أوطان للبيع.. "تسليم مفتاح"
يعيش العالم العربي هذه الفترة نشاطاً في سوق بيع الأوطان، لكن الإقبال على الشراء ضعيف مما أدى إلى انخفاض أسعار الأوطان لتصل أدنى قيمة وطنية سوقية منذ آلاف السنين، مع أن أوطاننا ذات مواصفات خاصة يحلم بها كل مشتر، لأنها أوطان ذات إطلالة فريدة على البحار والأنهار، وذات مساحات شاسعة، وتتكون الأوطان من عدة قصور، وملاعب ومسارح لاستقبال الضيوف والفنانين وإقامة الحفلات، كما يحتوي الوطن على حدائق غنّاء فيها كل ما تشتهيه الأنفس من أشجار وثمار، ومجموعة كبيرة من الحيوانات والطيور النادرة.
ومن أجل رفاهية المالك الجديد خصص الوطن أماكن سياحية كثيرة يمكن استثمارها من قبل المشتري أو التمتع بها مع العائلة في الإجازات والعطل الرسمية، ويتمتع الوطن بالمناخ الجيد فهو معتدل صيفاً ودافئ شتاءً على سكان الطوابق العليا، وحار صيفاً وبارد شتاءً على باقي المناطق، هذا ويحتوي الوطن على مقابر كثيرة يرقد في ثراها شتى أنواع الشهداء والأبطال، أما تراب الوطن فهو من النوع النادر لأنه يحوي مزيجاً من دماء أولئك الشهداء مطعّم بالشيح والقيصوم والريحان، ومن أجل تمتع المشتري باللحظات الإيمانية والروحانية هناك العديد من المواقع الدينية الإسلامية والمسيحية ومقامات كثيرة للأنبياء والصالحين يمكن للمشتري زيارتها وأخذ الصور أمامها حتى يعرف الجميع مقدار الورع والتقوى التي يتمتع بها.
أمّا عن سكان الوطن المُباع، فهناك شعبٌ كامل من الخدم في خدمة المشتري الجديد، مهيؤون ومؤهلون وعلى درجة عالية من الحرفية والمهارة في الصمت والسكوت على الظلم والاستبداد، حيث يستطيع المشتري وبكل راحة أن يسرق خيراتهم، وينهب أرزاقهم، ويقتل أحلامهم مع ضمان كامل من البائع بعدم رفع أي صوت بالرفض أو حتى النقد، بالإضافة إلى حق المشتري في تجريب شتّى أنواع القمع، من تقييد للحريات، وتكميم للأفواه، وبأي الطرق يشاء من قتل أو سجن أو تعذيب أو تشريد، كما ونقدم الآن ولأول مرة حصرياً خدمة استحمار الشعوب والاستخفاف بعقولهم، وهذه الخدمة تُقدم فقط في عالمنا العربي، حيث يحق للمشتري أن يكذب ويدلّس على شعبه عبر وسائل إعلامه داخل الوطن، والخروج بالخطب والوعود الكاذبة مع ضمان تصديق الشعب ودون وعي لكل ما يتفوّه به المشتري أو من ينوب عنه، لا بل وكما عودناكم دائماً على المفاجآت ليس فقط الصمت والتصديق بل التسحيج والتصفيق أيضاً.
والآن ولفترة محدودة خدمة ما بعد البيع، حيث يقوم فريق العمل الخاص بنا والذي يتمتع بأعلى درجات الفساد، والخبرة الطويلة في المحسوبية والصفقات المشبوهة، في متابعة سير العمل في الوطن بعد بيعه، ومعالجة أي مشاكل يمكن أن تظهر لاحقاً مثل ارتفاع بعض الأصوات المطالبة بالحرية، أو الحراكات الشبابية، أو لا سمح الله الإعلام الحر، حيث يقوم فريقنا وعلى مدار الساعة بالتجسس والرصد لكل من تسوّل له نفسه القيام بأي عمل من شأنه تعكير صفو المالك الجديد للوطن ومعالجة الأمر فورا وبأسرع وقت ممكن، كما يتابع الفريق النسبة المئوية لمدى الرضا عن المالك الجديد من قبل الشعب، وذلك بترتيب انتخابات واستفتاءات حرة ونزيهة وشفافة وجميلة ورائعة، تعبّر عن إرادة الشعب الحقيقية بحيث لا تقل نسبة نجاح المالك الجديد عن 99.9% بأي حال من الأحوال، مع خدمة التهليل والتمجيد الإعلامي الدائم وعلى مدار العام.
وبالطبع فعروضنا لا تنتهي، ومن أجل ضمان تحقيق أكبر العوائد والأرباح فإن باطن أرض الوطن يحوي الكثير من المعادن الثمينة التي يستطيع المشتري استثمارها من أجل أبنائه وأحفاده، كما يحوي باطنه على الكثير من الآثار التي من الممكن بيعها بأثمان باهظة تحقق مردود مالي سريع ومضمون، ويمكن استغلال واجهات الوطن لإقامة مشاريع تجارية كمناطق خاصة مع الأوطان المجاورة، حيث إن موقع الوطن الإستراتيجي يساهم في نمو تلك المناطق التجارية وازدهارها، ومن مميزات هذا الوطن أنه يقع ضمن "كامباوند" عربي متكامل تحت حراسة أمنية مشددة، لضمان عدم إزعاج الشعوب المشردة للمشتري لينعم بالهدوء والراحة.
كما أن الوطن مزوّد بكافة الخدمات من ماء وكهرباء وتدفئة عبرية المنشأ بأعلى المواصفات الدولية وبكفالة مدى الحياة، وبعد البيع يحق للمشتري تغيير إرث وتراث وتاريخ الوطن في السجلات الدولية كونه المالك الجديد وذلك وفقاً لقانون الدافعين والقابضين الجديد المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 5/6/1967.
ملاحظة.. البيع بداعي الخيانة، بشعب أو بدون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق