شكراً أميركا؟
هل توجد أسوأ من صورة العرب والمسلمين إذا نظر إليهم الغرب من خلال أنظمتهم السياسية؟ وهل يوجد ظلمٌ أكثر من ذلك؟ تخيّل أن يُنظر إلى السوري من خلال نظام بشار الأسد؟ أو غيره من الأنظمة المتوحشة.
في مقابل سوء حكّامهم، وخصوصا سيئ الذكر ترامب، مجتمعهم عظيم، جمع أفضل ما في العالم من عقول، وله فضل على كل البشر.
أنا من جيل رأى الحاسوب جهازا مركزيا محصورا بالدولة (زرت الحاسوب الوحيد في الأردن عام 1976 في الجمعية العلمية الملكية مع الوالد أثناء إعداده رسالة الماجستير وكأنه مفاعل نووي).بفضل طيب الذكر، بيل غيتس، صار جهازا شخصيا اقتناؤه أسهل من اقتناء سيارة، والإنترنت ظل عسكريا إلى أن سمح بوش الأب بفتحه للعامّة، كل دقيقة نحتاج إلى أميركا ونشعر بالامتنان لها.
من يستطيع الاستغناء عن الحاسوب والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت والمنصات. ناهيك عن اللقاح الذي هزم جائحة كوفيد وغير ذلك.
شهدت منصّات التواصل، في الأسبوع الماضي، هجوما حادّا على أميركا، بسبب الكشف عن مجزرة الباغوز التي قتل فيها أطفال ونساء من أسر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لم يكن الهجوم على القتلة، بل على أميركا، متناسين أن الذي كشف المجزرة هو الإعلام الأميركي من خلال صحيفة نيويورك تايمز، والتي استندت إلى تحقيقاتٍ داخليةٍ للجيش.
ولولا الإعلام الأميركي لما عرف العالم أن مجزرة وقعت، تماما كما كشف الإعلام ذاته عن التعذيب في أبو غريب، وعن مجزرة الحاويات الحديدية بحق مقاتلي حركة طالبان، وقبلها كشف أهوال حرب فيتنام في القضية المعروفة بـ"أوراق البنتاغون". شكرا أميركا الصحافة التي كشفت جريمة الباغوز.
أعلم من خلال عملي الميداني أي جريمة يرتكبها الجيش الأميركي. وفي أثناء عملي في العراق، عملت تحقيقا عن مجزرة المنصور، بمساعدة الزميلة الأميركية، مي وولش، وخرجنا بنتيحةٍ بعد مقابلة أرفع مسؤول قضائي في الجيش الأميركي، أن ما يحكم الجيش الأميركي هو قانون الجيش الأميركي فقط، لا قوانين محلية ولا دولية.في المقابل، وفي سورية، هل حقق الجيش السوري في جرائم وقعت في منطقة العمليات؟ أم وفّر "داعش" مدنيا أميركيا وصل إليه، ذكرا أو أنثى؟ هل يمكن تحميل السوريين والعرب والمسلمين مسؤولية جرائم جيش بشار الأسد وتنظيم داعش؟ وهل في بلادنا صحافة تجرؤ على الحديث عن الجيش وأجهزة الأمن بغير المديح والنشيد؟
في الأسبوع نفسه، أصدرت محكمة الاستئناف حكما برفض منح شركة "إن أو أس" الإسرائيلية الحصانة السيادية في قضيةٍ رفعتها ضدها شركة ميتا المالكة "فيسبوك" و"واتساب"، فالذي أنتج برمجيات التجسّس إسرائيلي والذين استخدموها عرب، لكن من يدافع عن الضحايا العرب هم الأميركان، شركة وقضاء وإعلاما.
المشكلة كبيرة مع أميركا في سياستها الخارجية المنحازة لإسرائيل وللطغاة في آن. فلو حلّق الطيران الأميركي فوق قصر بشار بعد مجزرة الكيماوي في 2013 لسقط النظام، ولما نشأ "داعش" ولا صارت مجزرة الباغوز، ولو فعلها أوباما وقتها لقلت بملء الفم، شكرا أميركا.
قصارى القول، أميركا ليست شيطانا يُشتم، ولا ربّا يعبد. ومشكلتنا في من يشيطنها ومن يعبدها. وهي في غنى عن الاثنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق