الحركات الباطنية.. غلاة الشيعة (9)فاتن فاروق عبد المنعم
أقوال في رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا:
يقول إبراهيم السيفي داعية الإسماعيلية الطيبية عن هذه الرسائل
«سمعت بعض العلماء يقولون عنها هي القرآن بعد القرآن، وهي قرآن العلم، كما أن القرآن قرآن الوحي، وهي قرآن الإمامة وذلك قرآن النبوة»
ومما يؤثر في القول إقرار الرسائل بوجود علوم سرية توارثها أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم باعتبارهم خزنة علم الله،
وكذلك دعوة الرسائل إلى إمام مستور، والحديث عن دور الكشف ودور الستر للأئمة،
وهذه الأمور كلها عقائد الإسماعيلية مما يدل على خلفية كتابها الدينية،
ورغم الخلاف بين المستعلية والنزارية إلا أنهما يعظمان هذه الرسائل،
حتى الحشاشين المعروفين بغلوهم كانوا يدرسون هذه الرسائل في قلاعهم.
يقول المستشرق كازنوفا نقلا عن إحدى المخطوطات التي عثر عليها:
«أن سليمان الملقب برشيد الدين، زعيم الحشاشين في بلاد الشام والذي خدم في قلعة آلموت في إيران قبل انتقاله إلى الشام،
حيث زاول علوم الفلسفة هناك، وأطال نظره في كتب الجدل والخلاف، وأكب على مطالعة رسائل إخوان الصفا»
ويقول المستشرق ماكدونالد:
«عندما استولى المغول على «قلعة آلموت» وجدوها غنية برسائل أخوان الصفا وبآلات هندسية ورياضية وفلكية من كل نوع،
إذ من المحتمل أن تكون تعاليم إخوان الصفا وما تخفيه في طياتها هي الآراء الخفية للفاطميين والحشاشين والقرامطة والدروز»
وداخل هذه الرسائل يكثرون من ذكر أسماء أئمتهم ويحتجون بكلام الحسين ويقولون:
«ومما يدل على أن أهل بيت نبينا عليهم السلام كانوا يرون هذا الرأي تسليم أجسامهم إلى القتل يوم كربلاء..
وصبرهم على العطش والطعن والضرب حتى فارقت نفوسهم أجسادهم، ورفعت إلى ملكوت السماء، ولقوا آبائهم الطاهرين محمدا وعليا والمهاجرين والأنصار»
ويقول المستشرق الإنجليزي هاميلتون جب:
“استغل الشيعة معارضو النظام السني ما لدى هذه الطبقات من مظالم اجتماعية واقتصادية،
غير أن ما أحرزوه من نجاح بين أعراب بادية الشام، وأكاري السواد، وعوام المدن اقتصر على خلق نواة للفوضى الاجتماعية،
دون غايات بناءة أو مثل عليا ثقافية، ولذلك لم تكن هذه الحركات الشيعية ذات أهمية كبيرة في الثقافة الإسلامية»
ومن الملاحظ في الرسائل ذكرهم لآل البيت واستخدامهم لمفردات معينة تخصهم دلالة على خلفية كتابها كما أنهم صرحوا بشكل مباشر في مقطع ما بأنهم علويون.
أما القول بأن كتاب الرسائل علويون وباطنيون وإسماعيليون ومعتزلة وفيثاغورثيون وأفلاطونيون ومجوس، وأن في نفوسهم ميلا إلى الوثنية،
فهذه هي عقيدة الشيعة فالكتاب الإسماعيليون يستشهدون بأقوال الفلاسفة والأنبياء جنبا إلى جنب،
فهم يعتبرون أن الفلاسفة في مصاف الأنبياء، لذلك فقد اعتبروا كل فيلسوف كبير نبي،
ومن أجل ذلك نراهم يجمعون بين موسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام،
وذرادشت وسقراط وفيثاغورث وعلى والحسين في مستوى واحد،
والفلسفة عند إخوان الصفا هي «التشبه بالإله بحسب طاقة الإنسان»
(هل تذكرون الحلاج وقوله مافي الجبة غير الله والذي قتل بسبب آرائه المنحرفة التي تدور في نفس الدرب،
وسمى قاتليه مغالين لا يفهمون الشعر الصوفي، المهم الزيغ والانحراف العقدي الذي يدعو له المبطلون)
استطراد بسيط
أود أن أختم القول في هذه الرسائل باستطراد بسيط يوضح خطورة تلقي الأشياء على عواهنها،
في السنة الأولي لي بالجامعة، كنا ندرس الخلية الحية،
فقام الأستاذ بشرح ونقل حرفي لما توصل إليه عالم، قام بصنع خلية لها نفس المكونات، وهيأ لها الظروف ودرجة الحرارة المناسبة «حضانة»،
ولكنها لم تعمل، والعالم الذي لا يعلق أي أسباب على وجود الإله الخالق، فقد أرجع السبب إلى الطريقة الغامضة التي تعمل بها الخلية الحية،
بالطبع الطريقة الغامضة هي الروح الذي يبثها الله في جسم الكائن الحي،
تأبت نفس العالم الملحد أن يقول ذلك وبالتبعية نقلها لنا الأستاذ المسلم وعند سؤلنا عنها في الامتحان أجبنا بما توصل إليه العالم الملحد.
التحذير من رسائل إخوان الصفا
تلقي الأشياء يختلف من شخص إلى آخر، طبقا لقوة المنطق الديني داخل كل منا،
والبعض لديه خلل في ذلك، ومن الممكن أن يقوده هذا إلى الإلحاد، فالنار تبدأ من مستصغر الشرر،
لذا وجب التحذير من رسائل إخوان الصفا؛ لأنها على نفس نهج العالم الملحد، يبثون السم في العسل،
والإلحاد السيال هذه الأيام قد يكون موضة مثل البنطال المقطع، وقد يكون عن قراءات متتالية،
وهذه تقوده إلى تلك، حتى يبلغ الكفر، عياذا بالله، ولا أعفي جماعة المؤمنين من المسئولية.
إخوان الصفا نادوا بوحدة الأديان:
الإله واحد بالتالي الدين واحد
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
19) آل عمران)
هذا هو الحق الذي بعث به جميع الأنبياء
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (133 البقرة)
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ
هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰوَنِعْمَ النَّصِيرُ} (78) الحج
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} (6 الصف)
هذا هو الحق الواجب أن يتبع، ودعوة كل البشر لهذا الإيمان لأنه من يمت على غير ذلك فهو في هلاك محقق، خلود لا يعلم مداه في نار جهنم،
وهذه الدعوة ليست من أجل ملك دنيوي ولا سيادة ولا ريادة،
بقدر ماهي تبليغ الدين الرائق المنزل من عند الله، وعلينا ألا نمل من الجهر بهلاك كل من لا يبتغي الإسلام، دينا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيا عن بينة،
ومن آن لآخر يخرج علينا من يطمس على الناس دينهم خاصة في إعلام الريات الحمر فنجد من يقول بخطأ أن من سيدخل الجنة هم المسلمون فقط،
حتى قال أحد الضالين المضلين وما أكثرهم في زماننا
‹هل خلق الله هؤلاء البشر ليعمل مسرحية في نهايتها يدخل المسلمون الجنة والباقين يعذبون في النار›
نعم هذه هي الحقيقة، كل مسلم سليم العقيدة مهما فعل سيعذب في النار بذنوبه حتى يتطهر منها ويقتص الله منه لحقوق اغتصبها، ثم يدخل الجنة برحمة الله.
ولكن هؤلاء نظرا لفساد منطقهم ومعتقدهم، وخبث طويتهم فإنهم يطمسون دعوة الحق، فنادوا بوحدة الأديان، حيث قالوا:
«غرض الأنبياء عليهم السلام وواضعي النواميس الإلهية غرض واحد وقصد واحد،
وإن اختلفت شرائعهم وسنن مفترضاتهم، وأزمان عبادتهم وأماكن بيوتهم وقرابينهم وصلواتهم،
كما أن غرض الأطباء كلهم واحد، ومقصد واحد في حفظ الصحة الموجودة واسترجاع الصحة المفقودة،
وإن اختلفت علاجاتهم، وهكذا غرض الأنبياء هو غرض جميع واضعي النواميس الإلهية من الفلاسفة والحكماء.
فالتوراة والإنجيل والقرآن، وغيرها من الكتب عندهم سواء (رغم نص القرآن بتحريف اليهود والنصارى لكتبهم)
فما دام الرب والخالق والرازق واحد، فلا حاجة إذن للاختلاف في المذاهب والآراء والديانات
لأن المقصود بهذه الديانات واحد وهو التوجه إلى الله، من أجل ذلك فهم يعتقدون أن أهل الديانات يقتتلون طلبا للملك والرئاسة،
فكل واحد من واضعيها يريد انقياد الناس أجمع لسنة دينه وأحكام شريعته.
دمج كل الديانات في دين واحد
وهذا يدل على أن الذي بذر هذه البذرة الخبيثة (اليهودي عبد الله بن سبأ) كان يريد دمج كل الديانات في دين واحد، هو موقفهم من النصرانية وعدم إقرارهم بتحريف كتابهم،
فيستشهدون بالأناجيل ويقتبسون منها ويشيرون إلى صلب المسيح الذي كذبه القرآن،
كأنه ثابت وحقيقة، ويوردون أسفار المسيح ومعجزاته كما جاءت في كتابهم المحرف لا كما وردت في القرآن،
بل ويتبنون ذات العقيدة بأن المسيح لما صلب فارق لاهوته ناسوته، بل ويذكرون قول النصارى على لسان المسيح:
‹إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة لاهوتي..
فإني إذا فارقت ناسوتي فإني واقف في الهواء على يمنة عرش أبي وأبيكم›
مما جعل الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب يقول:
‹هذا هو دين الحب الإنساني الذي بشروا به ودعوا إليه، ومن الطبيعي أن يتأثروا بأفكارهم هذه عباقرة الفلاسفة من المتصوفين،
وعلى رأسهم محيي الدين بن عربي الذي نادى بدين الحب ووحدة الوجود ووحدة المعبود›
نستطيع أن نقول البذرة الخبيثة التي غرسوها طرحت شجرة مشوهة وهي الدعوة الآنية للدين الإبراهيمي الجديد وما هو بجديد،
فالمرض أعراضه كانت مبكرة جدا ولكن آفتنا أننا لا نستفيق دائما إلا بعد حدوث الكارثة.
وللحديث بقية إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق