قنطرة الإلحاد: عباس العقاد وعلي الوردي نموذجًا
محمد جلال القصاص
التقى عباس العقاد وعلي الوردي على فكرتين.. والقولان أعْرَضُ قنطرة يمر عليها الإلحاد لثوابتنا الإسلامية!!
في إطار التصدي لصعود الصحوة الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي، وفي إطار تمدد موجة الإلحاد (العلمانية)، يتم الدفع بعدد من الرموز الفكرية: يمثل بعضها وسطًا بين الصحوة والعلمانية، كالأستاذ مالك بن نبي والدكتور عزت بيجوفيتش والدكتور عبد الوهاب المسيري، ويمثل بعضها نقيضًا هادئًا أو صاخبًا للصحوة الإسلامية، كعباس العقاد والدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي. فنحن أمام سياقٍ، أو قل: ظاهرة فكرية وحركية تتجمع وسطًا بين الصحوة الإسلامية والعلمانية، ويتطور أغلبها في اتجاه علماني، مما يدفع بسؤالٍ عن مدى تأثير هذه الظاهرة على الصحوة الإسلامية؟
الظواهر تقرأ من زوايا مختلفة، وفي مستويات مختلفة، ويصعب تفسيرها بسببٍ واحدٍ أو حفنة قليلة من الأسباب، ولذا دعنا نجيب على سؤال التأثير الحاصل من نصف العلمانية، أو العلمانية الجزئية، التي تتكون في المشهد الثقافي على الصحوة الإسلامية من زاوية واحدة، هذه الزاوية أسميها (قنطرة الإلحاد)، ونضرب الأمثال بعباس العقاد وعلي الوردي، وإن يسّر الله وقتًا وجهدًا عُدنا من زاوية أخرى.
التقى عباس العقاد وعلي الوردي على فكرتين: الأولى: حتمية العوامل الوراثية والبيئة؛ والثانية: التطور. فكلاهما يقول بحتمية تأثير العامل الوراثي والبيئة، وكلاهما يقول بالتطور، والقولان أعْرَضُ قنطرة يمر عليها الإلحاد لثوابتنا الإسلامية!!
أولًا: البيئة والعامل الوراثي:
وعلي الوردي يُسند كل فضيلة في الشخص للعامل الوراثي والعامل البيئي، وحين أرادوا أن يكرموه بجائزة لتفوقه رفض تسلمّها، مدعيًا أن لا فضل له في تفوقه الدراسي، يقول: ما أنا إلا حصيلة عوامل بيئية ووراثية ولا فضل لشخصي في شيءٍ مما فعلت، هي البيئة وهي الوراثة. هكذا يتحدث!!
ثانيًا: التطور:
يؤمن كلاهما بفكرة التطور: العقاد يعمم فكرة التطور على كل شيء، يقول عن الإنسان الأول أنه كان همجيًا مُشركًا، ثم تطور في الأديان كما تطور في أساليب المعيشة، فمن وثنية مطلقة إلى وثنية محدودة (عدد قليل من الآلهة) إلى التوحيد. وبداية التوحيد عنده توحيد الفراعنةُ الناسَ على آتون (إله) الشمس. ويتحدث بأشياءٍ أخرى أشدّ من هذا غرابة!!
ويجاهر عباس بالإيمان بـ (نظرية) دارون عن أصل الأنواع، بل ويدافع عنها، ويؤمن بأشياء أخرى أشد غرابة!!
ومن يقرأ في كتاب الله ساعة يعلم أن الإنسان الأول هو آدم -عليه السلام- خلقه الله بيده وعلمه: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ } [ص من الآية:75]، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة من الآية:31]، واصطفاه من خلقه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33]. وفي الحديث عن الإنسان الأول أنه «نبيٌّ مُكلَّمٌ، خلقه اللهُ بيدِه، ثم نفخ فيه من رُوحهِ» (السلسلة الصحيحة [6/359]). فكان نبيًّا ولم يكن همجيًّا مشركًا كما يفتري عبَّاس.
وفي محكم التنزيل أنّ الله بعث في كل أمة نذير، وأن الأمم السابقة أُهلِكت بذنوبها {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ} [القصص من الآية:43]، فالبشرية لا تتحرك في خطٍ مستقيم تطورًا، وإنما تزدهر وتُباد تبعًا لحالتها مع رسل ربها.
وعلي الوردي لا يكاد يتحدث أو يكتب إلا ويقول: تطوّرت الأخلاق حتى ضاعت وتبدلت.يقول: "تطورت أخلاق البادية حتى ضاعت وتبدلت، وتطورت المدينة حتى ضاعت أخلاقها وتبدلت". ولا يتحدث عن أن قيمًا ما حلت محل قيمٍ أخرى فأزاحتها!!
قنطرة الإلحاد الأعرض:
فكرة التطور وحتمية العامل الوراثي والبيئي هي القنطرة الأعرض التي يمر من عليها الكفر إلى ثوابتنا؛ فغاية المحادّين لله ورسوله أن يثبتوا أن الرسالة من الأرض.. تطور بيئي. أن يثبتوا أن القيم لم تأتِ وحيًا من الله وإنما اهتدى إليها البشر من أنفسهم. أن الكون أزلي أبدي، من مليارات السنين (عصر الديناصورات) وإلى مليارات السنين (بعد انتهاء البشر تطورت من غيرها وتتطور إلى غيرها)، فالحياة على الأرض تتطور وتستمر للأبد. يتحركون حول هذا المعنى دائمًا ويأتون من كل بابٍ يستطيعون الدخول منه. فمرةً يقولون: عَلّمه بشر، ومرة يقولون يطلب مُلك أجداده، ومرة يقولون تَطَوّرٌ للكهانة والسحر والشعوذة في الجزيرة العربية (وكل هذ الأفكار يؤمن بها ويدعو إليها عباس العقاد وسنأتيه مرة بعد مرة إن شاء الله).
المعركة حول إدعاء أرضية الرسالة هي الأشد والأوسع والأعمق في الفكر الإسلامي، وعامة ما يطرح من المنافقين والغافلين يتحرك حولها، فالذين يتحدثون عن عبقرية النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يقفون تحت مظلة (التنمية البشرية).. أولئك الذين يظنون أنّ سعادة الأفراد ونهضة الأمة بالجد والاجتهاد هو الهدف وأنه قد يتحقق بعيدًا عن النموذج الإسلامي الأول.
وقد شاهدت أحد علماء الاجتماع يتحدث في مؤتمر علمي ويقول: "يأتمر المختصون من الكافرين كل عامٍ ليثبتوا أن الرسالة تطور بيئي، وذلك منذ أربعة قرونٍ، ولم يفلحوا للآن".
وتغيرت الجزيرة العربية. في سنوات قليلة تحول نفس الأشخاص من رعاة للشاة إلى رعاةٍ للأمم. بحفنة من المفاهيم والتصورات البسيطة، التي تجيب على ذات الأسئلة التي تطرحها الفلسفة المعاصرة: الخلق، دور الإنسان في هذه الحياة، وماذا بعد الموت؟
الفكرة الكامنة وراء تسويق مثل هذه الأفكار(التطور، وحتمية البيئة) هو صرفنا عن منظومة القيم السماوية.. النسق العقدي الرباني.. الكتالوج الجاهز والقابل للتطبيق، والذي يثمر تحولًا جذريًا في الأشخاص والواقع. فنحن المسلمين غير هؤلاء؛ سماويون. لسنا أرضيين كما ادعى عباس العقاد وعلي الوردي، وهما مثلان لفكرٍ منتشر تغلل في عقول شباب الصحوة الإسلامية وأثّر فيهم، ولك أن تتدبر في الجموع التي تنصت لهذين الكاتبين وهما يحملان هذه الرذيلة الفكرية وينشرانها على العوام؛ والدعاة الجدد وهم تطبيق عملي للبرمجة العصبية( أو التنمية البشرية)؛ بل والمنصتين لأحاديث البرمجة العصبية نفسها، وقل الملتفون حول حديثٍ النبي وحال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق