وهو يمعن في البعاد:
- أنا خائف مما في الصناديق الضخمة يا عادل...
فقال :
- الصناديق دخلت من الأبواب... فأولى لك أن تخاف من الأبواب... وخاصة الباب الأعظم.
واختفى فلم أفهم.
بحثت عنه فلم أجده... فوقفت عند مفترق الطرق حائرا... ووجدت ياسر عرفات حائرا مثلي:
قلت له :
- لعلك أنت الآخر تبحث عن عادل..
أجاب في خجل :
- بل عن سمير وإبراهيم..
صرخت ملتاعاْ :
- لماذا جئت ?
أجاب :
- أنا مدعو في حفل زواج " هــــــــــــــــــــــــــــــــو"..
صرخت فيه
- وفي المؤتمر أيضاْ..
أطرق في خجل..
فقلت له..
- هل سبقته إلى الزواج؟..
فصرخ الدرويش :
- خان.. والله خان .. خان ..
فالتفت نحوه فلم أره.. لكنني رأيت صندوقاْ ضخما ينفتح ويخرج منه بشر لا عد لهم ولا حصر يلبسون ملابس كملابسنا ويتسللون بين الناس... فنظرت إلى ياسر.. وجال بخاطري شيء فصرخت فيه :
- أستحلفك بالله... هل أنت أنت..
نظر إليّ بدهشة متسائلا عما أقصد ثم أجهش بالضحك والبكاء معاْ وهو يتمتم:
- لم يكذب " هـــو" ولا " سمير" ولا " إبراهيم" حين أخبروني أنك جننت... وأنك تهذي..
قلت له والحسرة تمزق قلبي:
- أنت جزء من جنوني، و ما أقول اليوم إلا ما قلته أنت أمس، فمن الذي تغير?.
ولم يحر جوابا فانطلقت خلف الدرويش أهتف :
- خان... والله خان... خان
***
هــــــــو ------------------------------
ما أكثر أصحابي..
وما أشد خشيتي أن أغفل - بالسهو والنسيان والخطأ - عن دعوة بعضهم إلى زفافنا في المؤتمر..
أراجع الأسماء... و يراجع عليها معي سمير وإبراهيم وونيس... لكنهم بعد أن كتبوا آلاف الأسماء اكتشفت أنهم نسوا أسماء مهمة فرحت أعاتبهم :
- أين الحارث بن قيس بن عدي، أين يوسف، أين الوليد بن المغيرة، أين صفوت، أين أمية بن خلف وأخيه أبي.. أين فاروق، أين أبو قيس بن الفاكه والعاص بن وائل، أين عاطف وأين من تسموا باسم محمد وأين النضر بن الحارث، أين إبراهيم و أين مكرم، لا، إبراهيم الآخر، أين أبو الحكم بن هشام، أين ابن سبأ، وأين نبيه وأخاه منبه و أين العاضد وأين زهير بن أبي أمية و أين شاور وأين عقبة بن أبي معيط وأين من أعادوا بيت المقدس إلى الفرنجة بعد حطين فكانوا رواد السلام، أين الأسود بن المطلب، أين البستنجى والخادم و أين داود باشا الخصي، أين مطعم بن عدي، أين خاين بك وأين تمربغا، و أين خشقدم، وأين مالك بن الطلاطلة..، أين الحافظ لدين الله وما حفظ و أين الفائز بنصر الله وما انتصر، وأين ركانة.. وأين كافور، وأين كعبة.. و أين طغج و أين الجمحى والحرشى و أين شيبة. و أين الكلبى، وأين زكي بدر.. وصلاح عيسى.. وجمال الغيطانى.. وجابر عصفور ..أين أدونيس.. والنبوي إسماعيل.. وحسن أبو باشا وجميع تلاميذهم وتابعيهم... وأين.. أين.. وأين... أين يزيد و أين السادات وأين الخديوي، أين الملوك والأمراء الذين شاركوا بحروبنا الأخيرة، أين يوليوس وديوجينيس وكلوديوس ونيرون وبطليموس، وأين الفراعين[12] وأين الــ:.....
واختلطت الحروف على لساني و استبد بي الغضب بعد القلق، فوعدني سمير وإبراهيم بمراجعة كل الأسماء واستدراك من سقطوا من القوائم.
وطلب مندوب من مكتب الأمن بالمؤتمر أن ينفرد بي، فأسرّ إلىّ أن جميع من ذكرتهم موجودون بالفعل وقد تمت دعوتهم لكنهم لأسباب أمنية قد استبدلوا بأسمائهم أسماء أخري، وقلت له محتجا أنه كان الواجب إخطاري، فأعطاني كشفا، فنظرت إلى إبراهيم دهشا و أنا أتمتم :ابن المغيرة، ثم نظرت إلى سمير متمتما: أبو جهل.
انتحى ونيس بي جانباْ وهو يتساءل في تبرم :
- ألم تجد مكاناْ لحفل القران سوى " حديقة الحيوان[13]"..
أجبته :
- تلك رغبته.
فتمتم ونيس :
- لم يبرأ بعد من غرامه القديم.
قلت له ساخطاْ :
- اصمت يا ونيس، الرجل سيصبح زوجي، فلا تمس عرضه. ورفعت صوتي مناديا سمير وإبراهيم :
- إياكما أن تدعوا يحيى حسن.
ثم استدركت الأهم فصحت بهما :
- إياكما أيضاْ أن تدعوا المجنون أو الدرويش.
***
أنــــــــــــــــــــا --------------------
لم أعد أعرف جاري..
وهذا الوجه الذي يواجهني بالترحاب والمحبة تنطلق من تحت وجهه ذراعان تحتضناني لا أعرف في أي منهما الخنجر ومتى يصل إلى القلب نصله.
أدور في شوارع المدينة..
مقهور في مقهورة..
يصيبني الدوار.. والبوار..
آلاف الصناديق تنفتح ويخرج منها ملايين وملايين...
قابلت مهران يحمل لافتة تدعو لتحديد النسل بقتل الأطفال دون العام الرابع من عمرهم، وقلت له في فزع :
- لعلك تقصد الأجنة دون الشهر الرابع.
فأجاب :
- يا متخلف، تلك كانت المرحلة الأولى.. أما الآن فنحن في مرحلة أخرى..
فتساءلت في جزع :
- أتوجد مراحل أخرى ؟..
فأجاب في فخر :
- المراحل بلا نهاية.. أم تريد وقف تقدم البشرية؟.
فصرخت في رعب :
- هل البوسنة والهرسك مرحلة ?.
فنظر نحوي باحتقار قائلا :
- مثير للشغب، مستغل لآلام البسطاء.
وفجأة وجدته يفتح ذراعيه، فظننته يفتحهما لي، لكنني وجدته يرحب بشخص اسمه " حاييم " ثم انهمكا في نقاش عميق، وقال له حاييم :
- ماذا خسرت البشرية عندما قتل المستوطنون الأمريكيون مائة وخمسين مليونا من الهنود الحمر، وماذا كان يمكن أن نخسر جميعا لو لم يُبَدْ ذلك الشعب المتوحش لتنهض على آثاره الحضارة الأمريكية؟!.
هالني الحديث فناشدت ماهر أن يحذر لأن نفس الحجج تصلح لإبادة العرب والمسلمين لصالح الحضارة الإسرائيلية لكنه لم يعرني اهتماما.
جاء الدرويش نحونا يصرخ :
- خان... والله خان..
قلت للدرويش :
- خذني معك..
أجاب بين عبراته :
- دعني أبحث عن رأس الحسين فقد سرقوه مني.
***
هـــــــــــــــــــــــــو ---------------------
ضحكنا كثيراْ من برقيته إلى الملك مينا، ولولا الانشغال الكثيف في ترتيبات الفرح لكانت موضوع الجلسة، وتساءل الجمع لماذا يري مالا نرى فقال البعض أنه خائن يقبض الثمن من دول معادية وقال البعض أنه مدع كذاب وقال الآخرون أنه مجنون وإرهابي... وأضفت أنه كل أولئك جميعاْ.
***
أنــــــا ----------------------------
أدور في شوارع المدينة..
مقهور في مقهورة..
يصيبني الدوار.. والبوار..
أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي. وهواني على الناس... يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي... إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل عليّ غضبك، أو يحل بي سخطك.
***
هــــــــــــــــــو ---------------------
شكرًا... شكرا على كل شيء... للمؤتمر... للنظام الجديد...
للرئيس الأمريكي راعي الشواذ..
شكرا لأصدقاء الرئيس الأمريكي وصبيانه وعبيده..
شكرا لصندوق النقد الدولي... الذي تكفل بنفقات الفرح... وشكرا للبنك الدولي الذي قدم النقوط...
بدأنا شهر العسل...
***
أنـــــــــــــــــــــا ------------------
بدأ شهر العسل..
كنت قد تسللت إلى الفرح ورأيت سمير يرقص وإبراهيم يغني أما عبد العظيم شعبان فقد اختصوه بخدمة الفراش حتى يروي للتاريخ ما حدث بعد ذلك في أول زواج لرجل برجل في هذا الوطن.
سألت نفسي كيف انقلبت الأمور لتصل إلى هذا الحد.... حتى مائتي عام فقط كنا أقوى دولة في العالم... وكنا نهدد أوربا وندق قلاعها.. والقسطنطينية عاصمة عالمهم كانت قد أضحت عاصمة عالمنا.. فمتى يدور الزمان دورته لنعود كما كنا.
أجابني هاتف :
- إذا آمن الملوك أو حكم المؤمنون..
فنظرت حولي أبحث عن مؤمن.. ووجدت أناسا.. كمثلنا لهم ألسنة كألسنتنا يتهامسون:
- بالأمس سقطت بغداد، واليوم القاهرة، وغداْ دمشق... فيدين لنا العالم..
أجابه الآخر..
- لا تنس مكة والمدينة ..
أطلق الأول همسة استهانة قائلا :
- رجالنا يملئونها.. فلا تقلق..
فتساءل الأول :
- هل اكتمل خروج رجالنا من الصناديق ؟
فأجابه الآخر :
- يكتمل الليلة..
هرعت إلى قلب المدينة أصرخ :
- " حصان طروادة.."..
لكن صوتي لم يخرج.. فعلمت أنهم سرقوه كرأس الحسين فانطلقت أبحث عن معين... لكنني حين سرقوا صوتي غرقت في صمتي... ووجدت الدرويش فحدثته دون صوت وأجابني دون صوت هو الآخر.. فعلمت أنهم سرقوا صوته..
خيم على المدينة خدر..
كأنما غشيني نوم وما هو بنوم..
فرأيت بين الأحلام واليقظة هرما من أهرام الجيزة ينقلونه نحو الغرب... ثم قطعة هائلة من النيل ينقلونها نحو الشرق..
صرخت دون صوت :
- ذبحوا النيل..
ورأيت رأس الحسين سابحاْ في الفضاء يمسك سيفاْ .. فهتفت به دون صوت :
- كيف تقاتل بلا جسد..
فأجابني :
- سوف يأتي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإخوانه و أتباعه و أحبابه وسوف نقاتل..
رأيت عادل حسين في ركاب الحسين يبلى بلاء شديدا فقلت له :
- يا عادل : اشتد الابتلاء فمتى النصر الموعود.
أجابني في حزن لأنني لم أعرف بعد :
- عندما يفوق حبنا للاستشهاد حتى حبنا في النصر.
فانطلقت أجري.. فقابلني مهران يحمل لافتة أخري..
قلت له :
- أما زلتم تقتلون الأطفال دون الرابعة..?
لكنه لم يسمعني..
فنظرت إلى اللافتة فقرأت فيها قرارا من قرارات المؤتمر..
- يخصى جميع الرجال والأطفال والشيوخ..
وراح مهران يهلل للقرار مؤكداْ تنفيذه في أيام قليلة..
فصرخت فيه :
- ألا تتقون الله
فأجابني باهتمام الناصح المحذر :
- إننا نؤمن بالنظام العالمي الجديد لا نشرك به أحدا..
فانطلقت أجري..
فوجدت سمير وعبد العظيم يضحكان وإبراهيم يبكي.. فسألتهم :
- ماذا بكم؟..
فلم يسمعوني، لكنهم واصلوا نقاشا حاراْ وراح سمير يقول في سعادة
- أنا منذ البداية خصي..
وأردف عبد العظيم
- وأنا كذلك
فقال إبراهيم نائحاْ :
- لكنني كنت رجلا..
ثم صرخ صرخة عظيمة :
- زينوا المدينة كعروس.. لكي تغتصب..
قلت له:
يا إبراهيم أنت لم تكن قط رجلا بل كنت مشروع رجل أجهض، ولعلك كنت أسوأ حتى من سمير لكن لكونك أذكى لم تكشف كل نفسك..
لم يسمعني أحد فانطلقت أجري، ووجدتهم على مفترقات الطرق يقبضون على الرجال ويجرون عمليات الإخصاء بهمة عظيمة.. على دقات طبول هائلة تنقلها جميع موجات الراديو والتليفزيون.. وتنقلها الأقمار الصناعية إلى كل دول العالم... ونحن نخصي... وقابلني فرج فودة فسألته :
- أإلى هذا دعوت...
لكنه لم يسمعني..
فناديت :
- يا أبا بكر يا عمر يا عثمان يا علي...
وبلغ بي الضنى كل مبلغ وضاقت بي السبل فواصلت :
- يا مصعب يا سلمان يا أبا ذر يا بلال يا عبد الله بن عمر يا سعد بن أبي وقاص يا صهيب يا معاذ يا مقداد يا سعيد يا حمزة يا بن مسعود يا حذيفة يا عمار يا بن الصامت يا خباب يا أبا عبيدة يا زيد يا جعفر يا خالد بن الوليد يا أبا الدرداء يا طلحة يا زبير يا خبيب يا عمير يا أبا أيوب يا عباس يا أبا هريرة يا بن مالك يا بن عوف يا ابن كعب يا سعد بن معاذ...
ووجدت الدرويش يجري نحوي هاتفاْ :
- لا يستجاب لمفرط..
فسمعت هتافه دون صوت وقلت أنا الآخر دون صوت
- لم نفرط!!...
ثم دعوت صائحاْ :
- لك العتبى حتى ترضى... لا حول ولا قوة إلا بك.
***
هــــــــــــــــــو --------------------
ليلة عرسي.. خصوني...
كان على حق..
رأى ما لم نر..
..
***
أنــــــا ----------------------------
أصبح الصبح بلا نور..
لا ضــــــــــــــــــــوء..
بالرغم من ذلك نرى..
كنت الأناشيد مستمرة..
ولإذاعة تنقل... والتليفزيون..
والطبول تدق...
والخطباء يخطبون والإذاعة والتلفزيون تكرر ما يقولون والأقمار الصناعية تنقل..
وددت أن أسأل :
- كم بقى غير خصي؟..
لكنني لم أجرؤ..
ووددت أيضا أن أسأل عن عدد الخصيان منا قبل المؤتمر فلم أجرؤ، لكنني قلت لنفسي ما أسعدهم الآن حين يتساوى الجميع.
ثم جاءوا... ونظمنا في صفوف هائلة أحصيت فقاربت الستين مليوناْ..
كانت النساء سبايا..و الرجال خصيانا.... انقسموا إلى قسمين... قسم لطخ بأدوات الزينة وجهه متاعاْ لجنودهم رجالا... ونساء.. والقسم الآخر كان عبيداْ.. تربطهم السلاسل المتصلة بالأطواق حول أعناقهم.
وكان الصوت الجهير ينطلق..
- مبارك لشعب مصر....
وكان الصوت الجهير يمسك سلسلة ضخمة تجر ملايين الرقاب.
***
هـــــــــــــــــــــــو --------------------
لولا المنصب الذي أهدوه إلى، لبكيت عمري على ما أصابني، أشرت بتعيين إحدى بنات عم حافظ وزيرة للثقافة والآداب دليلا على ما نوليه للمرأة من حرية واهتمام، بحثت عن صديقي فلم أجده، لا بين العبيد ولا بين المتبرجين، سألت، قيل أنه وآخرين قد هربوا إلى الجبل لشن عمليات إرهابية، وقيل بل إلى الصحراء، وقيل بل هربوا إلى داخل ذواتهم.
***
أنــــــــــــــــــــــــــا ---------------
كن عادل يدرب مجموعة، وكنت ضمن مجموعة أخرى، ورغم قلة عددنا كان الجبل يمتلئ بنا والصحراء والبحر، وقابلت عبد المنعم رياض فسألته دهشا :
- ألم تمت ?
فأجابني :
- بل حي أُرزق.
فقلت له أن موقفنا صعب فتول القيادة فنادى على مدير مكتبه أن يحمل الخرائط إلينا فنظرت إليه فإذا به خالد الإسلامبولي فسألته دهشا ألم تمت فأجابني بل حي أرزق، و أخذا يعرضان علىّ الخرائط، فرأيت كتيبة حسن البنا فسألتهما ألم يمت حسن البنا فقالا بل حي يُرزق، فسألتهما هل يقود، فنظر عبد المنعم رياض باسما وهو يقول :
- أنت لم تحط بالأمر كله بعد، فانظر إلى هناك.
نظرت حيث أشار فغشيني نور واقشعر منى البدن وأنا أهمس :
- الكتيبة الخضراء...
وجاشت مشاعري واشتعل حماسي وتوقدت روحي و أنا أكتم صراخا تكاد تنشق له جنبات نفسي لأهمس:
- رسول الله.. رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وفجأة اندفع عادل حسين وهو من الغضب في غاية :
- الخصيان يوشكون على الموافقة، ولولا خوف الاضطرابات والمظاهرات لوافقوا منذ زمن.
فسألته في لهفة عما حدث، فأخبرني أن المؤتمر قد انضم إلى كل المؤتمرات السابقة و أن المجلس قد انضم إلى كل المجالس السابقة و أن كل المطالب قد تبلورت لتسفر عن وجهها الأخير، و أن أمراءنا راحوا يفاوضونهم لتخفيف شروطهم بعد أن استجابوا لمعظمها، فصرخت فيه:
- معظمها أم كلها يا عادل؟.
فقال:
- بل كلها ماعدا مطلب أخير، وهم يهددون : إذا لم يُنفذ هذا المطلب فسوف ينقضون كل اتفاقياتهم السابقة..
وصرخت فيه:
- فماذا قال السلاطين والأمراء؟..
فأجابني:
- قد وافقوا من ناحية المبدأ..
فقلت له صارخا :
- كيف جرءوا..
فأجابني :
- لقد سمعت لتوي خطبته في التلفاز، راح يقول أن السلام العالمي يستحق منا كل تضحية مهما عظمت، و أنه لا يجب أن يقف فرد مهما كان قدره عقبة أمام خير البشرية وحريتها في قيادة أمورها..
فصرخت :
- مسيلمة هو يا عادل..
فقال:
- هل خمنت طلب أعضاء المؤتمر؟
فقلت له:
- أعرفه منذ زمن لكنني لا أجرؤ على البوح به حتى لنفسي.
وفاض بي الألم فصرخت فيه :
- ما هو المطلب الأخير يا عادل?.. قل لي فأنا لا أستطيع النطق بها..
فأجاب والكلمات تخرج من فيه أشلاء والحروف تقطر دما :
- مطلب واحد.... لا بديل له...
صرخت :
- فانطق يا عادل....
فأجاب وسط خضم هائل من غضب جبار :
- مطلبهم.... أن نسلم لهم محمدا صلى الله عليه وسلم....
فصرخت صرخة عظيمة اهتزت لها جنبات الكون، فأردف :
- على أن نسلم لهم معه.... القرآن....
ووجدتني أصرخ فيمن حولي :
- ليس النصر مبتغاي.... بل الاستشهاد...
و انطلقت لا ألوى ميمما وجهي شطر الكتيبة الخضراء...
***
تمت
***
***
***
حاشية أخيرة
عند انفجار أزمة" وليمة لأعشاب البحر"، وكانوا قد أطلقوا علينا أقلامهم المأجورة المسعورة، وفى صحيفة وزارة الثقافة كان غلام صلاح عيسى - ترك العمل كصحافي الآن.. ليعمل مع راقصة..!! -، وفى صحيفة حزبية تقول أنها قومية - أسقطوا ديونها مقابل دعم الكفر- راح غلامها مع الغلام الأول يعتمدان على هذه القصة في اتهامي بأنني كاتب جنسي و أنني أروج للشذوذ.. و أبرره .. و أمتدحه..!!.. بل وراحوا يقتطعون أجزاء متفرقة من الحوار ليتهموني باتهامات شتى.. منها أنني أشجع على الكفر أو أؤيد نظرية الحلول أو أنني متشيع.
كانت السلطة التي نجحت في الاستمرار في الانتخابات الأخيرة بجهود الساقطات اللاتي جندتهن السلطة الفاسقة كي يهددن المحجبات بهتك أعراضهن حتى يمتنعن عن التصويت، هي نفس السلطة التي جاءت بنوع مشابه من الكتاب، مهمتهم الوحيدة الاجتراء على الثوابت والتطاول على الرموز.
كنّ- الساقطات – في مأمن من حساب السلطة فهي التي حرضتهم، وهى التي تحميهم بل وتجزل لهن العطاء مقابل فحشهن، تماما كان الأمر مع الكتاب الذين باركوا الاعتداء على الذات الإلهية بفاحش القول، وكان تقديرهم – الكتاب لا الساقطات- أن حصارنا قد اكتمل : في الخارج والداخل ومن العصابة التي تسيطر على مقاليد الثقافة والنشر والفكر، و أننا حتى لو أفلتنا من السجون فلا نفلت من الحصار، ولن يكون في مقدورنا كشف أكاذيبهم. ولكن الله شاء أن يخزيهم. ومجرد إعادة نشر هذه القصة التي اتهموها بهذه الاتهامات يكفى..
***
***
***
كتب للمؤلف
اغتيال أمة-
طبعة أولى
1987
سياسي
مكتبة مدبولى
الحاكم لصا
1989
رواية
مكتبة مدبولى
مباحث أمن الوطن – صودرت بعد الطبع.
1991
مجموعة قصص قصيرة
مكتبة مدبولى
اغتيال أمة -
طبعة ثانية مزيدة
1991
سياسي
مكتبة مدبولى
قصر العيني
1992
رواية
مكتبة مدبولى
من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك
1993
سياسي
الشركة العربية للطباعة والنشر
إعلانات مبوبة
1994
نصوص أدبية
دار جهاد للنشر
مباحث أمن الوطن
( غير المصادرة)
1997
رواية
مدبولى الصغير
أنى أرى الملك عاريا
1999
سياسي
مكتبة مدبولى
بغداد عروس عروبتكم
2000
سياسي
مدبولى الصغير
الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة
2001
سياسي
مكتبة مدبولى
بل هي حرب على الإسلام
2002
سياسي
مكتبة مدبولى
تحت الطبع
القرن الحادي والعشرون
مجموعة قصصية
بروتوكولات حكماء العرب
رواية
1- إعلان حقيقي نشر بمساحة الصفحة الأخيرة لصحيفة الأهالي قبيل حرب الخليج عام 1990.
2-
1- إعلان حقيقي للصحافي المعروف حسنين كروم (صحيفة القدس العربي)
1- كان الدكتور حمدي السيد قد استطاع أن يثبت قضائيا قيام مستشار بتزوير الانتخابات ضده.. و اضطر المستشار إلى تقديم استقالته.
1- رواية للمؤلف، والكاتب يقصد بابنته الشكل الفني لهذا العمل: إعلانات مبوبة، متسائلا هل اقتبسه ممن ذكر أسماءهم؟ لكنه يقرر في النهاية أن بذوره كانت موجودة في روايته: قصر العيني..
1- أردت أن أكتب شيئا عن العدم... اللا شئ.. لكنني لم أستطع.. فكيف أعبر عن اللا شئ بشيء..
[6] - حيث سفارة الصهاينة.
[7] - الواقع أشد غرابة وبشاعة مما يمكن أن يصل إليه أي خيال.. كان ابن مسئول كبير قد حصل على توكيل طفايات حريق "بافاريا" و إذا بكل الأجهزة التنفيذية في طول البلاد وعرضها تفرض هذه الطفايات كإتاوة لجميع السيارات والمنشآت التجارية والصناعية، وبلغ الأمر أن هذه الأجهزة كانت ترفض أي نوع من الطفايات من طراز آخر غير الذي حصل ابن المسئول على توكيله، والقصة تدور على لسان ابن المسئول.
[8] - أسماء ترددت في فضائح سياسية..
[9] - ليس خيالا و إنما مستقاة من جريمة حقيقية اختطف فيها مسئول حكومي كلف بتزوير الانتخابات طبيبا منافسا ، وربطه مع الحيوانات في الحظيرة، و أرغمه تحت التعذيب على الطعام والشراب معها. ولم يكن العدل هو الذي حسم الأمر، فقد كان للطبيب معارف أقوياء، و أدى توازن القوى إلى عدم إهمال القضية، وتم الحكم على الجاني بثلاثة سنوات سجنا ( محكمة جنايات شبين الكوم).
[10] - كنت أقصد فعلا أن العالم الغربي سيلتهمنا..
2- كان ذلك منذ ثمانية أعوام، كانوا سبعة، اتهمهم الأمن بالإرهاب، ودون بينة هاجمهم في شقة سكنية كانوا يختبئون فيها، أطلقوا الرصاص عليهم على الفور، استشهدوا جميعا، وأسفر التشريح أن أمعاءهم خالية، كانوا لم يذوقوا طعاما لمدة ثلاثة أيام، وكانوا جميعا دون العشرين.
1- الشخصيات التاريخية كان لها مواقف شديدة البذاءة من الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه.
[13] - أحد رؤوس الحكم كان يمارس شذوذه في استراحة في حديقة الحيوان! وكان قد رفع عاملا إلى درجة مدير عام و أسند إليه المسئولية الرئيسية بالحديقة!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق