ماذا لو أصبح إريك زيمور رئيساً لفرنسا؟
علي أنوزلا
لا حديث في الإعلام الفرنسي اليوم إلا عن المرشح المحتمل للرئاسة الفرنسية، العنصري والمثير للجدل، إيريك زيمور، الذي يتخذ من معاداة الإسلام حطبا لحملته الانتخابية. الرجل لم يرشّح نفسه بعد رسميا، لكن وسائل الإعلام تتعامل معه باعتباره مرشّحا، وهو نفسه يتصرّف مرشّحًا يخوض حملة انتخابية سابقة لأوانها، من خلال الحضور المكثف في حلقات النقاش والبرامج التلفزيونية التي يطرح فيها أفكاره وأطروحاته اليمينية المتطرّفة، ويبثّ من خلالها تصريحاته العنصرية والحاقدة التي سبق أن دين بسببها أكثر من مرّة بتهمة العنصرية تجاه المسلمين والأجانب بصفة عامة.
زيمور، الإعلامي وكاتب الأعمدة ومقدّم البرامج التلفزيونية الحوارية، ليس غريبا عن عالم السياسة، وخصوصا عن الإعلام الذي يجذبه الجدل الذي تثيره أفكاره العنصرية المعادية للجاليات العربية والإسلامية في فرنسا، وللمهاجرين بصفة عامة. استطلاعات الرأي ترفعه أحيانا إلى المرتبة الثانية خلف الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، وأمام المرشّحة المتوقعة لليمين المتشدّد، مارين لوبان، وهو ما دفع المحللين الفرنسيين ووسائل الإعلام الفرنسية الكبيرة إلى الحديث عن احتمال فوزه في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في إبريل/ نيسان المقبل. رجل مثير للجدل بامتياز، لا يستطيع أن يعيش خارج زوابع الجدل الذي تثيره تصريحاته المستفزّة للمسلمين واليهود، على الرغم من أنه يهودي، لكنه يغضب اليهود بتصريحاته المقوّضة ما تقوم عليه أساطيرهم السياسية، ومهاجر معادٍ للمهاجرين، يرعبهم عندما يتوعدهم بالترحيل وإعادتهم إلى بلدانهم، ويميني يثير بمغالاته حنق عتاة اليمينيين المتطرّفين لأنه يتجاوزهم في تطرّفهم.
خطاب زيمور العنصري والحاقد المسنود بقدرة كبيرة على إثارة الجدل، وموهبة بارعة في الحديث اكتسبها من مهنته صحافيا وضيفا دائم الحضور في البرامج التلفزية الحوارية
أسلوبه الخاص في طرح أفكاره المستفزّة جعله يفرض على النقاش العام مواضيعه المحبّبة إليه، المتمثلة في مسألة الهوية وأمن الفرنسيين، فكسب بالأولى تعاطف الفرنسيين العاديين المتقوقعين داخل هوية فرنسية منغلقة، واستمال بالثانية نخب فرنسا البورجوازية اليمينية الحالمة باستعادة مجد فرنسا "النقية". فهو نجح، على الأقل حتى الآن، في فرض قواعده على اللعبة، وهذه نقطة بداية مهمة تجعل حظوظه أكبر في الوصول إلى النهائيات، وهو ما دفع محلّلين فرنسيين إلى تشبيهه بالرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي فرض إيقاعه على الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016 في الولايات المتحدة، وكان فوزه فيها مفاجئا للجميع. الشيء نفسه يفعله اليوم زيمور في فرنسا، فهو يسير على خطى ترامب، بتبنيه الاستراتيجية نفسها التي تقوم على طرح نفسه مرشّحا من خارج النظام، ومعاديا للرموز والأحزاب السياسية التقليدية. يستطيع أن يقول ما يفكر فيه الآخرون من دون أن يجرؤوا على البوح به، شعبوي وديماغوجي وفاشستي وعنصري ويميني ومتطرّف وسطحي ومستفز، كوكتيل من الألغام المتفجرة.
المؤسف أن خطاب زمور العنصري والحاقد المسنود بقدرة كبيرة على إثارة الجدل، وموهبة بارعة في الحديث اكتسبها من مهنته صحافيا وضيفا دائم الحضور في البرامج التلفزية الحوارية، وصاحب قدرة أكبر على التسطيح المقنع لضعاف العقول، كلها عوامل ترشّحه لأن يصل إلى نهائيات سباق الرئاسيات الفرنسية. وفي ظل السياق الذي تستعد فيه فرنسا اليوم لاختيار رئيسها المقبل، المطبوع بتشتّت اليمين وضعف اليسار وانفراط خيوط الوسط، وأمام فرنسا ضعيفة دوليا ومريضة داخليا ومنقسمة على نفسها سياسيا، لن يكون وصول زيمور إلى قصر الإليزيه مفاجئا لكثيرين، لكنه سيكون أمرا مرعبا يعرّض بلاد نهر السين لخطر حرب أهلية، كل مقوماتها اليوم موجودة تنتظر فقط من يشعل نارها، وزيمور أخبط من حاطِب الليل إن لم يؤذِ نفسَه سيؤذي بلده وأهله.
أسلوبه الخاص في طرح أفكاره المستفزّة جعله يفرض على النقاش العام مواضيعه المحبّبة إليه
يحذّر الكل اليوم من إيريك زيمور، وفي الوقت نفسه، تزداد شعبيته، هو "الفيروس" و"الطاعون البني" و"الظاهرة". هكذا وصفه أحد السياسيين الفرنسيين، وصارت تلك الألقاب تتردّد في عناوين الصحافة الفرنسية، محذّرة من خطره ومن قدرته على استغلال حالة "الفراغ" التي تعيشها فرنسا المنهكة، في وقتٍ استقال مثقفون كثيرون من وظيفتهم في التصدّي لأفكاره، سواء بسبب لامبالاتهم أو لقناعتهم بعدم منح الرجل فرصة مناقشة أفكاره الهدّامة، لكن، في النهاية، أفكار زيمور هي التي تشغل اليوم بال فرنسيين كثيرين، وتملأ دنيا إعلامهم، ولو إلى حين!. يتفادى السياسيون الفرنسيون مواجهته، تجاهلا واحتقارا له، وفي الوقت نفسه، خوفا من أن يجرّهم إلى مستنقع أفكاره الجدلية. وفي النهاية، هو المستفيد من حالة "الفراغ" التي يتقن ملأها بضجيج صراخه، للفت انتباه ناخبيه وإثارة حنق منتقديه.
رجل غامض، ومهرّج لا يضحك، مستعد لتحريف الوقائع التاريخية وليّ عنق الحقيقة للفت الانتباه إلى ما ينفثه من سموم لتقسيم المجتمع الفرنسي، وإثارة غرائز ضعاف النفوس من المنبهرين بحديثه العنصري أو المشمئزين منه، على حد سواء. يلخص زيمور أفكاره في كتابه "فرنسا لم تقل كلمتها بعد"، وهو مذكّرات لسيرته الذاتية السياسية، جمع فيه شتات أفكاره التي سبق أن عبّر عنها في مقالات وأعمدة نشرها سابقا. وخلاصة فكره العنصري أن فرنسا تعيش مرحلة انحطاط حضاري، وهي بذلك تواجه حرب حضاراتٍ تسعى إلى أن تقوّض أسس حضارتها الرومانية واللاتينية المسيحية، لتحِلَّ محلها حضارة أخرى مغايرة، هي الحضارة الإسلامية. وسلاح هذه الحرب، حسب زيمور، هو الديمغرافيا، في إشارة إلى تنامي الوجودين، الإسلامي والأجنبي، في فرنسا، والحل بالنسبة له هو الطرد والترحيل للحفاظ على فرنسا "نقية". هذا الخطاب العنصري، على الرغم من سذاجته، سهل التمرير في الأوساط اليمينية والمحافظة، ولا تجب الاستهانة بخطورته لأنه يحرّض على العنصرية والكراهية الدينية، ومشحونٌ بنزعة عدائية ضد الإسلام والمسلمين والمهاجرين بصفة عامة. وتلك نقطة قوته، لكنها، في الوقت نفسه، نقطة ضعفه التي قد تقطع الطريق أمام وصوله إلى قصر الإليزيه، أما إذا وصل فلنقرأ على فرنسا، بلد "الحرية والمساواة والأخوة"، السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق