من مظاهر الغزو الفكري: تشويه التاريخ الإسلامي
ناصحون
إن الصراع بين المسلمين والكفار دائم ومستمر، وقد جرب عدونا سلاح القوة مرارا، فما أجدى له نفعا، مما جعل قادتهم يفكرون في وسيلة أخرى ومیدان آخر للصراع، ولقد أدركوا أن السر في صلابة المسلمين وتفوقهم هو في إسلامهم؛ ولذا حولوا میدان الصراع من حرب المسلمين ذاتهم إلى حرب العقيدة الإسلامية، وبهذا تغيرت ملامح المعركة، فلم يعد میدانها الرئيس الأرض ولكنه الأدمغة والعقول، ولم تعد وسيلتها السيف بل الفكر، ولم تعد جيوشها الأساطيل والفرق العسكرية ولكنها المؤسسات والمناهج بالدرجة الأولى1.
الغزو الفكري
وهذا النوع من الغزو لم يسلم منه بلد من بلدان المسلمين، فهو غزو عام شامل من الأعداء الكفرة لجميع بلدان المسلمين بديل عن الغزو العسكري، كما أن هذا النوع من الغزو لم يختص بزمان دون زمان، فمنذ أشرقت شمس الإسلام على البشرية ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والأعداء ما فتأوا يوجهون سهام شبهاتهم على أهل الإسلام کما حصل هذا من اليهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وما تلا عصر الخلافة الراشدة من الفتن والبدع والأهواء إلى عصرنا اليوم الذي بلغ فيه هذا النوع من الغزو أوجه وذروة قوته وخطره، وذلك بما يستخدمه الغزاة في هذا الغزو من وسائل إعلامية هائلة لم تمر على البشرية في تاريخها، مما كان له أكبر الأثر في نشر الشبهات وتوجيه معاول الهدم على ثوابت هذا الدين في أصوله وأحكامه، فليس عندهم شيء ثابت ولا أصل لا يتغير، بل ما كان ثابتا وأصلا في زمان أو مكان ما قد لا يكون ثابتا وأصلا في زمان ومكان آخرين، ولا يستثنون شيئا من ذلك، ولو كان ذلك في توحید رب العالمين أو في الأخلاق والقيم التي هي ثابتة في كل الكتب السماوية ودعى إليها كل الأنبياء والرسل.
وهدف هذا الغزو هو إذابة الشعوب الإسلامية وسلخها عن عقيدتها وهويتها وحضارتها؛ لتصبح مسخا مشوها تابعا ذليلا لغيرها؛ لأن الكفرة من النصارى الصليبيين واليهود الفجرة يعلمون أن العقيدة الصحيحة القائمة على الولاء والبراء هي أقوى سلاح ضدهم، فسعوا جاهدين لطمسها وكسر هذا الحاجز المنيع بينهم وبين المسلمين، واستخدموا في ذلك كل الوسائل الممكنة، وسخروا أولياءهم من المنافقين في بلدان المسلمين في تنفيذ ذلك.
من مظاهر الغزو الفكري
تشويههم للتاريخ الإسلامي على أيدي المستشرقين والمنافقين من الباطنيين والعلمانيين
يصف الدكتور محمد بن صامل السلمي ما تعرض له التاريخ الإسلامي من الغزو الفكري والتشويه، فيقول:
(لقد تعرض التاريخ الإسلامي لأكبر قدر من الغزو الفكري، وركز الأعداء على تشويه تاريخ الأمة الإسلامية، ذلك أن التاريخ – بالنسبة لأي أمة- هو مجال اعتزازها وموطن القدوة فيها. فإذا كان تاريخ الأمة حافلا بالأمجاد -كما هو واقع تاريخ المسلمين فإنه بلا شك سيكون باعثا لهم على النهوض والتمسك بالمبادئ والآداب والقيم التي جعلت الأجداد يحرزون هذا المجد والفخار، ويصلون إلى هذا المستوى الراقي في بناء الأمة والحضارة، ويبحثون عن السر الذي رفعهم إلى هذا المستوى، وأنه إيمانهم بالله وتمسكهم بدينهم وجهادهم في سبيل الله ومن ثم يسعون جاهدين لانتشال أنفسهم من الموضع المتردي الذي وصلوا إليه، وأمامهم الصورة الجلية. والقدوة الممتازة في شخص رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي أخرج الله به الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الشرك والأهواء وتحكم الطواغيت إلى التوحيد والعدل والأمن والطمأنينة، ومن الفقر وضيق الحال والشتات إلى الغنى وسعة الدنيا والآخرة والاعتصام بحبل الله، وكذا أصحابه رضي الله عنهم الذين حملوا الراية وآزروه ونصروه، وأيضا بقية الأجيال من السلف الصالح من العلماء والزعماء والقادة والمصلحين والدعاة إلى الحق.
والنماذج الممتازة في التاريخ الصالحة للقدوة ليست أفرادا يمكن حصرهم، ولكنهم أجيال وأجيال، في مجالات الحياة كافة، العسكرية والسياسية والتربوية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية وهذا لا يوجد في تاريخ أي أمة أخرى لما لهذه الأمة من خاصية الاستمساك بالمنهج الرباني.
والتاريخ الإسلامي هو الذي يسجل هذه الصور السامقة ويوضح دور الأمة وأثرها وفضلها على البشرية، ولذلك لا نستغرب إذا ركز الأعداء في غزوهم الفكري على التاريخ الإسلامي حتى ناله كثير من التشويه والتحريف والتجهيل والتزييف والتفسير الخاطئ لأحداثه ومزاحمته بتواريخ الأمم الجاهلية، حتى يبدو حلقة صغيرة أو كما مهملا في تاريخ البشرية.
ولقد قام على تشويه التاريخ الإسلامي في العصر الحديث جيش بل جيوش من الاستشراق والتنصير ودوائر البحث ومكاتب المخابرات في الدول الغربية، واستطاعوا أن يجندوا مجموعة من ضعاف النفوس والمغرورين والجهلة وضحايا الغزو الفكري في العالم الإسلامي؛ لمساعدتهم ونشر أفكارهم بين المسلمين.
ونذكر فيما يلي بعض الوسائل التي استخدموها:
1- اختلاق الأخبار وإبراز المثالب:
وهذه أولى الوسائل التي استخدمها المستشرقون والمنصرون لتشويه صورة الحياة الإسلامية، وعقيدة المسلمين وسيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم، حتى ينفروا أبناء جلدتهم من الدين الإسلامي، ويصورون المسلمين بأنهم وحوش وسفاکو دماء، وأنهم يعيشون حياة تخلف وهمجية، ويضعون قصص وحكايات تؤيد ما يقولون، كما أنهم يسعون إلى تسقط الأخطاء وجمع المثالب وإبرازها على أنها الصورة المعبرة عن تاريخ المسلمين، وهذه الوسيلة كانت غالبة على الكتابات الأولى للمستشرقين الذين كتبوا عن الدين الإسلامي وعلومه وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتاريخ المسلمين، سواء كانت مؤلفات أو مقالات في المجلات التي أنشأها المستشرقون في مختلف الدول الأوروبية (هولندا – روسيا – ألمانيا – بريطانيا – فرنسا – أمريكا – إيطاليا) أو في دوائر المعارف العامة.
وقد قل استخدام هذه الوسيلة في الكتابات المؤخرة، لا إنصافا للحقيقة وإنما تغيير في الخطة، لأن الوسيلة الأولى لم تعد صالحة ولا مقبولة حتى في المجتمعات الغربية.
ومن اطلع على كتب القوم وما تكتبه المجلات الصادرة عنهم ودوائر المعارف يجد ذلك واضحا، وهذا مثل واحد من أخف الأمثلة (كارل بروکلان) – المستشرق الألماني الذي يعد حجة عندهم، بل عند بعض الباحثين المسلمين، ويعدونه من المعتدلين، وقد يبالغ البعض فيعتبره من المنصفين في كتابه (تاریخ الشعوب الإسلامية)- ولكن إذا قرأت في هذا الكتاب رأيت العجب العجاب، ورأيت التشويه، بل رأيت الجهل الثقيل ورأيت الكذب الصريح. يقول في (ص 31): (الكعبة بناء ذو أربع زوايا يحتضن في إحداها الحجر الأسود، ولعله أقدم وثن عبد في تلك الديار، وكانت الكعبة تضم تمثال الإله القمري هبل، بالإضافة إلى الآلهة الثلاثة المعبودة اللات والعزى ومناة) .
وقوله هذا إما جهل حقيقي وإما کذب وتزوير، ولا أظنه يجهل موقع العزى واللات ومناة، وهو يبحث في كتب الجغرافيا والبلدانيات الإسلامية التي تحدد مواقع تلك الأصنام.
وفي (ص 85) وهو يتحدث عن مسيلمة وسجاح يقول: (ففيما كان محمد لا يزال على قيد الحياة ظهر في تلك البلاد رجل اسمه (مسلمة) وقد دعاه المسلمون مسيلمة من باب التصغير الذي يقصد به التحقير، وادعى النبوة).
وهذه فرية ما سبقه إليها أحد، ولا ضير أن ينتصر للكذاب المتنبي؛ لأن الكفر ملة واحدة، ومعلوم عناية العرب بعلم الأنساب وبالأسماء وكل ما لدينا من كتب النسب والتراجم لا تذكره إلا باسم مسيلمة، فمن أين جاء هذا الأفاك بهذا الاسم؛ وقد جاء خبره واسمه في «صحيح البخاري»2 من قول – الذي لا ينطق عن الهوى – صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارین من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما العنسي والآخر مسيلمة»..
كما أن مسيلمة قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله3، فهو أعلم باسمه من هذا المستشرق، ثم إن الاسم سواء كان مكبرا أو مصغرا- لا يحكي الحقيقة ولا يحكم على الشخص من خلاله، وإنما الحقائق والأحكام من المواقف والإيمان أو الكفر.
والحقيقة أن ما كتبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتشريعات الإسلام وتاریخ الخلفاء الراشدين يمثل قمة السوء والحقد، فقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم بكل نقيصة..
2- استخدام المنهج العلماني (اللادینی) في البحث والنقد:
وهذا من أخطر الوسائل وأعظم المنجزات التي حققها دعاة الغزو الفكري، وتمكنوا من تقريرها في كثير من جامعات العالم الإسلامي ومراکز البحث العلمي، ولهذا المنهج آثار سيئة على تراث المسلمين ودينهم؛ لأنه قائم على أسس من الفلسفة الوضعية التي تنكر الوحي والنبوات، ولا تقيم وزنا للمنهج الرباني، ومن عجب أن يدعي أصحابه الموضوعية والحياد العلمي، مع كونه غير شرعي وغير علمي، أما كونه غير شرعي فأمر لا يحتاج إلى دليل، أما كونه غير علمي فقد ثبت بالاستقراء والتتبع لما يكتبونه عن التاريخ والثقافة الإسلامية أنه يقوم على الأسس الآتية:
أ- العمل على إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها مسبقا حسب أهوائهم، ثم التحكم فيما يرفضون من النصوص المضادة لها بمجرد الهوى، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى تحریف النصوص عندما يعجز عن تفسير النص على ما يريد، وانظر أمثلة هذا عند ولهاوزن، وكيتاني، ولامانس، وجولد تسيهر، وفيليب حتى، وكارل بروکلمان.
ب- الضعف العلمي وقلة الإحاطة بمصادر الثقافة والتراث الإسلامي الأساسية، لذلك تأتي آراؤهم وأحكامهم ناقصة الأدلة الصحيحة من النص أو الاستقراء.
ج- الجهل بمراتب المصادر العلمية أو تجاهل ذلك، ومن هنا يتحكمون في المصادر التي يختارونها، فتجدهم ينقلون من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي، وينقلون من كتب التاريخ ما يحكمون به في الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري (مثلا) في كتاب حياة الحيوان، ويكذبون با يرویه الإمام مالك في «الموطأ»، ويهاجمون «صحيح البخاري»، ويمجدون کتاب «الأغاني».
د – فقدان الأمانة العلمية تجاه المباحث الإسلامية…
3- التفسير الخاطئ والفهم العجيب للنصوص:
وهذا راجع إما للجهل حقيقة -هو أمر غير مستبعد- وخاصة أن جل المستشرقين لا يكادون يدركون معاني الألفاظ العربية ودلالتها، ولا يحيطون بكتب العلم والثقافة الإسلامية، فيقعون نتيجة لذلك في أخطاء فاضحة، وإما تعمدا، وهذا نابع من الحنق على المسلمين والعداء لهم، وإننا نلحظ هذا التفسير الخاطئ في كتابات المستشرقين عن كثير من القضايا الإسلامية مثل الجهاد والرق، ومكانة المرأة في الإسلام، والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمذاهب والفرق الإسلامية.. إلخ؛ لأن مثل هذه القضايا لا تفسر بناء على الوقائع التاريخية وحدها، بل لابد للكتابة فيها من معرفة الأحكام الشرعية وأصول التفسير والفقه وقواعد الشريعة، لأن معرفة هذه الأصول أمر لازم لمن يحلل النصوص التاريخية عن هذه القضايا ويفسرها، وهذا الجانب من المعرفة مفتقد – مع الأسف- عند عامة من كتبوا في التاريخ الإسلامي من المعاصرين، سواء من المستشرقين أو المتخصصين في التاريخ من أبناء المسلمين، وهذا راجع إلى الفصل القائم في كثير من دور العلم بين الدراسات الشرعية والدراسات التاريخية.
ومن المعلوم أن التاريخ ليس هو الحدث وحده، بل هو الحدث وتفسيره والحدث وباعثه، ولا شك أن العقيدة تأخذ جانبا كبيرا في تحديد البواعث والأهداف..
4- الاعتماد على مجرد الهوى في النقد والتحليل للحوادث التاريخية:
إن نقد الأخبار يخضع لمقاييس وضوابط علمية قررها العلماء الذين كتبوا في هذه المجالات مثل علماء الأصول وعلماء الجرح والتعديل وعلماء المنطق، ولابد من الالتزام بهذه الأصول في نقد الأخبار، إذ لا يجوز رد الأخبار لمجرد عدم قبول الإنسان لها وانشراح نفسه لما تدل عليه أو عدم تذوقه لمثل هذه الأخبار، لأن الحكم بالذوق والهوى وعدم الموافقة الشخصية لا يجوز أن يدخل في ميدان العلم، وإنما هذا بميدان الأدب وما شاکله أليق لخضوعها للعاطفة والتذوق الشخصي، أما الأخبار التاريخية فإنها وقائع عن حقائق، ولابد أن تنقد على أصول نقد الحقائق العلمية، ومن الأمثلة على هذه الوسيلة ما نجده عند كثير من المستشرقين وبعض من تأثر بهم مع ادعائهم مناقشة القضايا بمنطق العقل والعلم، ولكن إذا فتشت في كتبهم وجدت أن ذلك مجرد دعوی لا دليل عليها بل الواقع يناقضها، وأن نقدهم للنصوص والأخبار هو بمجرد الهوى والتذوق والميل الشخصي.
5- عرض جانب من الحقيقة، ووضع الخبر في غير سياقه الصحيح:
وذلك أن التاريخ إذا عرض جانب منه وأخفي الجانب الآخر، فإنه لا يعطي الصورة كاملة بل يشوهها، وخاصة إذا أخذت الصورة الضعيفة ، وجمعت النقاط السود، فمثلا إذا ركزنا في دراسة التاريخ الإسلامي على عرض جانب الأحداث الداخلية، والحياة السياسية، وقيام الحكام، وسقوطهم، وثورات بعضهم على بعض، وقلنا: إن هذا هو التاريخ الإسلامي فإن الصورة تكون قائمة ومشوهة، لأننا أخذنا أضعف الصور وأشدها قتامة، وقلنا: هذه هي الحقيقة كاملة.
ولو أننا عرضنا مثلا الجانب الذي ركز عليه صاحب كتاب «الأغاني» وأبرزناه على أنه التاريخ الاجتماعي والخلقي لأعطانا صورة مشوهة لمجتمع الحجاز، وأنه عاش حقبة من الخمول والانشغال بالملذات الحسية والغناء والطرب وما شابه ذلك.
وهذه النتيجة -مع الأسف- صرح بها وكررها كثير من الباحثين المعاصرين من أمثال أحمد أمين، وطه حسين، وشوقي ضيف.. وغيرهم من مؤرخي الأدب، وألمح إليها الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه «تاریخ الإسلام السياسي» وغيره من المؤرخين الذين كتبوا في تاريخ هذه الحقبة..
6- إضعاف دراسة التاريخ الإسلامي ومزاحمته بغيره:
إن من وسائل دعاة الغزو الفكري إضعاف دراسة تاريخ الأمة الإسلامية في المدارس والجامعات ومراكز العلم في العالم الإسلامي، و مزاحمته من تواريخ الأمم الكافرة، سواء القديم منها والحديث، مما يضعف شأنه في نفوس الدارسين، حيث يعطى لهم بصورة مختصرة ومشوهة، بينما يفسح المجال لدراسات واسعة في التاريخ القديم، ويربط سكان كل منطقة بتواريخ الأمم الجاهلية التي عاشت فيها، ففي مصر الفرعونية، وفي العراق البابلية والسومرية، وفي بلاد الشام الفينيقية، وفي اليمن السبائية والحميرية، مما يوجد الوطنيات العرقية الضيقة ويفتت الوحدة الإسلامية، ويشتت أوصال التاريخ الإسلامي، بحيث يبدو وكأنه نقطة في بحر أو جدول صغير في نهر.
7- جعل واقع المسلمين في العصور المتأخرة الصورة الحقيقية لتعاليم الإسلام:
في عرض التاريخ الإسلامي في مثل تلك المراكز يجعل واقع المسلمين المتخلف هو الصورة الحقيقية لتعاليم الإسلام، وهذا تشويه متعمد ومغالطة للحقائق العلمية والواقع والغرض من ذلك تزهيد المسلمين في دينهم والفصل بينهم وبينه، حيث يصورون لهم الدين من خلال درس التاريخ بالصورة المتخلفة التي أنتجها واقع المسلمين المنحرف عن تعاليم الإسلام، ثم يجعلون المسلم بين خيارين: إما أن يصبر على التخلف إذا أراد التمسك بدينه، وإما أن يأخذ سبيل التقدم، لكن عليه أن ينبذ دینه کما نبذت أوروبا دينها، ويخفون في دهاء ومكر الخيار الثالث الذي هو البديل الصحيح عن الخيارين السابقين، وهو النهوض بالأمة والرجوع بها إلى مستوى دينها الحق، وبيان أن ما وقعت فيه الأمة من التخلف والانحطاط هو نتيجة طبيعية لتخلفها في عقيدتها وإسلامها، لا نتيجة تمسكها به کما يصور ذلك أعداؤها.. ثم إن هناك فرق بين الدين الحق دين الإسلام؛ وبين الخرافة التي كانت عليها أوروبا وتسميها دینا، حقا إن أوروبا لم تتقدم ماديا وعسكريا وعلميا، إلا بعد أن نبذت الخرافة وتخلت عنها، وحررت عقلها من آثارها، فإنها لم تكن على دين بل كانت على خرافة. ولاشك أن هذا الأسلوب في عرض المسألة وتصويرها هو من التلبيس المتعمد والتشويه المقصود الذي حاول المستشرقون زرعه في قلوب الناشئة من أبناء العالم الإسلامي.
8- إبراز دور الفرق الضالة وتضخيمه:
لقد وجد دعاة الفتنة من المستشرقين ومن لف لفهم وسلك طريقهم غايتهم المنشودة في الفرق المنحرفة والخارجة على سبيل السنة، مثل الخوارج، والرافضة، والقرامطة وإخوان الصفا، والمعتزلة، والجهمية وأيضا من الشخصيات الضالة، مثل ابن سبأ، وعبيد الله بن میمون القداح، والحاكم العبيدي، وصاحب الزنج، والحلاج، وابن عربي، وغيرهم، فنشروا تراثهم، واعتنوا بتاريخهم، وضخموا أدوارهم، وأقاموا المراكز والجمعيات لخدمة ذلك، مع تصويرهم لحركاتهم وإبرازها على أنها حرکات إصلاحية ومعارضة للفساد، وهذا كله تزوير للحقائق وإخفاء للأهداف الحقيقية التي تسعى تلك الفرق وأولئك الأشخاص إلى تحقيقها وهي تحطيم الخلافة الإسلامية، وتبديل مفاهيم الدين الصحيحة بمفاهيم باطنية ووضعية، والكفر ملة واحدة والكفار بعضهم أولياء بعض..)4.
وقد صادف هذا الغزو – تشويه التاريخ الإسلامي – آذانا مصغية وهوى عند تلاميذه المستشرقين من بني جلدتنا، فسارعوا إلى تبني هذه الأفكار ونشرها، كما أن من أخطر من شوهوا تاريخ هذه الأمة وأبطالها المجاهدين والمصلحين: الرافضة الباطنين الذين دسوا في التاريخ الإسلامي من الكذب والبهتان ما لم يفعله سواهم، وحرفوا القرآن الكريم ولووه؛ ليوافق تفسيراتهم الباطلة وبهتانهم المبين، ووصفوا خيار الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان بكل وصف قبيح، قاتل الله الرافضة أنى يؤفكون.
الهوامش
(1) انظر: (العلمانية) للدكتور سفر الحوالي (ص 535).
(2) البخاري (رقم 3621) ومسلم (رقم 2274).
(3) «البداية والنهاية» (5/ 51).
(4) مجلة البيان العدد (20، 21) عن مقال: (وسائل الغزو الفكري في دراسة التاريخ (باختصار) د. محمد بن صامل السلمي.
المصدر
كتاب: “ولو شاء ربك ما فعلوه” للشيخ عبد العزيز الجليل، ص94-104 بتصرف يسير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق