قانون تعزيز المثلية .. مناقشة موضوعية
مهنا الحبيل
21 ديسمبر 2021
"يتمتع كلّ فرد بالحريات الأساسية التالية: الحرية الدينية أ. حرية الضمير والدين؛ • حرية الرأي/ الفكر/ الضمير"... القانون الدستوري الكندي
أقرّ البرلمان الكندي في ديسمبر/ كانون الأول الجاري قانوناً يُعزّز المثلية في المجتمع الكندي. أُطلق عليه BILL C - 4، قانون التعديل الجنسي المتعلق بالمثلية. وجاء إقراره بإجماع البرلمان، وأعلن عنه رئيس الحكومة باعتباره أحد منجزات الحزب الليبرالي، إذ تبنّى الحزب هذا المشروع، واحتفى بفرضه قانوناً تشريعياً. وحسب مواد المشروع، يُخشى أن يُطارد القانون من يُخالف المثليين بالرأي بعد التبنّي الحكومي، ولا يُقاضي فقط أو يؤسّس لمعاقبة من يرتكب فعلاً مجرّماً بحسب القانون، لكون نصوصه متداخلة للغاية مع مساحة الرأي، فضلاً عن الحق الإنساني في التعبير والاعتقاد الذي نصّت عليه وثيقة الحريات المدمجة مع الدستور.
أولاً، نُبين هنا في المقدمة أنّ تناولنا القانون لا يعتمد صيغة المواجهة أو المسّ أو التعرّض بالعنف الفكري أو السلوكي لظاهرة المثلية، إنّما مهمتنا هنا توضيح حجم التغوّل والتعدّي على حقوق الأسرة الفطرية في تاريخ الوجود الإنساني، التي وردت عنها في القانون ذاته إشارة خطيرة للغاية، لم تُسبق في تاريخ الإنسانية المعاصرة، لناحية الرفض أو التحقير، وكانت ضمن مفردات القانون.
نص القانون الكندي شرّع إظهار الميول الجنسية تجاه الآخرين، من دون أن يستثني الأطفال وأعطى حماية لممارسيها
ثانياً، مشكلة القانون أنّه لم يُحل إلى أيّ مساحة للمواد أو القوانين التي تحمي حياة الطفولة، بحسب نص الدستور الكندي، والذي حين اعتمد كان واضحاً أنّه يعني حق التعبير للضمير الاجتماعي والديني للمواطنين، فيما يناقض هذا القانون الحقّ الدستوري للمادة الثانية المشار إليها في مطلع المقال.
ثالثاً، وقد يُتحفّظ على هذا الوصف، بحكم أنّ هذا القانون يختصّ بتعزيز الظاهرة المثلية في المجتمع، أما حقوق الطفولة والأسرة وحق الوالدين في التنشئة قبل البلوغ فبما يرونه خيراً مطلقاً لأولادهم، تتفق معه العقيدة الدينية والمسلمات الفطرية والحقائق العلمية، بحسب من يعتقد بالأسرة الفطرية من مسلمين وغيرهم. فهذه الفئة نصّت على حقوق أطفالها مواد أخرى، متعلقة بحق الأطفال والدفاع عنهم أمام التحرّش الجنسي، لكنّ الرد على هذا التحفظ أنّ حسم التعارض القانوني لا بد من أن يوضّح في جسم القانون الجديد، أو يُنشأ قانونٌ يحمي الحق الدستوري الأساسي، وما يترتب عليه من حماية للأطفال.
رابعاً، المشكلة في نص القانون أنّه شرّع إظهار الميول الجنسية تجاه الآخرين، من دون أن يستثني الأطفال وأعطى حماية لممارسيها، من دون أن يُشير في نصه المعتمد إلى قوانين أخرى تحمي الطفولة وتعطي حق الدفاع للأسرة، لكن، على العكس، فتح الباب لإدانة الأسرة أي الوالدين ذاتهما، إذا حاولا الدفاع عن أطفالهما من الميول الجنسية المثلية للآخرين، ونحن نؤكد هنا على الإشارات المجملة التي لم يوضحها القانون، ولم يشر إلى ما يُقيّدها من قوانين أخرى، حتى نفهم مقصده التنفيذي.
مفهوم الدفاع الحقوقي الإنساني المجرّد للأسرة الفطرية من المسلمين وغيرهم مقيد بإجراءات عقابية ومطاردات قانونية
خامساً، نشير هنا أيضاً إلى قضية مهمة، أنّه، حتى قبل صدور هذا القانون، فإنّ مفهوم الدفاع الحقوقي الإنساني المجرّد للأسرة الفطرية من المسلمين وغيرهم مقيد بإجراءات عقابية ومطاردات قانونية، وأنّ مساحة المواطن الكندي هي فقط في حقه بالدفاع عن قيمه وحق أطفاله ومصالحهم، وضرورياتهم القصوى للحياة المطمئنة الصحية، بحسب المعادلة العلمية والاجتماعية والطبية التي يؤمن بها المجتمع الإنساني قبل هيمنة المثلية حديثاً، ومعها مذاهب الفردية الجندرية.
سادساً، بمعنى أنّ المواطن والمقيم في كندا، وكندا ليست وحيدة، لكنّها الأكثر تصدّراً في مشروع تعزيز المثلية غربياً، خارج حقه القيمي، لا يملك حرية التعبير في هذه القضية، حتى مع نبذه أيّ عنفٍ يمارَس ضد المثليين.
وهنا يُطرح تساؤل آخر: كيف أُقرَّ القانون بالإجماع، كيف لا يكون لمثل هذه النصوص ولو ملاحظات أو وقفات تستفسر عن تعارضه مع نصّ دستوري واضح، فإذا قيل إنّ هذا الأمر لم يبرز لهم، لكونه لم يُشر إليه، فهذا مخالفٌ لأعراف الفقه الدستوري والقاعدة الفلسفية له التي تُراعي بدقة غياب نصوصٍ غامضة أو متناقضة، وتتحفّظ على سرعة التصديق.
اليمين داخل العملية السياسية في كندا انسحب من مفهوم الدفاع عن الأسرة والطفولة التي تؤمن بها قاعدته الشعبية
لكنّ الأمر يتبين من خلال موقف حزب المحافظين الذي عبّر عنه زعيم الحزب أرين أوتول، مشيراً إلى أنّ انسحاب الحزب من مناقشة مشروع القانون جاء بسبب عدم إعطاء فرصة للحزب الليبرالي الحاكم، والذي يتضمّن، ضمن قوته الناعمة اللوبي الاجتماعي المؤثر على الحياة في كندا وعلى العملية السياسية، وهو لوبي المثليين. وقد انتقد السيناتور المحافظ ليو هاوسكوس استثمار هذه المساحة في التخويف، معتبراً إياها نوعاً من "الابتزاز السياسي" وأنّ القوانين الخاصة باللوبي المثلي تمرّ عبر هذه الضغوط، منادياً بوقف ذلك.
وسنُلاحظ هنا في القسم الأول من الموضوع إشارتين مهمتين. الأولى أنّ اليمين داخل العملية السياسية في كندا انسحب من مفهوم الدفاع عن الأسرة والطفولة التي تؤمن بها قاعدته الشعبية، وهو ما يجعل هذه الروح السياسية التشريعية مرشّحة لمزيد من الضغط على الطفولة، خصوصاً مع ورود مصطلح الازدراء الذي نعرض له مستقبلاً في وصف القناعات الإنسانية عن الأسرة والعلاقات الجنسية بين الذكر والأنثى، غير أنّ المحافظين يملكون من أدواتٍ إعلامية وثقافية أذرع مناقشة ومدافعة، لكنّها منحصرة في المواطنين الكنديين من أصل غربي، ولا تشمل الأقليات. أما الإشارة الثانية فنُلاحظ هنا أنّهُ لا وجود مطلقاً لأيّ موقفٍ معنوي ولا سياسي من كتلة العمل الحزبي للمسلمين داخل الحزب الليبرالي، مع أنّ كتلة المسلمين ضمن باقة الأقليات التي يعتمد عليها الحزب في كلّ موسم باعتبارها كوتا أصوات مضمونة، ما يُشير إلى أنّ تحديد السيناتور هاوسكوس اللوبي المثلي يعود إلى أنّه يُمثّل القنطرة الأساس، وأنّ بقية التكتلات هي مجرّد عجلات دفع، لا تمتلك أيّ مساحة شراكة فارقة فضلاً عن العجز عن مواجهة برلمانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق