وائل قنديل
قبل نحو شهرين، نقلت أسرة الناشط الحقوقي الشاب، علاء عبد الفتاح، المحبوس في سجن طرة شديد الحراسة عنه، أنه يشعر بأنه سيقضي عمره كله داخل السجن.
كان ذلك أبرز ما تضمنته الرسالة التي تسلمتها منه الأسرة عن طريق إدارة السجن، الذي يقبع فيه منذ سنوات، ويحظى بمعاملة استثنائية، هو وعدد قليل جدًا من النزلاء، تجعل عقوباتهم أضعافًا مضاعفة، بالنظر إلى أنها يغلب عليها طابع الانتقام والثأر، أكثر من كونها عقوباتٍ قانونيةً موقعةً بعد محاكماتٍ تتمتع بالحد الأدنى من الإجراءات القضائية المحترمة.
التنكيل الانتقامي هو التعبير الأدق عن معاملة السلطات المصرية لمجموعة منتقاة من السجناء، في مقدمتهم النائب البرلماني السابق محمد البلتاجي والمحامي المعروف عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط والسفير السابق رئيس ديوان رئيس الجمهورية محمد رفاعة الطهطاوي، وعدد من طاقم العمل مع الرئيس الراحل محمد مرسي، شهيد الانتقام والتنكيل داخل محبسه، ومعهم علاء عبد الفتاح، الناشط الحقوقي وحازم صلاح أبو إسماعيل، المحامي الشهير، ومحمد عادل أحد مؤسسي حركة 6 أبريل، ورامي شعث عضو حركة مقاطعة الكيان الصهيوني، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والمرشّح الرئاسي في انتخابات 2013 ونائبه محمد القصاص، وأسامة محمد مرسي ابن الرئيس ومحاميه الذي كان يتابع جلسات محاكمته العبثية.
ما يجمع هؤلاء، على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية، أنهم أكثر تعبيرًا عن روح ثورة يناير 2011 وقيمها، وأكثر إيمانًا وتمسّكا بأحلامها، وبالتالي يجري معهم، ومع غيرهم، هو تعبير عن عملية تصفية حسابات وانتقام تدور بخطى محسوبة، وتتخذ أشكالًا متفاوتة من التوحش في ممارسة الظلم باستخدام أساليب مفرطة في خسّتها، هي التي ألقت بأحدهم، الناشط الشاب علاء عبد الفتاح، على حافة اليأس من إمكانية مغادرة ظلام الزنزانة وظلمها في قابل الأيام.
وقائع موت الطبيب السجين حمدي حسن، النائب البرلماني المعارض في سنوات ما قبل الثورة على حسني مبارك، داخل سجن العقرب، محرومًا من الزيارات طوال ثماني سنوات لم يره فيها أحدٌ من أسرته، أو يتعرّف على أحواله الصحية، مثله مثل عشرات من ضحايا الحرمان العلاجي والإهمال الطبي داخل السجن، تبين إلى أي حد يستخدم النظام الحبس وسيلة للتصفية، لا أداةً للعقاب، وتكشف عن أن السلطة الحالية ماضيةٌ في أعمال الانتقام والتصفية لمعارضيها من دون أي إحساسٍ بأن هناك من قد يعترض طريقها، أو يحاسبها، أو حتى يسائلها، من تلك الجهات التي تدعم توحشها بصفقات التسليح والتعويم السياسي.
يتزامن الإعلان عن مقتل النائب حمدي حسن، في "باستيل مصر" الشهير بسجن العقرب، مع الكشف عن أوراق التعاون المصري الفرنسي في الحرب على الإنسان المصري منذ عام 2015، حيث تتوالى المفاجآت والفضائح الخاصة بإمداد فرنسا السلطات المصرية بمنظومة تجسّس على المعارضين، في الداخل والخارج، بعد افتضاح جرائم الحرب المرتكبة في الصحراء الغربية.
وسط هذه المقتلة بحق الناس، يذهب قائدها إلى الاحتفال بالكباش، في كرنفال ضخم، بثته أكثر من 25 قناة تلفزيونية، تطنطن بكلام غزير عن الحضارة والتحضر، تمامًا كما فعلت قبل شهور في أثناء تفضل القائد المتحضر، المثقف، باستقبال موكب مومياوات الملوك والملكات الفراعنة بالقاهرة، فيما أنين الأحياء من الظلم والقمع والمرض والفقر يختفي ويتلاشى في ظل تعالي أصوات الطبل والزمر والهتاف للفرعون، الذي يأتي سجن العقرب عنده في مرتبةٍ أعلى قيمة وأكثر قدسية من معبد الكرنك ذاته.
وكما قلت سابقًا، الارتباط وثيق بين فكرة الطغيان والاستبداد وبين المظاهر الفرعونية الزاعقة، كما أنك تجد في تاريخ مصر الحديث، منذ ثورة 1952، زيارة لكل الحكام العسكريين إلى التاريخ الفرعوني، باعتبارها الوصفة الأسهل والأرخص لملء أوعيتهم بمفاهيم للوطنية التي تجعل من الوطن وحاكمه شيئًا واحدًا، يتّخذ شكلًا من التقديس ويكتسب قيمة معيارية، على أساسها تُحتسب نسبة الولاء لدى كل مواطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق