البنود السرية في التحالف مع الشيطان
وائل قنديل
في تبرير الاتفاق الذي وقعته الحكومة الأردنية مع الاحتلال الصهيوني "المياه مقابل الكهرباء"، قال نائب أردني بمنتهى الفخر إنه يتحالف مع الشيطان من أجل مصلحة الأردن. وجه كلامه إلى الأغلبية الرافضة تمرير الاتفاق، مدافعًا عن التطبيع مع الاحتلال في إطار اتفاقية وادي عربة التاريخية، زاعماً أنه "لولا ذلك لما كان أحد من الموجودين تحت القبة، وخاصة أن دولا عربية كانت تبحث في ذلك الوقت عن دمار المملكة".
يمثل هذا الكلام إهانة بالغة للدولة الأردنية، كونه يذهب إلى أن التطبيع مع الكيان الصهيوني ضرورة وجودية، بما يعني أن المسألة ليست مياها أو كهرباء أو أية مصلحة اقتصادية، بل يصبح التطبيع هنا، بحسب منطق النائب، شرطًا لازمًا لبقاء الأردن ومنع "دمار المملكة" الذي يسعى إليه جيرانها العرب.
لا أظن أن أحدًا بلغ هذا العمق في تسويغ التطبيع من قبل، سوى ما يصدُر عن أبوظبي من خطاب سياسي وإجراءات على الأرض تنطق بأن التطبيع بالنسبة لهؤلاء غايةٌ تطلب في ذاتها، وليس وسيلة لتحقيق مصالح، مثلما كان المطبّعون يتحدّثون طوال الوقت عن مصالح مادية مؤقتة، وليس عن ارتباط عضوي بالاحتلال.
ثمّة عاطفة جياشة تجرف حكام الإمارات إلى الحضن الإسرائيلي، محمّلين بالهدايا وعروض المنح والمساعدات، وهي العاطفة التي تتأجّج في توقيتات بالغة الدلالة، فعلى سبيل المثال، بينما الجماهير العربية الحاضرة بطولة كأس العرب في العاصمة القطرية الدوحة (كان اسمها سابقًا كأس فلسطين) تتنافس وتتسابق على لقب الأكثر رفعًا للعلم الفلسطيني، والأشد قربًا من فلسطين، تذهب الإمارات بفريقها الشاب للمشاركة في بطولة ودّية صهيونية، ينظمها الاحتلال على أرض ملعب أقيم على أنقاض قرية فلسطينية دمرتها عصابات الجيل الأول من المستعمرين عام 1948. وفي اليوم ذاته الذي يعلن فيه عن زيارة رئيس حكومة الكيان الصهيوني أبو ظبي، واضعًا على رأسه طاقية الحاخامات المعروفة، يُعلن عن هزيمة ساحقة للفريق الإماراتي أمام نظيره الإسرائيلي بأربعة أهداف. وبالتزامن مع ذلك كله، يصدر بيان القمة الخليجية المنعقدة، بمشاركة الإمارات، في العاصمة السعودية متضمنًا فقرة باتت محفوظة من كثرة تكرارها في كل البيانات العربية، عن دعم فلسطين والشعب الفلسطيني لتحرير الأرض وإنهاء الاحتلال.
مسألة أن تتحدّث عن دعم فلسطين ورفض الاحتلال، في الوقت الذي تسعى فيه للتطبيع مع الاحتلال والتعاون معه اقتصاديًا وعسكريًا، تعدّ من المسائل المستعصية على الفهم، فكيف ترغب بإنهاء الاحتلال، بينما أنت تشاركه وتتبادل معه المصالح الاقتصادية والأمنية؟ كيف تلعن الشيطان ثم تتحالف معه في اللحظة ذاتها، إلا إذا كانت ثمّة بنود خفية في تحالفاتك مع هذا الشيطان لا يصل إليها العقل البشري، مهما ادّعى القدرة على الاستيعاب؟
أتذكّر أنه قبل أكثر من خمس سنوات، تحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ومع توقيع الأردن اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، خرج وزير شؤون الإعلام الأردني، محمد المومني، بتصريحاتٍ تجسّد منطق، أو بالأحرى لا منطق، رفض الشيطان والتعاون معه في وقت واحد، حين قال إن الاتفاقية ستوفر على المملكة حوالى 600 مليون دولار سنويا، لكنها في الوقت ذاته "لا تتناقض مع موقف المملكة الرافض للاحتلال".
واعتبر الرجل أنه "في منتهى السطحية أن نقول إننا ندعم الاحتلال الإسرائيلي حينما نوقع اتفاقية الغاز"، مؤكدًا: "موقفنا واضح من الاحتلال ونحن الدولة الأقدر على مجابهته". .. أشياء من هذا القبيل ردّدها أساطين الطبل القومي الهادر في مصر وأسطواته، مع الإعلان عن توقيع اتفاق تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني، ثم استيراده منه بأثمان أعلى.
أظن أن الشيطان، شخصيًا، لو وضعوا أمامه هذه المسوّغات التي تناقض نفسها، لما استطاع أن يفهم هذا المنطق أو يستوعبه، أغلب الظن أنه سوف يقهقه على نحو صاخب، ثم ينتحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق